الجيل الثالث من الإنترنت.. هاجس "واحة السيليكيون" الجديد

رسم: أنجيلا ستيمبل/ بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إذا كنت قد أمضيت وقتاً في أي من تخصصات صناعة التكنولوجيا أخيراً، فربما سمعت بالأخبار السارة بشأن الجيل الثالث من الإنترنت "ويب 3" (Web3)، والذي يعد الفصل التالي المفترض في تاريخ الشبكة العنكبوتية. فقد ولى عصر الجيل الثاني "ويب 2" (Web 2.0) الذي هيمن عليه عدد قليل من منصات التواصل الاجتماعي.

يقول مناصرو "ويب 3"، إنَّه بدلاً من الاعتماد على "فيسبوك"، والتي باتت تعرف اليوم باسم "ميتا بلاتفورمز" (Meta Platforms) لصرف الانتباه عن أي مشاعر سيئة مرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي؛ سنتمكّن قريباً من التواصل باستخدام الخدمات اللامركزية التي ستزول معها المخاوف الحالية بشأن الرقابة من قبل شركات الاحتكار التكنولوجية.

اقرأ أيضاً: دليل مختصر لشبكة "ويب3" وإعادة ابتكار الإنترنت

تعتمد تطبيقات الجيل الثالث للإنترنت على العملات المشفرة، أو الرموز الرقمية التي تتابع عملياتها من خلال تكنولوجيا "بلوكتشين". وتُوزع هذه الرموز على المستثمرين والمستخدمين الأوائل للتطبيق، ويمكن أيضاً شراؤها وبيعها عبر منصات تداول العملات المشفَّرة. ومن الناحية النظرية على الأقل، سيقدّرون ذلك عندما يتم تشغيل التطبيق. ووفقاً لشركة الأبحاث "بيتش بوك"(PitchBook)؛ استثمر أصحاب رؤوس الأموال المغامرة 30 مليار دولار في مشاريع التشفير العام الماضي. وقد استُثمر الكثير من هذه الأموال في شركات ناشئة قائمة على تكنولوجيا الجيل الثالث للإنترنت، مثل "سكاي مافيس" (Sky Mavis)، وهي الشركة المطورة للعبة "أكسي إنفينيتي" (Axie Infinity)، وهي لعبة فيديو قائمة على تقنية "بلوكتشين"، وشركة "بيت كلاوت" (BitClout)، وهي منصة اجتماعية لا مركزية يُعرف مؤسسها بالاسم المستعار "دايموندهاندس" (Diamondhands)، وشركة "أوبن سي" (OpenSea)، وهي منصة لبيع وشراء الرموز غير القابلة للاستبدال (nonfungible tokens)، والتي يعرفها هواة تجميع الرموز الرقمية اختصاراً باسم (NFTs).

اقرأ المزيد: دعوى قضائية تتهم "ميتا" و"سناب" بالمسؤولية عن انتحار فتاة

هوس العملات المشفّرة

بالنسبة إلى مناصري الجيل الثالث من شبكة الإنترنت، مثل مارك أندريسن الذي جمعت شركة رأس المال المغامر التي يملكها "أندريسن هورويتز" (Andreessen Horowitz) أخيراً 2.2 مليار دولار لإنشاء صندوق جديد للعملات المشفَّرة؛ تتيح "ويب 3" فرصة للمشاركة في مشروع أسطوري ضخم، في حين يتمتع في الوقت ذاته بطفرة مالية. (استثمرت "بلومبرغ إل بي" التي تمتلك "بلومبرغ بيزنس ويك" في "أندريسن هورويتز"). ويرى المنتقدون أنَّ هذا التوجه ما هو إلا ممارسة لعلامة تجارية صممها مستثمرو التكنولوجيا للمحافظة على الهوس بالعملات المشفَّرة. وأشاروا إلى أنَّ العديد من كبار مستثمري "ويب 3" هم الأشخاص أنفسهم الذين دعموا الجيل الثاني من الإنترنت "ويب 2" (Web 2.0). وكتب جاك دورسي، أحد مؤسسي "تويتر"، والرئيس التنفيذي لشركة "بلوك" (Block)، والتي كانت تُعرف باسم "سكوير" (Square): "إنَّها في النهاية كيان مركزي بعلامة تجارية مختلفة، وهي مستوحاة من سلسلة الكتل (بلوكتشين)".

