هل توزِّع البنوك الكبرى بأمريكا وأوروبا 125 مليار دولار فائضة على المساهمين؟

البنوك الكبرى في أمريكا وأوروبا كدَّست 125 مليار دولار من رأس المال الفائض بعد ارتفاع الأرباح وصعود أسواق المال
البنوك الكبرى في أمريكا وأوروبا كدَّست 125 مليار دولار من رأس المال الفائض بعد ارتفاع الأرباح وصعود أسواق المال المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتمتع البنوك الكبيرة بنقدية حرة. ويستصعب المستثمرون التصديق بأن بعضها سيتصرف بهذه الأموال على الإطلاق. لكن عليهم إعطاء الأمر نظرة أخرى.

كدَّس أكبر 15 بنكاً أمريكياً وأوروبياً أكثر من 125 مليار دولار من رأس المال الفائض بعد الشهور التسعة الأولى من 2021. ارتفعت الأرباح بعد موجة من الصفقات القياسية بين الشركات، وصعود الأسواق المالية، وتبدد المخاوف من حالات التعثر في الديون. ولكن لفترة من الوقت، حُظر على البنوك إعادة شراء الأسهم أو توزيعات الأرباح.

والآن، حتى رغم أن هذه المليارات تبدو حرة ويمكن توزيعها على المساهمين، تتصرف بعض البنوك وكأن المساهمين لم يلاحظوها.

رغم الإيرادات القياسية.. مساهمو "غولدمان" و"جيه بي مورغان" يركزون على التوقعات السلبية

نقدية حرة استثنائية

لننظر على سبيل المثال إلى "يونيكريديت": يقدر البنك الإيطالي أنه بحلول نهاية العام ستكون لديه نسبة 2% أعلى في رٍأس ماله من الأسهم، عما يريده أو يحتاجه في مقياسه الرئيسي لقوة المركز المالي، وتبلغ قيمة هذا الفائض حالياً حوالي 6.6 مليار يورو (10.4 مليار دولار)، وهي أموال ينبغي دفعها للمساهمين.

لكن أسهم البنك تتداول بخصم كبير مقارنة بالقيمة الدفترية المتوقعة: فائض رأس المال يساوي أكثر من ربع قيمته في سوق الأسهم، بمعنى آخر، يتداول "يونيكريديت" بعائد نقدي محتمل يقارب 26%.

وهذا مبالغ فيه. لكنه ليس استثنائياً. إذا نظرنا إلى مجموعة "لويدز" المصرفية البريطانية بنفس الطريقة، فسنجد أن لديها عائداً محتملاً بنسبة 15%، وتقترب عائدات "إتش إس بي سي" البريطاني من 12%، أما "باركليز"، و"بي إن بي باريبا" و"يو بي إس" فجميعها عند حوالي 9%.

وعلى الطرف المقابل، يوجد "جيه بي مورغان تشيس آند كو" و"سيتي غروب" بعائد لكل منهما يقل عن 3% وإن كان لأسباب مختلفة.

لدى "جيه بي مورغان" أكثر من 14.5 مليار دولار من رأس المال الفائض، وهو ثاني أكبر فائض بعد "ويلز فارغو آند كو"، لكنه يتداول بأعلى تقييم يعادل ضعفي القيمة الدفترية المتوقعة تقريباً. ويتداول "سيتي غروب" بخصم للقيمة الدفترية مشابه للبنوك الأوروبية، لكن لديه رأس مال فائض أقل بكثير من نظرائه.

تحوط من الأزمات

انتهى الأمر بهذا القطاع بكل هذه الأموال، لأن حماية رأس المال كانت هاجس المنظمين والبنوك منذ الأزمة المالية لعام 2008، ورأس المال ذلك المعروف باسم المستوى الأول من الأسهم العادية في أكثر أشكاله موثوقية موجود لامتصاص الخسائر، والمزيد من رأس المال يعني أنه من غير المرجح أن تتوسل البنوك للحكومات للحصول على حزم إنقاذ.

