هل يرتفع البحر ويغرق حلم كاليفورنيا؟

إلى أي مدى يمكن لهذا المنظر أن يصمد؟
إلى أي مدى يمكن لهذا المنظر أن يصمد؟ المصدر: غيتي إيمجز
Francis Wilkinson
Francis Wilkinson

Francis Wilkinson writes about U.S. politics and domestic policy for Bloomberg Opinion. He was previously executive editor of the Week, a writer for Rolling Stone, a communications consultant and a political media strategist.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لكي تتمكن من الوصول إلى شاطئ ستينسون في كاليفورنيا، حيث هدية الطبيعة التي لا نستحقها، عليك أن تسلك الطريق السريع رقم (1) كثير التعرجات، والذي يمر عبر مقاطعة مارين بعد عبور منتزه أشجار الخشب الأحمر "موير وودز الوطني مونيومنت"، حيث الصخور المتلألئة، وغابات شابارال، والأعشاب على الطريق الساحلي باتجاه جبل تامالبايس. يقال، إنَّ قطار السكك الحديدية الذي يمر بمدينة ميل فالي، وجبل تامالبايس ذي المناظر الخلابة، قد توقف منذ فترة طويلة نظراً لوجود 281 "منحنى حاداً" في رحلته التي يبلغ طولها 8 أميال للوصول إلى القمة، في حين يتضمن الطريق السريع الأول عدد المنحنيات ذاته على الأقل، والتي توجد بشكل متكرر إما لمرور السيارات بطيئة الحركة، أو حافلات المقاطعة، إلى جانب الإشارات الضوئية المتكررة التي تنشط بمجرد وصول العدد إلى 5 سيارات. فالتنظيم في كاليفورنيا أساسي، ويرتبط بها مثل جمالها الصارخ.

اقرأ أيضاً: توقعات بارتفاع مياه السواحل الأمريكية بوتيرة أسرع من المائة عام الماضية

لا يمكن لأحد أن يقود السيارة هناك بسرعة. أولاً: أنت لا تستطيع ذلك، وثانياً: من الذي يريد ذلك؟ إذ تهيمن الشمس أو الظل على المنحنيات المتتالية، والتي تتكون مليئة بطرق التنزه، والمشي لمسافات طويلة في كل اتجاه، مع انحدار الجبل باتجاه الغرب، هناك تشعر بأولى نسمات البحر. عندما تصل إلى الطريق الذي يطل على شاطئ "موير" في منطقة "غولدن غيت ناشيونال ريكريايشن إيريا"، ثالث المنتزهات الوطنية في الولاية التي يجتازها من يعبر ذلك الطريق القصير والتي يفضل التوقف عندها.

اقرأ المزيد: ما الذي لا يفهمه حتى خارقي الذكاء حول تغير المناخ؟

من موقف السيارات، يمكنك السير في طريق باتجاه حافة المنحدرات، إذ تنتظرك بانوراما استوديو "رو باور". لا يمكن رؤية شاطئ ستينسون من هنا، لأنَّه قد اختبأ بين المنحدرات في الشمال. ولكن باتباع الجبل نحو الأسفل، ستصل إلى مصدر جمال شاطئ ستينسون وسبب زواله أيضاً في نهاية المطاف. إنَّه المحيط الهادئ.

تطل المياه على جانب واحد من شريط الرمال الضيق لشاطئ ستينسون، الذي يبدو مائلاً بشكل غير متناسق، كما تبدو الشمس وكأنَّها تشرق في الجنوب فوق المحيط الهادئ. تهيمن الحدائق الجبلية التي ترتفع شرقاً لتلامس السماء على الجانب الآخر، في حين تمثل بوليناس لاغون في الشمال والشرق حاجزاً خلاباً.

يمكنك قيادة سيارتك إلى سان فرانسيسكو في غضون ساعة من هناك، أو يمكنك السير على الشاطئ اللامع والرمل ما يزال في حذائك، وبعد 5 دقائق تتسلق ممراً جبلياً، حيث يزداد الهواء برودة ورائحة طيبة مع كل خطوة.

