أين هم أصحاب العمل الحر؟ وماذا يفعلون؟

العمل الحر أكثر أنواع الوظائف تقليدية عبر التاريخ
العمل الحر أكثر أنواع الوظائف تقليدية عبر التاريخ المصدر: غيتي إيمجز
Allison Schrager
Allison Schrager

Allison Schrager is a Bloomberg Opinion columnist. She is a senior fellow at the Manhattan Institute and author of "An Economist Walks Into a Brothel: And Other Unexpected Places to Understand Risk."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتحول "الاستقالة الكبرى" (The Great Resignation) إلى أكبر لغز اقتصادي في عصرنا. ارتفعت طلبات التوظيف في الولايات المتحدة وتراجعت التعيينات، في حين يشكو أرباب العمل، بدءاً من البنوك الاستثمارية وصولاً إلى "ماكدونالدز"، من عدم تمكنهم من إيجاد العمال. أين ذهب الناس؟ هل يجربون شيئاً جديداً؛ مثل الحياة كمتعاقد مستقل أو كعامل حر؟

اقرأ أيضاً: تباطؤ نمو الوظائف بأمريكا في نوفمبر.. وانخفاض معدل البطالة

قد يفسّر ذلك أحدث أرقام الوظائف المربكة. في الشهر الماضي، أشارت دراسة استقصائية للأسر إلى أنَّ التوظيف ارتفع بنسبة 0.7%، لكنَّ دراسة استقصائية للمنشآت القائمة أفادت أنَّ التعيينات الجديدة ارتفعت بنسبة 0.1% فقط. لعل جزءاً من الاختلاف يكمن في زيادة عدد الأشخاص الذين بدأوا أعمالاً تجارية جديدة. هؤلاء سيتم استبعادهم من مسح المؤسسة، لكن سيتم اعتبارهم عاملين في مسح الأسرة. هناك العديد من الجوانب الجذابة للعمل المنفرد، إذ يتكيّف الاقتصاد لجعل العمل والتعاقد ممكناً للأشخاص من كل مستويات الدخل والمهارات. تميل الصدمات الكبيرة، مثل الوباء، إلى تسريع الاتجاهات الاقتصادية الحالية، ويمكن أن يمثل العمل المستقل ذلك التغيير الكبير.

اقرأ المزيد: مسح حكومي: زيادة وتيرة الاستقالات في أمريكا خلال أكتوبر.. وتكساس تتصدر

على أنَّ هناك احتمالاً كبيراً بأن لا يستمر هذا الاتجاه. فالاقتصاد منظم بطريقة تجعل العمل المستقل أكثر خطورة مما ينبغي، مما قد يقوّض أحد أكبر أوجه التقدّم في اقتصادنا منذ الثورة الصناعية.

تغيّر طبيعة العمل

تتطور الاقتصادات باستمرار، إلا أنَّ مقدار التغيير كان استثنائياً في السنوات الـ500 الماضية. أولاً؛ أدت الثورة الزراعية إلى تقليل عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى العمل في الزراعة، وحررتهم لينتقلوا إلى المدن؛ ثم أنشأت الثورة الصناعية نظام المصنع الذي غيّر بشكل جذري طبيعة العمل. قبل ذلك، في أوروبا وبدايات أمريكا، كان الناس مزارعين أو حرفيين في الغالب، وعلى نطاق صغير. وكانوا يعملون في منازلهم أو بالقرب منها، ويحدّدون ساعات عملهم الخاصة، ويتمتعون بالكثير من الاستقلالية. لكنَّ نظام المصنع تطلب من العديد من الأشخاص الذهاب إلى مكان واحد، لعدد محدد من الساعات، والقيام بما يقوله لهم رؤساؤهم أثناء وجودهم هناك.

اقرأ أيضاً: البنوك الكبرى أمام معضلة للحفاظ على موظفيها

وفقاً للمؤرخ الاقتصادي جويل مويكر؛ كان هذا التحوّل في البداية صعباً للغاية. فقد كانت فكرة أنَّه عليك أن توجد في مكان ما طوال اليوم، وتخضع لشخص لست مرتبطاً به؛ تتسبب بالشعور بالإهانة. كان على المصانع في البداية أن توظف المزيد من النساء والأطفال لأنَّهم كانوا أكثر امتثالاً. واستغرق الأمر أكثر من قرن من التكييف الاجتماعي (والذي كان سبباً كبيراً للتعليم الشامل)، لجعل الناس (وخصوصاً الرجال) على دراية بما نعتبره الآن علاقة عمل قياسية. لقد خدمتنا تلك العلاقة بشكل جيد. وأتى التصنيع بازدهار وأمن غير مسبوقين.

