موقف بايدن من الصين.. استمرار لنهج ترمب أم توصل إلى صفقة كبرى؟

شاومي للاتصالات تدخل قائمة الحظر الأمريكية
شاومي للاتصالات تدخل قائمة الحظر الأمريكية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قبل عام، طلب الرئيس الصيني شين بينغ من الولايات المتحدة معاملة شركات بلاده "بإنصاف" في خطاب ألقاه في البيت الأبيض بمناسبة توقيع صفقة تجارية تاريخية بين أكبر اقتصادين في العالم.

في ذلك الوقت، كانت إجراءات الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب ضد الشركات الصينية تستهدف في الغالب شركة "هواوي تكنولوجيز" العملاقة، التي أصبحت رائدة عالميا في السباق لإنشاء شبكات الجيل الخامس في جميع أنحاء العالم.

وعلى الرغم من إدراجها في القائمة السوداء، فقد تمتعت "هواوي" بإمدادات كبيرة من الشرائح الذكية الضرورية للحفاظ على هيمنتها.

وحاليا، مع استعداد ترمب لمغادرة منصبه الأسبوع المقبل، تجد عشرات الشركات الصينية الإستراتيجية نفسها في مرمى نيران الولايات المتحدة بعد عام شهد تدهورا في العلاقات مع انتشار جائحة فيروس كورونا.

وإلى جانب سد الثغرات في "هواوي"، والتي تؤثر بشكل ملموس على نشاط الهواتف الذكية، اتخذت إدارة ترمب مجموعة واسعة من الإجراءات لإحباط جهود الصين للهيمنة على صناعات التكنولوجيا الفائقة التي ستقود النمو على مدى العقود القليلة المقبلة.

الشركات الصينية الكبرى

تتمتع الشركات الصينية المستهدفة، بما في ذلك الواردة في آخر الإعلانات الصادرة يوم الخميس، بمكانة كبيرة.

وهي تشمل أكبر ثلاث شركات اتصالات في الصين، وأكبر شركة لتصنيع الرقائق، وأكبر شركة مشغلة لوسائل التواصل الاجتماعي والألعاب، وأكبر شركتين لتصنيع الهواتف الذكية، ومستكشف الطاقة الرئيسي في المياه العميقة، وشركة تصنيع الطيران العسكري، والشركة المصنعة للطائرات بدون طيار، والشركة المصنعة للطائرات التجارية الأساسية.

ومكمن الخطر، هو قدرة الصين على إنتاج كل المواد من شبكات الخامس إلى طائرة ركاب تتنافس مع شركتي "بوينغ" و"إيرباص".

وفي حين أن نطاق إجراءات ترمب غير المسبوقة أحدثت اضطرابا في الأسواق، إلا أن التقدير الكامل لتأثيرها يتوقف إلى حد كبير على الرئيس المنتخب جو بايدن.

وستتمتع إدارة بايدن بالصلاحية إما بإبقاء القيود أو إزالتها أو تشديدها أكثر على شركات مثل " شاومي كورب"، وهي منافسة لشركة "آبل"، وتعرضت لأضرار هذا الأسبوع بسبب علاقات مزعومة مع الجيش الصيني، الأمر الذي تنفيه "شاومي كورب".

وقال مارك ناتكين العضو المنتدب لشركة "ماربريدج كونسلتنج" (Marbridge Consulting) الأمريكية ومقرها بكين، لمساعدة الشركات على الاستثمار في الصين "لا يستطيع بايدن أن يبدو لينا تجاه الصين، لذلك قد ينتهي به الأمر إلى التصميم في تطبيق أي إجراءات غير تقليدية يطبقها ترمب، بغض النظر عما إذا كانت متوافقة تماما مع نهج السياسة المثالي لإدارته".

وتسارعت حملة ترمب ضد الشركات الصينية في يونيو، عندما كشفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن قائمة الشركات الصينية التي قالت إنها تخضع فعليا لسيطرة جيش التحرير الشعبي (الجيش الصيني) لأول مرة بموجب شرط في قانون 1999.

