ألا يعد منح 200 مليون دولار لمن أبلغ عن سلوك سيئ أمراً جنونياً؟

المصدر: أرشيف هلتون
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا شك في أن تقديم حوافز كبيرة مقابل الإبلاغ عن سلوك سيئ، يعد أمراً عظيماً. لكن مع ذلك، فإن مبلغ 200 مليون دولار لا يزال يبدو ضخماً جداً.

أفادت تقارير بأن هذا هو المبلغ الذي تم منحه لمصدر واحد سرّب معلومات هامة قادت لفرض غرامات بنحو 2.5 مليار دولار على "دويتشه بنك" في عام 2015، وذلك على إثر التلاعب في سعر معدل الـ"ليبور" سيئ السمعة والذي سيتم إنهاء العمل به قريباً.

وقد أعلنت "لجنة تداول السلع الآجلة" عن هذه المكافأة الأسبوع الماضي. وهي تمثل دفعةً قياسيةً في مكافئات الكشف عن الفساد.

وثائق "باندورا" تُظهر امتلاك حاكم مصرف لبنان وإدارته لشركة خاصة.. وقانونيون يرون ذلك مخالفة

هل يعد هذا المبلغ كبيراً؟

انتشرت مزحة على "تويتر" الأسبوع الماضي يقول مضمونها: حسناً، سأجد أكثر شركة فاسدة يمكنني أن أعمل بها، ثم أبلغ الفيدراليين! سيكون هذا نوعاً من الدفعات الذي يمكن أن يدخل في "قاموس إيربن" تحت عبارة "أموال سحقاً لكم!".

يبدو 200 مليون دولار مبلغاً هائلاً. ولا شك في أن الحوافز الجيدة مهمة، لكنك تحتاج إلى طريقة ما لتحسبها، لذا فإن السؤال هو ما إذا كنا سنضع حداً لهذه الحوافز، وكيف سيتم ذلك.

منذ أن تم إنشاء برنامج المكافآت في قانون "دود-فرانك" عام 2010، قُدمت عدة دفعات من المكافآت الضخمة. في سبتمبر، دفعت "هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية" لشخص ما مبلغ 110 ملايين دولار. وفي العام الماضي، بلغت أكبر مكافأة من البرنامج 114 مليون دولار. كما تم دفع ثماني مكافآت تزيد قيمتها عن 30 مليون دولار، بما في ذلك ثلاث مكافآت بقيمة 50 مليون دولار لكل منها.

يتم تحديد المكافأة على أساس قاعدة بسيطة: يجب أن يعادل مبلغ المكافأة بين 10% و30% من إجمالي الغرامات المدفوعة للهيئات التنظيمية الفيدرالية والوكالات الأجنبية، في حال اعتمدت السلطات الخارجية أيضاً على نفس الدليل الذي قدمه المُبلغ.

حساب الجائزة

نشرت داون ستامب، إحدى أعضاء "لجنة تداول السلع الآجلة"، مناقشةً طويلةً تقول فيها إنها لا توافق على مكافأة "دويتشه بنك" جزئياً، لأنه لم يكن من المؤكد أن المنظم الأجنبي المعني قد اعتمد بالفعل على دليل المبلغين عن المخالفات هذا. وحتى لو كانت "لجنة تداول السلع الآجلة" قد اتفقت مع رأي ستامب، وحسبت المكافأة على هذا الأساس، فإن المبلغ كان سيظل هائلاً. إذ أن 10% فحسب من الغرامات المفروضة فقط من قبل "لجنة تداول السلع الآجلة" و"إدارة الخدمات المالية في نيويورك", ستعني أن مكافأة المُبلغين عن المعلومات ستساوي 140 مليون دولار.

كيف يمكن للولايات المتحدة استئصال جذور الفساد بأمريكا الوسطى؟

هل تجدي المكافآت نفعاً؟

هذا العام، احتفلت "هيئة الأوراق المالية والبورصات" في الولايات المتحدة بدفع أكثر من مليار دولار من إجمالي المكافآت (هذا يعني أن هناك الكثير من المخالفات، ولكنه يعني أيضاً أن العدالة اتخذت مجراها في كثير من الأحيان).

وبينما تحظى دول أخرى، مثل المملكة المتحدة أو ألمانيا، بنصيبها من الفضائح المالية، إلا أنها غالباً ما تُنتقد بسبب فشلها في الكشف عن المسؤولين. كما أن هذه الدول تُأمن حماية أضعف للمبلغين، وتفرض عقوبات أصغر على الشركات، ولا تدفع المكافآت.

