التكنولوجيا تُعيد الحياة للمكاتب المهجورة بسبب الجائحة

تستخدم Salesforce برنامج إدارة العمال الخاص بها لتتبع عمليات إعادة فتح المكاتب أثناء الوباء
تستخدم Salesforce برنامج إدارة العمال الخاص بها لتتبع عمليات إعادة فتح المكاتب أثناء الوباء المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في يناير 2020، كان نيك يوريك جاهزًا لإطلاق المنتج الذي أمضى ثلاث سنوات في تطويره. وهو الشريك المؤسِّس لـ"Maptician"، وهي شركة صغيرة تأسست في 2020 ومقرُّها في جورجيا.

ومع بداية العام كانت الشركة تستعدُّ لبيع أداتها التحليلية الجديدة، وهي منتجها الرئيسي الذي كان الغرض منه رسم خريطة لأرضية المكتب تَعرِضُ للموظفين من خلال تطبيق هاتفيّ أماكن جلوس الأشخاص في الوقت الفعليّ بشكل لحظيّ. وتكمن الفكرة في مساعدة العاملين على تمضية أكبر قدر ممكن من وقتهم مع زملائهم. ولكن تغيَّرت هذه الخطة بشكل دراماتيكيّ مع انتشار جائحة فيروس كورونا في ربيع 2020.

يقول يوريك: "تَمَثَّل دافعنا الأساسي في جعل الناس يمضون وقتًا أكبر وجهًا لوجه بعضهم مع بعض، بغرض التعرُّف على زملائهم في العمل. أمَّا الآن فنحن نتحدَّثُ عن أمور ذات خطورة أكبر".

اليوم النسخة المحدَّثة من نظام الشركة ستعمل على تعقُّب جداول الموظفين وتحليل خطط الأرضية والمواقع، ولكن لغرض مختلف تمامًا، إذ ستُستخدم لمساعدة العاملين على تفادي بعضهم بعضًا.

العودة للمكاتب

وعلى الرغم من رغبة الموظفين في استئناف جدول عملهم السابق للوباء، فقد تأخرت عودة الملايين من الأمريكيين إلى مكاتبهم إلى أجل غير مسمَّى بسبب تجدّد ظهور الفيروس، إذ لا تزال المكاتب في المدن الكبيرة مثل نيويورك وسان فرنسيسكو تعمل بأقل من 50% من قدرتها في فترة ما قبل الجائحة.

إذًا، إلى أيّ مدى يُعَدُّ فتح المكاتب من جديد مُبالَغًا فيه؟ هناك عملية حسابية لتحديد ذلك، إذ يَستخدم عديد من المكاتب الآن نظامًا مصممًّا لمساعدتها على تبديل الموظفين، وجدولة الاجتماعات، ورسم خريطة البقع الساخنة في المكتب، والمحافظة على مسافة آمنة بين الزملاء الذين يتوقون إلى التخلِّي عن المنزل من أجل العودة إلى مكاتبهم.

وفي خضمِّ كل هذا ينشأ طلب جديد للنظام الذي تعمل عليه شركة "Maptician". ويقول يوريك إنَّ أكثر من 80% من عائداته في 2020 كانت مدعومة من الشركات التي تبحث عن طرق لتحقيق توازن بين الموظفين ليتمكّنوا من إعادة فتح مكاتبهم بأمان. حاليًّا، تستخدم خمسون شركة منصّة "Maptician"، وهو ما يسمح لأرباب العمل بالمحافظة على التباعد الاجتماعي بين الموظفين قدر المستطاع، وتحديد المناطق التي تمثل مخاطر انتقال عالية للفيروس، مثل المكاتب المتقاربة للغاية، والممرَّات الضيقة، وغرف الاجتماعات المغلقة.

إنَّ خرائط المكتب التي توفرها الشركة مراعية للوقت أيضًا، ما يعني أنه يمكن للشركات استخدامها كشكل من أشكال تعقُّب التواصل بين الموظفين إذا ثبتت إصابة أحدهم بـ"كوفيد-19" في المكتب، إذ يمكن من خلال التطبيق أن يطَّلع زملاؤه في العمل على ما إذا كانوا قد جلسوا بالقرب منه.

أساليب أخرى للعودة

هذا وقد قامت شركات أخرى ببناء أدواتها الخاصة لتوجيه عملية إعادة فتح مكاتبها.

قبل الجائحة كان لدى "SquareFoot"، وهي شركة وساطة عقارية وسط منهاتن، 50 موظفًا يأتون إلى العمل يوميًّا. مكاتبها كانت تحوي غرف اجتماعات مكتظة، ومساحة مزدحمة مخصصة لتناول الغداء. وكان الموظفون يعملون جنبًا إلى جنب في مكاتب مفتوحة تشاركية بمساحة 8 آلاف قدم مربع.

