الاستثمار في الصين يسبب نزاعاً بين أفراد أغنى عائلات سنغافورة

المشاكل العائلية تحاصر عائلة كويك السنغافورية
المشاكل العائلية تحاصر عائلة كويك السنغافورية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على مدى عقود، تفادت عائلة كويك في سنغافورة المشاكل العائلية وحصرت تركيزها في بناء مجموعة "هونغ ليونغ" (Hong Leong Group) لتصبح واحدة من أضخم الشركات المالية في العالم.

ولكن مؤخرا، أثار خلاف علني نادر داخل العائلة القلق من احتمال انشغال هذه الأسرة المترابطة في مسائل جانبية، في وقت تمرّ فيه إمبراطوريتها بظروف صعبة.

وكان التصدع داخل الوحدة العائلية قد ظهر فجأة في شهر أكتوبر الماضي، حين استقال كويك لينغ بيك، وهو سليل الجيل الثاني من العائلة، من مجلس إدارة الشركة العقارية التابعة للمجموعة، عازياً استقالته إلى خلاف حول الاستثمار في شركة عقارية صينية وحول إدارة فندق في المملكة المتحدة. وقد وضعت هذه الخطوة واحداً من أبرز شخصيات العائلة في مواجهة مع ابن عمه وابن أخيه اللذان يتولّيان منصب رئيس مجلس الإدارة التنفيذي للوحدة العقارية، والمدير التنفيذي للمجموعة على التوالي.

وعلّق ياب شي وي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إدارة الثروات "فلور كابيتال" في سنغافورة التي لم تستثمر في أي من شركات "هونغ ليونغ" قائلاً: "لقد صدمت، بالأخص بما أن عائلة كويك هي واحدة من أبرز العائلات في سنغافورة، لا بل في آسيا". وأضاف "يدير الجيل الجديد الشركة منذ فترة لذا من المؤسف حصول مثل هذا النزاع".

الثروة تقدر بـ 16.5 مليار دولار

تضع مثل هذه الخلافات، الإدارة السلسة لأعمال العائلة على المحك، حيث تقدر قيمة ثروتها بـ16.5 مليار دولار بحسب مؤشر بلومبرغ الخاص بالعائلات صاحبة المليارات في آسيا لهذا العام، مع العلم أن ثروة عائلة كويك قد تراجعت بقيمة 1.8 مليار دولار بالمقارنة مع تصنيف يوليو 2019.

وتعود جذور عائلة كويك إلى الصين التي غادرها كويك هونغ بنغ حين كان في عمر المراهقة في عشرينيات القرن الماضي. عمل بعدها في متجر للخردوات يملكه صهره ثمّ أسس شركة تجارية أطلق عليها اسم "هونغ ليونغ". ثم في عام 1941 توسعت الشركة لتشمل عدّة مجالات بينها فنادق وشركات عقارية، وشركات خدمات مالية وصناعية، وفتحت فرعاً لها في ماليزيا في عام 1963. واليوم، تضمّ هذه الإمبراطورية 30 ألف موظف، وتعتبر أكبر مجموعة فندقية بإدارة آسيوية خارج الصين، حيث تملك فندق "سان ريجيس" في سنغافورة، و"جي دابليو ماريوت" في هونغ كونغ.

وتعتبر الخلافات أمراً طبيعياً في داخل العائلات في قطاع الأعمال. فعائلة أمباني التي تتصدر ترتيب بلومبرغ لأثرى عشرين عائلة في آسيا، تنازع فيها الأخوان أنيل وموكيش لسنوات طويلة. إلا أن احتمالات نشوب نزاعات ارتفعت في عام 2020 في ظلّ مواجهة العديد من العائلات الثرية لتبعات جائحة كورونا، فيما تستعد لنقل الشعلة إلى الجيل المقبل.

وقد حذّر بريارانجان كومار، المدير الإداري لشركة "ألفاريوم" للاستثمارات من أنه "في العادة، حين تنشغل مجالس الإدارة في أمور أخرى غير العمل، فإن ذلك يؤدي إلى تراجع الأداء"، في إشارة إلى عواقب النزاعات العائلية بشكل عام.

