بكين تُحبط سعي "علي بابا" لتحقيق أرباح تماشي دخل "أمازون"

ساءت علاقاتها مع الحكومة بعدما انتقد المؤسس المشارك جاك ما الجهات التنظيمية في 2020

جاك ما خلال مقابلة في مؤتمر "فيفاتك" في باريس
جاك ما خلال مقابلة في مؤتمر "فيفاتك" في باريس المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حظيت شركة "على بابا غروب" لسنوات بفرصة حقيقية لتكون مرادفة "أمازون" في الصين، لأنها عملاقة تجارة إلكترونية يمكنها استخدام علاقاتها بالعملاء والبراعة التقنية لاحتلال رقعة واسعة من الإنترنت. ارتفعت قيمة "علي بابا" السوقية لأكثر من 850 مليار دولار في 2020 فيما كانت تتوسع في أعمال جديدة وتحاول سد الفجوة بينها وبين منافستها الأمريكية.

أدى تشديد بكين على القطاع الخاص لتدمير تلك الإستراتيجية، حيث حاصرت الجهات التنظيمية عملية التجارة الإلكترونية الأساسية لشركة "علي بابا"، وأُجبرت ذراعها المالية على التراجع عن بعض مبادراتها الأكثر ربحاً. لكن لا شيء قد يوضح تغير حظوظها أكثر من المشكلات الأخيرة لعملية الحوسبة السحابية "أليون" (Aliyun)، والتي يُشار إليها غالباً باسم "علي كلاود" (AliCloud).

"علي بابا" تواجه تحديات أكبر من الحملة التنظيمية على قطاع التكنولوجيا

تُعدّ الحوسبة السحابية جزءاً حيوياً من تركيبة "أمازون"، حيث تجني "أمازون ويب سيرفيسيز" (Amazon Web Services) قدراً كبيراً من المال قادر على دعم أعمال التجارة الإلكترونية وتمويل مبادرات جديدة قد لا تؤتي ثمارها لسنوات. أنتجت "أمازون ويب سيرفيسيز" أكثر من 100% من الأرباح التشغيلية لـ"أمازون" في الربع الرابع من 2021، . تصوّرت "علي بابا" أن أعمالها السحابية تلعب الدور ذاته إلى حد كبير، حيث اعتبرتها الشركة إحدى "الركائز الإستراتيجية" لديها. قال دانيال زانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "علي بابا"، ذات مرة، إن هذا المجال يمكن أن يصبح في نهاية المطاف "التجارة الرئيسية لـ(علي بابا)". كما أخبر المُحللين خلال إعلان الأرباح في فبراير أن سوق السحابات في الصين سينمو ليصبح "فرصة بتريليون يوان صيني" بحلول 2025.

أثر دائم

لكن بكين أخرجت خطط "علي بابا" الطموحة عن مسارها بشكل قد يمنع عملاقة التقنية الصينية من أن تحقق نجاحاً بنفس مستوى "أمازون" على الإطلاق. ركَّز الحزب الشيوعي بشكل متزايد في السنوات الأخيرة على استخدام البيانات وأمنها، وأعلن أن البيانات عامل بالغ الأهمية في الإنتاج، ما يجعل الدفاع عنها أولوية بالنسبة للحكومة. هذا التصنيف، الذي ينطبق أيضاً على الأرض والوقود، يلزم الشركات والوكالات الحكومية بحماية البيانات كمسألة تتعلق بالأمن القومي. استجاب قطاع عريض من المؤسسات الصينية، بما فيها "تشاينا كونستركشن بانك" (China Construction Bank) والبلديات المحلية، عبر التعامل مع منصات الحوسبة السحابية التي تدعمها الدولة بدلاً من منصات شركات خاصة مثل "علي بابا"، وفقاً لأشخاص مطّلعين على الأمر.

مخاطر الحملة التنظيمية ضد عمالقة التكنولوجيا في الصين تعود من جديد

تعرضت "أليون" لضغوط خاصة بسبب علاقة شركتها الأم المتوترة مع الحكومة الصينية، التي بدأت بالتدهور في 2020 حين انتقد المؤسس المشارك جاك ما الجهات التنظيمية أثناء خطاب في شنغهاي. سرعان ما ألغت الحكومة الصينية الطرح العام الأولي المُخطط له لشركة التمويل التابعة لـ"علي بابا"، ثم فرضت على أعمالها التجارية الإلكترونية غرامة قدرها 2.8 مليار دولار بسبب انتهاكات مكافحة الاحتكار. اشتبكت الشركة منذئذ مع الجهات التنظيمية بشأن الأمن السيبراني، ما أثار مخاوف جديدة من أن مشاكل "علي بابا" لم تنته وأن أعمالها السحابية قد تصبح هدفاً. قال شين مينغ، مدير في بنك الاستثمار "تشانسون آند كو" (Chanson & Co)، ومقره بكين: "لدى (علي كلاود) مشكلة مع (علي بابا)".

