تقييمات تصيب بالدوار وجنون طروحات تنذر بفقاعة

شاشة تعرض تلفزيون بلومبرغ في بورصة ناسداك
شاشة تعرض تلفزيون بلومبرغ في بورصة ناسداك المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يمر سوق الطروحات العامة الأولية في الولايات المتحدة بنوبة جنون، ولم تكن الأسهم مرتفعة بهذا القدر منذ عصر "الدوت كوم"، وتضاعفت قيمة "ناسداك 100" لأعلى مستوى خلال عامين، ما جعل التقييمات متضخمة بشدة، وكل ذلك في وقتٍ تشهد السوق تقلبات شديدة.

وحقق هذا الوضع عائدات ضخمة للمستثمرين في 2020، العام الذي يتحدى التفسيرات المنطقية، كما أنه العام الذي تزايدت فيه تحذيرات الخبراء من فقاعة.

أوجه الشبه

معرفة متى تتحول فترات الصعود السوقية من المنطقية إلى المبالغة صعب دائماً، وكان مستحيلاً تقريباً مع انتهاء عام 2020 بأسعار فائدة قرب الصفر، وضخ الحكومة الأمريكية 900 مليار دولار أخرى في الاقتصاد، ولكن التاريخ يقدم دلالئل، ومجموعة الأحوال السوقية الحالية تتوافق مع المؤشرات التي تشير عادة إلى فقاعة.

وأشارت دراسة قام بها باحثون في جامعة "هارفرد" ونشرت في 2019 إلى أنه ليس كل فترة صعود للأسهم تقابلها كارثة بالضرورة، أما الفترات الكارثية فتتشارك في بعض الخصال مثل زيادة إصدار الأسهم، والتقلبات المرتفعة، وتضاعف حجم المؤشر أو القطاع بما يزيد عن ضعفي السوق الأوسع، وهي كلها أحوال تندرج في قائمة الفقاعات المحتملة.

القطاعات الخطرة

يُفصح بيتر سيتشيني، مؤسس "ألفا أوميجا أدفيزرز"، في مقابلة مع "بلومبرغ": "هل هناك قطاعات بعينها في السوق تلامس مرحلة فقاعة؟ نعم بالتأكيد"، مضيفاً أن شركات التكنولوجيا تشكل بوضوح أغلب المضاربة.

وأصبح إصدار الأسهم والطروحات الأولية للجمهور وشركات الاستحواذ لأغراض خاصة شائعين جداً في 2020 ما حطم رقماً قياسياً وراء آخر، وأظهرت بيانات جمعتها "بلومبرغ" أن الشركات الأمريكية باعت أسهماً جديدة بقيمة 386 مليار دولار العام الماضي، بارتفاع نسبته 54% عن المستوى القياسي الذي يسبقه.

وجمعت الطروحات الأولية للجمهور 180 مليار دولار، وهو أعلى رقم على الإطلاق، مع استغلال الشركات مثل "سنوفلايك إنك"، و"آير بي إن بي"، و"دورداش" للانتعاش في أسواق الأسهم، وكانت الارتفاعات في أسعار الأسهم في أول يوم تداول للداخلين الجدد للسوق هي الأكبر في عشرين عاماً، وفقاً للمدير التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة "رينيسانس كابيتال" بيل سميث.

إشارات تحذيرية

يَعتبر، روبن جرينوود، من كلية هارفرد للأعمال أن "ما نشهده إشارات تحذيرية.. وأصبحت احتمالية حدوث تصحيح في السوق أكبر بكثير اليوم".

وبرزت فئة فرعية من طروحات الأسهم كذلك في 2020 ما يضيف لأوجه القلق، إذ جمعت شركات الاستحواذ لأغراض خاصة (SPACs)، وهي تلك التي تستخدم عائدات بيع الأسهم للاستحواذ على شركة خاصة، حوالي 80 مليار دولار في 2020 أي أكثر من المسجلة في العقد الماضي بأكمله، وارتفعت قيمة شركات الاستحواذ لأغراض خاصة التي قامت بمشتريات بحوالي 100% خلال العام، بحسب بحث أجراه جورج بيركيس، المحلل الاستراتيجي في "بيسبوك انفستمنت غروب".

