مسح "بلومبرغ": المزيد من التضخم يلوح في الأفق

عربات قطار تنقل الفحم في سبانيش فورك، يوتا، الولايات المتحدة.
عربات قطار تنقل الفحم في سبانيش فورك، يوتا، الولايات المتحدة. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يمكن لتجارة السلع العالمية أن تصبح أكثر تكلفة بكثير – وأكثر إضراراً بالبيئة أيضاً.

يبدو أن النقص في المواد الخام الناجم عن الحرب والأوبئة مهيأ لتغذية أكبر زيادة في أسعار السلع الأولية منذ عقود، وذلك وفقاً لأحدث استطلاع "إم إل آي في بلص" ( MLIV Pulse) الذي أجرته بلومبرغ في الفترة من 6 إلى 10 يونيو. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الوقود الأحفوري مع سعي أوروبا للابتعاد عن الطاقة الروسية، مما يُبدد أية آمال فورية بأن الأسعار المرتفعة ستعزز التحول إلى مصادر متجددة أنظف.

ومن شأن استمرار ارتفاع الأسعار أن يضيف إلى معدلات التضخم الأكثر ارتفاعاً في جميع أنحاء العالم منذ عقود، والتي تهدد بتفاقم الجوع وعدم الاستقرار في العالم النامي وإبطاء النمو العالمي في ظل رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة بقوة لترويضه.

كما زاد الضغط بشكل حاد منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، والتي عرّضت صادراتها من الحبوب للخطر وتسببت في قطع الكثير من دول العالم لعلاقاتها الاقتصادية مع روسيا التي تُعدّ دولة منتجة رئيسية للنفط. حيث يُفاقم هذا الواقع من اختناقات العرض وحالات النقص التي استمرت منذ الجائحة ودفعت مؤشر بلومبرغ للسلع للصعود 36% هذا العام، مما يضعها على مسار تحقيق أكبر ارتفاع سنوي منذ عام 1979.

ستستمر تكلفة الحصول على القمح في الازدياد هذا العام، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الغذائي العالمي غير المستقر بشكل متزايد، حتى مع تراجع النفط عن مستوياته المرتفعة، وفقاً لاستطلاع "إم إل آي في"، الذي شارك فيه 805 أشخاص. وفي غضون ذلك، يبدو أن الفحم سيكون وقود أوروبا المفضل لتعويض النقص في الغاز الطبيعي المرتبط بروسيا هذا الشتاء بدلاً من المزيد من مصادر الطاقة المتجددة.

توليد الطاقة بالفحم يعود لألمانيا حال توقف الغاز الروسي

تعليقاً على الموضوع، قال بول كريستوفر، رئيس استراتيجية السوق العالمية في "معهد ويلز فارغو للاستثمار" (Wells Fargo Investment Institute)، عبر تلفزيون بلومبرغ: "إن مزيج الحرب واختلالات العرض والطلب التي كانت موجودة بالفعل قبل بدء الحرب، وخاصة في مجال الطاقة، ستؤدي حقاً إلى دفع السلع الزراعية، والمعادن الأساسية، والمعادن الثمينة، والطاقة معاً؛ ونحن نُفضّل بقوة سلة سلع ذات قاعدة عريضة تستمر حتى نهاية العام".

دور أكبر

الجدير بالذكر أنه كان يُنظر إلى قرار أوروبا بتقليص الوقود الروسي على أنه فرصة محتملة للتحول إلى مصادر أنظف للطاقة، لكن يبدو أن قرّاء بلومبرغ متشككون في أن هذا سيحدث على المدى القصير. ومن المرجح أن يلعب الفحم دوراً أكبر في سد فجوة الطاقة في أوروبا في الشتاء المقبل وفقاً لـ68% من المشاركين في استطلاع "إم إل آي في"، بينما رأى 32% فقط أن مصادر الطاقة المتجددة ستقود المسيرة.

في حين تُعدّ أوروبا رائدة في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، فإنها ستكافح لتركيب طاقة الرياح والطاقة الشمسية بسرعة كافية لتعويض النقص الروسي الذي تفاقم بسبب مشكلات غير متوقعة، مع توليد الطاقة النووية في فرنسا.

في هذا السياق، قال ماثيو شيروود، كبير محللي السلع في "إيكونوميست إنتليجنس يونيت" (Economist Intelligence Unit): "الحقيقة هي أنهم سيضطرون إلى إيجاد طاقتهم من مكان ما، وسوف يسد الفحم هذه الفجوة بشكل متزايد في بلدان معينة.. ومن المحتمل أن يكون التحول إلى الطاقة الخضراء أبطأ مما كنا نتوقعه في العالم النامي".

