هل أدرك مؤشر ناسداك الواقع أخيراً؟

لوحة إلكترونية تعرض أسعار الأسهم في بورصة ناسداك. نيويورك. الولايات المتحدة
لوحة إلكترونية تعرض أسعار الأسهم في بورصة ناسداك. نيويورك. الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
John Authers
John Authers

John Authers is a senior editor for markets. Before Bloomberg, he spent 29 years with the Financial Times, where he was head of the Lex Column and chief markets commentator. He is the author of “The Fearful Rise of Markets” and other books.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت حركة مؤشر ناسداك لافتة خلال الأسبوع الماضي، عندما كان يتحول من القمة إلى القاع عند الإغلاق، يوماً إثر آخر. فهل بدأت الأسواق أخيراً في مواكبة الواقع؟

ناقشت ليزا أبراموفيتش مع جون أوثرز الموقف الجديد بشكل تفصيلي في حلقة هذا الأسبوع من برنامج "المخاطر والعوائد" (Risks & Rewards)، وفيما يلي نص الحوار بينهما.

ليزا أبراموفيتش: كان هذا الأسبوع مضطرباً وصاخباً. وعندما ننظر إلى مؤشر "ناسداك" على وجه الخصوص –موجة البيع الكثيفة المفاجئة والتصحيح– ينبغي أن نتساءل: هل هذا هو الأسبوع الذي استيقظت فيه أسواق الأسهم أخيراً على واقع أنَّ أسواق السندات تراهن على أنَّ الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة من ثلاث إلى أربع مرات هذا العام، ويبدأ سياسة التقشف الكمي؟

جون أوثرز: ربما هو كذلك في اعتقادي. يذكرني الأمر بـ"جيرمي جرانثام"، الذي يملأ الأخبار هذا الأسبوع بسبب تكرار حديثه عن الأزمة واستدعاء الطوارئ. فقد توصل في عام 2007 إلى تشبيه مثير عندما أصابت الشروخ أسواق الائتمان، وكانت أسواق السندات في اضطراب عنيف، لكنَّ الاضطرابات في أسواق الأسهم كانت في حدودها الدنيا. وقال آنذاك، إنَّ أسواق الأسهم تشبه ديناصور برونتوصور العملاق من ناحية أنَّه إذا عضّ كائن ذيل البرونتوصور؛ فإنَّ جهاز الديناصور العصبي بدائي جداً، حتى أنَّه سيستغرق وقتاً طويلاً قبل وصول المعلومة إلى المخ حتى يبدأ الشعور بالألم. بهذا المعنى؛ فإنَّ أسواق الأسهم تشبه ديناصور البرونتوصور.

تميل أسواق الأسهم إلى أن تكون الأخيرة في رد فعلها على دلائل الأزمات المالية. وما نشهده في الوقت الراهن هي حالة من التقلبات العالية جداً. وبلغنا أبعد مما شهدناه على مدى الأشهر القليلة الأخيرة، الذي تمثل في إزاحة النجاحات الواضحة لصندوق مؤشرات "إيه آر كيه إنوفيشين" التابع لكاثي وود، والأسهم المصنفة ضمن أسهم الميم وغيرها. بدأت الأوضاع حالياً في الانتقال إلى نوع من إعادة التقييم لأسواق الأسهم ككل، والقيم التي ينبغي أن يجري التداول عليها.