أمّا الآن فأصبحت المكاتب الفردية تبعد ستة أقدام (القدم = 0.304 متر) على الأقل بعضها عن بعض، وبات الموظفون يرتدون الكمامات، كما أن غرفة الغداء المعدَّلة باتت تحتوي على محطات عمل إضافية منفصل بعضها عن بعض بواسطة زجاج شفاف. وفي ظلِّ قواعد التباعد الاجتماعي، حددت الشركة أنه يمكنها إحضار 27 موظفًا من أصل 59 إلى العمل في الوقت عينه. لذا، وقبل إعادة فتح مكتبها في 13 يوليو 2020، أعدَّ موظفو الشركة عملية حسابية لتحديد كيفية تناوب العمل.

ويقول رئيس "SquareFoot" مايكل كولاتشينو: "نحن لم نشدِّد على حضور أيّ شخص إلى المكتب من الآن حتى بداية 2021 ، ولكننا أعددنا عملية حسابية تحدِّد لنا عدد الأشخاص الذين بإمكانهم الحضور في المكتب في الوقت عينه".

هذه العملية الحسابية تتضمن مصفوفة تفاضلية، تتعقب بشكل أوتوماتيكيّ الساعات التي تُمضيها فِرَق الشركة المختلفة في المكتب، ومن ثم تعوِّض الوقت المستقبلي وَفقًا لِمَن سبق وأتمَّ الوقت المخصص له في المكتب.

وتعليقًا على الأمر، يقول كولاتشينو: "ما يحدث هو أنك تحصل على الوقت المخصص لك، وما إن تستخدمه فهناك جزء من العملية يقلل من أهمية حضورك ويَزيد من أهمية حضور الأشخاص الآخرين. يجعل ذلك الناس يشعرون بالرضا، لأنه يمنع الأمور من أن تبدو غير متوازنة".

ومع ذلك، يحصل حاليًّا السماسرة العقاريون، الذين يشكِّلون نحو ثلث موظفي الشركة، على معظم هذه الخانات الزمنية، فهُم الذين يتنقلون ذهابًا وإيابًا بين الاجتماعات الخارجية مع العملاء لعرض مساحات الإيجار لهم في المدينة.

ويضيف كولاتشينو أنَّ العملية الحسابية في صلبها هي طريقة سهلة لتُبقي "SquareFoot" العمل جاريًا مع التأكُّد من السلامة.

وفي الوقت الحاليِّ يُعَدُّ ضمان السلامة عملية محفوفة بالمخاطر، مع تزايد أعداد حالات الإصابة بالفيروس في عديد من الأماكن من حول العالم، وقتامة التنبؤات المستقبلية تزامنًا مع دخول الولايات المتحدة موسم الخريف (والإنفلونزا). وكانت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها حدَّثت تحديدها لـ"الاحتكاك القريب" في ما يتعلق بفيروس كورونا، إذ حُدِّد الآن بالحضور على بُعد ستة أقدام من شخص مصاب لمدة 15 دقيقة على مدار 24 ساعة.

بمعنى آخر، حتى الاحتكاكات القصيرة المتعددة بشخص مصاب بكوفيد من شأنه أن ينقل الفيروس، وهو خبر سيئ نظرًا إلى ما نعرفه عن الرذاذ وانتقال العدوى في الأماكن المغلقة. وجرى توضيح مخاطر التعرض المكتبي في الأيام الأولى للفيروس، إذ تبيَّن أنّ 94 شخصًا يعملون في مركز اتصالات في كوريا الجنوبية ثبتت إصابتهم بـ"كوفيد-19" كانوا يعملون في الطابق نفسه.

معلومات أساسية

إذا عرفت الاعتبارات الخاصة بالتباعد الاجتماعي وإدارة القدرات فستشعر بالأمان عندما تعود.

في الولايات المتحدة ركَّز معظم الانتباه إلى تفشي الفيروس في أماكن العمل على تدابير السلامة غير المناسبة في مصانع تجهيز اللحوم، إلا أنَّ المخاطر الكامنة في مكاتب عمَّال الياقات البيضاء أصبحت أكثر وضوحًا منذ ذلك الحين، كما أنَّ عديدًا من أرباب العمل الذين أصرّوا على إحضار العاملين من جديد واجهوا مشكلات.

على سبيل المثال، أرسل كل من "جي بي مورغان" و"غولدمان ساكس" بعض الموظفين إلى المنزل بعدما ثبتت إصابة عديد منهم. وفي أكتوبر 2020، ضمَّ الجناح الغربي في البيت الأبيض حالة التفشي الأشهر للجائحة في المكاتب بالولايات المتحدة عندما أعلن عديد من موظفي البيت الأبيض، ومن ضمنهم الرئيس، عن إصابتهم بالفيروس.

ومن المحتمل غياب البرامج اللازمة لإدارة الموظفين بشكل يمنع العدوى تمامًا، إلا أنَّ المبادئ التوجيهية الكاملة حول المكاتب الداخلية من مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تتضمن مجموعة من التوصيات، منها ما يتعلق بالتهوية، والفحوص الصحية اليومية، والتنظيف، والتزام ارتداء الكمامة، وعوامل أخرى.

