في ظل تضخم العجز التجاري، سجّل الاقتصاد الأمريكي انكماشاً غير متوقع خلال الربع الماضي، وذلك لأول مرة منذ عام 2020. الأمر الذي يزيد من الضغوط السياسية بالنسبة للرئيس جو بايدن، لكنه لن يقلل على الأرجح من جرأة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إزاء زيادة أسعار الفائدة في مساعيه لمكافحة معدلات التضخم المرتفعة.
فيما بيّن التقدير الأولي لوزارة التجارة الصادر يوم 28 أبريل، أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 1.4% على أساس سنوي، حيث أسهمت الزيادة في الواردات والنمو الطفيف في المخزونات في تعويض الطلب القوي من المستهلكين والشركات. وكانت النتائج المعلنة أقل من كافة التقديرات باستثناء تقدير واحد في استطلاع خاص بـ"بلومبرغ". وكان المعدل الوسطي للتقديرات يشير إلى زيادة بنسبة 1%.
سوياً، خفّضت التجارة ومخزونات السلع نحو 4 نقاط مئوية من ناتج النمو الأساسي. كذلك أثّر تراجع الإنفاق الحكومي على الناتج المحلي الإجمالي أيضاً. لكن تفاصيل الأمر تشير إلى بقاء تماسك طلب العائلات وقوة الاستثمار في الأعمال التجارية.
الاقتصاد الأمريكي يواجه مخاطر تباطؤ النمو.. فما الأسباب؟
وصعدت المبيعات النهائية الفعلية للمشترين المحليين بمعدل سنوي قدره 2.6% -والتي تُمثل مقياساً رئيسياً للطلب يستبعد عاملي التجارة ومخزونات السلع- وذلك في زيادة من معدل المبيعات البالغ 1.7% في الربع الأخير.
وعلى خلفية معدلات التضخم الأسرع نمواً والإنفاق القوي، ما زالت السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي مُسخرة لزيادة سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة خلال الأسبوع القادم. رغم ذلك، ينبغي على المسؤولين تحقيق التوازن بين السياسة النقدية المتشددة والمخاطر التي تتهدد الطلب.
في هذه الأثناء، يتعرض الاقتصاد لرياح عكسية محتملة إضافية، من بينها التداعيات غير المباشرة للحرب الروسية في أوكرانيا. حيث كانت توقعات النمو في أوروبا قد بدأت بالتدهور بالفعل، بينما تتناقص إمدادات بعض المواد الخام، كما أن تدابير الإغلاق الصارمة التي تطبقها الحكومة الصينية والمرتبطة بالوباء تجعل سلاسل التوريد في حالة من الفوضى.
يُذكر أن مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" افتتح التداول مرتفعاً، بينما قلّصت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات من مكاسبها، وبقي سعر صرف الدولار قوياً.
تعليقاً على الأرقام الأخيرة، يقول بيل آدامز، كبير خبراء الاقتصاد في مصرف "كوميركا بنك" (Comerica Bank): "في ظل النمو القوي للإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري والتوظيف خلال الربع الأول من العام الحالي، لم يكن الاقتصاد الأمريكي في حالة من الركود في بداية العام". وتابع: "من المفترض أن يعود النمو خلال الربع الثاني من العام، حيث يقلّ تأثير العجز التجاري ومخزونات السلع".
كشفت بيانات وزارة التجارة أيضاً أن معدل الاستهلاك الشخصي، الذي يشكل الجزء الأكبر من الاقتصاد، ارتفع بنسبة 2.7% على أساس سنوي خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة مع 2.5% في نهاية عام 2021. وزاد الإنفاق على الخدمات من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 1.86 نقطة مئوية، في حين شهد الإنفاق على السلع حالة من الركود، ما يعبّر عن التغيير في سلوك المستهلكين.
كانت بداية العام الحالي شهدت تصاعد الإنفاق في ظل تراجع حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19. لكن على مدى الربع الأول، بدأ التضخم المرتفع في إضعاف القوة الشرائية. ورغم ذلك، فإن عدداً كبيراً من مديري الشركات أشادوا خلال مؤتمرات الأرباح الأخيرة التي تجري عبر الهاتف، باستدامة الاستهلاك الأمريكي.
تقول يلينا شولياتيفا، الخبيرة الاقتصادية: "التراجع الكبير الناجم عن التجارة -نتيجة ضعف الصادرات في ظل تباطؤ النمو العالمي، إلى جانب الواردات القوية بسبب قوة الطلب المحلي وارتفاع سعر صرف الدولار- سيثبت أنه عابر، وذلك مع عودة التدفقات التجارية إلى طبيعتها مع مضي الوقت هذا العام. كما يزداد زخم إنفاق المستهلكين والشركات مع اقتراب الربع الثاني من العام الحالي، والذي نقدّر أنه سيحافظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي أعلى من الاتجاه السائد للعام الحالي".
استطلاع: التفاؤل بنمو الاقتصاد العالمي ينخفض لأدنى مستوى على الإطلاق
وبالتطلع إلى المستقبل، يشير معدل التضخم المتسارع وتراجع الدعم المالي، إلى ضعف نمو النفقات في المدة المتبقية من العام. بالإضافة لذلك، قد تجبر أسعار الفائدة المرتفعة الشركات في مرحلة ما إلى خفض ميزانيات نفقاتها الرأسمالية.
كذلك تتضمن التأثيرات المعاكسة المحتملة الأخرى للاقتصاد الأمريكي، الآثار غير المباشرة للحرب الروسية في أوكرانيا والتي تنطوي على تدهور توقعات النمو في أوروبا، والعجز في المواد الخام، والانقطاعات المتواصلة في سلاسل التوريد. كما أن التدفقات التجارية معرضة للخطر جراء تدابير الإغلاق الصارمة التي فرضتها الحكومة الصينية والمرتبطة بتفشي الوباء والتي أدت إلى خفض النشاط في بعض موانئ البلاد.
من جهة أخرى، كان تقرير منفصل نُشر في يوم 28 أبريل، بيّن أن طلبات التأمين ضد البطالة الحكومية هبطت بشكل طفيف خلال الأسبوع الماضي، بما يتماشى مع زيادة الطلب الكبيرة في سوق العمل.