اقرأ أيضاً: تزايد التخارجات من صندوق كاثي وود للتكنولوجيا بعد تراجع الأسهم

ليزا أبراموفيتش: إنَّني أندهش عندما يتحدث الناس عن إنهاء السياسة الاحتوائية. ثم تنظر إلى ميزانية بنك الاحتياطي الفيدرالي وآخر أرقامها، وكشفت أنَّ ميزانية البنك ارتفعت إلى مستوى جديد، وما زالت في توسع إلى 8.9 تريليون دولار! لذا؛ فنحن لم نبلغ درجة النضج بعد. وبرغم ذلك، فها هو الاحتياطي الفيدرالي يعقد اجتماعاً في الأسبوع القادم، ويتوقَّع كثير من الناس أن يقرر إنهاء التوسع في ميزانيته– يا للفظاعة! لن يشتري البنك سندات بعد الآن، في وقت يشهد الاقتصاد أسرع معدل للتضخم منذ عقود. غير أنَّه سيضع الأساس من أجل زيادة سعر الفائدة في شهر مارس. وإنَّني أتساءل: ما الذي غيّر الأحوال إلى هذه الدرجة الكبيرة هذا الأسبوع؟ توجد حالة من الازدواجية هنا. فمن ناحية، هناك فكرة أنَّ الاحتياطي الفيدرالي سيضطر إلى التدخل بسبب ارتفاع التضخم إلى هذا المستوى، وحقيقة ما نشهده في تضخم الأجور من أرقام الأرباح، ومن كل دليل من الأدلة القولية والعارضة. وعلى الجانب الآخر من الصورة؛ هناك مؤشرات تدل على تباطؤ الاقتصاد أيضاً.

اقرأ المزيد: "غولدمان ساكس" يتوقع رفع "الفيدرالي" للفائدة في كل اجتماعاته المقبلة

هكذا سيبدأ البنك برفع أسعار الفائدة في وقت تباطؤ سرعة النمو الاقتصادي، ومع ذلك؛ مازال يعتقد أنَّه من الملائم بالنسبة له أن يحاول خفض التضخم. لقد بلغنا وضعاً غير مناسب إلى درجة لا تصدق. فإذا لم يتخذ البنك إجراء، ربما يضطر أن يتدخل بطريقة أشد إقداماً فيما بعد. إذا وضعنا في اعتبارنا كل هذه العوامل؛ نجد أنفسنا في وضع شديد الصعوبة. ليس لدي إجابة واضحة حول ما ينبغي على البنك أن يفعل، وبوضوح أيضاً لا أعرف بأي درجة ينبغي أن تستجيب الأسواق على خلفية هذا الضعف الذي نراه أحياناً في بعض تقارير الأرباح. مثال ذلك حالة شركة "نتفلكس". إنَّ في هذه الأوضاع ضعفاً أساسياً بدرجة أعلى مما توقَّع كثيرون.

جون أوثرز: خلافا لذلك؛ من المثير جداً أنَّ شركة "بروكتر آند غامبل" حقّقت أرباحاً إيجابية مدهشة. غير أنَّ ذلك يبرهن على أنَّ الشركات تحقق أرباحاً إذا استطاعت نقل الزيادة في الأسعار إلى المستهلكين، وهذا نبأ ليس عظيماً بالنسبة للتضخم. من المثير للاهتمام حقاً أنَّ النغمة الصاعدة منذ بداية موسم تقارير الربحية –وهو موسم مهم بالنسبة لأسواق الأسهم– تؤكد على فكرة أنَّنا في حاجة إلى الالتفات إلى ضغوط ارتفاع التكاليف. وبوجه عام، لا يبدو أنَّ رؤساء الشركات على درجة التفاؤل نفسها التي يتوقَّعها الناس منهم. سيظل هذا التفاؤل دائماً نوعاً من الحوافز التي تحرك سوق الأسهم. وإحدى النقاط المهمة فيما يتعلق بما سيفعله الاحتياطي الفيدرالي؛ يتمثل في حقيقة أنَّ لدينا فعلاً مستوى مرتفعاً من التضخم حتى يبدأ عمله.

اقرأ أيضاً: التنبؤ بالتضخم.. علم كئيب فعلاً

بعض المحللين الذين يوصون بالبيع يطرح فكرة أنَّ سوق الأسهم على مدى العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية استمر أداؤها جيداً بعد قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، وكان أداؤها جيداً عندما بدأ عائد سندات الخزانة أجل 10 سنوات في الارتفاع. غير أنَّنا لم نرَ تضخماً على مدى العقود الأربعة أو الثلاثة الماضية.