اقرأ أيضاً: طفرة في عدد مبرمجي التشفير رغم هبوط العملات الرقمية

من جانبه، ردَّ أندريسن على نقد دورسي بحجب حسابه على "تويتر". وعندما غرّد كيلسي هايتاور، المهندس الرئيسي في قسم الحوسبة السحابية في "غوغل"، بأنَّ "ويب 3" كانت تأخذ فقط المنتجات الحالية، و"تقوم بتعدين بعض العملات المشفَّرة عليها"، أجاب مهندس في منصة تداول العملات المشفَّرة "كوين بيس" (Coinbase) بالقول: "أيام (غوغل) معدودة. نحن قادمون من أجلك. الوقت يمر".

اقرأ المزيد: تراجع حاد لـ"بتكوين" يمحو تريليون دولار من قيمة العملات المشفرة

يقول هايتاور، إنَّه فوجئ بهذا الرد: "الأمر كله لكوني في حالة حرب مع شركتك، وستكون أنت ضحية لهذه الحرب - هذا جديد".

ذروة المنافسة

من ناحية أخرى؛ فإنَّ الدفاع المرير عن هندسة الشبكة العنكبوتية يعتبر جانباً من جوانب ثقافة وادي السيليكون، شأنه شأن الـ"هاكاثون" (إذ يتعاون مبرمجو الكمبيوتر وغيرهم في تطوير البرامج) أو السترة الصوفية. تقول لي جين، وهي من مؤسسي شركة "فارينت" (Variant) للاستثمار في "ويب 3": "الناس متشددون للغاية فيما يتعلق بمعتقداتهم". وبالنسبة إلى جين؛ فإنَّ اقتصاد الويب الذي يبيع فيه الفنانون والموسيقيون الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) مباشرة إلى معجبيهم؛ سيتيح لهم استعادة الهيمنة من "فيسبوك"، و"يوتيوب"، وشركات أخرى. وهي ترى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي و"ويب 3" اليوم، ستتعايشان في نهاية المطاف، لكنَّ فكرة أنَّ "ويب 3" التي يتم استيعابها بشكل تام تسحب من تحتها البساط، هي ببساطة فكرة تؤجج مشاعر المناصرين من الجانبين، على حد قولها. وأضافت: "لقد وصلنا إلى ذروة المنافسة فيما يتعلق بمعنويات المستخدمين ضد شركات التكنولوجيا الحالية، ومنصات التواصل الاجتماعي".

تكمن المفارقة في أنَّ الشركات الحالية بدأت في الغالب بما تعِد به "ويب 3" الآن، وهو: إحداث ثورة يستفيد منها جيل سابق من الحرس القديم في مجالي التكنولوجيا والإعلام. وفي الخريف الماضي؛ وصف رجل الأعمال والمستثمر ريد هوفمان، "المثالية الجامحة" لعصر الـ"ويب 2" المبكر، والذي بدأت خلاله منصة التواصل الاجتماعي المهنية "لينكد إن". وكتب في مقال لمؤتمر مؤسسة "نايت" (Knight Foundation) حول تاريخ الإنترنت: "كانت الروح السائدة آنذاك هي تقليص القواعد، والتسلسل الهرمي المؤسسي، والمراقبة من أي نوع، مع تمكين الشبكات اللامركزية والتفاعل من الندِّ إلى الندِّ".

اللامركزية

بدأت "ويب 2" حقبة من اللامركزية، من خلال إنشاء أدوات سهّلت على أي شخص، من الناحية النظرية على الأقل، الوصول إلى جمهور عريض عبر الإنترنت. لكنَّ الشركات التي تدير شبكات التواصل الاجتماعي، جمعت أيضاً مخزونات ضخمة من البيانات الشخصية للمستخدمين، والتي استغلتها لتحقيق عوائد مالية ضخمة. وفي عام 2016، اشترت "مايكروسوفت" منصة التواصل المهنية "لينكد إن" مقابل 26 مليار دولار، فيما تتجاوز قيمة "ميتا" 900 مليار دولار.

اعتبر هوفمان أنَّ هذه كانت مرحلة النضج الطبيعي التي جاءت بعد الثورة. وقال: "لديك هذا النمط الذي يتيح الحصول على منصة لامركزية، ومن ثم تضفي أخيراً الطابع المركزي على الميزات الرئيسية التي تعمل بشكل أفضل من الناحية التكنولوجية، أو كأعمال تجارية، أو كبنية تحتية". وفي حين يقول هوفمان، إنَّه يدعم "ويب 3"؛ فإنَّه يتوقَّع حدوث الشيء نفسه، مضيفاً: "الجميع يقول، إنَّ هذا سيكون لامركزياً إلى الأبد. حسناً، لن يكون ذلك".