منطقة الأثرياء

ليس غريباً أن يزخر شاطئ ستينسون بالأثرياء، إذ تقدّر مجموعة "زيلو" (Zillow) صاحبة المنصة الإلكترونية الشهيرة لبيع وشراء العقارات، متوسط قيمة المنزل هناك بنحو 4.4 مليون دولار. ويمكنك من خلال بحث سريع على الإنترنت أن تعرف أنَّه يمكنك أن تدفع أكثر من ذلك. كما تعد مقاطعة مارين، من أغنى المقاطعات الأمريكية منذ وقت طويل.

اقرأ أيضاً: مبيعات المنازل الفاخرة في الولايات المتحدة تقفز 35% خلال 2021

على الرغم من الأخطار الطبيعية المتعددة وعدم المساواة والفقر، تبقى ولاية كاليفورنيا مكاناً يزخر بأصحاب الثروات الهائلة، والتي تم تكوين العديد منها في وادي السيليكون القريب وسان فرانسيسكو. ويظهر مجتمع ستينسون مثل دمية ماتريوشكا الصغيرة التي تقع بين دميتين أكبر، في حين تزخر الثلاث بالثروة.

الحماية من الغرق

لكنَّ ثروة كاليفورنيا وحكومتها الناشطة، من المؤكد أنه لن يكون بمقدورهما حماية شاطئ ستينسون وغيره من المدن الساحلية المنخفضة عن سطح البحر. فمن المتوقَّع أن يرتفع المحيط هناك بنحو 5 - 6 بوصات بحلول عام 2030، على أن يواصل الارتفاع بسرعة، وربما بنحو 7 أقدام بحلول عام 2100، دون وجود أي مؤشرات على الوقت الذي يمكن أن يتوقف فيه ذلك الارتفاع.

مهما كان ما شهده ساحل كاليفورنيا على مدى القرن الماضي، لن يكون مثل ما يمكن أن يشهده من غرق في هذا القرن. فالتوقُّعات الوحيدة المتاحة تتعلق بمدى ارتفاع المياه. ويعتمد ذلك بشكل نسبي على معدل انبعاثات الكربون العالمية، وكيفية تفاعل الأرض المنخفضة المعرضة للغرق أو المرتفعة مع تقدم البحر، كما يتوقَّف أيضاً وبشكل نسبي على مصير مخزونات الجليد غير المستقرة في أماكن بعيدة.

اقرأ أيضاً: فقدان الجليد.. مخاطر بيئة متزايدة وأضرار اقتصادية جسيمة

مخاطر ذوبان الجليد

أرسلتُ بريداً إلكترونياً إلى غاري غريغز، أستاذ علوم الأرض في "جامعة كاليفورنيا" في سانتا كروز، وعميد الدراسات الساحلية في كاليفورنيا، للحصول على دورة تعليمية قصيرة بشأن طريقة تحليله لذوبان الجليد، وأثر ذلك في ارتفاع البحر.

قال لي غريغز، إنَّ الجليد على الكوكب يوجد في الأساس في ثلاثة أماكن: في الأنهار الجليدية الجبلية، وغرينلاند، وأنتاركتيكا. وأوضح أنَّه إذا ذابت الأنهار الجليدية الجبلية؛ سيرتفع مستوى سطح البحر حول العالم بنحو قدمين؛ أما إذا ذابت غرينلاند، فسيرتفع بنحو 24 قدماً إضافية؛ وإذا ذابت القارة القطبية الجنوبية سيصل إلى 190 قدماً إضافية.

تابع غريغز قائلاً: تتآكل الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية الضخمة في القارة القطبية الجنوبية بشكل أساسي، عن طريق الأرفف الجليدية العائمة والتي تشبه الفلين في زجاجات الشمبانيا، فإذا تمت إزالتها، يتسارع ذوبان الأنهار الجليدية.