إنَّ الصورة مختلفة تماماً، ولذلك يصعب أن نفهم كثيراً ما الذي يحدث. إنَّنا نفتقد إلى سابقة قريبة العهد لما يحدث عندما يرتفع التضخم إلى درجة غير مريحة كما هو حالنا الآن. وهذا ما يجعل من الصعب التكهن بصورة الاقتصاد الكلي الإجمالية.

ليزا أبراموفيتش: هل يمكن أن نركز قليلاً على توضيح هذه الفكرة التي تتعلق برفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في مسار يتسم بتباطؤ معدل نمو الاقتصاد؟ لقد كنت رائعاً في إيضاح إلى أي درجة يرتفع معدل التضخم. ما هو الرد الذي ينبغي أن يتبناه البنك المركزي في مواجهة تضخم يواصل الارتفاع؟ حتى لو اعتدل مستوى التضخم بقدر ما، و إذا انخفض إلى 5%، فما يزال أعلى من مستهدف البنك بكثير. إنَّ نمو الاقتصاد يتباطأ، ولم نشهد نفس هذه النوعية من زيادة الأجور في مستوى منخفض مقارنة بما شهدناه في البداية في أعقاب أسوأ أسابيع فترة انتشار الجائحة. فكيف نتعامل مع ذلك؟

جون أوثرز: حسناً، هذا هو السيناريو الكابوس بالنسبة للبنك المركزي. هناك طرفة قديمة حول السؤال عن الاتجاه في أيرلندا. يقولون: "إذا كنت مكانك، ما كنت لأبدأ من هنا". وهذا يشكل فعلاً أكبر مشكلة بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي. وشعوري أنَّ لحظة الفعل الاضطراري قد حانت. إنَِّ مسؤولي البنك المركزي يهتمون بمشكلة التضخم. لكن عندما تواجه تضخماً يسعى إلى الرسوخ والاستقرار فوق مستوى 5% (ومازال الوقت مبكراً جداً حتى نقول: إنَّ ذلك ما يحدث فعلاً)؛ فإنَّ هذا في حد ذاته يمثل مشكلة أمام نمو الاقتصاد.

أخشى أنَّنا نعود مرة أخرى إلى مثال بول فولكر، فقد رفع أسعار الفائدة في وقت لم يكن الاقتصاد فعلاً في حالة جيدة. وعلى المدى الطويل؛ يعتقد الجميع الآن أنَّ ما فعله كان عظيماً وبطولياً. لكنَّه في ذلك الوقت أفرز آخر وأسوأ فصول الركود الكبير في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وأشك إذا بلغنا هذه النقطة في أنَّ الاحتياطي الفيدرالي سيواصل رفع أسعار الفائدة، ويتأكد من أنَّه تعامل مع مشكلة التضخم. غير أنَّني لا أتحمس لهذا الاحتمال.

ليزا أبراموفيتش: لا أعتقد أنَّ أحداً ينبغي أن يتحمس له، ومع ذلك بدأ عدد كبير من الناس يفكرون فيه. ماهو رأيك في موجة البيع الكثيف والمفاجئ لأسهم التكنولوجيا؟ هل هناك حديث متزايد عن شراء الأسهم عند هبوطها، أو أنَّ الحديث يزيد عن بداية شيء أكبر؟

