ما سبب إجماع الناس على الدجاج؟

انخفضت تكلفة تربية الدجاج بشكل متكرر على مرّ السنين.. وذلك بفضل علم الوراثة وابتكارات أخرى

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تصدرت شرائح اللحم الأحمر اللذيذ قمة اللحوم المفضلة لدى رواد المطاعم على مدى قرون مع تحسن النظام الغذائي وازدياد الثراء، لكن الحال تغيرت الآن، إذ يُتوقع أن يصل استهلاك الدجاج إلى 98 مليون طن، أي ضِعف كمية عام 1999. يزيد هذا على ثلاثة أضعاف نمو استهلاك لحم الخنزير، و10 أضعاف لحم البقر، وفقاً لبيانات الحكومة الأميركية. يتجه الاستهلاك العالمي للدجاج ليشكل 41% من إجمالي استهلاك اللحوم بحلول 2030. سيستهلك البشر الدجاج لأول مرة أكثر من أي نوع آخر من البروتين خلال أقل من عقد، سواء كان ذلك أفضل أو أسوأ.

حتى الدجاج أصبح مُكلفاً جداً

انخفضت تكلفة تربية الدجاج بشكل متكرر على مرّ السنين، وذلك بفضل علم الوراثة وابتكارات أخرى، لتصبح الطيور جاهزة للذبح بعد ستة أسابيع فقط من فقسها، إذ يحول الدجاج خلالها العلف إلى بروتين بشكل مذهل لا مثيل له في أي حيوان آخر. قال جيسون لاسك، رئيس قسم الاقتصاد الزراعي في جامعة "بوردو": "نواصل بطريقةٍ ما البحث عن طرق لزيادة كمية اللحوم لكل طائر وتقليل الوقت الذي يستغرقه ذلك... قد يتخيل المرء أن هناك بعض الحدود الحيوية لهذه الأشياء، لكننا لم نعثر عليها بعد".

يتسارع التحول إلى الدواجن في الاقتصادات الكبرى بدايةً من البرازيل إلى الصين لأن التضخم يجعل اللحوم الحمراء باهظة الثمن بالنسبة إلى عدد أكبر من سكان العالم. كما عززت فوضى سلاسل الإمداد الغذائي الناجمة عن الوباء وحرب أوكرانيا هذا الاتجاه.

سرعة النمو

لارتفاع الإقبال على الدجاج جانب مظلم. يمكن أن يزيد وزن الطيور بسرعة لا تجاريها الأعضاء والعضلات فيَصعب عليها الوقوف. كان تفشي إنفلونزا الطيور، مثل الذي ضرب الغرب الأوسط والساحل الشرقي للولايات المتحدة أخيراً، أكثر حدة بسبب الاستخدام المتزايد لأساليب الإنتاج الصناعية. قال تاي لين، الشريك الإداري لشركة "بروتيرا آسيا" (Proterra Asia)، وهي شركة مساهمة خاصة في صناعة الأغذية، إنه يُحتمل أن تكون تكلفة الإنتاج مقابل إجمالي الإنتاج من الدواجن انخفضت إلى ثلث ما كانت عليه قبل 30 عاماً. لم يكتشف المزارعون كيفية تحقيق الشيء نفسه مع الحيوانات الأخرى. أضاف لين: "لقد أصبح من اللحوم الأكثر وفرة".

شبكة الأمان ضد الجوع أوهى مما يظن الناس

يتزايد الطلب بسرعة كبيرة بحيث لا يستطيع المنتجون مواكبة ذلك، مما يتسبب بعجز في المعروض. ينخرط أصحاب المطاعم في الولايات المتحدة في منافسة شرسة على الإمدادات. قالت سلسلة مطاعم "وينغ ستوب" (Wingstop) إنها تريد شراء مصنع معالجة، ما سيجعلها أول مشغل مطعم أميركي كبير يغامر بهذا في سلسلة التوريد. توقف أكبر مورد للدواجن العام الماضي عن إمداد سلسلة مطاعم "لينز تشيكن فينغرز"، التي لا تقدم إلا الدجاج والبطاطا المقليين مع أطباق جانبية قليلة، لأنه لم يكن لديها كمية إنتاج كافية. استطاع سمير وتار، رئيس العمليات في "لينز"، العثور على المصدر البديل الأوحد الذي فرض ما يقرب من ضِعف السعر. رغم استمرار ارتفاع الأسعار هذا العام، فإن وتار يحجز كمية دجاج أكثر من اللازم للتأكد من أنها لن تنفد.

تلاشي الخنزير

استُبدل الدجاج في آسيا بلحم الخنزير، باعتباره اللحم التقليدي للاحتفالات والطهي اليومي وتناول الطعام بالخارج، إذ يتبنى جيل الشباب وجهة النظر الغربية القائلة بأن اللحوم البيضاء صحية أكثر. لم يعُد بعض المطاعم في الصين يقدم لحم الخنزير على الإطلاق، وهو ما لم يمكن تصوره قبل بضع سنوات فقط. تضم قائمة الطعام في مطعم "وغاس" (Wagas)، وهي سلسلة مطاعم راقية تركز على الصحة، وهي موجودة في المدن الصينية الكبرى بداية من بكين إلى تشنغدو، سَلَطة اللفت مع الدجاج والأفوكادو ومأكولات بحرية وأطباق نباتية لكنها تخلو من أطباق لحم خنزير.