بحسب غريغز؛ فإنَّ ما يتم توثيقه هو أنَّ ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي تؤدي إلى ذوبان تلك الأرفف الجليدية العائمة من أعلى، في حين تتعرض للذوبان من أسفل بسبب ارتفاع درجة حرارة المحيط، مما يزيد من وتيرة عدم استقرارها. ولا يمكن لتلك المنحدرات الجليدية أن تتوقف إلا عند منحدرات قوية قبل أن تنهار، وكذلك الأرفف العائمة والتي يمكنها أن تمتد بعيداً قبل أن تذوب. ويشبه انهيار الجليد الذي يلتهمه الجو الدافئ والماء الدافئ مهاجمة أسماك القرش لصديق حميم. الأمر ببساطة هو أنَّ الجليد يختفي ليظهر على بعد آلاف الأميال على شاطئ ما، أو في الفناء الأمامي لمنزل بحري. فالجليد أكثر العناصر التي لا يمكن التنبؤ باتجاهاتها وتأثيرها في ارتفاع البحر، ومن المحتمل أن تأخذ مساراً أقل كارثية مما يعتقد العديد من الخبراء. لكن الأمر لا يحتاج ذوبان الكثير من الجليد للتعرض لمشكلات خطيرة. فارتفاع مستوى المياه بمقدار قدم أو قدمين عن سطح البحر، يمكن أن يتحول إلى فيضانات أفقية بمئات الأقدام، خصوصاً أنَّ البحر يرتفع من تلقاء نفسه، ومن دون ذوبان الجليد.

شواطئ مهددة

يضيف غريغز أنَّ التوقُّعات الحالية تشير إلى احتمال اختفاء ثلثي الشواطئ الشهيرة في جنوب كاليفورنيا تحت الماء بحلول عام 2100، كما سيختفي شاطئ ستينسون أيضاً ما لم تُواجه الأزمة بمهارات علمية استثنائية وتنسيق سياسي أيضاً. وفي هذا السياق، يشير تقرير لمقاطعة مارين إلى أنَّ نحو 70% من منازل ستينسون ستكون "عرضة" للفيضانات بحلول النصف الثاني من هذا القرن.

لا توجد طريقة طبيعية لإعادة المحيط أو منع تقدمه، فقد أنفقت مدن كاليفورنيا مبالغ كبيرة على إقامة أسوار بحرية، و"حواجز" ساحلية، دون التأكد من تحقيق نتائج مشكوك فيها، وغالباً ما تقوم بدور محدود لفترة قصيرة. لا تشجع "لجنة كاليفورنيا الساحلية" الحواجز البحرية، ولا تؤيد الموانع وما شابه ذلك، وتزيد من الإجراءات التي تعقد تركيب مثل تلك الحواجز.

ضرر حواجز الحماية

يوضح التقرير الصادر عن برنامج القانون والسياسة البيئية في "كلية الحقوق بجامعة ستانفورد" عام 2015 سبب ذلك كالآتي:

هناك تصور شائع بأنَّ الحواجز الشاطئية تحمي الساحل على الرغم من أنَّ تلك الحواجز قد تحمي الممتلكات بشكل مؤقت من تعدي البحر عليها، لكنَّها تسرع من وتيرة تآكل الشواطئ التي تتعرض للتعرية على المدى الطويل. وبشكل أوضح؛ عند وضع تلك الحواجز على شاطئ متآكل أو متراجع؛ فإنَّ الهياكل التي تمثل دروعاً سوف تؤدي إلى تضييق الشاطئ واختفائه في النهاية. كما أنَّ طاقة الأمواج المنعكسة عن هياكل حماية السواحل تقوض الشاطئ، ويمكن أن تسرع تآكل السواحل المطلة أمام تلك الحواجز، كما تؤثر في الشواطئ المجاورة وتعرضها للضرر، مما يجعلها تحتاج إلى المزيد من الحواجز هي الأخرى.

يمثل حفر الرمال وضخها في بعض الشواطئ علاجاً فعالاً لمواجهة التعرية، لكنَّه مكلف، فقد استمرت مدينة كيب ماي في ولاية نيوجيرسي في تجديد رمال شاطئها على حساب دافعي الضرائب لمدة قرن من الزمان. لكنَّ مقاطعة سان دييغو أنفقت الملايين على تجديد الشاطئ لترى الرمال الجديدة تستسلم بسرعة للبحر. لقد أصبح تجديد الموارد أكثر صعوبة في مواجهة الارتفاع المستمر لسطح البحر، ومن الصعب تكديس الرمال على شاطئ تغمره المياه بشكل متزايد.