جون أوثرز: إنَّ الحديث يزيد عن بداية شيء أكبر. لكن مرة أخرى، هذا حديث غير علمي. وهو يذكرني كثيراً بصيف عام 2007، عندما بدأت أزمة الائتمان –عندما استخدم جيرمي غرانثام تشبيه ديناصور البرونتوصور لأول مرة– وقد بدأنا ندرك ما شهدناه في مؤشر "ناسداك" خلال الأيام القليلة الأخيرة، وهو تغيّر كبير في الحركة من أعلى إلى أسفل عند الإغلاق، يوماً بعد آخر. وفي هذا الوقت بالأساس بدأ الحديث عن مفهوم الإقدام على المخاطرة والابتعاد عنها. غير أنَّ أسهم التكنولوجيا ينظر إليها الآن على هذا النحو: "مهما كانت المشكلة؛ فإنَّ الأسهم الكبيرة في قطاع التكنولوجيا (فانغ FAANG) محصنة ضدها". أنت تعرفين النصيحة: عندما تكون أوضاع السوق جيدة؛ اشترِ أسهم التكنولوجيا الكبيرة (FAANG)، وعندما تكون أوضاع السوق سيئة؛ اشترِ أسهم التكنولوجيا الكبيرة (الاختصار يشير إلى أسهم فيسبوك، وأمازون، وأبل، ونتفلكس، وغوغل). هذه النفسية تغيّرت بوضوح. إنَّ طريقة الناس في البيع والشراء طريقة مربكة جداً. أنا لا أقول، إنَّ الفرص مرتفعة كما كانت أثناء أزمة الائتمان. لكن طريقة الناس في التعامل والاستيعاب شبيهة جداً. وهذا ما يضايقني. هل لديك أي تفسير لأنَّ الناس أصبحوا أكثر توتراً خلال الأسابيع القليلة الماضية؟

ليزا أبراموفيتش: الرواية الكبرى هي أنَّ أسهم التكنولوجيا الكبيرة متشظية، هل هذا صحيح؟ يحب توم كين أن يقول إنَّه يكره هذا اللقب (فانغ) بسبب أنَّ مجال عمل هذه الشركات متفرق ومتنوع من ناحية اختلاف الصناعة التي تعمل فيها كل شركة منها. وهكذا تجد "نتفلكس" تعلن عن توقُّعات شديدة الانخفاض للاشتراكات بخدمتها في الربع الأول من العام، ثم تخسر أسهمها 20% من قيمتها، وهو أمر جنوني في ضوء حجم الشركة الكبير، وتأثيرها في أداء المؤشر. غير أنَّنا في الأسبوع نجد تراجعاً في أسهم "أبل"، ثم "مايكروسوفت"، وبعض الشركات العملاقة التي لديها ميزانيات حصينة، وأرقام هائلة من التدفقات النقدية. والمسألة الجديرة بالنظر هي إذا كنا سنرى تراجعاً من ناحية الطلب على أسهم هذه الشركات العملاقة. شاهدنا ذلك في قطاع تجارة التجزئة، ورأيناه في هوامش بعض القطاعات، غير أنَّه ربما لا يكون أمراً عادياً.

إنَّ شركة "نتفلكس" لها طبيعتها وظروفها الخاصة، من ناحية المحتوى وكل شيء، ومن ناحية ارتفاع الطلب عليها أثناء انتشار الجائحة. لذلك يقول كثير من الناس، حسناً، عليك الانتظار حتى تتقدّم خطوة إضافية قليلة، ثم تبدأ في التعامل مع الفرص بحذر أكثر. لا يبدو أنَّ الوضع شديد الاضطراب، ولا يبدو أنَّ الأرض تنهار تحت أقدامنا، غير أنَّ ما أشرت إليه الآن معبر جداً. كان أداء مؤشر "ناسداك" سلبياً للغاية في بداية يوم التداول، ثم تحول إلى أداء إيجابي، وظل يتراوح في تلك المنطقة. وهو ما تتحدث عنه الآن. لقد تسارعت خسائر المؤشر. إذاً؛ هل يتعلق الأمر بأناس يضاربون، ويحاولون شراء القاع، ثم يجنون الأرباح فوراً ومباشرة، ويفتقدون إلى الالتزام؟ وهل هذا يشير إلى المضاربة على الأسهم بدلاً من الاستثمار فيها؟ وإلى أي مدى يكشف ذلك حقاً عن حالة الاضطراب والتقلب الراهنة؟