الصين ستطمح لنمو على الطريقة الأمريكية قريباً

تتعرض بكين في الوقت الحالي لمجموعة حديثة ومروعة من التحديات تتخطى كونها مجرد نتيجة للوباء

ورقة نقدية من فئة مائة دولار أمريكي وورقة ورقية صينية من فئة مائة يوان
ورقة نقدية من فئة مائة دولار أمريكي وورقة ورقية صينية من فئة مائة يوان المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ليس اقتصاد الصين مجرد نقطة ضعف في نمو عالمي مرتبك، ويُرجح أن نموه هذا العام، إن حدث، سيأتي دون توقعات بكين نفسها، وقد يكون أسوأ من أداء الولايات المتحدة لأول مرة منذ عقود. هذا تطور هام للغاية ربما لا يكون العالم متأهباً له.

كان النمو يتحرك في مسار مستقر قبل تفشي وباء كوفيد، حتى مع تراجع نمو الاقتصاد بطريقة كبيرة عن معدلات ما فوق 10% التي سادت بعد انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في 2001.

اقتصاد الصين يتباطأ بسرعة تحت وطأة الإغلاقات

أسفر ذاك الصعود السريع فيما مضى عن ظهور تقارير يتنبأ فيها بسطاء المحللين حول متى سيزيح العملاق أمريكا عن ريادتها، لكن أصواتهم خفتت أخيراً. كان الانكماش في بدايات الجائحة مسألة معقولة، حيث عانى منه الجميع. عادت الصين للوقوف على قدميها سريعاً، وبدا الربع الأول من 2020 حتى وقت قريب وكأنه اختلال قصير. لكن تتعرض بكين في الوقت الحالي لمجموعة حديثة ومروعة من التحديات. ما دامت الحكومة ملتزمة بسياسة "صفر كوفيد"، فسيصعب توقع أي تخفيف في سلسلة تقطع التوسع التي بدأت تشبه ما حدث في أمريكا في مطلع سبعينيات القرن الماضي وحتى منتصفها.

تكلفة التصدي للوباء

ينطوي التعايش مع وباء كوفيد، أي الانفراج الفوضوي الذي تُمارسه الولايات المتحدة وأوروبا ومناطق كبيرة من آسيا، على تكاليف تجارية واجتماعية وصحية. تكشف البيانات الحديثة عن وجود تكلفة لمواصلة محاولات إيقاف تفشي المرض. هبطت مبيعات التجزئة، وكذلك الطلب على الائتمان، كما تراجع الإنتاج الصناعي وتصاعدت البطالة وبلغت بطالة الشباب رقماً قياسياً. يعمل المسؤولون على زيادة برامج التحفيز، وغالبيتها في النطاق المالي. رغم ذلك، يظهر الربع الحالي وكأنه فترة للشطب، حيث يتوقع تشانغ شو وإريك تشو من بلومبرغ إيكونوميكس أن الناتج المحلي الإجمالي سينكمش 2.7% بالمقارنة بالعام السابق. يقولون إن النمو الاقتصادي في 2022 سيبلغ 2%. إن تحققت هذه التوقعات في الواقع، وهي أكثر تشاؤماً إلى حد ما من إجماع الآراء، فإن الصين ستسجل نمواً بمعدل أقل من الولايات المتحدة لأول مرة منذ أن بدأ الرئيس السابق دنغ شياو بينغ إصلاحاته في أواخر السبعينيات. سيرتفع نمو الولايات المتحدة 2.8% هذا العام، حسب تقديرات بلومبرغ إيكونوميكس، وهي تفوق قليلاً أوسط التوقعات في استبيان حديث.

قبضة الصين الحديدية على اليوان لها جانب إيجابي أيضاً

كم مرة سمعت صفوة وول ستريت والقادة السياسيين السابقين يتغنون بأن أهم حدث مر في حياتهم كان صعود الصين؟ بعدما تعثر اقتصادها لثاني مرة خلال ما يزيد على سنتين قليلاً، حري بنا أن نتساءل عمّا إذا كانت الأسباب تتخطى الوباء.