ولكن هل يمكن لمثل هذه التذاكر الذهبية أن تجعل الوشاية تبدو وكأنها فرصة وليست ملاذاً أخيراً؟ يقول يوغين سولتس، أستاذ إدارة الأعمال في "كلية هارفارد للأعمال" إن الشركات والأفراد يرتكبون الأخطاء في كثير من الأحيان. وإن السلوك السيئ يمكن أن يحدث في أي مكان، لكن الشركات التي تتحلى بالنزاهة وتمتلك برامج امتثال قوية، تقوم بالتعامل مع الأمر بالشكل المناسب. فقط، عندما تكون هذه البرامج ضعيفة للغاية أو تفشل في الاستجابة، فإنه ينبغي استدعاء رجال الشرطة الماليين. بالإضافة إلى أنه إذا انتهى الأمر بالمنظمين إلى الغرق في هذه المزاعم المدفوعة بالآمال، فإن ذلك قد يجعل من الصعب تحديد ومتابعة الجرائم الحقيقية.

ماذا عن المُبلغين؟

يقول المدافعون عن برنامج المكافآت إن مثل هذه النقاشات مضللة. إذ أن الغرامات الكبيرة فقط هي التي تسمح للمدفوعات الجزئية بأن تكون كبيرة جداً. وأيضاً، نادراً ما يمر من يبلغ عن المخالفات بوقت سهل، هذا إذا مر به من الأساس، سواء كان ذلك بدافع الاستياء أو الضغينة أو الانتقام. إذ أن السرية الموجودة على المستوى الرسمي قد لا يمكن المحافظة عليها ضمن القطاع الذي يعمل فيه، وقد يواجه هؤلاء صعوبات للعثور على عمل في أي مكان آخر. وقد يستغرق الأمر سنوات من التوتر والشكوك المثارة حولهم قبل إصدار الحكم في القضايا واتخاذ قرار بشأن أي مكافآت.

أموال كثيرة

لا شك في أن المكافآت الضخمة ستغير حياة العديد من موظفي مكاتب المساندة، الذين غالباً ما يسلطون الضوء على هذا النوع من الأدلة التي توقف السلوك المؤسسي الفاسد.

ولكن هناك أيضاً مبلغ محدود من المال في وعاء المكافآت، الذي يتم ملؤه بالغرامات المحصلة من سوء ممارسات الشركات، ولكن إلى مستوى معين فقط، حيث يؤول الباقي إلى الخزانة. وقد نظرت "هيئة الأوراق المالية والبورصات" في جعل المكافآت مبنية على التقدير بشكل أكبر، أو تحديد أكبرها عند حد 30 مليون دولار للحفاظ على الأموال. لكن قاعدة 10% إلى 30% لا تزال سارية.

ومع ذلك، هل يمكن لتمديد حد أقصى للمكافأة عند 30 مليون دولار أن يشكل حافزاً كافياً لشخص بطريقه ليصبح مديراً تنفيذياً كبيراً في الشؤون المالية، أو بالنسبة لفرد يتوقع أن يربح الملايين كل عام على مدى عقد أو أكثر؟

إنه بالتأكيد مبلغ كبير من المال، ولكنه ربما لا يكون كافياً بالنسبة لهذا النوع من الأشخاص ليخاطروا بكل شيء، بينما قد يكون من الأسهل تغيير الشركة والعثور على عمل آخر بثقافة أكثر أخلاقية ببساطة. لكن في هذه الحالة، يجب أن يستثمر كبار المسؤولين وذوي الدخل المرتفع بالفعل في كيفية تفاعل شركتهم مع المخالفات بالطرق الصحيحة.

الفعل الصحيح

قد يجادل البعض بأن مكافأة "دويتشه بنك" تعد استثناء وليست قاعدة. وبالفعل يوجد عدد كبير من الأشخاص الذين يبلغون عن المخالفات ويحصلون على مبالغ أقل بكثير، تماماً كما يوجد العديد من مديري صناديق التحوط المجتهدين الذين لا يصبحون بالضرورة من المليارديرات، وكما أن معظم تذاكر اليانصيب لا تصنع الأثرياء أيضاً.

لكن مع ذلك، فإن منح مبلغ 200 مليون دولار لشخص ما لقاء قيامه بالشيء الصحيح فقط، يبدو أمراً جنونياً. وحتى مبلغ 50 مليون دولار سيكون كثيراً.

إنه أمر معقد، ولكن يبدو أن وضع حد من نوع ما، سيكون فكرة جيدة.