حاملو سندات روسيا لديهم خيارات محدودة للوصول إلى مستحقاتهم

شعار البنك المركزي الروسي الذي يجسد نسراً برأسين كما يبدو على عملة الروبل، وهو في الأصل شعار الإمبراطورية الروسية. بعدما منعت وزارة الخزانة الأميركية روسيا من أن تسدد ديونها الدولارية من الحسابات التي تملكها في البنوك الأميركية، بدأت موسكو عملية السداد بالروبل الروسي، وهو ما يُعتبر بحسب وكالات تصنيف ائتماني، تخلفاً عن السداد.
شعار البنك المركزي الروسي الذي يجسد نسراً برأسين كما يبدو على عملة الروبل، وهو في الأصل شعار الإمبراطورية الروسية. بعدما منعت وزارة الخزانة الأميركية روسيا من أن تسدد ديونها الدولارية من الحسابات التي تملكها في البنوك الأميركية، بدأت موسكو عملية السداد بالروبل الروسي، وهو ما يُعتبر بحسب وكالات تصنيف ائتماني، تخلفاً عن السداد. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

سيتعرض حاملو السندات الروسية لفوضى متشابكة من الجدال المالي والسياسي والقانوني إذا دفعت العقوبات روسيا إلى تخلف تاريخي عن السداد.

حتى الآن، تمكنت موسكو من تجاوز القيود لخدمة ديونها الدولية، ولكن من المرجح أن يتغير هذا بعد أن أغلقت الولايات المتحدة منفذاً آخر للدائنين، مما أثر على نحو 100 مليون دولار من المدفوعات المستحقة بتاريخ 27 مايو. كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على جهة الإيداع المركزية في روسيا، التي قالت إنها ستعلّق المعاملات المقوّمة باليورو.

إن العقوبات، بالإضافة إلى ضوابط رأس المال في روسيا، تعني أن ما سيحدث بعد ذلك من غير المرجح أن يتبع قواعد اللعب التقليدية للمفاوضات مع الدائنين، وإعادة هيكلة الديون، وتخفيض قيمة العملة. ولكن ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت روسيا ستعلن عن أي تخلف عن السداد وكيفية الإعلان عنه.

ووفقاً لمحامين متابعين للتطورات فهناك بعض السيناريوهات المحتملة والأسئلة المهمة المرتبطة بهذا الشأن:

هل روسيا تتجه نحو التخلف عن السداد؟

لدى البلاد فترة سماح مدتها 30 يوماً لإيجاد حل للمدفوعات المستحقة أواخر الشهر الماضي على السندات المقومة بالدولار واليورو لأجل أعوام 2026 و2036. حتى إذا نفد الوقت، يعتمد تحديد ما إذا كان الأمر يُعتبر تخلفاً عن السداد أم لا على أمور متعددة.

قالت روسيا إن حساباتها في جهة إيداع التسوية الوطنية قد تم الخصم منها بالفعل. تجادل موسكو بأنها قامت بدورها، لكن من المرجح أن يزعم حاملو السندات أنه ما لم يحصلوا على النقود، وهنا فلن يتم احتساب إتمام السداد.

يقول دارشك دولاكيا، الشريك في شركة "ديتشيرت" (Dechert): "روسيا قادرة وراغبة في سداد المدفوعات... يمكن أن يعزز ذلك حجج روسيا تجاه المستثمرين -وربما في المحكمة إذا تم إعلان التخلف عن السداد- بأن السندات ليست في حالة تخلف عن السداد لأن نقص المدفوعات يرجع إلى اجراءات الحكومة الأميركية وليس بسبب عدم القدرة على الدفع".

أعلنت روسيا أنها إذا لم تتمكن من الدفع بالعملة الأجنبية، فستلجأ إلى الروبل. تم إدراج الروبل على أنها "عملة دفع بديلة" في نشرة الإصدار لسند 2036، لكنها تحتاج إلى إخطار حاملي السندات قبل 15 يوم عمل من السداد. ولكن لا يمكنها أن تفعل الشيء نفسه كخيار بالنسبة لسندات 2026؛ المصدرة بعملات اليورو أو الجنيه الإسترليني أو الفرنك السويسري، ولكن مرة أخرى، تحتاج روسيا إلى إخطار المستثمرين قبل خمسة أيام على الأقل من إجراء الدفع.