لم يكن خطأً

عندما نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ورقة بحثية في 2018 تتوقع أداء الاقتصاد العالمي حتى 2060، ظهر توقعها بأن الولايات المتحدة ستتفوق حتمياً على الصين وكأنه خطأ مطبعي. ستحقق البلاد نمواً بنسبة 1.8% سنوياً بين سنتي 2030 و2060، بينما ستتقدم الولايات المتحدة بنحو 2%، حسب الورقة البحثية، وهو معدل مماثل بطريقة كبيرة لذلك المعدل الذي شهده العقد السابق. لم يكن هذا السيناريو قائماً على وقوع اضطراب مفاجئ، بل كان انعكاساً للتغيرات الديموغرافية الفظيعة التي تعود أصولها لسياسة الطفل الواحد التي انطلقت في وقت مبكر من حقبة دينغ.

لا يوجد أفضل من سلاسل توريد قريبة للوطن

حين تخلى المسؤولون عن هذه القاعدة في 2015، كان الضرر قد وقع. ليس لدى خبراء الاقتصاد توقعات بأن يتبدل الحال الديموغرافي بطريقة ملموسة حيث تواصل أرقام المواليد بالتراجع وشهد العام الماضي أقل ولادات منذ 1950. كما يتجه وسطي أعمار المجتمعات للتقدم فيما تصعد سلم التنمية ويكفي النظر إلى كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة لفهم ذلك.

تبدو الصين متقبلة للنمو الذي يأتي دون المستوى المطلوب، على الأقل في الأجل المتوسط​​، استناداً لاستجابة بكين الخجولة حيال الهبوط الأخير. تتموضع الحكومة لتضخ 5.3 تريليون دولار في الاقتصاد هذا العام، وفق حسابات من "بلومبرغ نيوز". يعد هذا مبلغاً كبيراً بالنسبة لحجم الناتج المحلي الإجمالي، الذي يصل إلى نحو 17 تريليون دولار، لكنه أقل من حجم المساعدة المقدمة في 2020 حين بدأ وباء كورونا.

تدابير قاصرة

أعلنت الحكومة في وقت متأخر الاثنين، عن تدابير حديثة لدعم الثقة تضمنت مزيداً من الإعفاءات الضريبية. كانت ردة الفعل النقدية مُحبِطة. فيما حظي خفض الفائدة على الإقراض طويل الأمد الجمعة بإشادة، فإن 15 نقطة أساس من الخفض لا تستحق الإطراء. لو كان لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي فوائد انخفاض التضخم، كما حال بنك الصين الشعبي، وجابه انهياراً في كافة الأنشطة الاقتصادية، فإن تحركاً محدوداً كهذا كان سيجعل جيروم باول يتعرض للسخرية في لحظة إعلانه.

لكن لن تتجاوز مفاعيل سياسة التيسير النقدي تقديم دفعة لقطاع العقارات المتعثر طالما استمرت القيود التجارية والاجتماعية العديدة، ويجدر المحافظة على بعض الملاءة النقدية الى حين تصبح الظروف على الأرض مواتية أكثر للانطلاق. حتى ذلك الوقت، ربما يهدر بنك الشعب الصيني جهده، ويظهر أن رئيس البنك يي غانغ مقتنع بأن سياسة صفر كوفيد ليست مؤقتة.

كيف تدعم الصين اقتصادها في ظل تفشّي الوباء؟

قد يُبالغ بأهمية ضعف أداء الصين مقابل الولايات المتحدة. حين وقع ذلك آخر مرة في 1976، كان الاقتصادان متباينان تبايناً هائلاً من حيث الحجم والقدرة والانفتاح على الاستثمار والتعليم، تقريباً في الأمور كافة. كانت الشركات متعددة الجنسيات، بما فيها التي تتخذ مقارها في الولايات المتحدة، ما تزال على بعد سنوات من الارتباط بمصانع في البر الرئيسي الصيني أو قربه التي هي الآن مركز سلاسل توريدها. كما أن الصين لم تنهار بالكامل تحت وطأة وباء كوفيد، فقد تقدم الناتج المحلي الإجمالي 8.1% في 2021.

لكن بات جلياً أن ثاني أكبر اقتصادات العالم لم يعد منقذه المضمون. حين خفض صندوق النقد الدولي توقعات النمو كثيراً الشهر الماضي ووصف الوضع الدولي بأنه قاتم، كانت الصين إحدى أكبر الهواجس. في حال كان حدوث ركود عالمي جديد مسألة وشيكة، فعليك ألا تنظر إلى بكين بحثاً عن الاستثنائية.