كيف يختلف تشديد "الفيدرالي" الحالي عن 2015؟

جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يستعد "الاحتياطي الفيدرالي" لفترة من رفع أسعار الفائدة هي الأكثر تشدداً منذ عقود، لكنها تختلف كثيراً عن دورة رفع الفائدة لعام 2015.

أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الأسبوع الماضي أن الاقتصاد "في وضع مختلف" عن آخر دورة رفع لأسعار الفائدة، مسلطاً الضوء على سوق عمل ذو معروض أقل من العمالة، تزامناً مع تضخم هو الأسرع منذ الثمانينات، ونمو اقتصادي أقوى.

في المرة الماضية التي رفع فيها البنك المركزي أسعار الفائدة من الصفر في 2015، كان الاقتصاد يخرج ببطء من الأزمة المالية العالمية وركود طويل اتسم بضعف الوضع المادي للأسر. أما في هذه المرة، يلعب الاحتياطي الفيدرالي دور اللحاق بركب التضخم المرتفع لأعلى مستوى منذ عقود والانتعاش السريع في الطلب من صدمة كوفيد-19.

لترويض الأسعار، يستعد باول وزملاؤه لبدء رفع أسعار الفائدة في مارس، لتكون الأولى بين ثلاث زيادات متوقعة على الأقل في عام 2022، وفقاً لاقتصاديين في وول ستريت، ويرى البعض زيادات في كل من الاجتماعات السبعة المتبقية العام الجاري. قال الفيدرالي الأسبوع الماضي إنه سيكون "يقظاً" و"يتحرك بثبات"، مقابل تأكيده في 2015 إنه سيتحرك بوتيرة "تدريجية".

"الاحتياطي الفيدرالي" قد يحتاج إلى أكثر من 4 زيادات للفائدة في 2022

قال رايان سويت، رئيس أبحاث السياسة النقدية في "موديز أناليتكس": "الوضع مختلف كاختلاف الليل والنهار، ففي المرة الأخيرة التي كنا نرفع فيها أسعار الفائدة، كان الفيدرالي يرفع الفائدة تحسباً لعودة التضخم إلى 2%، والآن يرفعون الفائدة في بيئة يحاولون فيها خفض التضخم إلى المستوى المستهدف".

وفي مؤتمر صحفي يوم الأربعاء، قال باول إن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة "تفكر" في رفع أسعار الفائدة في مارس، ولم يستبعد رفع الفائدة في كل اجتماع لترويض التضخم، كما قال إن سوق العمل تتماشى مع حالة التوظيف الكامل، مشيراً إلى وفرة الوظائف وارتفاع الأجور.

في ما يلي نظرة على العوامل الثلاثة الرئيسية التي ذكرها باول كنذير لما قد تكون الدورة الأكثر تشدداً لرفع الفائدة خلال عام واحد من قبل الفيدرالي منذ عقود:

التضخم

اليوم، بلغ التضخم أعلى مستوياته منذ ما يقرب من 40 عاماً، وارتفعت أسعار المستهلك بشكل كبير بسبب مزيج من قيود سلاسل التوريد - المدفوعة بإغلاق الاقتصاد الناجم عن كوفيد-19 وإعادة الفتح السريع على مستوى العالم - وندرة عمال التصنيع والتوصيل، ويعني ذلك في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وخاصة في المدن الأصغر في قلب الدولة، أن التكاليف المرتفعة ستنتقل إلى أسفل سلسلة التوريد لأشهر مقبلة.

موجة بيانات التضخم في أمريكا تعزز توجه "الاحتياطي الفيدرالي" إلى رفع الفائدة

وتشير أحدث الأرقام إلى تصاعد الضغوط، وارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يقيس ما يدفعه الأمريكيون مقابل السلع والخدمات، بنسبة 5.8% في ديسمبر عن العام السابق، وهو أعلى مستوى منذ عام 1982.

