"جنرال موتورز" تعتقد أن العمل في الهند صعبٌ.. لكن الخروج منها أصعب

رجل يسير بدراجة من أمام مصنع جنرال موتورز المغلق في تاليغاون. الهند
رجل يسير بدراجة من أمام مصنع جنرال موتورز المغلق في تاليغاون. الهند المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في منطقة تحيطها تلال خضراء مليئة بالأزهار البرية، ما زال مصنع شركة "جنرال موتورز" في بلدة تاليغاون بغرب الهند معطلاً عن العمل بشكل كبير، كما كان الحال معظم أيام العام الماضي.

خارج المصنع القائم على مساحة 300 فدان، لم يكن هناك سوى إشعار ردئ مُعلق عن تسريح للعمال، وهو ما يوضح الصعوبات التي تواجهها الشركة الآن في مغادرة البلاد.

بعد أربعة أعوام من توقف المبيعات في الهند ومرور أكثر من عام على خروج سيارتها المخصصة للتصدير من خط الإنتاج، ما يزال صانعو السيارات غارقين في مواجهة تحديات قانونية أمام نقابة العمال التي تمثل أكثر من 1000 عامل سابق سرحتهم الشركة من المصنع، ما يحول بالفعل دون مغادرتها البلاد.

أصبح بيع المجمع الصناعي التابع لـ"جنرال موتورز" لصالح شركة الصينية "غريت وول موتور" (Great Wall Motor) معلقاً أيضاً رغم الصفقة الموقعة في يناير 2020. كذلك، قيدت الهند الاستثمارات الصينية الجديدة منذ أبريل من ذلك العام، وأدى عدد من الاشتباكات القاتلة على طول الحدود المتنازع عليها بين البلدين في الأسابيع التالية إلى تقويض العلاقات بشكل أكثر.

حتى مع زيادة الاستثمار الأجنبي في الهند بشكل سريع، فإن خسائر "جنرال موتورز" البالغة 1.1 مليار دولار تشكل تحذيراً صارخاً للمستثمرين الأجانب، كما أن الشركة لن تستطيع بيع أعمالها نظراً لوجود مشاكل سياسية وقانونية تمنعها من ذلك.

الجدير بالذكر أن الشركات الدولية تحاول الوصول إلى الطبقة المتوسطة المتنامية في هذا البلد البالغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة منذ تحريره الاقتصادي في التسعينيات. لكنهم كانوا يواجهون عقبات كثيرة مثل التعريفات المرتفعة وقواعد العمل الصارمة والنظم القانونية الصعبة.

يقول ريتشارد روسو، نائب مدير سابق في مجلس الأعمال الأمريكي الهندي والآن أصبح رئيس "وادهواني" (Wadhwani) لدراسات السياسة الأمريكية الهندية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن:

ما تزال الهند مكاناً يصعب التصنيع منه.. معظم الشركات المصنعة العالمية وجدت صعوبة في الاستفادة من السوق والمضي قدماً بشكل كبير وملموس

حتى أغسطس من عام 2020، كان هناك قانون مثير للجدل سمح للحكومة الهندية بفرض ضريبة أرباح رأسمالية بأثر رجعي على الشركات الأجنبية نظير التحويل غير المباشر لأصولها الهندية. وهذا القانون جعل الشركات، بما فيها شركة التنقيب عن النفط والغاز "كيرن إنرجي" (Cairn Energy) و"فودافون غروب"، تصارع أعواماً في محاكم التحكيم قبل إلغاء دلهي له في نهاية المطاف.

تعاني شركات صناعة السيارات العالمية بشكل خاص لكسب الزخم في البلاد، خاصة أن المستهلكين يفضلون السيارات المدمجة الرخيصة كتلك التي تصنعها شركتي "هيونداي موتور إنديا" و"ماروتي سوزوكي إنديا"، اللتين تستحوذان سوياً على 60% من السوق. ومن هذا المنطلق، استبعدت شركة "تويوتا موتور" أي توسع في السوق الهندي، كما استسلم صانع الدراجات النارية "هارلي ديفيدسون" للأمر العام الماضي.

في الوقت نفسه، تعمل شركة "فورد موتور" أيضاً على إنهاء عملياتها في الهند، وهو قرار سيكلف الشركة رسوم إعادة هيكلة بقيمة 2 مليار دولار وربما يورطها في معارك قانونية مطولة مع الموزعين المحليين، الذين سيصبحون مسؤولين عن خدمات ما بعد البيع بمجرد مغادرة الشركة المصنعة.

وقال فينكيش غولاتي، رئيس اتحاد جمعيات تجار السيارات في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" في سبتمبر: "نتوقع أن تقوم فورد بتقديم بعض التعويضات للموزعين".

