بعد تدشين "الجافورة".. هل تنجح السعودية في مزاحمة كبار لاعبي الغاز؟

أرامكو تتوقع أن يبدأ إنتاج الغاز من حقل الجافورة نهاية 2024
أرامكو تتوقع أن يبدأ إنتاج الغاز من حقل الجافورة نهاية 2024 المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ساهم ارتفاع أسعار الغاز العالمية بنحو 70% منذ بداية العام، واضطراب الإمدادات إلى أسواق أوروبا وكبرى الدول المستهلكة، في خلق سباق محموم بين كبار منتجي الهيدروكربونات في العالم لاكتشاف المزيد من احتياطيات الغاز.

المملكة العربية السعودية دخلت هذا السباق بقوة البارحة الاثنين، من خلال إطلاق شركة أرامكو لمراحل التطوير التجاري للمواد غير التقليدية في حقل الجافورة، والذي يُتوقّع أن ينتج حوالي ملياري قدم مكعب يومياً من الغاز بحلول 2030، ما يجعلها ثالث أكبر منتج للغاز في العالم.

هل تستطيع السعودية المنافسة في سوق متخمة بالمنتجين؟ يُجمع محللون تحدثوا لـ "الشرق" على قدرة المملكة لتبوء موقع متقدم في هذه السوق، لاسيما في أوروبا التي تعتمد بنسبة 35% على الغاز الروسي، بالإضافة إلى أن قوة علاقاتها في مجال النفط وقدراتها المالية والاستثمارية، ستساعدها على التوسع في الأسواق الدولية.

"أوبك" للنفط والغاز

يصف بعض المختصين في مجال الطاقة الغاز الطبيعي بأنه "جسر" بين مرحلة الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة التي أصبحت مطلباً عالمياً، باعتبار أن الغاز أحد أشكال الطاقة التي يمكن السيطرة على انبعاثاته الكربونية أو احتجازها بطرق أسهل وأقل كلفة، ما يجعل الاستثمار فيه أكثر جاذبية.

يَعتبر يوسف الشمري، الرئيس التنفيذي لشركة "سي ماركت" لأبحاث النفط والباحث السابق لدى منظمة "أوبك"، في حديثه لـ "الشرق" أن "مشروع حقل الجافورة وتصدير السعودية للغاز سيلاقي إقبالاً مستقبلاً، خاصة في أوروبا التي تعتمد بشكل كبير على استيراد الغاز من روسيا. مُضيفاً أن "ارتفاع أسعار الغاز مؤخراً يُعدُّ عاملاً استراتيجياً للمملكة لسد حاجتها من الغاز والاستفادة من مواردها لتعزيز التصدير".

في حين يرى مصطفى البزركاني، مدير مركز معلومات ودراسات الطاقة في لندن، أن السعودية "تستطيع المنافسة عالمياً، نظراً لقوة علاقاتها في مجال النفط والغاز، وقدراتها المالية والاستثمارية، ما يمنحها القدرة على التنافس مع منتجين آخرين إقليميين ودوليين". لافتاً إلى أن ذلك "قد يشجع المملكة أيضاً على تشكيل تجمع دولي لمنتجي النفط والغاز، وبالتالي يكون لها دور أكبر داخل منظمة أوبك، بالإضافة لتعزيز علاقاتها مع دول أخرى من خارج المنظمة".

السوق المحلية أولاً

لكن محمد القباني، الكاتب في شؤون الطاقة، يعتقد أن السعودية تسعى من خلال حقل الجافورة للاستفادة من الغاز الطبيعي والسوائل والمكثفات المستهدف إنتاجها في السوق المحلية، وليس هناك أي توجه للحكومة لاستهداف أسواق أخرى، على الأقل للمدى القصير".

وحول ما إذا كانت المملكة مرشحة مستقبلاً للتنافس مع الدول الكبرى المصدرة للغاز، يُجيب القباني: "أسواق الطاقة تعتمد على الموثوقية العالية والتكلفة المنخفضة، فهذان العاملان يحددان دوماً المراكز التنافسية، وهما متوفران لدى السعودية، ما يجعلها قادرة على دخول السوق بقوة، خاصة أن لها "الكعب العالي" تاريخياً في هذا القطاع، وتُعدُّ "البنك المركزي" العالمي للطاقة.

فيما يتعلّق بالطلب العالمي على الغاز، وحاجة الدول للتوسع بالاستثمار في مشاريع الإنتاج، يؤكد البزركاني أنه "مع تراجع اندفاع الدول نحو مصادر الطاقة المتجددة بسبب الخسائر المالية الكبيرة نتيجة جائحة كورونا، وبعد ما شهدته قمة "جلاسكو" من تراجع عن الوعود بوقف استهلاك مصادر الطاقة الأحفورية خلال العقدين المقبلين، يزداد دور الغاز الطبيعي بصفته المصدر الأكثر حفاظاً على البيئة مقارنة بالنفط، ولاسيما أنه يمكن إنتاج الهيدروجين الأزرق منه"، متوقعاً أن يبقى الغاز كمصدر طاقة مطلوب للعقود القادمة".

ويلفت إلى أن "الجافورة يُعدُّ حقلاً ضخماً للغاز غير التقليدي "الغاز الصخري" باحتياطي مؤكد يبلغ 200 تريليون قدم مكعب. ومن الطبيعي أن تضع مخرجات هذا الحقل السعودية بين كبار الدول المنتجة للغاز".

اقرأ أيضاً: "أرامكو" تتوقع إنتاج ملياري قدم غاز يومياً من "الجافورة" بحلول 2030

يتفق القباني مع الآراء المتعلقة بحاجة العالم لمزيد من التوسع في مشاريع الغاز بفعل ارتفاع الطلب، مفيداً أنه "رغم التوجه العالمي إلى خفض الانبعاثات الكربونية، والتي يُعدُّ الغاز الطبيعي أحد مصادرها، ألاّ أن الطلب على الغاز متوقع له أن يتضاعف من 360 مليون طن متري حالياً إلى حوالي 700 مليون طن متري عام 2040. وبالتالي، ما زال العالم بحاجة إلى مشاريع توسعية في هذا القطاع لتجنب أي نقص في الإمدادات يؤدي إلى اضطرابات في السوق والأسعار، ويؤثر سلباً على تحقيق الأهداف العالمية لخفض الانبعاثات الكربونية".

حقل الجافورة

يُعدُّ حقل الجافورة الأكبر في السعودية للغاز غير التقليدي، من حيث حجم المخزون والمساحة، إذ يبلغ طوله 170 كيلومتراً، وعرضه 100 كيلومتر. ويبلغ مخزون الغاز في الحقل أكثر من 200 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الخام الرطِب، الذي يحتوي على الإيثان وسوائل الغاز والمكثفات. ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج الغاز الطبيعي من الجافورة مع نهاية 2024، وأن يصل الإنتاج إلى ملياري قدم مكعبة قياسية في اليوم من غاز البيع عند اكتمال تطوير الحقل.