تقنية التعرف على الوجوه تمضي قُدماً بغضّ النظر عمّا تقوله "فيسبوك"

رسم: جويل بلوز/ بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في الثاني من نوفمبر، قالت شركة "ميتا بلاتفورمز" (.Meta Platforms Inc)، الشركة الأم لشركة "فيسبوك"، إنها ستغلق نظام التعرّف على الوجه الذي كانت تستخدمه لتحديد هوية الأشخاص في الصور المنشورة على شبكتها الاجتماعية آلياً. جاء ذلك في إطار عمل الشركة على إصلاح صورتها العامة (فهناك سبب لعدم تسميتها بـ"فيسبوك" بعد الآن) فضلاً عن أن تقنية التعرّف على الوجه أصبحت مرتبطة بصورة ذهنية مزعجة بشكل متزايد داخل عديد من الأوساط.

يأتي إجراء "ميتا" في أعقاب تقليص شركتَي "مايكروسوفت" و"أمازون دوت كوم" استثماراتهما في هذا الصدد، إذ حُظِر استخدام برامج التعرّف على الوجه الخاصة بهما من قِبل وكالات إنفاذ القانون، وذلك بعدما أصدرت نحو 20 مدينة أمريكية تشريعات تحدّ من استخدام التقنية سالفة الذكر بشتى الطرق. لكن دعاة الخصوصية يطالبون بفرض مزيد من القيود على التقنية التي يقولون إنها مواتية للانتهاك من قِبل الشركات الخاصة، تماماً مثل الحكومات. ووفقاً للمنتقديها، فإنه حتى بعض تطبيقات تقنية التعرّف على الوجه التي تبدو ملائمة أو غير ضارة، قد ينتهي بها المطاف إلى أن تنطوي على إشكاليات هي الأخرى.

اقرأ أيضاً: "فيسبوك" توقف استخدام تقنية التعرف على الوجوه

قالت كلير غارفي، الزميلة الأقدم في مركز القانون المعنيّ بقضايا الخصوصية والتكنولوجيا بجامعة جورج تاون، إنّ صناعة التكنولوجيا تستجيب للجدل بالتمحور عوضاً عن التراجع. وتضيف: "لم نحلّ أي شيء بعد. لا تزال هذه الصناعة سريعة النمو".

استخدامات عديدة

من جهتها، لا تزال شركات التكنولوجيا الكبرى، التي فرضت قيوداً على استخدام تقنيات التعرّف على الوجه، تعتبرها بمثابة أداة قوية في عديد من السياقات، وتسوّقها بكثافة. على سبيل المثال، عملت "مايكروسوفت" مع أحد البنوك في أستراليا للاستبدال ببطاقات الصرّاف الآلي برامج مسح الوجه، بالإضافة إلى الترويج لاستخدام التقنية في مجالات أخرى. كما تبيع "أمازون" برنامج التعرّف على الوجه الخاص بها إلى شركة كورية تستعين بتقنية مسح الوجه للتحقق من تذاكر الحفلات. أيضاً تبيع عملاقة التكنولوجيا التقنية ذاتها إلى شركة ناشئة، مقرها بيتسبرغ، تختص بتطوير البرامج التي تستخدمها جهات إنفاذ القانون في التحقيقات المتعلقة بالاتجار بالجنس. وقد رفضت كلتا الشركتين التعليق على الأمر.

