جدل المناخ المعقّد: هل ستدفع الدول الغنية فاتورة الأضرار إلى البلدان النامية؟

جدل المناخ المُعقّد: هل ستدفع الدول الغنية إلى الدول النامية ثمن الأضرار؟
جدل المناخ المُعقّد: هل ستدفع الدول الغنية إلى الدول النامية ثمن الأضرار؟ المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

خلَّفت آثار إعصار "إيرما" ندوباً عميقة في الدول الجزرية الصغيرة التي كانت في طريق العاصفة من الفئة الخامسة قبل ضربها المباشر لولاية فلوريدا.

بلغت الخسائر في أنتيغوا وبربودا أكثر من 220 مليون دولار، وفقاً لأحد التقييمات المدعومة من قبل الأمم المتحدة، أي ما يُمثِّل أكثر من ربع الإيرادات الضريبية السنوية التي تمَّ جمعها في العام 2017. وفقدت جزيرة باربودا ما يقرب من نصف منازلها، وهي لا تملك قوة اقتصادية مشابهة للولايات المتحدة من أجل تخفيف الضرر.

صقل العلماء أدواتهم التحليلية في السنوات الأربع منذ إعصار "إيرما"، وهم قادرون حالياً على الربط المباشر السريع بين الطقس المتطرِّف ودرجات الحرارة المرتفعة. وإذا أجرى العلماء دراسة تنسب قوة العاصفة الهائلة إلى تغيّر المناخ، فمن يتعيَّن عليه دفع الفاتورة؟

ساهمت أنتيغوا وبربودا، التي يبلغ عدد سكانها أقل من 100 ألف نسمة، بجزء ضئيل من الغازات الدفيئة التي تعمل على تسخين الكوكب. مع ذلك؛ تتحمَّل الدول النامية غالباً وطأة تأثير المناخ.

لهذا السبب يدفع نشطاء المناخ زعماء العالم إلى التجمُّع من أجل محادثات "سي أو بي 26" في المدينة الأسكتلندية جلاسكو، بهدف إعطاء الأولوية لما يُطلق عليه دبلوماسيو المناخ مصطلح "الخسارة والأضرار". إنَّها طريقة مهذبة لوصف العملية الصعبة المتمثِّلة في توجيه الدول الغنية، التي تتحمَّل المسؤولية عن غالبية انبعاثات الكربون التاريخية، إلى تعويض البلدان الفقيرة التي دمَّرتها العواصف، والفيضانات، والجفاف، والحرائق.

خسائر فادحة

يقول سايمون أديسون، الباحث الرئيسي في المعهد الدولي للبيئة والتنمية، إنَّ اتفاقية باريس التاريخية للعام 2015 تركت أسئلة بدون إجابات حول المسؤولية والتعويض، و"هناك فجوة مالية ضخمة يتوجب سدّها، ولكن ليس هناك مَن يتقدَّم للقيام بذلك."

تميل مفاوضات المناخ السنوية إلى التركيز على ما يُمكن أن تفعله البلدان لإبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال خفض الانبعاثات، وهي مهمة تفيد البلدان الغنية والفقيرة على حدٍّ سواء. لكن يتمُّ إعطاء اهتمام أقل لوضع نظام التعامل مع التأثيرات التي تمَّ إبعادها فعلياً في عالم أصبح أكثر دفئاً بدرجة مئوية تزيد عن 1.1 درجة منذ القرن التاسع عشر.

من الصعب تحديد مقدار الأموال المطلوبة بالضبط للتعامل مع مشكلة الدمار المناخي. وتُقدِّر إحدى الدراسات وصول الخسائر الاقتصادية إلى 580 مليار دولار سنوياً بحلول نهاية العقد، ويُمكن أن يتجاوز هذا الرقم تريليون دولار بحلول العام 2040. يرتكز المفهوم الأساسي للعدالة، الذي تدعمه العديد من المجموعات البيئية الرئيسية، حول ضرورة تحمُّل التكاليف العالمية، بما يتناسب مع مقدار التلوث الذي صدَّرته كل دولة في الماضي.