فكَّرت "علي بابا" بفصل أعمال الحوسبة السحابية العام الماضي مع تقييم سوقي مُحتمل يُقدّر بأكثر من 100 مليار دولار، حسب ما قال الأشخاص الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم لخصوصية المناقشات. كما أضافوا أن الشركة أوقفت الخطة في النهاية بسبب عقبات تجارية وسياسية.

امتنعت "علي بابا" عن التعليق. ولم يرد "تشاينا كونستركشن بانك" على طلب التعليق.

مبيعات دون التوقعات

جاءت مبيعات "أليون" خلال الربع المنتهي في ديسمبر دون توقعات المحللين بهامش كبير، حيث نمت المبيعات بأبطأ وتيرة لها منذ أكثر من خمس سنوات. استقطبت شركات الخدمات السحابية الصاعدة مثل "هواوي" و"تشاينا تيليكوم" (China Telecom)، اللتين تتمتعان بعلاقات أكثر ودية مع الحكومة، المستخدمين بشكل متزايد. انخفضت حصة "أليون" فيما يتعلق بخدمات البنية التحتية السحابية، وهي إحدى القطاعات الرئيسية في السوق، إلى 37% خلال العام الماضي من 46% في 2019، رغم أنها استمرت بقيادة السوق، وفقاً لشركة الاستشارات العالمية "كاناليس" (Canalys). كانت "هواوي" قد ضاعفت حصتها في السوق خلال نفس الفترة.

الصين تقضي على "جاك ما" وتقلب المنافسة لصالح البنوك التقليدية

قالت ليفيا لي، كبيرة المحللين في "فروست آند سوليفان" (Frost & Sullivan): "قطعاً لن تنمو أعمال (علي كلاود) بالسرعة التي كانت عليها خلال (السنوات الذهبية) السابقة... إن ظهور الحوسبة السحابية التي تملكها الدولة يتوافق مع الوضع الراهن للصين ونتوقع دخول مزيد من اللاعبين الذين تملكهم الدولة إلى الساحة".

كما عانت "أليون" خارج سوقها المحلية. فقدت "أليون" العام الماضي تطبيق الفيديو سريع الانتشار "تيك توك" من شركة "بايت دانس" كعميل في ضربة موجعة. أثارت مراجعة مستمرة للأمن السيبراني بقيادة إدارة بايدن أسئلة حول آفاق "أليون" في الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر سوق للحوسبة السحابية في العالم.

تراجعت قيمة "علي بابا" السوقية 70% مقارنة بأعلى مستوياتها في 2020، حتى بعد تعزيزها برنامج إعادة شراء الأسهم مرتين في السنة لدعم سعر سهمها. كما سجلت الشركة أبطأ نمو في إيراداتها على الإطلاق.

ثاني أكبر سوق

إن تمكنت "أليون" من تغيير الأمور في موطنها، فسيكون لديها الكثير لتكسبه. سوق الحوسبة السحابية الصيني هو ثاني أكبر سوق في العالم بعد الولايات المتحدة، وينمو بسرعة. ارتفع الإنفاق على سوق الحوسبة السحابية في الصين إلى 27.4 مليار دولار في 2021، مقارنة مع 19 مليار دولار في سابقه، وفقاً لبيانات "كاناليس"، التي تتوقع أن يصل حجم سوق الحوسبة السحابية في الصين إلى 85 مليار دولار بحلول 2026.

كثَّفت "أليون" جهود تنويع مصادر دخلها، حيث قدمت خدمة تشبه "دروب بوكس" (Dropbox) العام الماضي، مُستفيدة من طلبات جديدة من مُستخدمين أفراد. قام تطبيق الاتصالات "دينغ توك" (DingTalk) من شركة "علي بابا"، والذي يخدم 500 مليون مستخدم، بتحويل نفسه إلى منصة سحابية يمكن للشركات بناء برامجها الخاصة عليها. بينما يمكن لأي شخص الاستفادة من مجموعات أدوات "دينغ توك" المجانية، قال محللون إن الشركات التي يتم بيعها بما يتفق وأغراضها سترغب على الأرجح في شراء الخدمات ذات الصلة من "علي بابا".

