لا تطلبوا من الشركات المالية أن تلعب دور "الشرطي" في تغيّر المناخ

المصدر: أ.ف.ب
Mark Gilbert
Mark Gilbert

Mark Gilbert is a Bloomberg Opinion columnist covering asset management. He previously was the London bureau chief for Bloomberg News. He is also the author of "Complicit: How Greed and Collusion Made the Credit Crisis Unstoppable."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أي الأسواق التالية تريد أن يستثمر فيها صندوق التقاعد الخاص بك هذا العام؟ هل هو ذلك الذي يتتبع المؤشر القياسي، والذي حقق مكاسب بلغت 20%؟ أم تفضل ذلك الذي يتتبع المؤشر الفرعي، الذي ارتفع بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً؟ الأمر بديهي. لكن، ربما لن يكون كذلك إذا تعمَّقت في التفاصيل.

اقرأ أيضاً: هل ترفع تدفقات السيولة أسعار الأسهم؟

بين القلب والعقل

تبدو مكاسب مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" البالغة نحو 23% تقريباً، جديرة بالتقدير بدرجة كافية، إلا أنَّها تبدو متواضعة أمام مكاسب بنحو 56% حققها مؤشر شركات الطاقة الذي تهيمن عليه شركات من أمثال "إكسون موبيل"، و"شيفرون"، و"كونوكو فيليبس"، وغيرها من الشركات كثيفة الكربون. قد يدفعك قلبك ومشاعرك نحو قرار يبعدك عن شركات الطاقة بسبب الضرر الذي تلحقه بالكوكب، لكن عقلك الذي يدرك الحاجة إلى توفير ما يكفي من الأموال لتمويل تقاعد مريح، قد يدفعك لاتخاذ قرار معاكس.

اقرأ المزيد: شركات النفط العملاقة تواجه ضغوط المستثمرين

بالطبع، هذا النوع من الثنائية المتضاربة ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً. فإذا واصلنا تدمير الكوكب، فلن يكون لك أي مكان للاستمتاع بسنواتك الأخيرة تلك، وأنت تحتسي مشروب المارغريتا، مما يجعل قيمة أموالك نقطة جدلية بحدِّ ذاتها. مع ذلك، هذا التعارض يوضِّح أنَّ الاستثمار ما يزال يتدفق إلى أكثر الشركات تلويثاً في العالم، واضعاً الأرباح على طاولة الراغبين في الاستمرار في تمويل أنشطة هذه الشركات.

يُمكن القول هنا، إنَّ هذا هو بالضبط ما يفترض أن يحدث.

قبل أربع سنوات، جادل كليف أسنس، بأنَّ الهدف من الاستثمار المسؤول اجتماعياً يتعلق بجمع تكلفة رأس المال لصالح المشروعات الرشيدة. وكتب الملياردير الشريك المؤسس لشركة "إيه كيو آر كابيتال مانجمنت" (AQR Capital Management) في شهر مايو من العام 2017: "إذا كان سعر الخصم على الخطيئة مرتفعاً حالياً، فهذا يعني أنَّ المستثمرين الآثمين يحققون المزيد، وهم يتحركون إلى الأمام أكثر من غيرهم. إذاً ماذا يفعل المستثمرون المستقيمون إن لم يقوموا بجمع تكلفة رأس المال لصالح المشروعات الآثمة؟".

عادة تمويل التلويث

تساعد هذه العائدات الإضافية في تفسير السبب وراء صعوبة القطاع المالي في التخلي عن عادة تمويل الملوّثين. أفادت "بلومبرغ نيوز" هذا الأسبوع أنَّ البنوك جمعت 17.8 مليار دولار كرسوم من ترتيب ديون لشركات الطاقة منذ التوصل إلى "اتفاقية باريس" بشأن تغيّر المناخ في نهاية العام 2015. هذا المبلغ يقترب من ضعف مبلغ 8.9 مليار دولار الذي حققته البنوك من تجميع الديون الخضراء. قدمت البنوك في السنوات الست الماضية حوالي 4 تريليونات دولار من التمويل لصناعة الوقود الأحفوري.

هذا يعكس النتائج الواردة في تقرير منشور هذا الأسبوع من قبل المؤسسة الفكرية البريطانية "نيو فاينانشيال" (New Financial)، الذي أشار إلى أنَّ 3% فقط من نشاط أسواق رأس المال الأوروبية، يتم بواسطة الشركات الجيدة، وهي تلك الخاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، التي تشارك في حل القضايا البيئية أو الاجتماعية مثل الرياح أو شركات الطاقة الشمسية. تُقارن هذه النسبة، بنسبة 20% من نشاط أسواق رأس المال الأوروبية الذي يتم من قبل الشركات "السيئة"، التي تشمل شركات النفط والغاز، أو تلك المدرجة في قائمة "كلايميت أكشن 100+" (ClimateAction 100+). وهذه الصورة تتكرر عالمياً، وعبر العديد من القطاعات في أسواق رأس المال المختلفة.

بعبارة أخرى؛ يقول التقرير، إنَّ كل دولار واحد يتم جمعه في أسواق رأس المال من قبل الشركات العاملة في مجال الطاقة المتجددة أو غيرها من الأعمال الصديقة للكوكب، تتاح مقابله 10 دولارات أخرى "للشركات التي تسبب المشكلات في المقام الأول".

كلمة "مشكلات" تعد عبارة مُلطَّفة، إذ حذّرت الأمم المتحدة هذا الأسبوع من ارتفاع درجة حرارة العالم بمقدار 2.7 درجة مئوية بحلول العام 2100، ما لم تتحرك الدول سريعاً بشكل أكبر للحد من انبعاثات الكربون، ليُصبح الأمر هدفاً لـ 1.5 درجة مئوية المتفق عليه في باريس قبل ست سنوات، وهو حلم بعيد المنال.

"ذنب" القطاع المالي

يقول تقرير "نيو فاينانشيال"، إنَّ الصناعة المالية أذنبت في بعض الأوقات عندما أحدثت "ضوضاء ونشاطاً تسويقياً لاهثاً" حول قضايا الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، لكنَّ البنوك ومديري الأصول يواجهون عملية توازن صعبة. وكما قال رئيس الوزراء النرويجي، جوناس غار ستور، لصحيفة "فاينانشيال تايمز" هذا الأسبوع، تحتاج صناعة النفط والغاز إلى تمويل مستمر للانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري.

كتب مايك مايو، المحلل لدى بنك "ويلز فارغو" (Wells Fargo & Co) في تقرير منشور هذا الأسبوع: "قد تتطلب اللوائح التنظيمية بشكل متزايد من البنوك، أن تصبح شيئاً شبيهاً بشرطة الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وسوف تقرر الشركات التي يُمكن أن تحصل، أو لا تحصل على القروض، أو الوصول إلى أسواق رأس المال".

هذا لن ينجح؛ لأنَّ محاولة إجبار صناعة تهدف إلى تحقيق الربح على أن تُصبح "عُمدة تغيّر المناخ"، تبدو كأنَّها الثعالب التي تحرس بيوت الدجاج. تحتاج الحكومات، وليس أسواق رأس المال، إلى اتخاذ قرار وتشريع بشأن الحدود اللازمة للتحرُّك نحو صافي الصفر، وإلا حُكم على الكوكب بالفناء حقاً.