هل أمورنا حقاً بهذا القدر من السوء؟ الحقيقة لا

البيوت أجمل من الأحياء
البيوت أجمل من الأحياء المصدر: بلومبرغ
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قبل أن أبدأ، يُرجى ملاحظة أنني لست متشائماً، وأنا لا أبيع على المكشوف في السوق، وأعتقد أن العالم على الأغلب سيشق طريقه إلى الأمام بشق الأنفس لكنه لن ينهار، ومع ذلك أعتقد الآن وأكثر من أي وقت مضى أن المستقبل سيتّسم بعدم مسؤولية وغباء أكثر مما كنت أظن.

أشعر بقلق متزايد من أن النجاح والفشل البشري يحكمهما الذوق، أي جانب الطلب بمصطلحات الاقتصاد، وإذا كان هناك عدد أقل من الأحياء السكنية الجميلة والساحرة بعد الحرب العالمية الثانية، فذلك لأن معظم الناس لا يريدون العيش فيها، وإذا كان هناك عدد أقل من الأفلام اليوم لها التأثير الدرامي والعنفوان التكويني لـفيلم "المواطن كين" (Citizen Kane)، فذلك لأن الناس لا يريدون رؤيتها كثيراً، وليس لأنه من الصعب أو المكلف للغاية أن تصنع فيلماً آخر يشبه "المواطن كين".

مرة أخرى، هذه ليست حجة للتشاؤم، فربما أصبحت أفلام هوليوود أسوأ، لكن البرامج التليفزيونية أفضل بكثير، وقد تبدو الأحياء أقل إثارة للاهتمام، لكن دواخل المنازل أصبحت أكثر راحة، ومقابل كل كونشيرتو أو مقطوعة موسيقية محتملة مفقودة من عصر الباروك، توجد مكاسب في مجالات أخرى من الحياة.

إنفوغراف: أكثر 5 مسلسلات مشاهدة على "نتفلكس"

تدهور الأذواق

لكن من المذهل مدى التدهور الممكن في جودة الذوق، واستمرار ذلك لفترات طويلة.

تلعب العدوى الاجتماعية دوراً مهماً في هذه العملية، أي إنه عندما يهتمّ بعض الناس بلون معيّن من ألوان الفنون، قد يتبعهم آخرون: فكّر في صعود فرقة "بيتل مانيا" (Beatlemania)، وتسير العملية أيضاً في الاتجاه الآخر: فكّر في تراجع الديسكو.

والسؤال هو: لماذا يتلاشى بعض الأذواق المعينة وتبرز أذواق أخرى؟ ربما هناك تفسيرات هيكلية عميقة، ولكن في أغلب الأحيان هذه الأسباب تكون عصية على فهمنا، ومهما كانت الأهداف العملية فإنّ عديداً من التحولات في الأذواق الثقافية عشوائي.

مسلسل "سكويد غيم" الشهير يعزز قوة كوريا الجنوبية الناعمة ويدعم اقتصادها

أيضاً من المهم أن ندرك أن كثيراً من السياسة يدور حول الأذواق الجمالية لمجموعة معينة من القيم، ومجموعة معينة من الأشخاص، ومجموعة معينة من العمليات والنتائج، فقد بدأت سلسلة من الثورات الديمقراطية في أواخر القرن الثامن عشر، تماماً كما بدأ عديد من الثورات الفاشية في أوائل القرن العشرين، ثم الثورات الليبرالية الجديدة في التسعينيات، ويمكن أن تساعد العدوى الاجتماعية في تفسير ذلك أيضاً.

ومكمن خوفي، بكل بساطة، هو أننا دخلنا عصراً أصبحت فيه الذائقة الشعبية لنتائج سياسية جيدة، وعمليات سياسية نزيهة، أضعف بكثير مما كانت عليه من قبل. قد تعتقد أن الناس يريدون دائماً الحصول على نتائج سياسية لائقة على الأقل، لكن أصبح الدفاع عن هذه الفرضية صعباً بشكل متزايد في السنوات العشر الماضية، في الولايات المتحدة والعالم على حد سواء، ويبدو التعلق بالديمقراطية، على سبيل المثال، أضعف بكثير، وكذلك حب الرأسمالية، وتنجذب أذواق الناس إلى اتجاهات مختلفة، سواء كانوا جماعة "براود بويز" اليمينية أو علامة "إكستريملي ووك" (extremely woke) التي تشير إلى التوجهات اليسارية.

كل هذا يعني أن إمكانية بسيطة غير جديرة بالاحترام أصبحت راجحة، هي أن الناس قد فقدوا الرغبة في حدوث أي تطورات جيدة.

القضية الجوهرية

أدرك أن هذا التفسير مبتذل ولا يحمل كثيراً من القبول من الناحية العاطفية، فكثير من الناس يفضلون نظريات المؤامرة، أو فرضيات نظرية محكمة بنيويا، أو إلقاء اللوم على فصيل سياسي معيَّن يعارضونه عادة، أو أنهم يركزون على بعض القضايا المحددة للغاية، مثل تغير المناخ.

أنظر إلى كل هذه المشكلات، رغم أنها قد تكون حقيقية، على أنها تنبع من القضية الأكثر جوهرية: لماذا لم تستجِب أنظمتنا في الحكم بشكل أفضل لأي معضلات بعينها تهمّنا أكثر؟

عند هذه النقطة قد تتساءل كيف ما زلت أعتبر نفسي متفائلاً. اسمحوا لي أن أقتبس من كلمات آدم سميث: "في الأمة قدر كبير من الخراب".

تتمتع كل من أميركا والعالم بمواهب واستثمارات رأسمالية أكثر من أي وقت مضى، وحتى لو ارتكبنا عديداً من الأخطاء، فلن تكون مشكلاتنا بنفس سوء ما كان يشهده العالم في عام 1980، زمن انتشار الفقر والأنظمة الشيوعية الوحشية في عدة قارات.

وتذكروا أن الأذواق يمكن أن تتغير، وستتغير مرة أخرى، في اتجاهات أكثر إيجابية، وجملة "الأمر متروك لنا" يمكن أن تكون مصدر سعادة أو إحباط، وقل ما تشاء بشأن الحضارة الحديثة، لكن لا يسعني إلا أن ألاحظ أن موتسارت يحصل على عدد هائل من الإعجابات على "يوتيوب".