بينما تحاول روسيا مرة أخرى تفادي التخلف عن السداد، فإنها تعمل أيضاً على آلية أخرى لمدفوعات السندات بهدف تجاوز العقوبات الأميركية. في هذا السياق، قال وزير المالية أنطون سيلوانوف في مقابلات مع الصحافة الروسية، إن هناك آلية جديدة ستسمح للمستثمرين بالوصول إلى مستحقاتهم دون قيود. ولكن من غير المؤكد متى ستكون هذه الآلية جاهزة وما إذا كانت ستنجح.

من يعلن عن التخلف عن السداد؟

إذا انتهت فترة السماح وحملة السندات لم يستلموا مدفوعاتهم بعد، فعادة ما يأتي الإعلان عن التخلف عن السداد من شركات التصنيف، لكن الاتحاد الأوروبي منعهم من تغطية روسيا. ووفقاً لنشرة الإصدار، يمكن لحملة السندات الإعلان عن التخلف عن السداد بأنفسهم إذا وافق حاملو 25% من السندات القائمة على حدوث "حالة تخلف عن السداد".

ومع ذلك، لا يتعين على الدائنين التصرف على الفور، بدلاً من ذلك يمكنهم الانتظار لمراقبة الحرب في أوكرانيا ومستوى العقوبات. سيكون لديهم الوقت، لأن المطالبات لا تصبح باطلة حتى ثلاث سنوات من تاريخ الدفع، وفقاً لنشرة إصدار السندات.

يقول دينيس هرانيتسكي، رئيس ممارسة التقاضي السيادي في شركة المحاماة "كوين إيمانويل" (Quinn Emanuel): "أتوقع أن يعلن حاملو السندات بمرور الوقت أولاً عن التخلف عن السداد، ثم رفع الدعاوى القانونية لبلورة مطالباتهم، ليكونوا في وضع أفضل لما سيحدث... لكنني أتوقع أن يتجلى كل ذلك بطريقة تدريجية ومدروسة".

من الذي سيقاضي؟

يقول يانيس مانويليدس، الشريك في "ألين آند أوفيري" (Allen & Overy)، إنه بالنسبة لروسيا قد يكون من الأفضل انتظار أن يبدأ حملة السندات الإجراءات القضائية عبر اختيار سلطة قضائية، ثم تقبلها روسيا أو ترفضها.

ستظل الفرصة سانحة أمام روسيا لتقديم حججها، حتى لو كان الدائنون هم من يبدأون الإجراءات. في الواقع، قد يكون من الصعب على الدائنين العثور على ولاية قضائية مستعدة للنظر في قضيتهم، بالنظر إلى العقوبات الحالية.

ومع ذلك، قال وزير المالية الروسي سيلوانوف مرات عدة، إن الحكومة مستعدة لاتخاذ إجراءات قانونية. إذا حدث ذلك، فستخضع لعملية قضائية ويوفر لها الساحة القضائية لمناقشة الظروف التي أدت إلى تلك العقوبات، وفقاً لمانويليدس.

يمكن حتى أن يبدأ إجراء قانوني من قبل أحد البنوك في سلسلة الدفع، وفقاً لكريستوفر غراهام، شريك في قسم الإفلاس وإعادة الهيكلة في "وايت آند ويليامز" (White and Williams) في نيويورك.

يضيف غراهام، أنه إذا كان المال مع أحد الوسطاء، "يمكن للوسيط أو وصي عقد السندات أن يبدأ ما يُسمّى بالدعوى الفرعية، ويودع الأموال في المحكمة ويخبر المحكمة: لدينا هذا المال، ولدينا عقد السندات هذا، والآن لدينا كل هذه العقوبات، لذا من فضلكم أخبرونا ما يجب علينا فعله".