وعلى الجهة الأخرى اكتشف أيضًا عديد من أرباب العمل أن التكنولوجيا ستساعدهم بشكل كبير على اتباع بروتوكولات إعادة فتح المكاتب بأمان.

ومن هذه الشركات "سيلز فورس"، وهي شركة ضمن قائمة "فورتشن 500" وتختص بتطوير البرمجيات السحابية للأعمال. وأصبحت "سيلز فورس" مؤخرًا إحدى الشركات التي تستخدم التكنولوجيا لفتح مكاتبها منذ إطلاقها لمنصة "Work.com" في مايو 2020، إذ تأتي منصة البرامج الجديدة مع مجموعة من "الأدوات الصحية".

تقييم رغبة الموظفين

من جهته، قال إيريك جايكوبسون، نائب رئيس المنتجات للخدمة الميدانية في "سيلز فورس"، وهو قسم في الشركة معني بالبرمجيات الخاصة بالفنيين الميدانيين: "أحد جوانب تقييم رغبة الموظفين في العودة إلى العمل هو ثقتهم بأنهم سيكونون في أمان. والبرنامج يفسح المجال لذلك". وأضاف: "إذا كنت تعرف الاعتبارات الخاصة بالتباعد الاجتماعي وإدارة القدرات، فستشعر بالأمان عندما تعود".

إنَّ إحدى أدوات "Work.com" هي العملية الحسابية لإدارة المناوبات، التي تحتسب العوائق المحتملة ضمن مبنى ما، مثل بهو المدخل والمصاعد، بناءً على عدد من العاملين المتوقعين. وإنَّ العملية الحسابية المعتمدة مشابهة لتلك المستخدمة لتحديد كيفية صعود الطائرات.

ويضيف جايكوبسون: "ما نملكه هو قدرة تأخير وقت بداية عمل أيّ موظف. ومن خلال جدولة لمواعيد الوصول نضمن عدم ظهور 100 شخص في الساعة الثامنة صباحًا".

وفي حين أن "سيلز فورس" تبيع منصَّتها إلى شركات أخرى، فهي تستخدمها أيضًا لإعادة بعض من موظفيها الـ54,000 في كل أنحاء العالم إلى مكاتبهم، إذ أُعيد فتح أكثر من 25 مكتبًا لها في كل أنحاء آسيا وأوروبا وكندا (على الرغم من أن برج "سيلز فورس" الفاخر المكوَّن من 61 طابقًا في سان فرنسيسكو لا يزال مغلقًا).

ولا تعد "سيلز فورس" ليست الاسم الكبير الوحيد في مجال الأعمال الأمريكية الذي يشهد تحوّل مقرَّاته اللامعة إلى نُصب تذكاريّ صامت في عصر كوفيد، ففي حين أن شركات عديدة رحَّبت بعودة موظفيها، يبدو العمل المكتبي بعيد المنال بالنسبة إلى شركات أخرى. شركات مثل "مايكروسوفت" و"تارغت" و"أوبر" و"سلاك" و"فورد" للسيارات هي من بين الأسماء الكبرى التي مدَّدت توجيهات العمل من المنزل لموظفيها حتى يوليو 2021.

وأيضًا لم تُبدِ شركات أخرى تعجّلها لإعادة موظفيها إلى المكاتب. يقول يوريك، مؤسِّس "Maptician": "تحدثت مع أكثر من 100 شركة، ولم تسأل أيّ منها عن زيادة عدد الأشخاص الذين يمكن إحضارهم إلى المكتب بأسرع وقت".

زوال مكان العمل المفتوح

ساعد هذا الحذر على إطلاق مجموعة من التنبؤات بشأن ارتفاع دائم في نسبة العمل عن بُعد، لاسيّما في مجالات التكنولوجيا الحديثة، وزوال مكان العمل المفتوح. ومع ذلك، لا تزال شركات عديدة تراهن على أن المكاتب الفعلية يمكنها التصدي للوباء. على سبيل المثال، في نيويورك استحوذ عمالقة التكنولوجيا "أمازون" و"أبل" و"فيسبوك" على 1.6 مليون قدم مربع (1 قدم مكعب = 0,028 متر مكعب) من المساحات المكتبية في العام الماضي.

بطريقةٍ ما، فإنَّ العمليات الحسابية لإعادة فتح المكاتب بشكل آمن قد تمثل محاولة عالم التكنولوجيا لضمان أنَّ الاستثمارات في هذا النوع من التقنيات تؤتي ثمارها في نهاية المطاف.

ويضيف جايكوبسون: "أعتقد أنَّ جميعنا توقَّع العودة إلى المكاتب بحلول الصيف أو أول الخريف. عندما يعود افتتاح المكاتب لن نتظاهر بأننا عُدنا في فبراير ونتعامل كأنّ شيئًا لم يكُن". بدلًا من ذلك، يتوقع جايكوبسون عودة بطيئة إلى الحياة الطبيعة.

وتابع: "سيكون الأمر بمثابة منحدر، وهنا ستساعد التكنولوجيا الشركات، وأهمّ من ذلك ستساعد الموظفين على أن يشعروا بالأمان".