اكتسب مصطلح "التراجع المُدار" شهرة واسعة في السنوات الأخيرة بين علماء البيئة. وليس مصادفة أن يستخدم العلماء ودعاة البيئة المصطلح أكثر من السياسيين. ما الذي سيتراجع؟ إلى أين؟ من الذي ستكون لديه السلطة لإدارة ذلك التراجع؟ وكيف؟ في حالة ستينسون، وإذا أقنعتهم بطريقة ما بالتراجع عن شاطئ البحر، سيكون اندفاع المدينة بسرعة نحو الجبل، إذ لا يوجد شاطئ ثانوي يمكن التراجع إليه. ولكن ماذا عن أصحاب المنازل المطلة على البحر التي تبلغ قيمتها 6 ملايين دولار، والتي تمثل شريحة تتمتع بنفوذ سياسي اعتادت على الحصول على ما تريد بطريقتها؟ سيطالبون بالتعويض. من سيدفع؟ كيف؟ وكم الثمن؟

لعبة حظ

الحكومة التي تتفاعل بنشاط مع المجتمع الثري أدركت منذ فترة طويلة تهديد ارتفاع البحر. لذلك؛ نجد شاطئ ستينسون أفضل من غيره بكثير في مواجهة مستقبل غير مؤكد مقارنة بمعظم الأماكن في الولايات المتحدة. لكن يبدو التنبؤ والتخطيط بشكل صحيح لواحد أو أكثر من السيناريوهات التي يمكن أن نشهدها في النهاية، وكأنهما مجرد لعبة حظ.

يتمتع شاطئ ستينسون بميزات عديدة للسيطرة على تحديات ارتفاع البحر، وإن لم يكن من الواضح مدى أهمية ذلك.

جاك ليبستر، مدير التخطيط في مقاطعة مارين، وأحد الموظفين الحكوميين الذين يجعلونك تؤمن بدور الحكومة الرقابي في القرن الحادي والعشرين. درس ليبستر البالغ من العمر 71 عاماً تحت قيادة غريغز، وأمضى أكثر من ربع قرن في "لجنة كاليفورنيا الساحلية"، قبل أن ينضم إلى معركة مارين ضد ارتفاع مستوى سطح البحر. وقد اتجه ليبستر لمقابلتي في شاطئ ستينسون، أثناء عطلة مارتن لوثر كينغ جونيور في يناير الماضي، وهو يقود سيارته من طراز "تويوتا كورولا" موديل 2010 فوق جبل تامالبايس.

التنبّه للتغيرات المناخية

تتفوق كاليفورنيا بشكل كبير على العديد من الولايات الساحلية من ناحية أخذها في الاعتبار التغير المناخي ضمن سياساتها العامة. لكن ربما لا يوجد لدى ولاية أخرى حتى فلوريدا، الكثير من المخاطر التي تتعرض لها مثل كاليفورنيا، إذ يعيش ثلثا سكان كاليفورنيا البالغ عددهم 39 مليون نسمة في مقاطعات ساحلية، ويضم الجانب الغربي للولاية أغنى العقارات ومرافق البنية التحتية في الولايات المتحدة.

في عام 2008، أصدر حاكم الولاية وقتها، أرنولد شوارزنيغر، أمراً تنفيذياً كان نصه: "يتعين علينا في كاليفورنيا البدء من الآن في التكيف، وبناء نموذج مرن في التعامل مع التغيرات المناخية القادمة، من خلال نهج مدروس ومنطق تتبعه الحكومة المحلية والإقليمية وعلى مستوى الولاية وفيدرالياً، يرتكز على أفضل العلوم الحالية".

بدأت "لجنة كاليفورنيا الساحلية" التي يعود تأسيسها إلى مطلع السبعينيات، العمل على دراسة ارتفاع مستوى سطح البحر في التسعينيات، وأصدرت أول توجيه لها بشأن ارتفاع مستوى سطح البحر في عام 2015. كذلك تصدر مقاطعة مارين منذ سنوات تقديراتها وتقاريرها الخاصة بشأن ارتفاع مستوى البحر. كما شهد شاطئ ستينسون العديد من اللقاءات المجتمعية التي ناقشت جوانب مختلفة تتعلق بارتفاع سطح البحر.

لا تتعلق المشكلة على امتداد ساحل المحيط الهادئ في إنكار المشكلة بسبب دوافع سياسية، إذ من الصعب التعامل مع ارتفاع سطح البحر أو التصدي له بغضِّ النظر عن مدى صرامة المواجهة.