كذلك، يقول المتحدث باسم "فورد إنديا" إن إعادة الهيكلة "تأتي بعد فحص مفصل للأعمال التجارية بالهند والخيارات المحتملة هناك عقب تغير البيئات الاقتصادية والتنظيمية". ويضيف: "إننا نواصل الحفاظ على العمليات الكاملة الخاصة بعملائنا الحاليين من خلال العمل مع موزعينا".

قواعد بيزنطية

ثمة عقبة أخرى تعاني منها البلاد وتتمثل في نظام ضريبي يفرض رسوماً تصل إلى 28% على المبيعات المحلية للمركبات العاملة بالبنزين، بينما تتراوح الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات المستوردة من 60% إلى 100%. وفي عام 2019، قال الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إن رسوم الاستيراد ستصعب من إمكانية تحمل تكاليف سيارات "تسلا" في الهند.

يقول روسو، إن المستثمرين الدوليين غالباً ما يتعثرون أثناء تصفح القواعد واللوائح البيزنطية التي تنفذها الحكومة الهندية وولاياتها وأقاليمها الاتحادية البالغ عددها 36. فعادة يكون من الصعب على الشركات التي تضم أكثر من 300 موظف طرد أي موظف دون الحصول على إذن الحكومة، وربما تكون فكرة حيازة أرض بسعر لا يثير النزاع أو يتطلب تقديم رشاوى مشكلة، وقد يصعب أيضاً اعتماد الشركات على الكهرباء القادمة من الشبكة الكهربائية. كما أنه يوضح أن الشركات يجب أن تكون مستعدة طوال الوقت لمواجهة عمليات الابتزاز والفساد الصريح.

سجل الاستثمار الأجنبي المباشر في الهند ارتفاعاً بنسبة 19% العام الماضي، لكنه لا يزال يشكل نسبة مئوية أقل من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بدول مثل سنغافورة وفيتنام. جزء كبير من هذا الاستثمار تم توجيهه لصالح الشركات المملوكة من قبل موكيش أمباني، وهو أثرى رجل في آسيا، مع تحول مجموعة من التكتلات الهندية ذات العلاقات الجيدة لتصبح بوابة لممارسة الأعمال التجارية في البلاد، مثل أمباني بشكل كبير.

سهلت إدارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي على المستثمرين الأجانب إنشاء أعمال تجارية على الصعيد الوطني، حسبما يقول روسو. كما أنه يوضح أن "رئيس الوزراء كان يحاول تشجيع هذا الاستثمار الكبير التالي من خلال الانخراط بشكل شخصي مع المدراء التنفيذيين". ومع ذلك، حاز أولئك الذين استثمروا بالفعل على "وقت واهتمام أقل قليلاً على مدى العامين الماضيين".

انهيار

في التسعينيات، بدأت "جنرال موتورز" العمل في الاقتصاد الهندي المفتوح حديثاً بحماس كبير، فقد جذبت مصانعها آلاف السكان المحليين إلى الوظائف المخصصة لذوي الياقات الزرقاء، والتي تحظى باحترام كبير في بلد عانى طويلاً لتوفير فرص عمل رسمية لملايين الهنود الذين ينضمون إلى سوق العمل كل عام.

كان حصول نافناث شيتي، وهو أب لطفلين ويبلغ من العمر 34 عاماً، على وظيفة في الشركة الأمريكية قبل أكثر من عقد من الزمان سبباً في زواجه فوق مقر عمله في الهند التي تدرك الوضع جيداً، فضلاً عن أنه تمكن من الحصول على قروض سكنية وتسجيل أطفاله في المدارس الخاصة وتقديم الدعم المالي لأقارب آخرين.

الآن، مثل المئات غيره الذين اعتادوا العمل في مصنع تاليغاون، كان شيتي عاطلاً عن العمل ومثقلاً بالديون، منذ أن رفضت نقابة العمال مكافأة نهاية الخدمة المقدمة من قبل "جنرال موتورز". يقول شيتي: "كل شئ انهار. عندما فقدت وظيفتي، لم تكن زوجتي راغبة في العودة إلى القرية والعمل في الزراعة. كما أن والداها اعتقدا أن لدي وظيفة جيدة".

فيما يتعلق بمكافأة نهاية الخدمة، قالت "جنرال موتورز" إن عرضها كان يزيد على سبعة أضعاف المتطلبات القانونية فضلاً عن أنها قدمت للعمال أجراً يعادل ما لا يقل عن ثلاثة أعوام في المتوسط، لكن بضعة مئات فقط من العاملين وافقوا على هذه الصفقة. وفي أبريل، سرحت الشركة الأشخاص الرافضين للصفقة دون الحصول على إذن حكومي مسبق يُطلب عادة نظير تصنيف جائحة كوفيد-19 على أنها "كارثة طبيعية"، والذي قالت الشركة عنه إنه يسمح لها باتخاذ مثل هذا الإجراء المستقل.