اقرأ أيضاً: التريليون المقبل لـ"غوغل" سيأتي من البحث والذكاء الصناعي

كانت "فيسبوك" قد وافقت على دفع 650 مليون دولار العام الماضي للمستخدمين الذين زعموا أن الشركة جمعت معلومات خاصة بقياس سماتهم الحيوية من دون إذنهم عبر خاصية وسم الصور. ومن جانبها قالت "ميتا"، في إعلانها الأخير، إنها ستحذف قاعدة بياناتها الخاصة بملفات تعريف وجوه المستخدمين حذفاً كاملاً، لكنها احتفظت بخوارزمية التعرّف على الوجه "ديب فيس" (DeepFace)، كما أنها لا تستبعد استخدام تقنية التعرّف على الوجه في المستقبل، بما في ذلك المنتجات المخطط لاستخدامها في "ميتافيرس"، وهي بيئة رقمية تستثمر فيها الشركة بكثافة. وقالت "ميتا" في إحدى المدونات: "ما زلنا نعتبر تقنية التعرّف على الوجه أداة قوية". ورفض ممثل عن الشركة التعليق أكثر على الأمر.

من ناحية أخرى، نأى بعض شركات البيع بالتجزئة الأمريكية بنفسه عن استخدام تقنية التعرّف على الوجه، إذ تخلّت شركتا "ولمارت" (Walmart) و"كروغر" (Kroger) عن استخدامها في متاجرهما، لكن شركة "ميسيز" (Macy’s) من بين شركات أخرى تريد استخدامها لمكافحة سرقة المتاجر. وفي دراسة استقصائية أجرتها منظمة "فايت ذا فيوتشر" (Fight the Future) الحقوقية التي تعارض استخدام تقنية التعرّف على الوجه، قال 19 فقط من أصل 53 تاجر تجزئة إنهم سيتجنّبون الاستعانة بهذه التقنية.

استثمارات ضخمة

في أكتوبر، سلّط "أنجيل ليست" (AngelList)، وهو منتدى استثماري شهير، الضوء على الانطلاق المفاجئ لتمويل الشركات المنتجة لبرامج قياس السمات الحيوية، متوقعاً أن يتجاوز إجمالي استثمارات هذه السوق 40 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. وبالإضافة إلى أقسام الشرطة، اعتبر المنتدى الاستثماري المؤسسات التعليمية وشركات الألعاب مثل "روبلوكس" (Roblox) بمثابة عملاء محتملين.

اقرأ المزيد: "مايكروسوفت" على خطى "فيسبوك".. طرح منتجات جديدة لاقتحام عالم "ميتافيرس"

أما دينيس مور، الرئيس التنفيذي لشركة "بريسيديو أيدينتيتي" (Presidio Identity)، مزودة أمن البرمجيات، فيرى أن هناك مجموعة واسعة من التطبيقات لتقنية التعرّف على الوجه. قال مور إنّ نظامه يساعد في الحصول على هذه المعلومات الشخصية بمعرفة المستهلكين فقط، ولا يشارك تلك البيانات في أي مكان آخر. وأضاف: "الاستعانة ببرامج التعرّف على الوجه عبر قياس السمات الحيوية ليست أمراً سيئاً، وإنما فعل ذلك من دون موافقة مستنيرة من قِبل المستخدمين".

وفي السياق ذاته، تساعد شركة "ترانزميت سيكيوريتي" (Transmit Security) الإسرائيلية البنوك وتجار التجزئة على استخدام أنظمة التعرّف على بصمات الأصابع أو الوجه على الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة. وأعرب الرئيس التنفيذي للشركة، ميكي بوداي، عن قلقه من أن ربط تقنية التعرّف على الوجه بانتهاكات الخصوصية من قِبل الشركات ومراقبة الشرطة من شأنه أن يبطئ تطوّر تطبيقات التقنية في سياقات أخرى. وقال بوداي: "من وجهة نظر أخرى، نحن نشهد تطبيقات كثيرة لتقنية قياس السمات الحيوية".

غير أن ذلك لم يجعل المستثمرين يتجنّبون الشركات التي قد تثير الجدل، فقد جمعت شركة "أوستو" (Oosto)، المعروفة سابقاً باسم "إنيفيجن" (AnyVision)، التي تُستخدم تقنيتها عند نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية، 235 مليون دولار، في يوليو، من صندوق "رؤية" التابع لمجموعة "سوفت بنك غروب" (SoftBank Group) ومستثمرين آخرين. حتى شركة "كليرفيو إيه آي" (Clearview AI)، التي تحظى بسمعة سيئة إعلامياً على خلفية قضايا الخصوصية، جمعت 30 مليون دولار في إطار التمويل هذا الصيف.