حلول معقدة وصعبة

قال جيف لومانز، وهو صاحب رأسمال مغامر متقاعد، ولديه منزل في شاطئ ستينسون: "لا أعتقد أنَّ هناك حلولاً بسيطة وسهلة لهذا الأمر"، إذ يتطلب ذلك تنسيقاً بين الحكومة، وأصحاب الأراضي الخاصة، وإدارات المياه، والمتنزهات المحلية، وهو عبء ثقيل. لكنَّ الخبر السار هو أنَّ الكثير من هذه المجموعات متعاونة للغاية.

وأشار لومانز إلى التحدي الأساسي الذي يواجه أفضل المناطق المحلية استعداداً، قائلاً: "لا يمكن أن تكون هناك خطة واحدة فقط، لأنَّ الأشياء تتغير بمرور الوقت".

يمكنك رؤية مدى تعقد الحياة الساحلية عند نهاية شارع كالي ديل أوندا، حيث قابلت ليبستر، وبيتر ساندمان، المحامي الذي يمتلك منزلاً على شاطئ ستينسون منذ أربعة عقود.

بعيداً عن المنازل التي تعتلي الجبال؛ تنحصر مساحة شاطئ ستينسون في كتلة واحدة بين المياه والطريق. يمكنك المشي من الطريق إلى الشاطئ في أقل من دقيقة. تقع مقاطعة سي دريفت على أحد أطراف شاطئ ستينسون، وتضم مجتمعاً خاصاً محاطاً بسور تأسس في الخمسينيات من القرن الماضي، "للعائلات الثرية في سان فرانسيسكو"، كما يبدو المشهد خلاباً من بلدة بوليناس المجاورة. ولكن تلك المناظر الخلابة آخذة في التآكل، فقد تمت إزالة 6 منازل مطلة على المحيط.

في الطرف الآخر من شاطئ ستينسون، يوجد شاطئ فيدرالي يضم مواقف عامة للسيارات. وبينهما يوجد ما يُعرف محلياً باسم "الطرقات والباحات"، حيث الشوارع الضيقة المنخفضة التي تتجه بشكل عمودي نحو الشاطئ. كما أنَّ الطرقات والباحات مليئة بالمنازل بمساحة تصل إلى نحو 1800 قدم مربعة، وتبدو مرتبة بشكل نموذجي على كلا الجانبين، وهي أكثر المنازل ضعفاً من ناحية التحصين داخل المدينة.

عندما يلتقي شارع كالي ديل أوندا بالشاطئ، تتضح أكثر صعوبة بقاء المنازل القائمة على شاطئ البحر مباشرة. وإلى الجنوب ترى منزلاً بحاجز بحري خاص يبلغ ارتفاعه نحو 8 أقدام يحيط به من جانبه المطل على المحيط، إذ تتم إزاحة المياه جانباً عندما يتدفق المد إلى المنازل المجاورة. وعلى الجانب الشمالي ترى منزلاً آخر مرتفعاً فوق أعمدة خرسانية بارتفاع نحو 20 قدماً، مما يعطيه مظهراً يشبه مركبة فضائية تحوم فوق جيرانها، إذ يمكنك أن ترى المد المرتفع يمر من أسفل المنزل.

خيارات قيد الدراسة

يقضي ليبستر الكثير من الوقت في محاولة اكتشاف كيفية المحافظة على المنازل، وعدم طردها بعيداً خلال العقود القادمة. وقال ليبستر، إنَّ المقاطعة تدرس مجموعة من الخيارات، أحدها رفع مستوى الطريق الممتد على طول البحيرة، لمنع تدفق المياه من الخلف. ولكن مع ارتفاع البحر لن ترتفع المياه إلى البحيرة فحسب؛ بل ستنقلها من الأراضي الرطبة إلى المياه العميقة المفتوحة. فالطريق السريع رقم (1) الذي يحد البحيرة من الشرق، يحتاج أيضاً إلى رفع مستواه أو تغيير مساره، إذ يبقى عرضة لفيضانات قوية.

