حالة إسبانيا تنذر بما هو أسوأ لأزمة الطاقة في أوروبا

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تفتش دول أوروبا عن وسائل وطرق لحماية مواطنيها وشركاتها من الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، غير أنَّ رسالة من إسبانيا جاءت مخيبة للآمال، ومفادها أنَّ "الحكومات لا تستطيع أن تفعل الكثير".

بعد أشهر من إعداد سياسات تهدف إلى وضع حدٍّ للمعاناة بسبب الصعود القياسي في أسعار الغاز والكهرباء وسط نقص المعروض، اتخذ رئيس وزراء إسبانيا الاشتراكي، بيدرو سانشيز، موقفاً عكسياً، معترفاً من الناحية الفعلية بأنَّ ضرر الإجراءات الحكومية أكثر من نفعها.

تعتمد إسبانيا على الاستيراد في تغطية احتياجاتها من الطاقة، أكثر من معظم الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. و برغم أنَّها تعدُّ في ذلك حالة متطرفة استثنائية؛ فإنَّ تجربتها تكشف عمَّا يحمل المستقبل للمنطقة التي تتقدَّم نحو أشهر الشتاء الباردة التي يزيد فيها استهلاك الغاز.

اقرأ أيضاً: صعود أسعار الغاز في أوروبا رغم تعهد بوتين بدعم الإمدادات

في الوقت الذي تفرض فيه أزمة الطاقة نفسها على جدول أعمال قمة الاتحاد الأوروبي في 21 و22 أكتوبر الجاري، إذ يتنظر أن يوافق الأعضاء على مجموعة من الإجراءات الطارئة لتخفيف وقع الأزمة؛ تكشف الحالة الإسبانية عن ندرة الوسائل والأدوات المتاحة في مواجهة صعود الأسعار.

الأوضاع نحو الأسوأ

قال خوان كارلوس مارتينيز، أستاذ الاقتصاد في "جامعة آي إي" في مدريد: "بغضِّ النظر عن أيِّ نسبة تخفيض في الضرائب؛ تواصل الأسعار العالمية ارتفاعها، مما يجعل هذه الإجراءات عبثية، وهي إهدار لإيرادات الدولة بلا عائد يذكر. وليس أمام هذه الحكومة أو الحكومات الأخرى فرصة لمقاومة ارتفاع الأسعار، بل إنَّ الأوضاع سوف تتدهور نحو الأسوأ، وسوف تبدو أزمة الكهرباء مجرد مزاح عندما يدخل فصل الشتاء ونعاني من نقص الغاز".

تدرك إسبانيا مدى ضعفها في مواجهة مخاطر الأزمة، ولذلك بدأت معركتها مبكراً في يونيو الماضي، بهدف تخفيف تأثير ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، ونقص الإمدادات، وقامت بتطبيق إعفاءات ضريبية مؤقتة بهدف خفض تكلفة فواتير الغاز على المستهلكين.

اقرأ المزيد: كيف كشف الشتاء فجوة توريدات الغاز في قلب أوروبا؟

لم تسهم كل هذه الإجراءات بنسبة تُذكر في وقف ارتفاع أسعار الكهرباء بنسبة صادمة بلغت 11% في شهر أغسطس، مما دفع معدل التضخم في إسبانيا إلى أعلى مستوى في 13 عاماً. ثم سارعت الحكومة بعد عودتها من العطلة الصيفية في منتصف سبتمبر، إلى تطبيق حزمة سياسات بمرسوم تنفيذي، فرضَ ضمن أشياء أخرى، ضريبة الأرباح الفائقة على شركات المرافق. ومرة أخرى، جاءت النتائج بائسة؛ فقد فقدت شركات المرافق المليارات من قيمتها السوقية، في حين استمرت أسعار الكهرباء في تسجيل أرقام قياسية كل يوم.

مراجعة الأسعار

قالت شركات الطاقة الكبرى في إسبانيا، وهي "إنديسا" (Endesa)، و"إيبردرولا" (Iberdrola)، و"ناتورجي إنيرجي غروب" (Naturgy Energy Group)، إنَّها تبيع جزءاً كبيراً من الكهرباء وفق عقود طويلة الأجل، وينبغي أن يتمَّ إعفاء هذه العقود من ضريبة الأرباح الفائقة. وعندما فشلت في تحقيق ذلك، أرسلت خطابات إلى عملائها في القطاع الصناعي، تخطرهم بأنَّها سوف تضطر إلى مراجعة الأسعار. وأعلنت إحدى شركات صناعة الصلب، وهي "سيدينور للصلب" (Sidenor Aceros Especiales)، يوم الإثنين أنَّها ستتوقَّف عن الإنتاج، كما ردَّت الأمر إلى ارتفاع أسعار الكهرباء.