هل لدى روسيا حجة القوة القاهرة؟

بموجب القانون الإنجليزي، يمكن لروسيا أن تجادل بأنها أوفت بجانبها من الصفقة، وفقاً لمحاميين مقيمين في لندن، تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما لأنهما يجريان محادثات مع الأطراف المعنية. تخضع السندات للقانون الإنجليزي، ولكن ليس هناك شرط الاختصاص القضائي في الوثائق.

من جهتها، تقول إلينا دالي، مؤسسة "إي إم كونسيل" (EM Conseil)، وهي شركة استشارية تتخذ من باريس مقراً لها وتختص في إدارة الديون السيادية: "قد تحاول روسيا الدفع في مثل هذه الدعوى بأن العقوبات جعلت تنفيذها للعقد (مستحيلاً)، وهو دفاع قانوني معترف به في قانون العقود الأنغلو أمريكي".

إحدى النقاط هي ما يُعرف بالظروف القاهرة، فعلى الرغم من أن العقوبات لم تندرج تاريخياً ضمن هذه الفئة، إلا أن الدائن ومستشاره القانوني قد يحاولان استخدامها. يمكن أن تكون الحجة المضادة هي أن روسيا نفسها خلقت الظروف التي أحبطت العقد من خلال مهاجمة سيادة دولة أخرى.

كيف سيُنفَّذ الحكم؟

تقول ديبورا نورث، الشريكة في "ألين آند أوفيري"، إن المستثمرين سينظرون في المكان الذي سيكون من المنطقي إستراتيجياً بدء الإجراءات فيه، وأين توجد أصول روسيا وإلى أي مدى سيكون هناك اعتراف بأي حكم. قد تكون إنجلترا هي الخيار الأكثر ترجيحاً. ولكن بعد ذلك هناك مسألة التنفيذ.

تتمتع أصول البنك المركزي بمستوى أعلى من الحماية، وكذلك الأصول الدبلوماسية المحمية بموجب "اتفاقية فيينا". سيحتاج المستثمرون إلى البحث عن أشياء مثل الطائرات، وحيازات الأسهم، والأصول العقارية، والحسابات المصرفية لوزارة المالية، والعثور عليها في الولايات القضائية التي من شأنها إنفاذ حكم من قبل -على سبيل المثال- محكمة إنجليزية أو أميركية.

ومع ذلك، فإن إحدى المشكلات هي أن الوثائق لا تتضمن تنازلاً عن الحصانة السيادية. ما سيصعّب تنفيذ أي حكم.

هل يوجد بديل؟

يمكن لحملة السندات بدء دعوى تحكيم بناءً على معاهدات الاستثمار (اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف) بين روسيا والدول التي يوجد فيها المستثمرون. تحمي هذه الاتفاقيات الدولية الاستثمارات في حالة انتهاك حقوق المستثمر. يمكن أن يكون قرار تسوية النزاع قابلاً للتنفيذ حيث لا يكون حكم المحكمة قابلاً للتنفيذ.

هناك خيار آخر يتمثل في إعادة هيكلة الديون السيادية لروسيا بالتراضي خارج المحكمة، على الرغم من صعوبة ذلك نظراً لجميع العقوبات وقضايا السمعة التي قد يواجهها حاملو السندات.

ماذا يفعل حملة السندات الآن؟

على الرغم من أنهم لم ينظموا أنفسهم رسمياً بعد، إلا أن حملة السندات ناقشوا خياراتهم مع شركات محاماة مختلفة، وفقاً لأشخاص على دراية بالموضوع، تحدثوا إلى "بلومبرغ" بشرط عدم الكشف عن هويتهم.

يقول بول ماركوارت، الشريك في "ديفيس بولك آند وردويل" (Davis Polk & Wardwell): "الأسئلة الأكثر تخميناً التي نتلقاها هي إمكانية شراء السندات من حامليها باعتباره لعبة ديون متعثرة؟" ... "إذا كان لديك ما يكفي من الرغبة في المخاطرة، يمكنك... من يدري متى سيتم حل الأمر... محاولة تحديد حجم هذه المخاطرة وتسعيرها هو الجزء الصعب".