وكتب بيركيس في مذكرة حديثة: "إنها أعمال مزدهرة للغاية"، معتبراً أن "الأكثر إثارة للدهشة" هو أن شركات الاستحواذ لأغراض خاصة لم تعلن عن صفقات بعدما ارتفعت قيمتها بنسبة 20%.. "هذا بالتأكيد سلوك مضارب".

ورغم أن أصولا بعينها تظهر علامات مقلقة، فإن السوق قد لا تكون عرضة لحركة تصحيح فورية، وأحد أسباب ذلك أن الاحتياطي الفيدرالي تعهد بالإبقاء على أسعار الفائدة قرب الصفر، ما يجعل تقييمات الأسهم الشاهقة أكثر منطقية عند مقارنتها بعائدات السندات.

المسبب للاضطراب

يرى الباحثون في جامعة هارفرد أن "ناسداك 100"، الذي صعد لمستوى تاريخي وتضاعفت قيمته في عامين فقط، لا يزال غير مبالغ في قيمته، مقارنة بقيم مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في الفقاعات السابقة، وصعد المؤشر الأوسع بنسبة 50% منذ 2018 ولا يتخلف عن المؤشر المليء بأسهم التكنولوجيا بقدر كافٍ لاستيفاء معايير الفقاعات.

ويدور حديث الفقاعات منذ أشهر، وأطلق الكثيرون تحذيرات من بينهم ديفيد آينهورن، من "جرينلايت كابيتال "، وكذلك الاستراتيجيون في "وولف ريسيرش".

ويقول جون بيركيت-سانت لوران، مدير محفظة في "اكسينشيال ويلث أدفيرزرز": "عاد الناس للحديث عن ضبط التقييمات المبالغ فيها، وعن لفظ "المسبب للاضطراب"، لوصف ارتفاع قيمة سهم 10 مرات دون سبب حقيقي.. وبالتأكيد توجد أجزاء في السوق لا أجد لقيمها أي معنى".

إلى أين؟

ستزداد التحذيرات من فقاعة في 2021 عندما سيتعين على الشركات تحقيق أرباح تبرر هذه التقييمات، التي أصبحت وفقا للمقاييس التاريخية مبالغ فيها، وأنهى مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" العام متداولا ًبمضاعف ربحية 30 مرة، ما يعني أنه سيبدأ العام عند مستوى أعلى من أي وقت في 2020، ويبلغ مضاعف ربحية "ناسداك 100" 40 مرة، وهو مستوى غير مشهود منذ عشرين عاماً.

وتثير بعض اتجاهات الأسعار التعجب مثل التقدم المحطم للمستويات القياسية لعملة بتكوين، وأدى ازدياد التداول من قِبل متداولي التجزئة إلى تضخيم أسعار شركات كانت غير معروفة من قبل، كما قفز تقييم "تسلا" بنسبة 750%، وخلال كل ذلك، لم يغلق مؤشر التقلبات التابع لسوق عقود بورصة شيكاغو "Cboe" دون 20 نقطة أبداً منذ أن ارتفع إلى 80 في مارس، ويُعدُّ مستواه الحالي عند 23 نقطة فوق متوسطه على المدى الطويل عند 19.5.

ويلفت مارشال فرونت، مدير الاستثمار في "فرونت بارنت أسوشياتس" إلى أنه "في ظل نوبة المضاربة، يصبح الناس أكثر تركيزاً على الفرص لتحقيق ربح سريع، وهذا قد يكون خطيراً لأنك لا تعرف متى تنتهي الحفلة، لكنها ستنتهي بشكل سيء."