نموذج قديم

حتى قبل الوباء، بدأ نموذج المصنع يصبح قديم العهد. كما أصبح بإمكان الآلات القيام بالأعمال الروتينية، وانتقل الاقتصاد نحو المزيد من الوظائف الخدمية التي لا تتطلب إشرافاً من النوع ذاته. في الآونة الأخيرة، جعلت التكنولوجيا العمل أو التواصل خياراً قابلاً للتطبيق؛ لأنَّه بات من الممكن العثور على عملاء لخدماتك (من جميع مستويات المهارة)، من خلال منصات مثل: "أب وورك" (Upwork)، أو "تاسك رابيت" (TaskRabbit)، أو "أوبر" (Uber). كما أنَّ الحرفيين على نطاق صغير، يمكنهم العثور على عملاء على منصات مثل "إيتسي" (Etsy). ومع ذلك؛ فإنَّ العمل المستقل لم يكن قد انطلق حقاً، وغالبيته كان متمماً لوظيفة عادية.

الآن ربما زعزع الوباء الوضع الراهن بالطريقة التي تعمل بها معظم الصدمات الاقتصادية الكبيرة. أُجبر العديد من الناس على العودة إلى الطريقة التي يعمل بها البشر تقليدياً؛ أي من المنزل، وأصبحوا قادرين على تحديد ساعات عملهم، وقضاء المزيد من الوقت مع أسرهم. قد يفسّر هذا الأمر سبب ارتفاع عدد تطبيقات الأعمال خلال ذروة الوباء، مع بقائه مرتفعاً.

مرونة ودخل أعلى

معظم هذه التطبيقات مخصصة للشركات التي لا تنوي توظيف أشخاص. كما أن معدلات التوظيف الذاتي آخذة في الارتفاع. ليس من الواضح بعد ما إذا كانت ريادة الأعمال على نطاق صغير هي سبب ترك الناس لوظائفهم. ولكن على الأقل؛ يبدو أنَّ الكثير من الناس يستكشفون هذا الخيار، وهناك احتمالات بأن يحبه بعضهم. إنَّها الطريقة التي عمل بها البشر خلال معظم التاريخ، فهي توفر المزيد من المرونة في رعاية الأطفال أو حتى جدولة يومك الخاص.

لكن السؤال الآن هل سيستمر ذلك؟ لهذه الأنواع من الترتيبات فوائدها، ولكنَّها أيضاً تنطوي على مخاطر أكبر. لن يكون الدخل ثابتاً، برغم أنَّه قد يكون أعلى. أنت مسؤول عن دفع الضرائب الخاصة بك، وليس لديك إمكانية الوصول إلى التأمين الصحي لصاحب العمل، وستكون حماية أصحاب العمل أقل، بما في ذلك الحد الأدنى للأجور، وأجور العمل الإضافي. ينتج الكثير من هذه المخاطر العالية من حقيقة أنَّ اقتصادنا منظم للأشخاص الذين لديهم وظائف بأجر. تضاعف خطة إعادة البناء الأفضل (Build Back Better) التي وضعها الرئيس جو بايدن من هذا الأمر، مع متطلبات توظيف العمال النقابيين، وتهدف الإدارة إلى جعل الأمر أكثر صعوبة على منصات العمل الجماعي لتوظيف أشخاص كمقاولين أو متعاقدين. للعمل الحر العديد من الجوانب السلبية في اقتصادنا الحديث؛ مما يعني أنَّ بعض الناس سيعودون على الأرجح إلى العمل المنتظم، أو يواصلون العمل المستقل كعمل جانبي.

تكيّف المؤسسات

لا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو. تفضل مؤسساتنا العمل بأجر، وعليها التكيف مع الاقتصاد الجديد، بدلاً من محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإبقاء العمال محاصرين في نسخة صناعية من العمل. يمكن أن توفر اللوائح وسيلة للمقاولين للحصول على تأمين صحي جيد، وتأمين ضد العجز يستقل عن صاحب العمل. حاول قانون الرعاية الميسرة القيام بذلك، لكنَّ خطط السوق باهظة الثمن، وتميل إلى تقديم شبكات ضيقة مقارنة بخطط صاحب العمل. تتمثل إحدى الأفكار في أن توفر منصات العمل المستقل التأمين للمقاولين. لا يقوم الكثيرون بذلك الآن، لأنَّه قد يجبرهم على الاعتراف بالعاملين في الوظائف المؤقتة كموظفين. يمكن للحكومة وضع شرط الملاذ الآمن، إذ لا يتم تفسير تجميع العمال المستقلين لغرض شراء التأمين كقانون، على أنَّه أساس لاعتبارهم موظفين. يمكن أن توفر منصات العمل المستقل أيضاً تأميناً للإجازات المرضية أو العائلية. هناك مجال لتأمين الأجور أيضاً، إذ يتّحد عمال الوظائف المؤقتة معاً للتأمين ضد الانخفاض المؤقت في الدخل.

بدلاً من ذلك، يريد صانعو السياسة إبقاء الاقتصاد عالقاً في الماضي لحماية العمال، متجاهلين حقيقة أنَّ طريقة العمل الأكثر تقليدية تاريخياً، يمكن أن تكوّن مستقبلنا، ونحن بحاجة إلى حلول مبتكرة تتبناها.