وفي نوفمبر، بعد وقت قصير من خسارته انتخابات 3 نوفمبر، حظر ترمب الاستثمار الأمريكي في الشركات الصينية المدرجة في القائمة، والتي ارتفع عددها إلى 44 شركة يوم الخميس الماضي مع إضافة "شاومي" وثمانية شركات أخرى.

ويقضي الأمر بمنع الأمريكيين من شراء أسهم تلك الشركات المعنية اعتبارا من يوم 11يناير، وأنه يجب عليهم (الأمريكيين) بيع حيازاتهم القائمة من تلك الأسهم بالكامل بحلول نوفمبر عندما يتم تجميد المعاملات.

ويحتاج المستثمرون الأمريكيون إلى بيع أوراق مالية صينية بقيمة 12 مليار دولار بحلول الموعد النهائي في نوفمبر، وفقا لتقديرات الخبراء الاستراتيجيين في "مورغان ستانلي"، باستخدام نسخة القائمة في 13 يناير.

شطب الشركات الصينية

وقالت "بورصة نيويورك" هذا الشهر إنها ستشطب أسهم شركة "تشاينا موبايل ليمتد" و"تشاينا تيليكوم"، و"تشاينا يونيكوم هونغ كونغ ليمتد"، وهي المرة الأولى التي تشطب فيها بورصة أمريكية شركات صينية بسبب التوترات بين البلدين.

وفي هونغ كونغ، حيث جرى إدراج أسهم شركات الاتصالات الثلاثة بشكل أساسي، هبطت أسهم شركة " تشاينا موبايل" إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2006 وهوت أسهم شركة "تشاينا تليكوم" إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من 17 عاما.

وقلل المسؤولون الصينيون من تأثير القيود التي وضعتها "بورصة نيويورك" وقالوا إنها ستضر في النهاية بالمصالح الأمريكية، لكنهم وجهوا أيضا انتقادات.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ إن "بعض السياسيين في الولايات المتحدة يضطهدون الشركات الأجنبية المدرجة في الولايات المتحدة".

تراجع أسهم "شاومي"

وأعقبت القرار سلسلة من التحركات المماثلة من صناديق الاستثمار والمشتقات والمنتجات الاستثمارية في الولايات المتحدة حيث بدأ الحظر في 11 يناير.

وشطب كل من "غولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي" و"جيه بي مورغان" منتجات مالية تشمل حوالي 500 من الضمانات وعقود البيع والشراء القابلة للاستدعاء في هونغ كونغ، أكبر سوق في العالم للمنتجات المهيكلة.

وخسر صندوق "تراكر فاند أوف هونغ كونغ" (Tracker Fund of Hong Kong) البالغ قيمته 13 مليار دولار، والذي تديره شركة "ستيت ستريت كورب" 470 مليون دولار في يوم واحد - وهو أكبر مبلغ يتكبده منذ تأسيسه في عام 1999.

ويوم الجمعة، انخفضت أسهم شركة "شاومي" بنسبة 10% بعد إدراجها في "القائمة العسكرية"، ليكون أسوأ يوم منذ طرحها للتداول العام لأول مرة في هونغ كونغ في يوليو 2018.

ومن بين الشركات الأخرى المدرجة في القائمة شركة صناعة الطائرات التجارية المملوكة للدولة، أو "كوماك"، والتي تقوم بدور مركزي بالنسبة للصين لتحقيق هدفها المتمثل في منافسة "بوينغ" و"إيرباص".

وإلى جانب قائمة الشركات العسكرية، احتفظت وزارة التجارة الأمريكية بقائمة منفصلة، ولكنها متصلة بالشركات الصينية التي تحتاج إلى إذن محدد للحصول على التكنولوجيا الأمريكية.

توالي حظر الشركات

وفي ديسمبر، قالت وزارة التجارة الأمريكية إنها أدرجت المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (إس.إم.آي.سي) الصينية وشركة "دي جيه إي تكنولوجي" (DJI Technology Co) المصنعة للطائرات بدون طيار، وأكثر من 60 شركة صينية أخرى في القائمة بهدف "حماية الأمن القومي للولايات المتحدة".