تعليقاً على الأمر، يقول جورج سفيغوس، المتحدث باسم "جنرال موتورز إنترناشونال": "النقابة كانت تتجاهل عمداً وضع جنرال موتورز في الهند ولم تتفاوض بحسن نية ما أضر بمصالح القوى العاملة". ويضيف أن "الشركة كانت تدفع للموظفين أجورهم لمدة نصف عام رغم عدم إنتاج أي مركبة في الموقع".

وسيلة ضغط

تقول نقابة العمال إن عمليات التسريح غير قانونية وقد رفعت دعاوى قضائية عديدة للطعن فيها. ففي رسالة بتاريخ 25 أغسطس اطلعت عليها "بلومبرغ بيزنس ويك" وموجهة إلى "غريت وول موتور"، قال محامي النقابة إن موظفي "جنرال موتورز" تم تسريحهم ضمن نطاق "وسيلة ضغط"، وسيتعين على الشركة الصينية إعادة القوى العاملة إذا فازت المجموعة العمالية في المحكمة. في حين أن سفيغوس يقول:

الشركة لا تزال واثقة للغاية من موقفها القانوني، وقد تصرفت وفقاً للقانون والأوامر المعتمدة المتفق عليها بين النقابة والإدارة

ليس هناك سوى قلة من موظفي "جنرال موتورز" السابقين الذين يتوقعون العثور على وظائف وأجور مماثلة، خاصة أن بيانات البنك الدولي تشير إلى أن التصنيع كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للهند انخفض من 15% في عام 2014، وهو العام الذي وصل فيه مودي إلى السلطة الوطنية، إلى 12.9% في عام 2020.

يقول سانديب بهيغادي، رئيس النقابة العمالية في مصنع "جنرال موتورز": "لا يحصل الأشخاص الذين لم يتلقوا تعليماً عالياً في الهند على وظيفة بعد سن الـ 26". ويضيف: "لدينا ديون تبلغ في المتوسط 2.5 مليون روبية (33660 دولاراً). كيف سنعيش؟"

النزاع الصيني

لا تزال شركة "جريت وول" مهتمة بالتوسع في شبه القارة الهندية. ويوضح المتحدث باسم الشركة أن "الهند واحدة من الأسواق التي تتمتع بأكبر إمكانات في العالم. لذلك سنواصل الاستثمار في الهند. وجميع المشاريع تحقق تقدماً مطرداً كما هو مخطط".

مع ذلك، من المرجح أن تظل القيود التي تفرضها الهند على الاستثمارات الصينية سارية، حتى لو انخفض مستوى حدة النزاع الحدودي بين البلدين.

يقول تانفي مادان، وهو الزميل البارز في مؤسسة بروكينغز بواشنطن: "ليس هناك ثقة على الإطلاق، وهذا يؤثر أيضاً على القضايا الاقتصادية وبعض هذه القيود".

ما يزال العديد من العاملين السابقين في "جنرال موتورز" يأملون في إتمام عملية البيع لصالح شركة "غريت وول موتور" وتعيينهم من جديد، رغم أن "جنرال موتورز" ذكرت أن نقل الموظفين إلى الشركة الصينية لم يكن جزءاً من اتفاقها الأصلي. في حين أن المحللين يعتقدون أن دلهي قد تتراجع عن موقفها بمرور الوقت لأن صناعة السيارات لا تُعتبر قطاع رئيسي للحكومة.

حتى الآن، لم تجدي الاجتماعات التي تعقدها "جنرال موتورز" مع المسؤولين الحكوميين الهنود والأمريكيين نفعاً في الخروج من المأزق الذي تعاني منه على صعيد عمليات البيع أو قضايا قوتها العاملة، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر.

في ظل سعي الهند لتحقيق مستويات قياسية من التمويل والإدراج في أسواقها للأوراق المالية، فضلاً عن تعزيز مودي لمستوى اعتماد البلاد على ذاتها بشكل كبير من الناحية الاقتصادية، فليس من المؤكد أن الحكومة الهندية ستشعر بكثير من القلق تجاه مغادرة بعض المصنعين الأجانب الحاليين للبلاد.

وفي إشارة منه إلى المسؤولين الهنود الذين يراقبون شركات صناعة السيارات البارزة وهي تعزز أوضاع البلاد، يقول روسو: "ربما تبدأ فورد وجنرال موتورز في تغيير هذه الحسابات قليلاً، وستصبحان قلقتين بعض الشئ بشأن الأمر، لكن حتى في ظل عمليات الخروج الكبيرة هذه، يأتي كثيرون آخرون".