بداية المعارضة

يذكر أن معارضة برامج التعرّف على الوجه كانت قد بدأت في عام 2018، عندما أظهر الباحثان جوي بولامويني، مؤسس "رابطة العدالة الحسابية" (Algorithmic Justice League)، وتيمنيت غيبرو، اللذان عملا آنذاك في "مايكروسوفت"، أن البرامج الشائعة، بما في ذلك برامج "مايكروسوفت"، لديها معدلات أخطاء أعلى بكثير في ما يخص التعرّف على الأشخاص ذوي البشرة الداكنة، خصوصاً النساء. كما أن استخدام تقنية التعرّف على الوجه من قِبل وكالات إنفاذ القانون ينطوي على مخاطر كبيرة بشكل استثنائي.

كانت "أمازون" و"مايكروسوفت" قد وقفتا مبيعات برامج التعرّف على الوجه للشرطة، بصورة مؤقتة، بعد مقتل جورج فلويد في عام 2020. لكن سياسات مبيعات تلك البرامج لم تنطبق على بعض الوكالات الحكومية المنخرطة في إجراءات إنفاذ القانون، ولم تضمّن "مايكروسوفت" إدارات الشرطة خارج البلاد.

تقول غارفي من جامعة جورج تاون إن تأثير تلك الخطوة كان محدوداً، نظراً إلى أن أياً من الشركتين لم تكن في الواقع لاعباً كبيراً في مجال إنفاذ القانون. كما أن الشركات الأقل شهرة التي هيمنت على السوق، مثل "داتاوركس بلس" (DataWorks Plus) و"إن إي سي" (NEC) و"رانك وان كومبيوتنغ" (Rank One Computing)، رفضت اتخاذ إجراءات مماثلة. أيضاً، تضيف اعتبارات الأمن القومي ضغوطاً أخرى لتجنب تقييد التقنية، إذ غالباً ما يُنظر إلى كل مقاومة للذكاء الصناعي من خلال عدسة المنافسة مع الصين، التي تمضي قُدماً. يقول مات ماكلوين، العضو المنتدب لمجموعة "مادرونا فينتشر غروب" (Madrona Venture Group)، ومقرها سياتل: "إنّ السماح للصينيين بريادة سوق برامج التعرّف على الوجه بوضوح يعدّ تصرفاً غير حكيم".

من ناحية أخرى، توافق غارفي على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى مواصلة الاستثمار في مجال الذكاء الصناعي، جزئياً، للتأسيس لضمانات الخصوصية والعدالة، لكنها ترى أن هناك حدوداً لما يجب أن تبرره المنافسة: "هناك بعض السباقات التي لا تستحق الفوز بها".

أما إينيولوا ديبورا راجي، عالمة الكمبيوتر بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، التي عملت مع بولامويني لتوثيق أوجه القصور في برنامج التعرّف على الوجه الخاص بشركة "أمازون"، فتقول إن تقنيات قياس السمات الحيوية الأخرى مثل بصمات الأصابع يمكن أن تعمل بشكل أفضل وتكون أقل عرضة للتحيز وسوء المعاملة من التعرّف على الوجه. وتضيف راجي أن الارتباك الذي تشهده "ميتا" والشركات الأخرى يعدّ بمثابة فرصة لمعارضي التقنية للدفع باتجاه تحقيق أكثر مما ستفعله الشركات من تلقاء نفسها. وتقول: "لقد تقدمت (فيسبوك) شبراً واحداً. يمكننا بالتأكيد تنظيم تقنياتهم ليتقدموا ذراعاً".