التحول الذي يتوقَّعه هوفمان يحدث بالفعل في عدد من المجالات الرئيسية. فقد تدخّلت أخيراً شركة "أوبن سي"، وهي منصة تداول الرموز غير القابلة للاستبدال، عندما شكا تود كرامر، وهو مالك معرض فني في نيويورك، من سرقة مجموعة خاصة به تضم 16 من الرموز غير القابلة للاستبدال، ومعظمها عبارة عن صور كرتونية لـ"قردة الضجر"، من خلال عملية اختراق للحساب. وبادرت الشركة بتجميد الرموز، من خلال جعلها عديمة القيمة بشكل فعال. وعلى الرغم من أنَّ هذا قد يبدو إجراء وقائياً معقولاً؛ فقد شكا بعض المستخدمين من أنَّه كان انتهاكاً لوعد "ويب 3"، إذ

لا ينبغي لأي كيان مركزي أن يكون قادراً على تقييد استخدام الأفراد للأصول الرقمية التي يمتلكونها. ووفقاً لهذا المنطق؛ فإنَّ قدرة "أوبن سي" على منع شخص ما من بيع رموز غير قابلة للاستبدال ومسروقة؛ هي نفسها التي يقررها موقع "فيسبوك" عندما يتم اعتبار أي شيء على أنَّه من المعلومات الخاطئة. وقالت آلي ماك، وهي المتحدثة باسم "أوبن سي"، إنَّ الرموز غير القابلة للاستبدال ما تزال تتم عبر تقنية "بلوكتشين"، وإنَّ الشركة كانت تطبق قواعد نظامها الأساسي "لضمان سلامة عملائنا، ونمو مساحة أوسع للرموز غير القابلة للاستبدال".

قد تكون هناك مبالغة في سمعة عالم التشفير كساحة مالية جديدة يسودها جنون الثراء من خلال عمليات تداول عشوائية. أظهرت دراسة حديثة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أنَّ أكبر 1000 متداول من حاملي "بتكوين" يتحكمون في حوالي 15% من جميع العملات المتداولة منذ نهاية عام 2020. وأشارت شركة "تشين أناليسيس" (Chainalysis)، وهي شركة أبحاث "بلوكتشين"، أخيراً إلى أنَّ معظم أرباح الرموز غير القابلة للاستبدال تذهب إلى المتداولين الذين يمكنهم الوصول إلى ما يسمى بالقوائم البيضاء (whitelists)، والتي تسمح لهم بشراء الرموز الجديدة قبل عرضها في السوق المفتوحة.

الاهتمام.. عملة "ويب 2"

علاوة على ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان الأشخاص العاديون سيكونون متحمّسين بشأن قوة التأثير التي ستحظى بها "ويب 3"، شأنها شأن المستثمرين في التكنولوجيا. وكانت عملة عصر وسائل التواصل الاجتماعي هي الاهتمام، الذي شجع الجميع على ممارسة حياتهم، وكأنَّهم من المشاهير، مهما كانت الظروف. وفي عصر الجيل الثالث للإنترنت؛ فإنَّ الجميع يتداولون بشكل يومي. ويعرب بعض عشاق الألعاب الإلكترونية بالفعل عن عدائهم لـ(NFTs) من خلال ألعاب الفيديو لأنَّهم يريدون فقط الاستمتاع، وليس إدارة محفظة ما. وتلقت شركات، مثل شركة التمويل الجماعي "كيك ستار"(Kickstarter)، ردود فعل سلبية بسبب إشارتها إلى اهتمامها بـ"ويب 3".

كتب تيم أورايلي، المستثمر ورائد الأعمال، وصاحب تسمية مصطلح "ويب 2"، مقالاً في ديسمبر الماضي بعنوان: "لماذا من السابق لأوانه التحمس بشأن (ويب 3)". الطريقة السائدة حتى الآن للمشاركة في "ويب 3"، هي المراهنة على العديد من الرموز المميزة، فالشبكات الاجتماعية في المستقبل ما تزال افتراضية في الغالب. ويرى أورايلي، أنَّ تاريخ التكنولوجيا هو نمط متكرر يشعر خلاله الناس بالإثارة المفرطة حيال شيء ما، وهو ما يخلق فقاعة تنفجر في النهاية، تاركة شيئاً مفيداً وراءها في بعض الأحيان. وأضاف: "أحب المثالية التي تنطوي عليها رؤية (ويب 3)، لكنَّنا كنا هناك من قبل".