استراتيجيات إدارة الأزمات التي يستخدمها المديرون التنفيذيون اليوم

المصدر: كاتيا دوروخينا/ بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تخيَّل أنك على ارتفاع 28 ألف قدم (8534 متراً) على جبل إيفرست، وتسير آخر ألف قدم نحو القمة، ووقع خطأ فظيع، ربما الانعكاس على الثلج الأبيض يزعجك، أو تعطلت بعض المعدات المهمة، أو انهار صديق يرافقك. يندفع المتسلقون القريبون من المكان للمساعدة، وليست لديهم سوى ثوانٍ فقط للاستجابة، في بيئة منخفضة الأكسجين.

ما الدرس الذي يستفيده القادة؟ جرى التحضير لهذا السيناريو قبل أسابيع، في هواء غني بالأكسجين، وكان رئيس البعثة يوجه المتسلقين خلال المواقف المحتملة ويدربهم وفقاً لذلك.

اقرأ أيضاً: ساسة وقادة أعمال وبورصات عملات مشفرة يواجهون عاماً مليئاً بالتحديات

استخدم دوغلاس هيكس، عميد كلية أكسفورد في جامعة إيموري، سيناريو إيفرست هذا في مقدمة تدريب فصل القيادة منذ عام 1999. كان السيناريو في الأصل جزءاً من الدرس الذي يعلمه حول كيفية تعامل القادة مع الأزمات الشديدة، لكنه أدرك مؤخراً أن فرضيته الموثوقة في جبال الهيمالايا كانت ذات صلة بشكل خاص بالرؤساء الذين يدخلون الآن العام الثالث لجائحة كورونا. يقول هيكس: "انتقلنا إلى وقت يمكن أن تتغير فيه السيناريوهات بسرعة كبيرة جداً، ويمكن أن تنقلب رأساً على عقب خلال ستة أسابيع. أضف إليها سرعة اتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الممكن التحول من النظرة الإيجابية إلى النظرة السلبية والعودة مرة أخرى في دقائق أو ساعات، بدلاً من أيام أو أسابيع".

اقرأ المزيد: نصائح في إدارة الوقت لتعزيز الإنتاجية ومقاومة التأجيل

للتكيف مع هذه البيئة المضطربة يزداد توجُّه القادة نحو استراتيجية كانت مخصصة في السابق للأحداث غير المتوقعة أو المتطرفة. بدلاً من اتباع خطة، يحددون مجموعة من السيناريوهات التي قد تظهر، والاستجابة التي قد يتطلبها كل منها. من الصعب التقليل من حجم التحول الكبير بالنسبة إلى المديرين التنفيذيين. يقول ثيودور كلاين، المخضرم طوال 40 عاماً في الإدارة التنفيذية، وهو الشريك الإداري في مجموعة "بوسطن استراتيجي" (Boston Strategy) ودرّس الإدارة في جامعة بوسطن وكلية بوسطن: "لقد أغلقت الجائحة الباب على قيمة التخطيط الدقيق. بات الغموض والعواقب غير المقصودة والبيئات سريعة التغير هي القاعدة الآن، ويجب على المديرين التنفيذيين إدماج أساليب قيادة جديدة".

كيفية تخطيط السيناريوهات

وظّفت المناطق التعليمية سيناريو القيادة على نطاق واسع على مدى أجيال. هل سيكون الغد يوماً مثلجاً؟ من يعرف. ولكن إذا تشكّل الجليد على الطرق بين عشية وضحاها، فسيعرف الآباء والمعلمون والموظفون والطلاب ما ستفعله المدرسة: عند الساعة 6 صباحاً سيحدد مسؤول المدرسة ما إذا كان يجب إغلاقها، أو فتحها بعد ساعتين من بداية الدوام العادي. سيصل القرار إلى الآباء عبر الرسائل النصية والبريد الإلكتروني، وستعلن محطات الأخبار المحلية عن التحديثات في الوقت الفعلي. سيحصل سائقو الحافلات على جداول مواعيد تأجيل الافتتاح، وسيرسل المئات من الآباء العاملين رسائل إلكترونية سريعة إلى رؤسائهم ويطلبون من جيرانهم معروفاً لمجالسة الأطفال. سيحدث كل هذا خلال أقل من 90 دقيقة من إرسال الإشعار، وسيترك أثره في عشرات أو مئات الآلاف من الأشخاص.

اتضح أن نهج هذا السيناريو مناسب تماماً لبيئات العمل أيضاً. ظهر مستوى مفاجئ من الإجماع بين المديرين والمديرين التنفيذيين حول كيفية القيام بذلك، حتى لو استخدموا مفردات وصوراً مختلفة على نطاق واسع للتعبير عن تخطيطهم للطوارئ.

أولاً، تجتمع الفرق لتبادل الأفكار حول جميع السيناريوهات المحتملة التي قد تظهر في العامين المقبلين. هل يمكن أن يغلق العالم؟ هل يمكن للباندا إخراج سلسلة التوريد الخاصة بك من العمل في آسيا؟ يقول هيكس إن الحاجة إلى هذا النوع من البصيرة الإبداعية تتطلب من الأشخاص في الأدوار التنفيذية أن يكونوا من أصحاب الخيال الواسع إلى حد كبير.