على الجانب المطل على المحيط، قد يحمي البناء الجديد من الكثبان الرملية، المنازل من الأمواج. (تمتلك مقاطعة سي دريفت صخورها ورمالها الخاصة التي تواجه المحيط) وقد عينت المقاطعة مستشاراً لتقديم المشورة بشأن تقنيات صدّ ارتفاع البحر، ولكن من الصعب معرفة مدى نجاح الجهود المختلفة أو إلى متى قد تستمر فعاليتها.

تبقى سياسة إنفاق المبالغ الكبيرة من المال لحماية عشرات الملايين من المنازل من الطبيعة، محفوفة بالمخاطر.

ستغرق في كل الأحوال!

يقتبس الكاتب بيتر بيرن، مدير "معهد القانون والسياسة البيئية" في جامعة جورج تاون، كلمة "الماء سيأتي" من ملحمة ارتفاع البحر لـِ جيف غودل، ويقدم تقديراً متشدداً، إذ يقول: "يجب أن يكون هناك حدّ إلى أي مدى سيدفع الناس مقابل حماية ممتلكاتهم على شاطئ البحر التي نعلم جميعاً أنَّها ستغرق على أي حال".

قال ليبستر، إنَّ مقاطعة مارين تجمع البيانات عن مرتادي الشواطئ -من الأفضل الاهتمام بإنقاذ شاطئ ستينسون، وليس مجرد المحافظة على مناظر المحيط للأثرياء. وأضاف ليبستر: "من الواضح أنَّ ما نقوم به، هو من أجل المصلحة العامة، إذ يغص هذا الشاطئ بالناس خلال فصل الصيف".

تضافر العمل الجماعي والملكية الخاصة ينتج عنه رقصة غير مكتملة. فليس من المنطقي بناء منازل جديدة على شاطئ سيغرق قريباً. مع ذلك، ما زالت هناك مناقشات بين السلطات المحلية بشأن مستقبل قطعة أرض شاغرة منذ عام 1983، عندما دمر حريق منزلاً يقع على شاطئ البحر بنهاية شارع كالي ديل أوندا. وفي نهاية المطاف، هناك شخص ما يملك ثروة، فالممتلكات على شاطئ البحر في ستينسون ليست رخيصة، وبما أنَّ الشاطئ ما يزال موجوداً؛ فمن يستطيع أن ينكر على المالك القيمة الكاملة للعقار الخاص به؟

شراء المنازل مستمر

يجيب ستيف كينزي العضو السابق في "مجلس المشرفين في مقاطعة مارين" الذي يمثل الملَّاك بأن لا أحد يمكنه ذلك. وأشار كينزي إلى أنَّ الحصول على كامل قيمة الأرض يستوجب بناء منزل للبيع أو الإيجار. قال كينزي في مقابلة عبر الهاتف: "إذا كنت تعتقد بأنَّه بعد 70 عاماً ستتم إزالة كل المنازل؛ فإنَّ التفكير المنطقي لحماية نفسك من ذلك يقول: لماذا تبدأ أنت؟". والسؤال منطقي، لكن لا قانون ولاية كاليفورنيا ولا قانون الولايات المتحدة "يسمحان بالاستيلاء على ممتلكات الأفراد دون تعويض عادل"، وبالتالي؛ ستدخل في صراع للحصول على حقوق الملكية، وحقوقك الدستورية ضد التخطيط بعيد المدى، وسينطبق ذلك على المنازل أعلى وأسفل الساحل".

إنَّ استمرار شراء أصحاب الملايين، الواحد تلو الآخر، لمنازل عرضة لإجراءات قانونية، يثير الفوضى، إذ يؤدي تزايد الطلب إلى ارتفاع قيمة العقارات الساحلية في كاليفورنيا، والتي تعد باهظة الثمن أصلاً.

قدّمت روزانا شيا، جولة على المنازل الساحلية للولاية من خلال تقرير رائع لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أظهرت فيه مجموعة من الملاحظات، من بينها انهيار مبنى سكني في بلدة باسيفيكا نتيجة تآكل الحواجز، بينما يرفض السكان الأثرياء في دل مار الانسحاب برغم عدم وجود طريقة موثوقة للدفاع عن منازلهم. وفي شاطئ غليسون، تظهر بقايا حديد التسليح والخرسانة المكشوفة من بقايا المنازل التي كانت تطل على المحيط. أما شاطئ إمبريال؛ فيتعرض لضربات الأمواج العنيفة، ولا يبدو أنَّ هناك طريقة لإنقاذ الموقف.