وتدور إحدى الأفكار التي ستتمُّ مناقشتها في محادثات "سي أو بي 26" حول الدول الغنية التي يتعيّن عليها المساهمة في صندوقين مُدارين من قبل الأمم المتحدة. سيُستخدم الأول في تقديم المساعدة أثناء حالات الطوارئ، مثل الآثار المباشرة من إعصار "إيرما" أو الفيضانات في أوغندا هذا العام، في حين سيُخصَّص الثاني لمساعدة الدول على إدارة الكوارث المناخية بطيئة الاحتراق مثل الجفاف.

يقول سانديب شاملينغ راي، كبير الاستشاريين في الصندوق العالمي للطبيعة، و مقرّه سنغافورة: "نحن بحاجة إلى اعتبار الخسائر والأضرار ركيزة أساسية للعمل المناخي".

مطالبات التعويض

شهد راي، المولود في نيبال، التوسع البطيء للبحيرات نتيجة ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا، مما تسبَّب في فيضانات منتظمة دمَّرت البلدات والقرى. ويرى راي أنَّ الجزء الصعب حقاً هو حمل الدول الغنية على قبول المسؤولية الأخلاقية، و"يجب أن يعتمد التمويل على مبدأ المسؤولية التاريخية، و على مبدأ التضامن أيضاً. إنَّه نقاش سياسي أكثر من كونه نقاشاً تقنياً".

هذا لا يعني أنَّ التفاصيل الفنية ستكون سهلة. فشلت الجهود السابقة لإنشاء آلية المطالبات بالتعويض في اكتساب الزخم، وشهدت محادثات "سي أو بي 19" في وارسو تقديم الآلية الدولية للخسائر والأضرار منذ ما يقرب من عقد من الزمان. استغرق الأمر ما يقرب من سبع سنوات لإطلاق شبكة "سانتياغو"، وهي مجموعة لتقديم المساعدة الفنية للبلدان التي تقدِّم مطالبات بالتعويض. اليوم لا يوجد سوى القليل لعرضه عن هذا الأمر بخلاف الموقع الإلكتروني.

تقول كارولينا شميدت، وزيرة البيئة في تشيلي التي شغلت منصب رئيس "سي أو بي 25"، ومديرة شبكة "سانتياغو": "عندما تتكبَّد البلدان خسائر اقتصادية بسبب تغيّر المناخ، تقل قدرتها على الاستثمار في التكيّف بشكل أكبر". مضيفةً أنَّ المنظمة تمكَّنت من تقديم بعض المساعدة إلى الدول القليلة التي أبلغت عن احتياجاتها، وهو ما يعد علامة على أنَّ البلدان النامية تحتاج أيضاً إلى المساعدة في تحديد ما تحتاجه من أجل تجنُّب الخسائر والأضرار، وتقليلها ومعالجتها".

يعدُّ تحديد المخاطر المناخية الدقيقة التي يواجهها بلد ما، ثم مسألة تقدير التكاليف المحتملة مهمة معقدة.

يشار إلى أنَّ إثبات حالة الأحداث التي نتجت مباشرة عن تغيّر المناخ؛ سيتطلَّب من العلماء إجراء دراسات تُثبت ذلك، مما قد يستغرق وقتاً ومالاً. وفي المواقف التي تمتد فيها التأثيرات إلى فترة طويلة من الزمن، ستحتاج الحكومات الفقيرة إلى جمع كمية كبيرة من البيانات، مما يُشكِّل عبئاً إضافياً متعلِّقاً بالقوى العاملة والموارد.

من المقرر أن تهيمن مطالبة الدول الغنية ببذل المزيد من الجهد على محادثات جلاسكو. تتعرَّض الدول الغنية لضغوط من أجل الوفاء بوعد مضى عليه عقد من الزمن، وهو يتعلَّق بجمع 100 مليار دولار سنوياً في تمويل المناخ. وستستمر المفاوضات حول إطار عمل لتسهيل تداول أرصدة الكربون التي ستقوم بتوجيه الأموال إلى الاقتصادات الناشئة. لكنَّ المدافعين عن أموال "الخسائر والأضرار" يرونها فئة منفصلة من الموارد المستحقة للضرر الذي حدث فعلياً من خلال الانبعاثات التاريخية.

تؤكِّد الدول الفقيرة على أنَّها لا تبحث عن منحة، فقد كتب الوفد البوليفي في تقرير بمحادثات "سي أو بي 13" في العام 2007: "ما ندعو إليه هو السداد الكامل للديون المستحقة إلينا من قبل البلدان المتقدِّمة، بسبب تهديدها لسلامة نظام مناخ الأرض".