ألمانيا ستعاني في محاولة الابتعاد عن النفط الروسي

ألمانيا أوقفت التصديق على مشروع خط أنابيب "نورد ستريم 2" الروسي بعد أن اعترف الرئيس فلاديمير بوتين باستقلال جمهوريتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا
ألمانيا أوقفت التصديق على مشروع خط أنابيب "نورد ستريم 2" الروسي بعد أن اعترف الرئيس فلاديمير بوتين باستقلال جمهوريتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أعلنت ألمانيا يوم الجمعة الماضي عن خطط تستهدف الابتعاد والتخلي عن استخدام النفط الروسي، وهو هدف تستحق الثناء عليه، غير أن الشروط اللوجستية لتحقيق ذلك الهدف تمثل عقبة هائلة.

تعتمد ألمانيا على واردات النفط لأنها (تقريباً) لا تنتج شيئاً منه. وهي تستورده في صورتين، الأولى في صورة النفط الخام الذي تستورده مصافي البلاد بهدف تكريره ومعالجته، والثانية في صورة المنتجات البترولية مثل زيت الديزل الذي يوفر الطاقة للقطاع الصناعي ونقل البضائع.

تستحوذ روسيا على حصة كبيرة من واردات ألمانيا، فهي تبيع لها 550 ألف برميل من النفط الخام و100 ألف برميل من وقود الديزل يومياً. وتحول ألمانيا إلى عدم الاعتماد على هذه الإمدادات سيترك فجوات كبيرة تحتاج البلاد إلى من يملؤها.

يتطلب التحول عن استخدام زيت الديزل الروسي أن تحدد البلاد موردين آخرين وأن تتغلب في المنافسة على مستوردين آخرين يسعون أيضاً إلى التخلي عن الوقود الروسي.

اقرأ أيضاً.. ألمانيا تعتزم التخلي عن النفط الروسي بحلول نهاية العام

تكلفة مرتفعة

ربما تكون تكلفة هذه العملية مرتفعة، غير أنها ليست مستحيلة. لكن استبدال الخام الروسي قصة مختلفة.

تكشف نظرة سريعة على الخريطة أنَّ ألمانيا نفسها عبارة عن ثلاثة أسواق متمايزة ومختلفة عندما يتعلق الأمر بتوريدات النفط الخام.

  • المناطق الغربية والشمالية الغربية في البلاد تعتمد على ارتباطها بموانئ بحر الشمال وبحر البلطيق، مع مدينة فيلهالمزهافن في ألمانيا ومدينة روتردام في هولندا.
  • مصافي النفط في الجنوب تعتمد على الخام الذي يأتي عبر خطوط الأنابيب من مدينة مرسيليا في فرنسا ومدينة تريستي في إيطاليا.
  • مصافي النفط في شرق البلاد تعتمد على خام يأتي عبر خطوط الأنابيب أيضاً من حقول النفط في غرب سيبيريا. وهذه التدفقات النفطية الأخيرة هي الأصعب من غيرها في استبدالها.
  • صممت مصافي النفط في ألمانيا الشرقية كي تعمل على تدفق الخام السوفييتي الذي أصبح الآن خاماً روسياً.

كل نوع من النفط الخام يختلف عن النوع الآخر، ويتم تصميم معامل التكرير بطريقة تحقق أقصى المزايا من معالجة نوع محدد من هذه الأنواع، لذلك، سيحتاج استبدال النفط الروسي من هذه المصافي إلى أن تبحث عن بدائل تحمل خصائص مماثلة له.

شرق ألمانيا سيصاب بالشلل إذا حظرت أوروبا النفط الروسي

هذه البدائل توجد قطعاً في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى. وتكمن المشكلة في أن كل من يريد الابتعاد عن شراء النفط من روسيا يسعى أيضاً للحصول على هذه البدائل. ولذلك فإن المنافسة شرسة.

مع ذلك، فحتى إذا استطاعت ألمانيا أن تصل إلى هذه البدائل، سوف تظل هناك مشكلة أكبر، وهي نقل تلك الإمدادات إلى مصافي شرق ألمانيا التي تحتاج إليها.

إن خط الأنابيب القادم من ميناء روستوك على بحر البلطيق يستطيع توصيل أقل من ثلث الاحتياجات الكاملة لمصافي النفط الشرقية في قرية شفيد ومدينة لوينا بألمانيا. ومعنى ذلك أن ما يصل إلى 300 ألف برميل يومياً من الخام الذي ينتقل بحراً سيظل مطلوباً نقلها إلى هذه المصافي عبر وسائل أخرى.

تنويع واردات النفط

تتباحث الحكومة الألمانية مع جارتها بولندا لتأمين إمدادات نفطية عبر ميناء جدانسك والقطاع البولندي من خط الأنابيب الذي ينقل حالياً نفطاً روسياً. والمشكلة أن بولندا نفسها تستخدم خط الأنابيب المذكور في تنويع وارداتها هي من النفط حتى تكف عن الاعتماد على روسيا.

في صفقة وقعت مع شركة "أرامكو السعودية" أوائل العام الجاري، ستوفر الشركة الشرق أوسطية ما يصل إلى 400 ألف برميل يومياً من خام النفط لصالح بولندا. وسوف يترتب على ذلك أن خط الأنابيب لن يتبقى منه طاقة استيعابية إضافية تكفي، إن وجد، من ميناء جدانسك إلى بلوك حتى تنتقل منها إمدادات إلى ألمانيا.

من الممكن زيادة الطاقة الاستيعابية لخطوط الأنابيب، غير أن تلك المهمة لا تنجز بين ليلة وضحاها. وعلى ألمانيا أن تجد حلولاً أخرى لمشكلتها اللوجستية.

السكك الحديدية بالتأكيد جزء من الحل، غير أنها ستعاني في التعامل مع الكميات المطلوب نقلها. فأكبر عربة سكة حديد تحتوي الخام تحمل عادة نحو 100 متر مكعب، أو 630 برميلاً من النفط.

ألمانيا تتوصل إلى اتفاق لشراء الغاز من قطر بدلاً من روسيا

سوف يحتاج توفير الإمدادات المطلوبة لمصافي شفيد ولوينا والتي تصل إلى 300 ألف برميل من الخام يومياً إلى محطة يمكنها أن تتعامل مع نحو 480 عربة سكة حديد في اليوم وأسطول يصل حجمه ربما إلى خمسة أضعاف ذلك الرقم حتى يقوم بأعمال النقل والتسليم.

وإذا صفت هذه العربات واحدة وراء الأخرى، فإن العدد المطلوب منها لتسليم الخام البديل لمدة شهر يمتد في طوله حتى يغطي كامل المسافة بين مدينتي برلين وهامبورغ – أو من مدينة هوستون إلى أوستين بحسب المسافة في ولاية تكساس – وهي مسافة تصل إلى نحو 150 ميلاً أو 240 كيلومتراً.

لست مقتنعاً بأن شبكات السكك الحديدية في ألمانيا وهولندا تستطيع استيعاب الزيادة في الحركة والنقل، ولا بأن ميناء روستوك يستطيع أن يستوعب نصيبه من هذه التدفقات.

من الممكن بناء مزيد من الخزانات للخام في ميناء روستوك في المدى الطويل، وكذلك زيادة الطاقة الاستيعابية لخط الأنابيب الذي يمتد إلى قرية شفيد وأيضاً إنجاز عملية إعادة توجيه تدفقات النفط. غير أن تحقيق ذلك بحلول نهاية العام الحالي يبدو غير معقول.