ضغط جمعية أميركية يُقيد أبحاث الحد من قتلى العنف المسلح

أحكمت دولاً عديدة قبضتها لمنع حوادث إطلاق النار العشوائي لكن الولايات المتحدة تخلفت عن الركب

دمية دب في موقع لإحياء ذكرى أطفال قضوا في إطلاق نار عشوائي في تكساس
دمية دب في موقع لإحياء ذكرى أطفال قضوا في إطلاق نار عشوائي في تكساس المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قتلت الأسلحة النارية من شباب الولايات المتحدة أكثر ممن قضوا في حوادث السيارات، أو نتيجة إفراط بجرعات المخدرات أو السرطان. لكن مخصصات الصحة العامة بغرض منع وفيات الأطفال بالأسلحة النارية ضئيلة مقارنة بالتهديدات الأخرى الأقل فتكاً بهم. ابيضاض الدم اللمفاوي على سبيل المثال، هو أكثر سرطانات الأطفال شيوعاً، ويقل ضحاياه عن قتلى العنف المسلح، مع ذلك فتمويل الحكومة الأميركية لأبحاثه يزيد بعشرة أضعاف عن مخصصات أبحاث العنف المسلح. تبيّن هذه الفوارق نتائج عقود من نشاط الجمعية الوطنية للبنادق.

بائعو السلاح يقدمون خيار الدفع اللاحق للشراء ترويجاً

قال غارين وينتموت، مدير برنامج أبحاث منع العنف في جامعة "كاليفورنيا" بمدينة ديفيس: "لقد اخترنا حجب المعرفة حول أحد الأسباب الرئيسية للوفيات في البلاد ونعيش نتائج ذلك الآن".

صدمت الأميركيين إطلاقات النار العشوائية قبل 10 أيام في مدينة بوفالو في نيويورك وفي مدرسة ابتدائية في أوفالدي في تكساس، وأذهلت العالم أجمع. فيما شيعت تكساس الضحايا، قُتل أربعة أشخاص آخرين بعد أن فتح مسلح النار داخل مستشفى في مدينة تولسا في أوكلاهوما في 1 يونيو.

أحكمت دولاً عديدة قبضتها لمنع إطلاقات النار العشوائية، لكن الولايات المتحدة ما تزال متخلفة عن الركب إلى حدّ يرثى له. حلَّل باحثون من جامعة "ميشيغان" في أبريل بيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها التي تظهر أن العنف المسلح هو السبب الرئيسي للوفاة بين الأطفال والمراهقين، لكن الدراسة لم تحظ باهتمام كبير إلى أن جاء إطلاق النار في بوفالو وتكساس.

ارتفاع قياسي

قتلت الأسلحة النارية أكثر من 45 ألف شخص في الولايات المتحدة في 2020، مُسجلة ارتفاعاً قياسياً، وفقاً لتقرير صادر عن مركز جونز هوبكنز لسياسة وبحوث السلاح. كان الأطفال والمراهقون أكثر الضحايا. رغم ارتفاع الوفيات بسبب الأسلحة النارية بشكل عام بين 2019 و2020، إلا أن الزيادة النسبية كانت مضاعفة لمن هم دون سن 19 عاماً، وفقاً لأبحاث جامعة "ميشيغان" المنشورة في مجلة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين" (New England Journal of Medicine). وجدت دراسة أخرى أن الأسلحة النارية كانت "دافعاً مهماً باختلال المساواة في الصحة العرقية" بين شباب الولايات المتحدة.

مجموعة تشيكية تقترب من شراء أيقونة الأسلحة الأمريكية "كولت"

تكونت الأزمة في الولايات المتحدة على مدى عقود. في حين أن حملات الصحة العامة لتحسين سلامة المرور وتقليل حوادث الغرق في حمامات السباحة كانت فعالة للغاية، فقد أعاق ضغط الجمعية الوطنية للبنادق البحوث والإصلاحات المماثلة المتعلقة بالعنف المسلح ومنع الاستجابة الحكومية الفعالة بشكل منهجي. كان ذلك خلال الثمانينات حين بدأت الحكومة الأميركية بالتعامل مع العنف المسلح باعتباره مشكلة صحية عامة. كانت الحكومة قد حددت أن الطلقات النارية هي السبب الرئيسي للوفاة بين الشباب من الذكور السود الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً. خلصت دراسة بارزة مدعومة من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بعنوان "ملكية السلاح كعامل خطر لارتكاب جرائم قتل في المنزل" في 1993 أن الأسلحة الموجودة في المنازل تشكل تهديداً لسلامة الأسرة بدلاً من حمايتها.