أضافت شركات المرافق أنَّ 75% من الطلب على الطاقة في البلاد كان يُغطى بأسعار ثابتة قبل مرسوم سبتمبر، موضِّحة أنَّ الإجراءات الأخيرة سوف تحمِّل تكلفة الأزمة على عاتق مستهلكين لم يتأثروا بها في السابق.

سحب الإجراءات الحكومية

اضطر شانشيز إلى سحب الإجراءات التي اتخذها يوم الخميس بسبب تأثيراتها في الاقتصاد بشكل عام، موضِّحاً أنَّها تحتاج إلى مراجعة، بالإضافة إلى تدقيق شديد. وأدلت وزيرة الانتقال البيئي في حكومة تيريزا ريبيرا، التي تشرف على قطاع الطاقة، بتصريحات مماثلة. وأكَّد كل من ريبيرا وسانشيز أنَّ شركات المرافق التي تقدِّم الكهرباء إلى الشركات الصناعية بأسعار عند المستوى الذي كانت عليه قبل ارتفاع أسعار الغاز، لن تُفرض عليها الضرائب الجديدة.

وأكثر من ذلك؛ كانت ريبيرا قد قالت أمام البرلمان يوم الخميس الماضي، إنَّ تقديرات الحكومة التي وضعتها في سبتمبر، تجاوزها الزمن فعلاً، وتحتاج إلى المراجعة، مشدِّدةً على صعوبة محاولة السيطرة على أوضاع نابعة من ديناميات العرض والطلب على مستوى عالمي.

من البديهي أن تتعرَّض إسبانيا بصفة خاصة، لمخاطر تقلُّبات أسعار الغاز العالمية. فهي لا تملك خطوط أنابيب للغاز تربطها ببقية أوروبا، وبالتالي؛ تضطر إلى الاعتماد على استيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال من بلدان شمال أفريقيا. وعندما يكون الطلب على الغاز الطبيعي المسال مرتفعاً في مناطق أخرى من العالم مثل اليابان، تصبح المنافسة أكثر صعوبة.

اقرأ أيضاً: قطر غير سعيدة بارتفاع أسعار الغاز وتؤكد أنها تنتج بأقصى طاقتها

تشكِّل الواردات نحو 75% من استهلاك إسبانيا من الطاقة. لذلك فهي الدولة الخامسة بين 40 دولة أوروبية تابعها المكتب الإحصائي للمفوضية الأوروبية "يوروستات" في عام 2019، قبيل أزمة انتشار فيروس كوفيد-19. وتأتي البلاد في الترتيب الثاني من ناحية التبعية من بين اقتصادات الاتحاد الأوروبي الرئيسية.

تحديات متشابهة

مع ذلك؛ تحاول كل دولة أن تضع حدَّاً أعلى للأسعار بالنسبة إلى المستهلك النهائي. قال أنطونيو باروسو، العضو المنتدب لدى شركة الاستشارت "تينيو" (Teneo): "برغم أنَّ الأزمة لها خصائص مختلفة في كل بلد على حدة؛ فإنَّ التحديات السياسية التي تواجهها حكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى متشابهة. فارتفاع أسعار الطاقة، سواء كانت أسعار الغاز أو الكهرباء، يحمل أضراراً سياسية قصوى. ولذلك؛ فإنَّ الدافع وراء تطبيق إجراءات لحماية المستهلكين بأقصى قدر ممكن قوي جداً".

تحاول كل دول أوروبا أن تعالج مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة عبر وسائل مختلفة –من وضع حدٍّ أقصى للأسعار بالنسبة إلى نظام الرسوم المتغيرة لحماية 11 مليون مواطن في المملكة المتحدة، إلى زيادة استخدام النفط في السويد، وخطط إنشاء مفاعلات نووية صغيرة في فرنسا.

أما في إسبانيا التي تعاني من مواجهة الأزمة، فقد اكتشفت الحكومة في مدريد، والداعمة للاتحاد الأوروبي، أنَّ بروكسل غائبة وعاجزة. فقد ذهب اقتراحها لدفع الكتلة الأوروبية إلى التعاون في شراء إمدادات الطاقة ومشاركتها، أدراج الرياح، ولم تختلف في ذلك عن مبادرة الاستحواذ المشترك من الاتحاد الأوروبي على لقاحات كوفيد-19.

كشف الاتحاد الأوروبي فعلاً عن محدودية قدرته في وضع خطط مشتركة بهدف تخفيف آثار الأزمة، وهي خطوة زادتها صعوبة اختلاف مصادر الطاقة لدى الدول الأعضاء، ومصالحها الاستراتيجية.

قال روب بارنيت، محلِّل لدى "بلومبرغ إنتيليجنس": "من الصعب جداً أن تجد علاجاً مؤقتاً وسريعاً لأسواق الطاقة".