غرق سفينة "موسكفا" الروسية درس لكافة القوات البحرية

سفينة "موسكفا" الروسية.. عندما كانت لا تزال تُبحر على سطح المياه
سفينة "موسكفا" الروسية.. عندما كانت لا تزال تُبحر على سطح المياه المصدر: أ.ف.ب
James Stavridis
James Stavridis

James Stavridis is a Bloomberg Opinion columnist. He is a retired U.S. Navy admiral and former supreme allied commander of NATO, and dean emeritus of the Fletcher School of Law and Diplomacy at Tufts University. He is also chair of the board of the Rockefeller Foundation and vice chairman of Global Affairs at the Carlyle Group. His latest book is "2034: A Novel of the Next World War."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يعتبر غرق أحد أهم سفن الأسطول الروسي: "موسكفا" في البحر الأسود، والذي حدث في 14 من أبريل الحالي، أول تدمير لسفينة حربية ضخمة في أرض المعركة يشهدها العالم، منذ حرب الفوكلاند قبل أربعين عاماً، حين فقدت المملكة المتحدة والأرجنتين سفناً كبيرة في المياه الباردة في جنوب المحيط الأطلسي. أمّا بالنسبة للروس، فسيتعين عليك العودة إلى الحرب العالمية الثانية حتى ترصد خسارة مماثلة.

كيف سيؤثر هذا الحدث الجلل على الحرب في أوكرانيا؟ وما هي الدروس التي يجب أن تستخلصها القوات البحرية حول العالم منه؟

عيوب السفن الروسية

سبق لي وأن زرت عدداً من السفن الروسية في مناسبات مختلفة (بينها سفن في مدينة سيفاستوبول قبل الغزو الروسي) واتضح لي أن البواخر الحربية المصنوعة في السبعينات والثمانينات مثل "موسكفا" من فئة "سلافا"، تعاني من عدّة نقاط ضعف من حيث البناء والقيادة.

ولعلّ العيب الأبرز في هذه السفن هو افتقارها إلى مبدأ التقسيم القتالي الذي يقسّم السفن إلى مقصورات، وهو نظام معتمد في السفن الحربية الأمريكية والغربية الأخرى. وبدل وجود أبواب تمنع تسرب المياه يمكن إغلاقها بإحكام حين تكون السفينة في حالة التأهب القصوى (ويكون كلّ عناصر الطاقم في مواقعهم القتالية)، فإن السفن الروسية تفتقر القدرة الكافية للتقسيم داخليّاً، ما يجعلها أكثر عرضة لما يعرف بـ"الفيضان التدريجي"، أي الغرق.

بوتين يسابق الزمن وسط مقاومة أوكرانية تبطئ وتيرة العمليات العسكرية

ضعف الهيكلة الإدارية

كذلك، فوجئت أيضاً بعيب رئيسي آخر في السفن البحرية الروسية، يتمثل بافتقار طواقم البحرية الروسية إلى فيلق قوي من المحترفين من ذوي الدرجة المتوسطة، الشبيهين بالعناصر من رتبة رقيب بحري أول في البحرية الأمريكية، وهم بحّارة يمتلكون عادة خبرة تتراوح بين 10 و15 عاماً، يكونون مسؤولين عن قيادة البحّارة الآخرين على ظهر السفينة. حيث يعتبر العسكريون برتبة رقيب أول بمثابة العمود الفقري للبحرية الأمريكية، ويطرح غياب مثل هذه الرتبة مشكلة كبيرة بالنسبة للروس (وهي نقطة ضعف موجودة أيضاً لدى القوات البرية الروسية، أي الافتقار لضباط الصف الأقوياء، وهو عامل مؤثر في المشاكل التي يواجهها الروس في المعركة البرية منذ بدء الغزو في 24 فبراير).

إنفوغراف.. أكثر الدول من حيث الإنفاق العسكري

مؤخراً، راجعت ملاحظاتي عن الحرب البحرية في أوكرانيا مع قبطان أمريكي خبير بالحروب على سطح المياه. وذكرّني أنه حين زار طراداً روسياً، لاحظ أن الضباط يرتدون بطاقات أسماء على زيهم الرسمي، فيما يرتدي البحارة أرقاماً فقط. ويشير ذلك بأن الأسطول الروسي مؤلف جزئياً من المجندين، وتعكس هذه العقلية الافتقار إلى سلسلة قيادة متماسكة داخله. ومع أنه ربما يكون مثل هذا الأمر ناجحاً في أيام السلم، إلا أنه قد يتسبب بانهيار سريع خلال القتال.

وفي حالة "موسكفا"، فإننا لا نملك تقارير دقيقة تمكننا من إجراء تقييم شامل لأسباب الفشل الذي حصل، مع ذلك توجد بضع نقاط بارزة.