من جهته، قال المتحدث باسم شركة "سيتي ديفولبمنت المحدودة"، الشركة العقارية في صلب الخلاف العائلي، إن كويك لينغ بيك، حتى قبل استقالته، لم يكن منخرطاً في الإدارة اليومية للشركة. وشدد على أن استمرارية شركة "سيتي ديفولبمنت المحدودة" ونجاحها يرتكزان إلى فريق الإدارة القوي التابع لرئيس مجلس الإدارة كويك لينغ بنغ مدعوما من مجلس إدارة ذي خبرة وعلى استعداد لتقبل التغيير وتنفيذ الخطط من أجل تقديم قيمة مستدامة لأصحاب الأسهم".

ولم يستجب لينغ بيك إلى طلبنا إجراء مقابلة معه كنا تقدمنا به من خلال ممثل الشركة. وكانت "سيتي ديفولبمنت المحدودة" نفت ما جاء في مقال نشرته صحيفة "بيزنس تايمز" توقع أن يؤثر هذا الخلاف على أعمال الشركة.

لينغ بيك بعيداً عن الأضواء

وأدى خبر الاستقالة إلى لفت الأنظار نحو لينغ بيك الذي كان قد نجح سابقا بالبقاء بعيداً عن الأضواء على الرغم من عمله في الشركة العائلية منذ عقود.

وكان لينغ بيك، المحاسب المتمرس، قد أسهم في تحويل "هونغ ليونغ آسيا المحدودة" من شركة متخصصة بمواد البناء في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي إلى لاعب أساسي في مجال المنتجات الاستهلاكية وصناعة محركات الديزل في الصين، وهو البلد حيث واجهت الشركة تحديات جمّة.

وانضم لينغ بيك البالغ من العمر 64 عاماً إلى مجلس إدارة "سيتي ديفولبمنت المحدودة" في عام 1987، أي بعد نحو 15 عاماً من شراء مجموعة "هونغ ليونغ" الغالبية العظمى من أسهم الشركة. وهو لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لوحدة تملك غالبية أسهم "سيتي ديفولبمنت المحدودة". وكان بيك يقود "هونغ ليونغ آسيا" منذ أبريل عام 2017، كما تولّى مناصب قيادية في العديد من الشركات المنضوية تحت مظلة "هونغ ليونغ"، بينها "هونغ ليونغ المالية المحدودة" التي توفر خدمات مصرفية.

وتملك عائلة كويك 49% من شركة "سيتي ديفولبمنت المحدودة"، فيما يملك الباقي مستثمرون، ويقودها الرئيس التنفيذي للمجموعة شيرمان كويك، ابن أخ لينغ كويك، ونجل رئيس مجلس الإدارة التنفيذي كويك لينغ بينغ. وهي تشكل جزءاً أساسياً من أعمال المجموعة منذ بداية السبعينيات عقب انطلاقتها القوية في قطاع العقارات. وقد بدأت في التوسع بشكل كبير في الصين حيث حققت المرحلة التالية من النموّ قبل عقد من الزمن.

وفي مايو 2019، وافقت "سيتي ديفولبمنت المحدودة" على ضخّ 1.1 مليار دولار سنغافوري (821 مليون دولار) في مجموعة "سينسير بروبرتي"، وهي شركة تطوير عقارية تعمل في مجال المساكن ومحال التجزئة والمكاتب والفنادق، وذلك مقابل حصولها على 24% من الأسهم. واعتُبرت الصفقة أكبر استثمار فردي في البلاد في حينها، في خطوة كان من شأنها أن تزيد من تواجد الشركة في الصين بشكل هائل، يمتد من ثلاث مدن إلى عشرين مدينة، ورفع حصة الصين في محفظة أصول الشركة من 9% إلى 15%.

وكان شيرمان كويك الذي يعرف رئيس مجلس إدارة ومؤسس "سينسير بروبرتي" منذ عشر سنوات قد شكره لاحقاً لمنح "سيتي ديفولبمنت المحدودة" فرصة نادرة لتعزيز تواجدها في الصين".

إلا أن الصفقة لم تنجز وبعد نحو عام، تفاوضت "سيتي ديفولبمنت المحدودة" على شروط جديدة للحصول على حصة مسيطرة مشتركة بنسبة نحو 51% مقابل 880 مليون دولار، وذلك مع خيار شراء بنسبة 9% إضافية مقابل 160 مليون دولار.