تناول البرازيليون أيضاً الدجاج هذا العام لأن التضخم جعل لحوم الأبقار تتخطى إمكانيات الملايين. تعمل الدولة، وهي أكبر مُصدِّر للدواجن في العالم، على زيادة الإنتاج بنسبة 4.5% إلى مستوى قياسي. قال ريكاردو سانتين، رئيس مجموعة المُصدِّرين في مجموعة "إيه بي بي إيه" (ABPA)، إنّ الشركات تضيف خطوط إنتاج وتغييرات وتحسينات في العمليات.

ارتفاع الأسعار يجعل اللحوم بعيدة عن متناول اللبنانيين

يتزايد الطلب أيضاً في مناطق من أوروبا إلى جنوب أفريقيا إلى المكسيك. قال بريت ستيوارت، المؤسس المشارك لشركة "غلوبال أغريتريندز" (Global AgriTrends)، وهي شركة استشارية: "لا أعرف بلداً في العالم ليس فيه دجاج. إنه أول درجات البروتين. عندما ترتفع من الأرز تبدأ بالدواجن".

نظراً إلى أن الدجاج ينمو بسرعة كبيرة، فإنّ الدواجن صديقة للمناخ أكثر من الأبقار، التي تتعرض تربيتها لانتقادات متزايدة بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الهائلة الناتجة خلال نموها.

يلجأ بعض المطاعم والشركات إلى الدواجن للمساعدة في تحقيق الأهداف الخضراء. بدأت سلسلة المقاهي والمخابز "بانيرا بريد" (Panera Bread) أخيراً بالإعلان عن قائمة طعامها "كول فود ميلز" (Cool Food Meals)، وهي قائمة صديقة للبيئة تضم مقبلات تتميز بالدجاج الذي طوره معهد الموارد العالمية غير الربحي. تُعَدّ هذه القائمة جزءًا من جهود الشركة لتخليص الهواء من كربون يفوق الانبعاثات بحلول 2050. كما انضمت شركة الخدمات الغذائية العملاقة "أرامارك" (Aramark) لتطوير وبيع الأطعمة ذات الأثر الكربوني الأقل إلى جانب ذراع خدمات الطعام التابع لشركة "نستله".

كربون أقل

أدى السعي لوجبات منخفضة الكربون في الشركات الكبرى والسلاسل والجامعات وحتى الحكومات حتى الآن إلى انخفاض الانبعاثات بنسبة 16% لكل طبق، وفقاً لمعهد الموارد العالمية الذي أنشأ البرنامج في 2019.

قال نيرين تشودري، رئيس شركة "بانيرا" التنفيذي: "لا ينبغي أن يتنازل المستهلكون عن المذاق كي يكونوا ذوي مسؤولية حيال المناخ... يمكن أن تكون البروتينات الحيوانية بالنسب والتوازن الصحيحين حسنة".

كما يسبب قطاع تربية الدجاج مشكلات بيئية لأن عمليات التغذية المكثفة تركّز منتجات النفايات وتسفر عن مشكلات في الروائح، كما ارتبط إنتاج فول الصويا، وهو من مكونات العلف الصناعي للدجاج، بإزالة غابات الأمازون. قال تيموثي سيرشينغر، الأستاذ في مركز أبحاث السياسات حول الطاقة والبيئة التابع لجامعة "برينستون": "كان نمو إنتاج الدجاج أمراً سيئاً للغاية من حيث معاناة الدجاج".

"نستله" تتجه إلى صناعة بدائل البروتين وتستثمر في "الدجاج المزيف"

يرى بعض منتجي الدجاج البطيء النمو والأقل من الناحية الصناعية طريقة لتربية الدواجن بوصفها جزءًا من نظام أكثر إنسانية وأفضل للبيئة. لكن لم يتمكن أحد من تحقيق مثل هذا النظام على نطاق واسع. تعهدت أكثر من 200 شركة، بما فيها "بوبايز لويزيانا كيتشن" (Popeyes Louisiana Kitchen) و"شيبوتليه مكسيكان غريل" (Chipotle Mexican Grill)، بالانتقال إلى معايير جديدة أكثر صحة للدجاج بحلول 2026.

مع ذلك لن تبلغ تربية الحيوانات بطريقة إنسانية وصديقة للأرض مبلغاً يُذكر إن كان المنتج لا يلبي توقعات المستهلكين. قالت شركة "كوكس فينتشر" (Cooks Venture)، وهي شركة دجاج تستخدم طرقاً زراعية لعزل مزيد من الكربون في التربة، إنّ الطعم يظل الاعتبار الأول للمستهلكين. لذا فإن الشركة تركز على هذا الجانب وتقول إنّ طيورها ذات العضلات الأكثف هي ألذ طعماً مقارنة مع تلك المنتجة في منشآت صناعية.

قال مات وادياك، مؤسس شركة "كوكس فينتشر": "يريد الناس أولاً وقبل كل شيء أن يأكلوا شيئاً طيب المذاق. أما العامل البيئي فهو ثانوي".