الانسحاب المُدار

صممت ولاية نيويورك "انسحاباً مُداراً" في عدد قليل من الأحياء الأقل سعراً. على سبيل المثال، اشترت الولاية 300 قطعة أرض في جزيرة ستاتن مقابل 120 مليون دولار. وأشارت شيا إلى أنَّ هذا المبلغ يعد غريباً بالنسبة إلى ولاية كاليفورنيا، وربما يكون كافياً لشراء "10 منازل فقط أو نحو ذلك في ماليبو".

عدت مجدداً إلى شاطئ ستينسون في صباح هادئ بعد عطلة نهاية الأسبوع التي استمرت 3 أيام، فقد اختفى معظم الأطفال، والكلاب، فضلاً عن راكبي الأمواج الذين كانوا يتجولون على الرمال، وحاولوا ركوب الأمواج تاركين تلك القطعة الصغيرة من الرمال تتأرجح بلطف وسط ذلك الجو المشمس. كان يوماً جميلًا يتخلله برد شهر يناير، ومع النظر لامتداد المحيط الهادئ الشاسع؛ عادت إليَّ فكرة التغييرات القادمة المثيرة للقلق.

التمتع بإطلالة الشاطئ ظاهرة جديدة نسبياً. فالشاطئ ليس جنة عدن، خصوصاً أنَّه لا يتمتع بمصادر وفيرة تبعث على الجمال والفرح. فقد ظل البحر في ثقافة الغرب لقرون يعرف بالجحيم وليس الجنة. ويظهر ذلك في أغلب التاريخ الأوروبي، فقد كتب المؤرخ الفرنسي آلان كوربين: "المحيط عرين وحش الماء، وعالم ملعون، تلتهم وسط ظلامه المخلوقات اللعينة بعضها ". حتى من يملكون المنازل على الشاطئ وقتها، قاموا بجعل واجهة منازلهم إلى الداخل وليس ناحية البحر.

تطور الشاطئ حديثاً، وانتقل من العلم القائم على الخرافات في القرن الثامن عشر عند البريطانيين والدجالين في أوروبا الذين قاموا بوصف غمر البحر في برايتون وأماكن أخرى، وقاموا بتحديد التوقيت والموقع المناسب، وما إلى ذلك من تأثيرات صحية للأغنياء. ويمكننا القول، إنَّ ثقافة الاعجاب بالشاطئ في جنوب كاليفورنيا في القرن العشرين وصلت إلى حد القدسية، فقد حصل الشاطئ على دور البطولة في الثقافة الأمريكية، ويظهر ذلك بوضوح في أفلام: "غيدجيت"، و"بيتش بلانكيت بينغو"، و"بيتش بويز"، و"فينتشرز"، وصولاً إلى مشاهد مسلسل "لوريل كانيون" في السبعينيات.

لكنَّ الشاطئ تطور. ولم يعد مجرد مملكة للمراهقين والبوهيميين. فقد سيطرت العقارات منذ فترة طويلة على السواحل الأمريكية، كما أفسح متشردو الشاطئ الطريق للمهنيين الأثرياء. لقد شاهدت الخريف الماضي راكبي الأمواج في لاغولا ولأعلى في سان دييغو، وهم يضعون ألواح ركوب الأمواج داخل شاحنات من طراز "مرسيدس" مخصصة لذلك. ولذلك أصبح من الصعب إعادة تنظيم الشواطئ التي تزخر بالثروة، وجعلها تتناسب مع هوية كاليفورنيا.

كاليفورنيا بلا شواطئ

من الصعب تخيل كاليفورنيا من دون شواطئ. فعندما أخبرت غاري غريغز بأنني أواجه مشكلة في تصور ما يمكن أن يفعله ارتفاع البحر بشواطئ الولاية في هذا القرن، وكيف سيتحرك بعضهم، ويختفي آخرون، قال: "أنا أيضاً أواجه مشكلة في تخيل مستقبل ساحل كاليفورنيا لعقود عدة مقبلة".