ظهرت درجة من التشكك حول مدى تناسق تحول العالم نحو طاقة أنظف، في جميع أنحاء الاستطلاع. حيث قال ثلاثة أرباع المجيبين إن العالم لم يصل بعد إلى ذروة الطلب على النفط. وفي الوقت نفسه، قال 57% إن منتجي الهيدروكربونات يجب أن يكونوا مؤهلين للإدراج فيما يسمى بصناديق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة التي تركز على الاستثمارات المستدامة.

زيادة الوزن

كما أن زيادة الطلب على النفط ستُعزز قوة أكبر مصدري النفط في العالم، مثل المملكة العربية السعودية. حيث يعتقد نحو أربعة من كل خمسة من المشاركين في الاستطلاع أن تحالف "أوبك+" من المرجح أن يكون قوة مهيمنة تدعم أسعار النفط الخام لما تبقى من عام 2022. وقد تم التأكيد على هذا التحول من خلال إعادة تقويم موقف الإدارة الأميركية تجاه السعودية التي تعهد الرئيس جو بايدن بتهميشها في السابق.

قال أندرو بلومنفيلد، مدير تحليلات البيانات في شركة أبحاث السوق "مكلوسكي" (McCloskey) من "أوبيس" (Opis)، إن أهداف الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإيجاد الوقود لاستخدامات الكهرباء باتت "متعارضة بالتأكيد الآن".

توقع 64% من المشاركين في استطلاع "إم إل آي في" أن ينهي مؤشر بلومبرغ للسلع العام بشكل أقوى. ومن بين أربع سلع رئيسية، اعتقدت النسبة الأكبر من المستطلعين، 34%، أن القمح سيقود المكاسب. في حين رجح ما يقرب من 27% ارتفاعاً في أسعار النحاس، كما اختار عدد مماثل النفط، بينما تأخر الذهب ليحصد نحو 13%. واختار حوالي 37% النفط لقيادة الانخفاض، مقارنة بأقل من 17% للقمح.

إنفوغراف: أسعار القمح تقفز 50% منذ فبراير

معادن أساسية

اضطرابات

عطلت الحرب في أوكرانيا التجارة في مجموعة من الحبوب وزيوت الطهي والأسمدة، مما أدى إلى ارتفاع قياسي في الأسعار ودفع عشرات الدول، بما في ذلك الهند، إلى الاستجابة من خلال فرض قيود على تصدير الغذاء. وقد يكون لهذا تأثير الدومينو الذي يؤدي إلى تفاقم النقص لدى مستوردي الغذاء الصافيين، والذي بدوره يمكن أن يوفر حافزاً لأنواع الاضطرابات المدنية التي أشعلتها أزمة الغذاء العالمية 2007-2008.

أفريقيا تواجه اضطرابات اجتماعية بسبب أعنف زيادة في أسعار الغذاء

قال ماسيميليانو بوندوري، الرئيس التنفيذي لشركة "إس جي إم سي كابيتال" (SGMC Capital) عبر تلفزيون بلومبرغ، إن الضغط التصاعدي على تكاليف الغذاء "من غير المرجح أن ينحسر على المدى القصير"، ومن المحتمل أن يكون لذلك تداعيات اجتماعية في جميع أنحاء العالم. وبينما يشكك في أن أسواق الموارد ستشهد ارتفاعاً كبيراً يتجاوز المستويات الحالية، "فمن المرجح جداً أن تظل أسعار السلع مدعومة بالطلب".

البنك الدولي: أسعار السلع الأساسية ستظل مرتفعة حتى 2024

حتى إذا لم ترتفع أسعار المواد الخام أكثر من المستويات الراهنة، يتوقع معظم المشاركين في الاستطلاع أن يظل التضخم أعلى من أهداف البنك المركزي. ويشير ذلك إلى أن القراء يرون أن ضغوط الأسعار المتصاعدة أصبحت أكثر رسوخاً في أجزاء أخرى من الاقتصاد. كما يتضح ذلك في أكبر اقتصاد في العالم، حيث أظهرت الأرقام الجديدة الأسبوع الماضي أن تضخم أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة قد تسارع بشكل غير متوقع إلى 8.6%.

أسعار الغذاء القياسية تضع الأسواق الناشئة بين مطرقةٍ وسندان

كذلك قال نيك هامبتون، الرئيس التنفيذي لشركة "تيت أند ليل" (Tate & Lyle) المصنعة للمكونات الغذائية ومقرها لندن، عبر تلفزيون بلومبرغ: "نخطط مع الأخذ بعين الاعتبار استمرار التضخم في المستقبل المنظور؛ حيث ندير أعمالنا على افتراض أن التضخم سيستمر ومن الصعب للغاية التنبؤ بدقة بالمدة التي سيستغرقها لأن الأمور تتطور بسرعة كبيرة في الوقت الحالي".