بشرط ألا تقييدوها

لم تؤاتي تلك الدراسة الجمعية الوطنية للبنادق، فشنت حملة دخلت عامها الثلاثين ضد الوكالة. أعاد الكونغرس تحت سيطرة الجمهوريين في 1996 تخصيص 2.6 مليون دولار كانت موجهة لأبحاث عنف فخصصها لمكافحة إصابات الدماغ، كما أضاف صياغة إلى مشروع قانون الاعتمادات الذي ينص على أنه "لا يجوز استخدام أي من الأموال المتاحة للوقاية من الإصابات ومكافحتها في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها للدعوة والترويج لتقييد الأسلحة". قاد هذه الجهود، الجمهوري، جاي ديكي من أركنساس، الذي جعل من نفسه نقطة ارتباط الجمعية الوطنية للبنادق في الكونغرس.

كان لتعديل ديكي المزعوم تأثير فوري، وكتب مؤلف دراسة 1993 آرثر كيلرمان أن تمويل أبحاث عنف السلاح "سرعان ما جف... لم يكن أي موظف فيدرالي على استعداد للمخاطرة بحياته المهنية أو لتمويل الوكالة".

أكبر بنوك أميركا توقف تبرعاتها المالية للسياسيين عقب أحداث الكابيتول

توسعت القيود على الأبحاث لاحقاً لتشمل جميع وكالات وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، بما فيها المعاهد الوطنية للصحة. قال مارك روزنبرغ، الذي ساعد في إنشاء المركز الوطني للوقاية من الإصابات ومكافحتها التابع لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وأصبح أول مدير دائم له في 1994، للصحافة المحلية في 2012 أن "الجمعية الوطنية للبنادق أرهبت المجتمع العلمي".

قال ديفيد هيمنواي، الأستاذ في كلية "تي إتش تشان للصحة العامة" في جامعة "هارفارد" ومدير مركز أبحاث التحكم في الإصابات، إن زملاءه في مركز السيطرة على الأمراض رفضوا لسنوات التحدث علناً عن الأسلحة النارية أثناء الاجتماعات. واصل هيمنواي وآخرون إجراء أبحاث مستقلة عن تمويل الوكالة، لكنه قال إن موظفي مركز السيطرة على الأمراض كانوا يستخدمون هواتفهم الشخصية في أي مكالمات تطرقت لهذه الدراسات.

بعد 6 أعوام

بعدما قتل إطلاق نار 20 طفلاً وستة بالغين في مدرسة ساندي هوك الابتدائية في نيوتاون بولاية كونيتيكت في 2012، أصدر الرئيس باراك أوباما مذكرة "لإنهاء تجميد أبحاث العنف المسلح". لكن الكونغرس لم يخصص أي تمويل لهذه القضية في ذلك العام، ولم يفعل ذلك حتى 2018. بعد قتل 14 طالباً في مدرسة مارجوري ستونمان دوغلاس الثانوية في باركلاند بولاية فلوريدا في إطلاق نار قضى أيضاً على مدرس ومدير رياضي ومدرب كرة قدم، أوضح المشرعون صراحةً أن مراكز السيطرة على الأمراض يمكنها دراسة أسباب العنف المسلح. استمر الكونغرس ومع ذلك بحرمان تلك الوكالة الحكومية من سلطة الدعوة للسيطرة على السلاح.

قالت الجمعية الوطنية للبنادق في تغريدة لها في 2018 رداً على بحث نُشر في المجلة الطبية "أنالز أوف إنترنال ميديسين" (Annals of Internal Medicine) إنه "يجب على شخص ما إخبار الأطباء المهمين المناهضين للسلاح أن يلتزموا مسارهم". تواصل المنظمة المحاججة بأن مشاكل الصحة العقلية هي السبب الرئيسي وراء ارتفاع إطلاق النار العشوائي وليس سهولة الحصول على الأسلحة النارية.