وأكمل غريغز في رسالة بريد إلكتروني:

مع ارتفاع مستوى سطح البحر، وفي حالة عدم وجود أي تحرك وتنمية من جانب السكان؛ سيستمر الخط الساحلي في الهجرة إلى الداخل. كان ساحل كاليفورنيا في نهاية العصر الجليدي الأخير منذ حوالي 20 ألف عام بارزاً عن حافة الجرف القاري، بما يتراوح بين 10-30 ميلاً إلى الغرب، اعتماداً على مكان وجودك، وكانت هناك شواطئ في ذلك الوقت. ولكن مع ذوبان الجليد، وارتفاع درجة حرارة مياه المحيط وتوسعها، ارتفع مستوى سطح البحر على مستوى العالم بحوالي 400 قدم، وتقدم الخط الساحلي، وتحركت الشواطئ شرقاً إلى الداخل.

سيحدث ذلك خلال العقود المقبلة في ظل غياب التطوير أو الحواجز البحرية، وعدم تجهيز المباني أو الطرق السريعة في الوقت القريب. لكنَّ 14% فقط من ساحل كاليفورنيا من دون حواجز، في حين 38% من ساحل جنوب كاليفورنيا يتمتع بالحواجز، ولذلك لم يعد بإمكان الشواطئ التحرك إلى الداخل. وقد تتسبب تلك الحواجز في غمر الشواطئ بشكل تدريجي واختفائها، وهي واحدة من القضايا التي يتعين على الدولة للتعامل معها، وكذلك وضعها لتصور خطط التطوير والبنية التحتية في المرحلة المقبلة.

لا أحد يعرف بشكل مؤكد كيف سيحدث التغيير الهائل في الجغرافيا، وكيف سيمتد البحر نحو الشواطئ والمنازل والطرق. أما السؤال الحالي؛ فيتمثل في كيفية تغيير الثقافة التي تعتبر وجود الشواطئ أمراً مفروغاً منه، والأصعب من ذلك، التعامل معها على أنَّها أماكن مقدسة نسبياً.

قالت لورا مارش، مديرة السياسة المتعلقة بكاليفورنيا في مؤسسة "سورفرايدر فاونديشن" (Surfrider Foundation): "سيفوز بعضهم في أماكن معينة، وسيخسر الآخرون، وستصبح مناطق معينة أفضل من غيرها".

تعد "سورفرايدر" واحدة من المنظمات غير الربحية التي تركز جهودها للتأثير في الدولة للاستجابة لقضية ارتفاع منسوب البحر.

أشارت مارش إلى أنَّ قبول تلك المنظمة بحتمية النتائج في تلك القضية، يتباين من واحدة لأخرى، وترى المؤسسة التي تنتمي إليها مارش وغيرها الكثير، أنَّها تدافع عن المصلحة العامة، وأنَّ الهدف الأسمى هو "المحافظة على الشاطئ للجمهور".

قضية سياسية

كانت القضية دائماً سياسية بحتة، ولا يمكن حلها سوى في ساحات السياسة فقط، وتستمر القضية سياسية حتى الآن أيضاً. لكنَّ الأمر أصبح يتخطى كونها قضية سياسية، بل أصحبت قضية تهمّ كل القوى في ظل التعثر، وعدم القدرة على وقف الانبعاثات الصناعية. تقول مارش: "كاليفورنيا مذهلة، والشاطئ هنا من المفترض أن يكون ملكاً للجمهور بنسبة 100%، ويفترض أن يقوم ممثلونا بحماية ثقة الجمهور. فهذا ما عهدنا إليهم بفعله".

تتمتع الولاية بشواطئ جميلة وممتدة من سان دييغو في الأسفل إلى أعلى، حتى سان فرانسيسكو. لكنَّ المؤشرات تتزايد في الشواطئ أعلى وأسفل الساحل، على صعوبة المحافظة على العديد منها، و بغضِّ النظر عن النوايا الحسنة، أو الجهود الدؤوبة من القائمين عليها. فذلك التحول قد يكون تدريجياً في البداية، ثم يتحول إلى عاصف بعد ذلك، ويغير علاقات سكان كاليفورنيا بالبحر والحكومة، ومن المرجح جداً أن تتغير علاقاتهم مع بعضهم أيضاً، لتسودها طرق أكثر ارتباكاً.

سألت مارش: كيف ستكون كاليفورنيا من دون الشاطئ. فأجابت: "لا أعرف". "أريزونا؟".