الفنانة المغربية إيمان دروبي تعمل على لوحة جدارية خلال مهرجان فنون الشارع في الرباط المصدر: غيتي إيمجز

ازدهار الفن في الرباط.. وجه آخر لـ"القوة الناعمة"

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في عاصمة المغرب، الرباط، يحافظ العمّال على نظافة الواجهات المنحنية ناصعة البياض لـ"المسرح الكبير" مترامي الأطراف من تصميم، زها حديد، قبيل افتتاحه الملكي. وعلى بعد 40 دقيقة سيراً على الأقدام، يحتضن مسرح محمد الخامس، عروضاً مسرحية وموسيقى الجاز ومعرض صور. قبل شهرين من ذلك، عاد مهرجان فنّ الشارع السنوي في الرباط، حيث اعتلى الفنانون رافعات ليرسموا جداريات على أعلى المباني.

اقرأ أيضاً: ملك المغرب: نمو اقتصاد البلاد سيبلغ 5.5% هذا العام

فمثل المراكز الثقافية الأخرى حول العالم، ها هي العاصمة المغربية المتجذرة في 900 سنة من التاريخ، تعود لتنبض بالحياة من جديد، فيما ينهض قطاع الفنّ من تحت وطأة الوباء، ويتردد صدا قيامته خارج أسوار مدينة الرباط القديمة.

اقرأ المزيد: المغرب يتوقع تراجع عجز الميزانية إلى 5.9% العام المقبل

تحرص القيادة المغربية على تصوير الدولة الشمال أفريقية على أنها معقل للتقدم والاستقرار في منطقة تشهد اضطرابات. إلا أن المنتقدين يشكون من أن الحكومة تقمع الحرية الفنية، وتضخ مئات الملايين من الدولارات في منشآت ومشروعات تتماشى مع الصورة التي تسعى المملكة إلى تقديم نفسها بها أمام العالم.

ثورة فنّية

يعدّ الانتعاش الفنّي في الرباط أساسياً لمسعى الملك محمد السادس، الهادف لتحويل بلاده إلى مركز ضخم للفنون والثقافة في القارة الأفريقية.

بالنسبة إلى عبد العزيز الإدريسي، مدير متحف محمد السادس للفنّ الحديث والمعاصر، فإن هذا المسعى يرقى إلى "الثورة" الهادفة لإتاحة الفنون الجميلة أمام فئات أوسع من المجتمع المغربي. فمنذ افتتاح هذا المتحف عام 2014، عرض أعمالاً لبابلو بيكاسو، وأوجين ديلاكروا، وأعار مساحته لفنانين مغاربة مثل الشعيبية طلال.

إلا أن آخرين مرتابون من الوضع. فعلى سبيل المثال، يحتاج الفنانون الذين يعملون على صنع جداريات أو التقاط مقاطع مصورة أو صور ثابتة إلى إذن مسبق. أمّا أولئك الذين يتطرقون إلى مواضيع السياسة، أو الدين أو الآداب العامة، فقد يواجهون العواقب.

في هذا الصدد، قال عادل صيداني، مدير جمعية "جذور" الثقافية غير الحكومية التي تمّ حلّها بموجب أمر صادر عن المحكمة في عام 2018، إن "الهدف الرئيسي ليس التحرّر وتقريب المواطنين من الثقافة، بل تلميع صورة المغرب، لا سيما أمام الخارج". وأضاف أن "الأمر موجه نحو الخارج أكثر ما يكون إلى الداخل".

الثقافة والاقتصاد

لدى الحكومة خطط طموحة على صعيد الثقافة والفنّ، بحسب إستراتيجية لمدة 15 سنة أعلنت عنها هذا العام لجنة خاصة معنيّة بالنموذج الاقتصادي للبلاد. وجاء في التقرير أن المغرب سيتناول الثقافة كـ"دعامة متعددة الأبعاد" للازدهار والاندماج الاجتماعي والقوة الناعمة، مشيراً إلى أن الثقافة سوف تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد المغربي.

لا شكّ في أن المغرب بات اليوم مكاناً مختلفاَ بعد مرور عقدين على تولي الملك محمد السادس العرش خلفاً للملك حسن الثاني. فقد اتسمت مدة حكم الملك الحسن في معظمها، والتي امتدت لـ38 عاماً، بعدم التساهل مع المعارضة، بما يشمل الناشطين في عالم الفنّ. أمّا الفترة الحالية فقد شهدت أيضاً على صعود وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لعرض أعمال الفنانين.

يعرف فنان الشارع المقيم في طنجة معاد أبو الهنا، ذلك عن تجربة شخصية، وذلك بعد أن أوقفته السلطات حين كان يقوم برسم جدارية على أحد المباني الواقعة في شمال المدينة تخليداً لذكرى المصوّرة المغربية الأصل ليلى علوي، التي قتلت في هجوم إرهابي في بوركينافاسو عام 2016. وقد سُمح لأبو الهنا باستئناف رسم اللوحة البالغ ارتفاعها 65 قدماً، بعد موجة تضامن وغضب على وسائل التواصل الاجتماعي.

قال أبو الهنا: "ملكنا شغوف جداً بالفن ومعظم النشاط الذي شاهدناه في سوق الفنّ المحلي في السنوات الماضية يعود إلى هذا الشغف". مع ذلك أشار إلى وجود "الكثير من المناطق الرمادية بالنسبة إلى الفنانين هنا"، مضيفاً أن "على الأمور أن تبقى لطيفة ومستساغة، وكأن الدولة تريد التحكّم بكيفية شعور المغاربة تجاه الفن".

تغيّر الأوضاع

لا تنحصر هذه المشكلة في الفنون التصويرية في دولة ذات تاريخ من الاضطرابات الاجتماعية. ففي عام 2011، وفيما كان الربيع العربي يعصف بالدول العربية، أصدرت محكمة مغربية حكماً بسجن مغني راب يعرف باسم "الحاقد" لمدة سنتين على خلفية نشره أغنية انتقد فيها النظام الملكي على "يوتيوب".

أمّا لبنى أبيضار، التي تعتبر من أهم مواهب التمثيل الواعدة ذات الشعبية في المغرب، فقد اضطرت إلى الانتقال للعيش في الخارج عام 2015، بعد أدائها دور البطولة في فيلم تناول الدعارة في مراكش، ما تسبب بتوجيه انتقادات حكومية لها وتعرضها لاعتداءات جسدية.

إلا أن الأمور بدأت تتغير اليوم، وعلى الأقل، أسهمت فورة الإنفاق الحكومي على تطوير البلاد في هذا التغيير، بحسب موليم العروسي، المدير السابق لكلية الفنون الجميلة في الدار البيضاء، والذي أشار إلى أن المسألة الحقيقية اليوم تتعلق بما إذا كانت المملكة المغربية قادرة على إنتاج ما يكفي من الأعمال الفنية لملء المساحات الجديدة.

قال العروسي: "لم يمتلك المغرب كدولة مستقلة أي مكتبة وطنية أو متحف أو مسرح ضخم مثل اليوم، ولكن هل سيديرها أشخاص منفتحون على الجميع؟ سوف نرى".