فريق متنوع المعارف

توصي كاندي غونغورا، كبيرة مسؤولي التحول والأفراد في مجموعة "غودواي غروب" (Goodway Group)، وهي شركة تسويق رقمي مقرها في مدينة نيويورك، بتعيين "فريق متنوع المعارف" لتخيل كل سيناريو وتحديد الموارد التي قد يتطلبها كل منها، والإجراءات التي ستتبعه. قد يشير المهندس إلى أن الموظفين يحتاجون إلى طريقة للاتصال بالإنترنت في حالة انقطاع الكهرباء أو خدمة الإنترنت، ويؤكد عالم النفس التنظيمي أنه لا يمكن الاعتماد على الموظفين الذين يعانون من الإجهاد الشديد إلا لبضع ساعات من العمل المركز في اليوم.

بعد ذلك، طلبت غونغورا من فريقها تصور "مخروط عدم اليقين" لكل سيناريو، الذي يشبه الخريطة التي يستخدمها خبراء الأرصاد الجوية للتنبؤ بمسار الإعصار. الهدف هو تحديد كيفية تأثير كل سيناريو على العملاء والموظفين والعمل، وتوقع كيف يمكن للحدث أن يغير اتجاهه أو مساره بشكل غير متوقع. على سبيل المثال، في حالة الإعصار تظهر عدة مناطق في المخروط حتماً مشمسة وجافة، فيما قد تجد المناطق المجاورة ذاتها مغمورة بالمياه أو من دون كهرباء، رغم عدم تعرضها للإصابة مباشرة.

يكمن الأساس، كما يقول نيك درو، الرئيس التنفيذي لمركز القسائم الإلكترونية "ويثريفت" (Wethrift)، في التحديد الواضح لنقاط الانطلاق التي تحدد متى يجب اتخاذ الإجراء في كل سيناريو. أنتم على دراية بهذا أيضاً: يعلن معظم المناطق التعليمية عن إغلاق بسبب العواصف بحلول الساعة 6 صباحاً أو 6:30 صباحاً. الوقت هو نقطة الانطلاق. يقول درو: "تريد أن تكون واضحاً للغاية بشأن تحديد متى ستوضع كل المحفزات موضع التنفيذ". يستخدم فريقه المخططات الفقاعية لتصور "ماذا لو" و "ماذا لو الفرعية".

تطوير السيناريوهات

تُعَدّ عملية تطوير السيناريوهات هذه تدريباً أساسياً للمديرين الصاعدين، الذين سيتعلمون التوقف عن تشبيك أصابعهم والعمل بدلاً من ذلك على توقع الظروف المتغيرة، كما يقول الخبير الاستراتيجي في القيادة جيفري ديكمان، ويضيف: "يكسر هذا نمط استخدام الاتجاهات السابقة لتطوير خطط مستقبلية، ويعلم أيضاً كيف تملي الظروف الإجراءات التي تؤدي إلى النتائج".

لدى ديكمان فرق تفكر ملياً وتناقش القدرات والموارد اللازمة للعمل الناجح في ظل تلك الظروف، مثل القوى العاملة والتمويل. لا تفكر في الدليل إلى السيناريوهات التالية كخطة استراتيجية، بل كـ"وثيقة حية تواكب التغييرات الناشئة"، كما يقول ديكمان، الذي ينصح بإجراء إعادة تقييم شهرية.

كيف يمكنك في الواقع القيادة باستخدام السيناريوهات؟

قبل أن تمد يدك لتناول المهدئ الخاص بك، عليك أن تعلم أنه لا حاجة إلى التعمّق في تفاصيل ثلاثين خطة تنبع من عشرات السيناريوهات. يمكن تشبيه القيادة اليوم بوضع المدرب الرئيسي في موسم كرة قدم لا ينتهي. في كل مباراة قد يحتاج الفريق إلى استخدام مجموعة لا حصر لها تقريباً من الخطط والردود، ولكن من الآمن القول إنّ اللاعبين لا يحفظون كل سلسلة من الأحداث المحتملة عن ظهر قلب (فلا يفعل ذلك إلا خبراء الشطرنج). يحفظ لاعبو كرة القدم استراتيجيات قواعد اللعبة ويتقنون مفردات مشتركة، ثم يتفاعلون وفقاً للغريزة. إنهم يعرفون النظرة العامة لكل سيناريو ويستجيبون لها.

لا تحتاج إلى العشرات من الخطط التفصيلية، بدلاً من ذلك يمكن للاستجابات المطبقة جيداً لأحداث سابقة مماثلة، مثل الطقس أو الصحة أو حالات الطوارئ المتعلقة بالسلامة، أن تفيد في الاستجابة للسيناريوهات الجديدة في الوقت الفعلي. يقول هيكس: "نحن نستخدمها كحالات سابقة لنتمكن من إيجاد طريقنا". ويضيف أن مشاركة السيناريوهات والاستجابات المتوقعة مع الموظفين، خصوصاً مديري المستوى المتوسط، أمر حتمي، ولذلك تتخذ الإجراءات، "فكلما زاد التواصل كان الوضع أفضل".