سيأتي مع ذلك جزء كبير من النمو من دفع الحكومة الصينية للتطوير المحلي لخدمات الحوسبة السحابية. أقرّ الرئيس الصيني شي جين بينغ إستراتيجية "بنية تحتية جديدة" بقيمة 1.4 تريليون دولار، تنقل بموجبها البنوك والمصانع والمؤسسات العامة العمليات إلى الحوسبة السحابية. كُتب العام الماضي برنامج "الحكومة الرقمية" في خطة التنمية الخمسية للصين لأول مرة.

نظام مدعوم

ما يزال راجحاً أن يستفيد مقدمو خدمات الحوسبة السحابية المدعومون من الدولة أكثر من غيرهم. طلبت مدينة تيانجين العام الماضي من الشركات التي تسيطر عليها البلدية ترحيل بياناتها من مُشغلي الحوسبة السحابية الخاصة مثل "علي بابا" إلى نظام سحابي تدعمه الدولة، وفقاً لوثيقة حكومية مُسرّبة اطلعت عليها "بلومبرغ نيوز" وتحققت من صحتها عبر شخصين على دراية بالأمر.

جاء في الوثيقة أن هذه الخطوة يجب أن تكتمل في غضون شهرين من انتهاء صلاحية عقد الحوسبة السحابية السابق. عدَّلت تيانجين السياسة فيما بعد بسبب الشكاوى المتعلقة بالتمييز، لكن التحول في الأولويات ظل قائماً. تدرس حكومة بلدية نانتونغ، وهي مدينة قريبة من شنغهاي، أيضاً نقل بيانات إضافية إلى مراكز الحوسبة الخاصة بها بدلاً من الاعتماد على منصات الحوسبة السحابية العامة للاستضافة، وفقاً لشخصين مطلعين على الأمر، طلبا عدم كشف هوياتهما بسبب الحساسيات حول قضايا أمن البيانات.

لم تستجب كل من تيانجين ونانتونغ لطلبات التعليق.

فيما قد يكون هذا الاتجاه مُضراً لجميع مزودي خدمات الحوسبة السحابية التجارية، يشعر كثيرون بالقلق من أن مكانة "أليون" السياسية تعني أنها ستتأثر أكثر من غيرها من المنافسين مثل "هواوي".

انتقدت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية القوية "أليون" في ديسمبر لعدم الإبلاغ عن عيب برمجي في الوقت المناسب. علَّق المشرف التقني الصيني نتيجة لذلك التعاون مع مزود خدمة الحوسبة السحابية على منصة مشاركة معلومات الأمن السيبراني لمدة ستة أشهر، وطالب بـ"تدابير التصحيح" قبل اتخاذ قرار بشأن استئناف شراكتهما.

اعترفت "علي بابا" بأنها كانت بطيئة في إبلاغ الحكومة الصينية بالخلل، لكنها قالت إن باحثها التزم بممارسات الصناعة العالمية. لا يكشف باحثو الأمن السيبراني عادةً عن ثغرات البرامج لأي جهة بخلاف مُطور البرنامج حتى يتم إصلاح المشكلة. ما يزال تاريخ إبلاغ أبلغت "أليون" عن الخطأ غير واضح، ولم تبيّن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات توقعاتها علناً.

رغم ذلك، يقول الأشخاص داخل الشركة وخارجها، إن الحادث قد يزيد من أزمة الثقة بين "علي بابا" والجهات التنظيمية الصينية، ما يُهدد قدرتها على الفوز بعقود من كيانات مرتبطة بالحكومة.

قال شين من بنك الاستثمار "تشانسون آند كو": "نظراً لأن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات انتقدت علناً موقع (علي بابا) بسبب وجود مشكلات في إعداد تقارير الأمن السيبراني، فمن المنطقي بالنسبة لعديد من الشركات والهيئات الحكومية التي تتجنب المخاطرة أن تبتعد عن خدماتها. غالباً ما تفوق الاعتبارات السياسية الاعتبارات التقنية عندما يتعلق الأمر باختيار شريك للحوسبة السحابية".