قرارات ماسك ومخاوف الركود تُعقِّد "عصر العمل الجديد"

أحد المشاة في شارع كاليفورنيا في الحي المالي في سان فرانسيسكو. كاليفورنيا، الولايات المتحدة
أحد المشاة في شارع كاليفورنيا في الحي المالي في سان فرانسيسكو. كاليفورنيا، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لجأ عدد من المديرين إلى اعتماد نفوذهم لحثّ المزيد من الموظفين من أجل العودة إلى مكاتبهم. فقد سهّلت مخاوف الركود وموجة قرارات تجميد التوظيف إلى جانب الخطوة التي قام بها الشخص الأغنى في العالم، هذه الإجراءات. اعتاد الملايين من الموظفين في شركات مثل شركة "أبل" و"أميركان إكسبريس" لأكثر من عامَين على مرونة عملهم في تحديد مكانه وزمانه. كما منحتهم سوق العمل النشطة فرصةً لرفض مطالب المديرين التنفيذيين بالعودة إلى مكاتبهم كما كان عليه الحال قبل الجائحة.

ألقت مخاوف الركود اليوم بظلالها على توقُّعات الشركات، ما دفع بعضها إلى خفض التوظيف أو الحد من زيادات الأجور، في حين عمدت شركات أخرى إلى تجميد التوظيف تماماً، وهذا ما يكشف عن علامات مبكرة على التسوية بين الموظفين وأصحاب العمل.

إنَّ مطالبة إيلون ماسك الأخيرة بعودة موظفي "تسلا" إلى مكاتبهم أو العثور على عمل في مكانٍ آخر جعلت منه أحدث شخصية تطالب بالعودة إلى العمل من المكتب. تشجع قراراته المعارضة لنظام العمل عن بعد، الشركات الأخرى للسير على خطاه. في هذا الإطار، أشار الإحصاء الجديد الذي أجرته شركة التأمين "نيشن وايد" (Nationwide) إلى أنَّ نصف أصحاب العمل يتوقّعون العودة إلى العمل حضورياً بعد عام من الآن. تسلّط التطورات الراهنة الضوء على المناقشات المتأججة حول كيفية سير "العصر الجديد من العمل الهجين" في مجالس إدارة الشركات في جميع أنحاء العالم. كما تزداد المخاوف حيال استغلال بعض الشركات التوترات الاقتصادية كذريعة للتخلي عن الموظفين الذين يرفضون العودة إلى مكاتبهم.

ادفعوا لي أكثر أو أستقيل: العمال يلعبون لعبة خطرة مع رؤسائهم

إن كنت قد بدأت تكره وظيفتك الجديدة فلا بأس بتركها

من جهته، أفاد أندرو تشالنجر، نائب الرئيس الأول لشركة التوظيف والتدريب التنفيذي "تشالنجر غراي آند كريسماس" (Challenger, Gray & Christmas)، أنَّ الموظفين تمتّعوا بميزان القوى بين الموظفين وأرباب العمل، طوال فترة الجائحة. مضيفاً: "ما تزال الشركات متمسكة بموظّفيها، لكنَّنا نُلاحظ ارتفاع حركة تسريح العمال". كما توقَّع أن تكون المطالبة بالعودة إلى العمل من المكتب وسيلة لخفض عدد الموظفين من تلقاء نفسهم. وقد يباشر أصحاب العمل بفرض مطالب مماثلة لتلك التي فرضها ماسك حتى لو لم يحدث أي ركود اقتصادي.

أكّدت بيانات التوظيف الأخيرة أنَّ عمليات التوظيف استمرت بوتيرة سليمة خلال شهر مايو، كما أكّد أصحاب العمل الكبار مثل ”إنترناشيونال بيزنس ماشينز كورب" (IBM) على غياب أي علامات تشير إلى تباطؤ هذه الوتيرة. في هذا السياق، تستثمر شركة "فورد موتور" حوالي 3.7 مليار دولار في مصانعها القائمة حول ثلاث ولايات في الغرب الأوسط الأميركي، سعياً للتوسع في إنتاجها وخلق حوالي 6200 وظيفةٍ جديدةٍ حيث توفرت في أبريل لكلِّ عاطلٍ عن العمل وظيفتان تقريباً. اختار عدد كبير من الشركات عدم فرض أوامر مرهقة للعودة إلى العمل من المكاتب، في حين خفّفت شركات أخرى من سياساتها التشددية في الأسابيع الأخيرة.

على سبيل المثال، تراجعت شركة "أبل" عن خطتها لعودة العمال إلى مكاتبهم ثلاثة أيام في الأسبوع بعدما اشتكى عدد من الموظفين من ذلك. كما تراجع رؤساء الشركات الكبرى عن مطالبهم. من جانبه، أشار جيمي ديمون رئيس "جيه بي مورغان تشيس" إلى أنَّ حوالي40% من الموظفين سيتّبعون نظام العمل الهجين. في حين قال توماس غوتشتاين، الرئيس التنفيذي لمجموعة "كريدي سويس" مؤخراً إنَّه لا يعتقد أنَّ البنوك ستعود إلى العمل من المكتب بدوام كامل.