يقول خبراء الصحة إن هذا النوع من التفكير أدى لعدد لا يحصى من حوادث إطلاق نار كان يمكن تجنبها. أشار وينتموت، من جامعة "كاليفورنيا" في ديفيس، أن الولايات المتحدة "خسرت 20 عاماً من الفرص" لمنع مثل تلك المآسي التي وقعت في أوفالدي، مضى إلى القول: "كم من آلاف من الأرواح التي فقدت بسبب هذا؟"

تضاعفت ميزانية جماعات الضغط التابعة للجمعية الوطنية للبنادق منذ 1998، وهو أول عام تتوفر عنه بيانات، لتصل إلى 4.9 مليون دولار في 2021. كان بين مشاريع القوانين الأخيرة التي ضغطت ضدها وفقاً للسجلات قانون مجلس أمان وأبحاث الأسلحة النارية لعام 2019، وهو يسعى لإنشاء لجنة في وزارة الصحة لإجراء بحث أصلي حول الحد من العنف المسلح.

تراجع عنه صاحبه

كتبت إيمي هانتر، المتحدثة باسم الجمعية الوطنية للبنادق، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "لا تُعارض الجمعية البحوث المشروعة، ولم تكن تعارضها أبداً. لكننا نُعارض الأبحاث ذات الدوافع السياسية المصممة لتعزيز خطط جهة ما. يضمن تعديل ديكي عدم استخدام أموال دافعي الضرائب لتمويل الدراسات التي تدعو إلى قضية سياسية، ويبقى تعديل ديكي سليماً".

اعترف ديكي في 2012، قبل وفاته بخمس سنوات، بأن تخفيضات التمويل التي دفع من أجلها كان لها تأثير ضار، وتراجع عن موقفه في مقال رأي شارك في تأليفه روزنبرغ. كان ديكي عضواً لمدى الحياة في الجمعية الوطنية للبنادق.

كتب ديكي وروزنبرغ: "كنا على طرفي نقيض في معركة محتدمة منذ 16 عاماً، لكننا متفقون الآن بقوة على ضرورة إجراء بحث علمي للوقاية من إصابات الأسلحة النارية وأن طرق منع الوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية يمكن العثور عليها دون التعدي على حقوق أصحاب الأسلحة المشروعة".

لجنة التحقيق في أحداث الشغب بالكونغرس: ترمب حارب سيادة القانون

انتعشت أبحاث العنف المسلح مجدداً في السنوات الأخيرة، حيث قُسِّم التمويل الحكومي المقدر بـ25 مليون دولار بالتساوي بين مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها والمعاهد الوطنية للصحة. أعلن السيناتور الأميركي، ديك دوربين من ولاية إلينوي في أكتوبر عن تمويل المعاهد الوطنية للصحة بأكثر من مليوني دولار لأبحاث العنف المسلح في جامعة "شيكاغو" وجامعة "نورث وسترن". ستدعم المنح تجربة تَحكّمٍ تتعمد العشوائية وواسعة النطاق للتدخل في العنف من خلال عمل كلتا الجامعتين مع "READI Chicago"، وهو برنامج مجتمعي يتعامل بشكل مباشر مع الأشخاص الأكثر عرضة لخطر العنف المسلح. قالت مراكز السيطرة على الأمراض في بيان لوكالة "بلومبرغ": "يتطلب منع الموت والإصابة بالأسلحة النارية نهجاً للصحة العامة".

يأتي هذا التمويل المتواضع بعد فوات الأوان بالنسبة لضحايا تولسا وأوفالدي وبوفالو وجميع الأشخاص الآخرين الذين لقوا حتفهم بسبب العنف المسلح. قال هيمنواي إن النظام الوطني للإبلاغ عن وفيات العنف توسع أخيراً ليشمل جميع الولايات الأميركية، فيما لا يتضمن نظام مراقبة عوامل السلوك الخطر التابع لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أسئلة تتعلق بالبنادق، وهو ما من شأنه أن يساعد بتحديد عوامل الخطر للعنف المسلح.

قال دوربين في بيان لدى الإعلان عن التمويل: "إن العنف المسلح في الولايات المتحدة أزمة صحة عامة، وقد أتى وقت التعامل معها متأخراً عن موعده".