ارتفعت تكاليف التوظيف عن نفس الشهر في 2021 بأكبر قدر خلال عشرين عاماً، ويخشى بعض الاقتصاديين من أن يؤدي ذلك إلى إثارة دوامة الأجور والأسعار، التي يرفع فيها أرباب العمل الأسعار أكثر لتعويض ارتفاع رواتب العمال.

قالت أنيتا ماركوسكا، كبيرة الاقتصاديين الماليين الأمريكيين في "جيفريز": "في ذلك الوقت، كانوا يحاولون استباق التضخم وارتفاع الأجور، أما الآن، فهم ليسوا متقدمين وإنما متأخرين كثيراً".

سوق العمل

يعتبر سوق العمل اليوم في وضع أفضل وفق العديد من المعايير تاريخياً، ارتفعت نسبة العمالة إلى عدد السكان للعاملين في سن الرشد - أو نسبة الموظفين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و54 عاماً من السكان - إلى 79% في ديسمبر، أي أعلى من فترة 2015، وانخفض معدل البطالة حالياً إلى 3.9%، مقابل 5% قبل ست سنوات.

ارتفاع مفاجئ للوظائف الشاغرة في الولايات المتحدة خلال ديسمبر

ما تزال فرص العمل قريبة من المستويات القياسية، ووصلت نسبة الأشخاص الذين يتركون وظائفهم للآخرين لأعلى مستوى على الإطلاق، وهذه فقط بعض العوامل التي تساهم في ارتفاع الأجور.

"لدينا سوق عمل يتَّسم بمعروض عمالة منخفض إلى حد ما، بجانب نقص في العمالة والذي يرتبط في الغالب بالوباء، وهذا من شأنه دفع الضغوط التصاعدية على الأجور"، حسبما قال سويت.

يعتمد الفيدرالي على القوة المستمرة في سوق العمل مع اتجاه صانعي السياسات لرفع الفائدة، وفي الوقت نفسه، أصبحت وجهة نظر البنك المركزي للتوظيف الكامل تتضمن الآن تركيزاً متزايداً على الأقليات، التي لا تزال متخلفة عن عموم السكان: ارتفعت البطالة بين السود في ديسمبر رغم انخفاضها بين الأمريكيين البيض.

الأسواق

يُبدي الفيدرالي تفاؤلاً أكبر بشأن النمو الاقتصادي هذه المرة، ووفقاً لأحدث توقعات البنك المركزي، سيتوسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4% العام الجاري، أي أكثر من ضعف الوتيرة المتوقعة على المدى الطويل، أما في ديسمبر 2015، فتوقع الفيدرالي ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.4% في العام التالي.

وتدعم هذه النظرة المتفائلة توقعات الإنفاق الاستهلاكي القوي، إذ تتمتع الأسر بسيولة عالية بفضل ارتفاع سوق الأسهم الذي ساعد في إضافة تريليونات الدولارات إلى ثروة الأسر أثناء الوباء، بالإضافة إلى التحفيز الحكومي غير المسبوق والتقييمات القياسية للمنازل. وفي المقابل، كان انهيار سوق الإسكان، بالطبع، السبب الرئيسي لركود عام 2008 الذي سبق دورة التشديد في عام 2015.

سوق السندات تتأهب لمسار وعر بعد تغيير قواعد لعبة "الفيدرالي الأمريكي"

أيضاً لدى سوق الخزانة لهجة مختلفة كثيراً هذه الأيام، إذ يٌسعِّر المتداولون حالياً متوسط معدل تضخم سنوي يقارب 2.9% من الآن حتى يناير 2027، في مقابل توقعات بلغت 1.2% في ديسمبر 2015.

ما تزال مقاييس مخاطر الائتمان دون مستويات ما قبل الوباء، ما يشير إلى رؤية المستثمرين لمسار يشدد فيه الفيدرالي السياسة دون تدمير نفاذ الشركات إلى التمويل.

عائدات السندات الحكومية