عندما ضربت أزمة كوفيد، ضاعفت البنوك من جهود حماية رأس المال العادي عن طريق تحويل مليارات من أرباح العام الماضي إلى مخصصات لموجة متوقعة من الخسائر على القروض المعدومة.

ولكن مع انتعاش العام الجاري، تم الإفراج عن العديد من هذه المخصصات، خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث تجني البنوك الآن أرباح العام الماضي والعام الجاري معاً.

فلماذا يثق المستثمرون في أن بعض البنوك دون غيرها ستحرر هذه الأموال؟ في بعض الحالات، يمكن أن يتبخر رأس المال، وفي حالات أخرى، يتعلق الأمر أكثر بالشك أو عدم اليقين أو كليهما.

إعادة شراء الأسهم

كانت البنوك الأمريكية أسرع في العودة لبرامج إعادة شراء الأسهم الكبيرة- مع ذلك بدأ الأوروبيون رفع توزيعات الأرباح أيضاً. ولا يزال لدى معظمها مليارات الدولارات المتبقية.

"مورغان ستانلي"، على سبيل المثال، كان لديه ما يقرب من 11 مليار دولار من رأس المال الاحتياطي في نهاية الربع الثالث (على عكس بعض النظراء، فهو لا يستهدف نسبة رأس مال محددة، لكن الرئيس التنفيذي، جيمس غورمان، قدم نطاقات تقريبية في مكالماته مع المحللين).

لكن البنك يتداول بعائد مرتفع يصل إلى 6% تقريباً بسبب هذه الأموال، وذلك لأنه قال في نتائج الربع الثالث إن أكثر من نصف هذا الفائض سيتم استهلاكه جراء تغييرات قواعد رأس المال التي يتبناها، والتي من شأنها توحيد بعض مقاييس المخاطر، وتضخيم حجم المراكز المالية لبعض البنوك، وفي "غولدمان ساكس"، من المتوقع أن تُخفِّض القواعد نفسها حوالي ثلث رأس ماله الفائض الحالي.

قواعد جديدة لرأس المال

والقصة مماثلة في "بي إن بي باريبا" و"سوسيته جنرال" إذ من المتوقع أن تلتهم تغييرات قواعد رأس المال الأوروبية (التي تحدد المستويات الدنيا لرأس المال عند التعرض لبعض الأصول) أجزاءً كبيرة من رأس المال الاحتياطي الحالي.

وفي "يو بي إس"، وهو واحد من أصحاب العوائد المرتفعة، هناك أكثر من 5.5 مليار دولار من رأس المال الفائض، لكن البنك السويسري ومستثمريه ينتظرون المحكمة للبت في استئنافه لغرامة بمليارات اليورو في فرنسا.

أما العائدات المرتفعة في البنوك البريطانية فهي بمثابة لغز، وخاصة في "لويدز"، الذي يملك فائضاً يبلغ حوالي 7 مليارات دولار، ويتوقع أن ينجح في التعامل مع التغييرات التنظيمية، ولديه واحد من أعلى العوائد على حقوق الملكية في أي بنك كبير في الوقت الحالي من العام - حتى لو استبعدنا الإفراج عن المخصصات، وهو ما يوضح لماذا تعد الأسهم البريطانية غير مرغوبة بين المستثمرين.

ماذا عن "يونيكريديت" صاحب أعلى عائد في المجموعة؟ حسناً، لديه الكثير ليثبته. إذ يمكن حرق الكثير من فائضه نتيجة تغييرات القواعد الأوروبية، كما أنه لم يُقدِّم توجيهات إرشادية بعد.

أيضاً، يتعين على رئيسه التنفيذي، أندريا أورسيل، وهو مصرفي استثماري سابق، أن يثبت أنه لن يكون متسرعاً في اختيار أهداف للاستحواذ عليها.

يثق المستثمرون بالفعل في البنوك الأمريكية لتسليم رأس المال الفائض بسرعة وكفاءة، ولكن هناك المليارات التي يحتمل أن تخرج من بعض البنوك الأوروبية أيضاً، ويتعين على المستثمرين أن ينظروا مرة أخرى إلى مدى رخص بعض أيام الدفع المحتملة هذه.