"أزمة ذكورة" تواجه المجتمعات.. هل تحل الروبوتات محل الرجال؟

هل تسرق الروبوتات سوق العمل من الرجال؟
هل تسرق الروبوتات سوق العمل من الرجال؟ المصدر: بلومبرغ
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ليس من السهل أن تكون أنثى، لكن في كثير من الأحيان فإن واقع أن تكون ذكراً ليس أمراً يسيراً كذلك. يتغير العالم بشكل أسرع من أي وقت مضى، ومعه أيضاً تتغير مفاهيم الذكورة. يشعر الكثير من الرجال بعدم الثقة بشأن ما يتوجب عليهم فعله، إن كان ذلك للأفضل أم للأسوأ.

إذا كنتَ جيمس بوند، فأنت تتعامل مع هذا التحول بهدوء، وتتحول بشكل سهل، عبر عدد قليل من التجسيدات الوسيطة - من نسخة شون كونري للرجولة إلى نسخة دانيال كريغ منها، التي تتسم بضعف وتعقيد أكبر، لكن على أرض الواقع كم عدد الرجال الذين لديهم "كود جيمس بوند 007" الداخلي لتوجههم؟.

اقرأ أيضا: الروبوتات تهدّد العاملين في خدمة العملاء حول العالم

الواقع بالنسبة للعديد من أولئك الذين ليسوا بالضرورة ذكور "ألفا"، أكثر كآبة. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تم للتو إحصاء أرقام قياسية للوفيات الناجمة عن تعاطي جرعات زائدة من المخدرات، بلغ عدد الضحايا أكثر من 100 ألف في عام واحد، وهو تقريباً ضعف عدد عام 2015. نحو 70% من الذين ماتوا كانوا رجالاً.

مخاوف الصين

في الصين، تخشى الحكومة من "أزمة الذكورة"، حيث يتم الزعم بأن أبناء الأمة أصبحوا متأنثين، مهما كان المعنى لذلك في الوقت الحاضر. يفكر المعلمون في طرق لتقوية "روح اليانغ" - كما هو حال روح اليانغ الذكورية التي تكمل روح "اليين" الأكثر أنوثة وفقاً للديانة الطاوية الصينية.

يستخدم بعض الخبراء في ألمانيا نفس العبارة بالضبط - "أزمة الذكورة" - لوصف وضع الرجال فيما كان يُعرف بألمانيا الشرقية الشيوعية. فلعقود بعد إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، انتقلت النساء الشرقيات إلى الغرب أو تزوجن من الرجال الغربيين، تاركين العديد من الذكور في المنطقة غير متزوجين، محبطين ومعزولين.

قد تكون عملية إعادة توحيد ألمانيا، والسخط عليها هي حالة فريدة من نوعها، لكن يبدو أن هناك شيئاً أكثر عمومية حول الحداثة يمكن أن يُضعِف، ويهدد الرجولة. تأمل، على سبيل المثال، كيف أن قوة موجهة واحدة من التغيير تصطدم بالذكورة بشدة، ألا وهي أتمتة التصنيع باستخدام الروبوتات.

اقرأ أيضا: بعد ارتفاع الأجور.. هل تكون الأتمتة والذكاء الاصطناعي بديلاً للعمال؟

بشكل عام، أنا أعتبر الروبوتات نعمة. إنها تجعل الإنتاج أكثر كفاءة، وبالتالي تجعلنا جميعاً أفضل حالاً. لكن حتى الأشياء الجيدة لا تكون في العادة جيدة للجميع، فمع الأتمتة، سيكون الخاسرون هم عمال التصنيع ذوو الياقات الزرقاء الذين اعتادوا أن يفعلوا ما تقوم به الروبوتات الآن. وهؤلاء العمال هم في الغالب من الرجال. هذا لا يعني أنني أرمي الصور النمطية جزافاً؛ إنها إحصائيات بحتة.

على النقيض من ذلك، فإن الوظائف في قطاع الخدمات، وخاصة تلك التي يتم فيها تقدير "مهارات الأشخاص"، لا تتعرض للتهديد من قبل الروبوتات على الإطلاق، على الأقل حتى الآن. وهنا يبدو أن النساء يتمتعن بميزة إحصائية. في الاقتصادات التي تُستخدم فيها الروبوتات كثيراً، يجد الرجال أصحاب الياقات الزرقاء صعوبة في المتوسط، في الاحتفاظ بوظيفة جيدة أو العثور عليها، في حين أن النساء في المجمل أفضل حالاً من هذه الناحية.