إيلون ماسك
إيلون ماسك المصدر: بلومبرغ

أفاد برايان إليوت، الذي يقود دراسة استقصائية لأكثر من 10 آلاف موظف في اتحاد مؤسسات البحوث المدعوم من شركة "سلاك تكنولوجيز" (Slack Technologies)التابعة لشركة "سيلزفورس" (Salesforce)، أنَّ معظم الموظّفين أمضوا أكثر من عامين في إثبات قدرتهم على الإنتاج من خلال العمل من المنزل، مشيراً إلى ارتفاع مستويات توتر الموظفين وانخفاض التوازن بين حياتهم الاجتماعية والعملية بعدما فرضت الشركات على موظفيها العودة إلى العمل من مكاتبهم خمسة أيام في الأسبوع. كما يُلاحظ أنَّ الموظفين غير الراضين عن مستوى مرونة عملهم هم الذين يبحثون عن وظيفةٍ جديدةٍ أكثر من غيرهم.

أدركت "أبل" تأثير خطتها بأصعب طريقة، بعد أن غادر الشركة أحد أهم خبرائها في التعلم الآلي خلال الشهر الماضي فور إعلانها عن سياسة العودة إلى المكتب، ليبدأ بذلك عمله في شركة "ألفابيت" المنافسة. لكن لا يتمّ تغيير الموظفين لوظائفهم في قطاع التكنولوجيا المتضرر بشدة بشكل اختياري. إذ تدفع المخاوف بشأن "الأمان الوظيفي" الموظفين إلى التضحية بأنماط حياتهم عن بعد لقضاء بعض الوقت وجهاً لوجه مع مديرهم في الشركة.

ارتفعت موجات تسريح الموظفين في شركات التكنولوجيا في مايو مقارنةً بالأشهر الأربعة الأولى من العام، وفقاً لشركة "لاي أوف" (Layoffs.fyi). إذ سمحت شركات مثل "نتفلكس"، و"كلارنا بنك"، و"روبن هود ماركتس" لموظفيها بترك وظائفهم. كما أصبحت الشركات الناشئة تسعى للبقاء على قيد الحياة بعدما بلغت مرحلة أوج تطورّها.

تجدر الإشارة إلى أنَّ مذكرات التسريح في وادي السيليكون امتدت لتشمل قطاعات أخرى مثل تجارة التجزئة وشركات صناعة السيارات التي تخلت عن موظفيها، وفقاً لتقرير الوظائف الصادر يوم الجمعة. لكنَّ بعض الخبراء لم يقتنعوا بأنَّها ستنتشر على نطاق واسع. في هذا الإطار، قالت آن إليزابيث كونكل، خبيرة اقتصادية في موقع التوظيف "إنديد دوت كوم" (Indeed.com) إنَّ هذا الذعر يبدو مبالغاً فيه بالنسبة لها، فقد وصفته بالثرثرة، وليس تهديداً كاملاً.

ومع ذلك؛ يواصل هذا الصدى ارتفاعه. إذ تتعرض أرباح الشركات للتهديد بسبب التضخم المرتفع واضطرابات سلاسل التوريد، في حين أدى ارتفاع الأجور وتكاليف المواد الخام إلى تقليص هوامش الربح، مما يحول دون أن تجد الشركات مجالاً كافياً للمفاوضة. وطلبت الشركات الرائدة ومن بينها "ديري اند كو" (Deere & Co)، و"غاب" (Gap Inc)، و"ول مارت" (Walmart). و"تارغت كورب" (Target Corp) من المستثمرين توقُّع رحلة أكثر صعوبةً على مدار العام. كما تشهد الأسهم تقلّبات في قيمتها، فقد انخفض مؤشر "اس آند بي 500" خلال الشهر الماضي ليدخل بذلك في سوق هابطة. وغرق المساهمون بمخاوف الركود التضخمي إثر رفع أسعار الفائدة؛ كما يضغط ارتفاع أسعار الغذاء والغاز على المستهلكين.

درس قاس

قد تجبر البيئة غير المستقرة الموظفين على التفكير جيّداً قبل ترك وظائفهم الحالية. لكنَّ المديرين التنفيذيين الذين يتّبعون قرارات مكتب ماسك دون تفكير، يمكن أن يُلقّنوا درساً قاسياً في أنظمة العمل الجديدة. بناءً على ذلك؛ أشارت نتائج الإحصاء الذي أجرته شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" الاستشارية إلى أنَّ 11% من بين 50 ألف عامل في 44 دولة يفضلون العمل من مكاتبهم طوال الوقت. بينما فضّلت الأقليّة منهم العمل عن بعد، ويقلق ثلثهم بشأن فقدان فرص التطوير الوظيفي.

في هذا السياق، تتفاوت نماذج العمل الهجينة بشكل واسع بين الشركات. لذلك يتوقَّع الخبراء بيئة توظيف أكثر توازناً عندما تكتشف الشركات ما يناسبها بشكل أفضل. وقال تشالنجر من شركة "تشالنجر غراي آند كريسماس": "ما تزال الشركات تواجه نقصاً في العمالة، لكنْ هناك علامات تبشّر بانتقالنا إلى سوق أكثر طبيعية، حيث يدخل العمال من باب واحد، ويخرجون من الباب الآخر".