ولدى الموافقة على الصفقة في مؤتمر عقد افتراضياً، وصف شيرمان الخطوة بـ"الاستثمار الذي يغير شروط اللعبة" في واحدة من الأسواق الرئيسية لـ"سيتي ديفولبمنت المحدودة". مشيراً إلى أنه كان "متفائلاً جداً" حيال التعاون ما بين شركتيْ التطوير العقاري، بما أن "1+1 يمكن أن يكونا أكبر من 2". على حد تعبيره. كما اعتبر الصفقة "أحد الاستثمارات الأكثر إثارة للتحدي" في مسيرته المهنية.

وفي هذا الصدد، تساءل المحلل في مجموعة "جيفريز فاينانشل"، كريشنا غوها في أبريل الماضي عمَّا إذا كانت "سيتي ديفولبمنت المحدودة" تهدر المال على قضية خاسرة، نظراً إلى التأخر في تنفيذ الصفقة وما تبعها من تراجع في القيمة. مع ذلك، هو ينصح بشراء أسهم في "سيتي ديفولبمنت المحدودة" متوقعاً نمواً في قيمة الأصول الصافية.

وتجدر الإشارة إلى أن سهم الشركة شهد ارتفاعا في ديسمبر واستطاعت الشركة تخفيض خسائرها بـ 29%، وذلك بعدما تراجعت أسهمها في أواخر أكتوبر 2020.

وسبق لـ"سيتي ديفولبمنت المحدودة" أن استثمرت 1.9 مليار دولار سنغافوري (1.4 مليار دولار أميركي) في "سينسير بروبرتي" متجاوزة المبلغ الأصلي الذي كان متفقاً عليه في أبريل، الذي يبلغ 1.04 مليار دولار سنغافوري بحسب الطلب المقدم إلى بورصة سنغافورة وبيان صادر عن الشركة. وتسعى شركة التطوير العقاري الصينية لبيع المساكن لتعزيز ميزانيتها بشكل أسرع، في ظلّ الركود في القطاع. وبحسب المحللة في بلومبرغ، كريستي هانغ، فإن "سيتي ديفولبمنت المحدودة" قد تضطر لضخ المزيد من الأموال في هذا الاستثمار. ولم تستجب "سينسير بروبرتي" لطلبنا بالتعليق على الموضوع.

وربما شكلت كلّ هذه الأمور مجتمعة ضغطاً لم يتحمله كويك لينغ بيك، فقرر الاستقالة من مناصبه في مجلس الإدارة على خلفية "اختلافات في الرأي غير قابلة للحلّ" بحسب بلاغه لبورصة سنغافورة في أكتوبر، الذي أشار فيه أيضا إلى الوضع المالي الصعب لـ"سينسير بروبرتي" في ظلّ تبعات جائحة كورونا والقيود على السوق العقاري في الصين.

كما أشار إلى تحفظات حيال التعامل مع الشركة الفندقية (Millennium & Copthorne Hotels Ltd) التي استحوذت عليها "سيتي ديفولبمنت المحدودة" بالكامل العام الماضي. وتعاني الشركة التي تشغل أكثر من 145 فندقاً من آثار جائحة كورونا، كما أن مديرها التنفيذي استقال هذا الصيف بعد أربعة أشهر فقط من توليه منصبه.

وفي بداية شهر نوفمبر 2020، استعانت "سيتي ديفولبمنت المحدودة" بخدمات شركة "ديلويت" لخدمات الاستثمار"، وذلك بغرض مساعدتها في مراجعة الاستثمار في "سينسير بروبرتي". وأعلنت الشركة السنغافورية التي تتوقع تسجيل خسائر في السنة المالية الحالية أن "ديلويت" وجدت لدى "سينسير بروبرتي" أصولاً جيدة يمكن أن تقود إلى قيمة إضافية.

وبحسب ماك يوين تين، أستاذ المحاسبة في الجامعة الوطنية في سنغافورة، فإنه من الصعب تفادي الخلافات مثل التي حصلت في عائلة كويك حين يعمل عدد كبير من أفراد العائلة الواسعة في شركة واحدة على امتداد أجيال. وقال: "المشكلة الاقتصادية الناتجة عن الوباء فاقمت من حدة الخلافات".