وجرت إضافة "تشاينا ناشيونال أوفشور أويل كورب" (China National Offshore Oil Corp)، ثالث أكبر شركة نفط في البلاد، إلى قائمة الكيانات يوم الخميس. وقالت إنها علمت بإدراجها في القائمة وستواصل مراقبة تداعياته.

الصفقة الكبرى

ما لم يتخذ ترمب إجراء بشأن "شاومي" أو الشركات الأخرى المدرجة في القائمة العسكرية قبل يوم الثلاثاء المقبل، فسيكون الأمر متروكا لـ بايدن لتحديد ما إذا كان سيقيد قدرة الشركة على الوصول إلى المكونات الرئيسية من الولايات المتحدة.

وبينما لم يكشف بايدن عن نواياه إزاء إجراءات ترمب التي يمكن إلغاؤها أو إبطالها، فقد حظيت معظم مواقف الإدارة الحالية الأكثر صرامة ضد الصين بدعم من الحزبين في الكونغرس.

وقال كيرت كامبل، الذي يُرجح أن يصبح منسق بايدن لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، إن إدارة بايدن ستسعى في البداية لبناء توافق مع الحلفاء بشأن الصين بعد التعامل مع مجموعة من القضايا المحلية، وفقا لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست".

وأضاف كامبل أن البلدين يمكنهما اتخاذ خطوات لبناء الثقة، مثل التراجع عن الإجراءات المتبادلة بشأن طرد الصحفيين، وتخفيف قيود الحصول على التأشيرات وإعادة فتح القنصليات المغلقة.

وقال نيكولاس تورنر، المحامي المتخصص في العقوبات الاقتصادية بشركة "ستيبتو آند جونسون إل إل بي" (Steptoe & Johnson LLP) في هونغ كونغ: "من المحتمل رفع العقوبات بموجب صفقة كبيرة، ربما في إطار اتفاقية تجارية من شأنها أن تمنح الرئيس الغطاء السياسي لتخفيف حدة الإجراءات الأخيرة".

موقف الصين

الصين من جانبها، لا تقف مكتوفة الأيدي. وتعهدت وزارة الخارجية الصينية يوم الجمعة بحماية حقوق الشركات الصينية، حيث قال المتحدث باسمها "تشاو ليجيان" إن تحركات ترمب ترقى إلى مستوى التصرف "الأحادي والمعايير المزدوجة والبلطجة".

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، عززت الصين مجموعة أدواتها للرد على الولايات المتحدة على الرغم من انتظارها قبل الرد.

لقد أنشأت الصين "قائمة الكيانات غير الموثوق فيها" وأصدرت قانونا جديدا للرقابة على الصادرات يمكن استخدامه لتقييد العناصر الأرضية النادرة الحيوية للتكنولوجيات الرئيسية.

وأصدرت الصين الأسبوع الماضي قواعد جديدة من شأنها أن تسمح للمحاكم الصينية بمعاقبة الشركات العالمية على الامتثال للعقوبات الأجنبية - وهي خطوة يمكن أن تجبر الشركات نظريا على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين.

كما بدا أن الرئيس الصيني شي يفقد الأمل في أن العلاقات مع الولايات المتحدة قد تتحسن في عهد بايدن، مع توجه بلاده بشكل متجدد لتحقيق الاكتفاء الذاتي في التقنيات الرئيسية.

وقال تشين شي، الأستاذ المساعد بجامعة "شيان جياوتونغ" (Xi’an Jiaotong University)، إن الرأي العام الصيني، في الوقت نفسه، اعتاد على الهجمات المستمرة ويرى القوائم الأمريكية بمثابة "شهادة إنجاز للشركات الصينية".

وقال تشين "إدارة بايدن لن تتعامل مع هذه القضايا بمجرد أداء اليمين، لأنه من المفيد له استخدام مثل هذه القوائم والعقوبات ورقة مساومة مع الصين".

وأضاف "على المدى الطويل، ستعزز الشركات الصينية اعتمادها على الذات في التكنولوجيا الأساسية، بينما قد تجد الشركات العالمية نفسها تفقد سوقا مهمة".