فجوة الأجور

يتم ترجمة هذا التشعُّب في آفاق الرجال والنساء إلى انكماش في فجوة الأجور، التي كانت تميل لكفة الرجال تقليدياً. بشكل عام، هذا بالطبع أمر جيد، لأنه يؤدي إلى أجور عادلة – أي أجر متساوٍ للعمل المتساوي. لكن فجوة الأجور المتلاشية لها أيضاً آثار جانبية، كما هو معروف، وهو ما أوضحه الراحل غاري بيكر، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.

ففي "نظرية الزواج"، التي نشرها في عام 1973، تحدث "بيكر" عن أن تقلص فجوة الأجور بين الذكور والإناث يقلل من قيمة الزواج بالنسبة للمرأة. ففي الماضي، كان الفتيان يحصلون على أجر كبير وسريع، وكانت الفتيات تحصلن على أجر زهيد، كان من المنطقي – من الناحية الاقتصادية على الأقل - "تخصيص المهام" داخل أسرة تتكون من زوج عامل وزوجة، وربما أطفال. لكن بمجرد أن تكسب النساء أجوراً أفضل، فإنهن لن يعدن يكسبن الكثير من تقييدهن لأنفسهن بالرجل، على الأقل ليس بنفس الطريقة.

اقرأ أيضا: سباق "الأتمتة"..لماذا تخشى أمريكا التكنولوجيا؟

على ما يبدو، يجب أن تكون النتيجة لمنطق "بيكر" هي خلق "سوق هبوطية" ملحوظة في قيمة زواج الرجال، ما يؤدي إلى أعداد زيجات أقل وولادات أقل في إطار الزواج (وإن لم يكن بالضرورة نفس عدد الولادات بشكل عام). فمثلاً، شهدت منطقة "أبالاشيا" للفحم ازدهاراً في السبعينيات وكساداً في الثمانينيات. وكما كان متوقعاً، زادت معدلات الزواج والمواليد في إطار الزواج في السبعينيات عندما كان وضع عمال مناجم الفحم جيداً (معظمهم من الذكور)، ثم انخفضت في الثمانينيات عندما عانى أولئك العمال.

فخ الشعبوية

وجد ماسيمو أنيلي وأوسيا غونتيلا ولوكا ستيلا - وهم باحثون على التوالي في "جامعة بوكوني" في ميلانو و"جامعة بيتسبرغ" و"جامعة برلين الحرة"، باستخدامهم لبيانات من الولايات المتحدة، أنه كلما أحدثت "الروبوتية" تحولاً في التصنيع في منطقة معينة، كلما تقلصت هوة الدخل بين النساء والرجال. وانخفض عدد الزيجات، وزادت المُساكنة والطلاق. كما انخفض معدل خصوبة الزواج، بينما زادت الولادات خارج إطار الزواج.

لا يوجد شيء جيد أو سيئ بطبيعته في مثل هذه الارتباطات والاتجاهات، إذ إنها تعني فقط أن المجتمعات تتغير. لكن التغيير صعب على الناس. وفي الوقت الذي يفقد فيه الرجال تلك الأدوار التي قد يكون آباؤهم وأجدادهم قد اعتبروها ذكوريةً بشكل واضح، يبدو وكأنهم عرضة للمخاطر بشكل خاص.

يتمثل أحد هذه المخاطر بوقوعهم فريسة بيد الغوغائيين في أقصى اليمين. في ألمانيا الشرقية، يعد الإحباط الذكوري بالتأكيد أحد التفسيرات لصعود حزب "البديل من أجل ألمانيا"، وهو حزب شعبوي. وفي الولايات المتحدة، كانت المناطق التي بها الكثير من الروبوتات من بين المناطق التي تنتشر فيها (الترامبية) بقوة.

اقرأ أيضا: ما الذي يقف فعلياً وراء أزمة نقص العمالة حول العالم؟

ظاهرة أخرى ذات صلة هي حركة "العزوبة غير الطوعية" الكارهة للنساء من قبل الرجال الذين يصفون أنفسهم بأنهم "عازبون لا إراديون". غالباً ما يتطرفون عبر الإنترنت ويلومون النساء على مكانتهم المتدنية وينشرون نظريات المؤامرة. لقد اندلعت في ولايات كاليفورنيا وفلوريدا وتورنتو فورات قتل قام بها بعض الرجال "العازبين طوعاً".

يبدو أن أفضل نصيحة للأفراد هي الترحيب بالتطور الذي تشهده الذكورة وكأنه تحرير، فلنتوقف عن القلق بشأنه ولنسترسل مع هذا التطور. لكن بالنسبة للجماعات والمجتمعات، فإن التحول الذي تشهده الرجولة يحمل مخاطر. يبدو هذا الحديث الصيني عن تقوية روح "اليانغ" مبتذلاً وخاطئاً. ورغم ذلك، يجدر بنا أن نتذكر أن روح اليين وروح اليانغ يجب أن تكونا متوازنتين لكي تحققا الانسجام.