تلقّي الضربات

لعل الخلل الأكثر وضوحاً يتعلق بجهوزية السفينة للدفاع عن نفسها في وجه صاروخيْ "نبتون" أوكرانيين (بحسب ما أكدته الاستخبارات الأمريكية)، سواء كان ذلك ناتجاً عن تراخ في حالة التأهب، ما يعني أن البحارة لم يكونوا في مواقعهم القتالية المناسبة، أو أن الدفاعات المضادة للطائرات على متن السفينة لم تكن كافية تكنولوجياً. ربما لن نعرف الإجابة أبداً، ولكن على الأرجح فإن ما حدث كان نتيجة مزيج من الاثنين معاً.

كذلك، افتقرت السفينة بشكل واضح إلى القدرة على تلقي الضربة فيما تبقي نفسها عائمة، وهو ما يعرف باستراتيجية "الحدّ من الضرر" في لغة البحرية الأمريكية. حيث إنه على متن السفن الحربية الأمريكية، يتم توزيع الطاقم في المواقع القتالية إلى عدة فرق على امتداد السفينة، وهي فرق مدربّة ومجهزة ومستعدة للاستجابة إلى إطلاق النار والفيضانات وانقطاع التيار الكهربائي وغيرها من التحديات. فيما يبدو أن طاقم "موسكفا" لم يفشل فقط في التصدي للهجوم، بل عجز أيضاً عن التعامل مع الحرائق والفيضانات التي تلت ذلك.

خسارة "موسكفا"

من جهة أخرى فإن خسارة السفينة "موسكفا" وجَّهت ضربة قوية للجيش الروسي والكرملين. فهي أولاً صفعة ذات بعد رمزي، إذ تحمل السفينة اسم العاصمة الروسية "موسكو"، فيكفي أن تتخيل حجم الضربة لمعنويات وهيبة الولايات المتحدة لو أنها فقدت حاملة الطائرات المسماة جورج واشنطن.

روسيا تبدأ الهجوم.. أوكرانيا تحت القصف وبايدن يتوعد بـ"رد حاسم" (تغطية حية)

كذلك فلطالما عملت سفينة "موسكوفا" كحلقة قيادة وتحكم فعّالة لتوجيه باقي أسطول البحر الأسود الذي يُعتقد أنه كان يخطط لهجوم أو اعتداء برمائي قرب ميناء أوديسا الحيوي في أوكرانيا. وقد تم تعطيل صواريخ الكروز بعيدة المدى التي كانت على متن السفينة.

وعلى الرغم من أن خسارة سفينة واحدة ليست بالأمر الكارثي، إلا أنها تمثل انتكاسة قوية، بالأخص نظراً إلى أن الحادث يعتبر كإشارة تحذير للمقاتلات الروسية الأخرى على سطح البحر. فبعد أن فقدت البحرية الروسية سفينتين حربيتين مهمتين (تم تدمير سفينة إنزال دبابات في الميناء قبل بضعة أسابيع)، فهي على الأرجح ستمارس حرصاً مضاعفاً لدى الاقتراب من الساحل الأوكراني.

دروس للبحرية في كل مكان

أخيراً، سيكون لغرق السفينة كذلك تردداته في العمليات الدولية التي تقوم بها كافة القوات البحرية. فهي تذكير صارخ بهشاشة سفن السطح وبينها حاملات الطائرات التي تشكل أساس البحرية الأمريكية، أمام صواريخ كروز التي تعد منخفضة التكلفة نسبياً، والتي تتمتع بتكنولوجيا متعددة ومتطورة. وكما أثبتت أوكرانيا من خلال ضرب الدبابات وناقلات الجنود المدرعة والمروحيات على السواحل، فإن المنفعة المترتبة لتوجيه ضربة بصواريخ كروز هي عالية جداً مقارنة مع تكلفتها بالنسبة للطرف المهاجم.

وكان سبق للمملكة المتحدة والأرجنتين أن تعلمتا الدروس من العيوب الدفاعية التي كُشفت أثناء حرب الفوكلاند حين خسرت بريطانيا مدمرتين، وفقدت الأرجنتين أكثر. ولكن خلال عقدين ممّا يعرف بالحروب المستمرة، كانت القوات البحرية الغربية تنفذ مهامها في جوّ يخيم عليه الإفلات من العقاب، فتمارس قوتها على السواحل كما يحلو لها، وذلك لأن الأفغان والعراقيين والسوريين لا يملكون صواريخ كروز من طراز "نبتون". لكن الوضع مختلف في حال النزاع بين قوى كبرى.

ويعد غرق "موسكفا" بمثابة تذكير حيّ بالحاجة إلى أسلحة فعّالة مضادة للطائرات واعتماد خيارات تكتيكية ذات كفاءة للحدّ من الأضرار خلال العمليات قرب السواحل المعادية. وفيما تسعى روسيا لاستخلاص الدروس من غرق سفينتها القيادية في البحر الأسود، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها الأقوياء عليهم القيام بالأمر عينه أيضاً.