كيف فشلت البنوك المركزية في التنبؤ بصدمة التضخم العالمية؟

عملاء يتسوقون في سوق للمزارعين في حي فورت جرين في بروكلين، نيويورك
عملاء يتسوقون في سوق للمزارعين في حي فورت جرين في بروكلين، نيويورك المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قامت البنوك المركزية العالمية بواحدة من أكبر إخفاقاتها على الإطلاق فيما يتعلق بقدرتها على التنبؤ، عندما أساءت بشدة تقدير حجم ومدة أسوأ ارتفاع في التضخم منذ عقود.

توضّح سلسلة الرسوم البيانية التالية حول 7 اقتصادات أن تكرار الأخطاء من قبل معظم البنوك المركزية أجبرها على مراجعة توقعاتها لأسعار المستهلكين باستمرار. كما كان لانعدام القدرة التنبؤية تداعياته.

يهرع بنك الاحتياطي الفيدرالي ومعظم نظرائه حالياً إلى تعويض الوقت الضائع عن طريق رفع أسعار الفائدة لأقصى حد منذ عقود. يعني ذلك أن تكاليف الاقتراض قد ينتهي بها الأمر إلى الارتفاع بشكل أسرع مما لو بدأ الرفع في وقت أقرب من ذلك. ومن المحتمل كذلك أن يؤدي السجل الفاشل في القدرة التنبؤية إلى انعدام الثقة في التأكيدات الحالية باستمرار إمكانية الهبوط الناعم.

اقرأ أيضاً: اقتصادات العالم تدفع ثمن أخطاء البنوك المركزية المدمرة

مخاطر الركود

تتضمن التداعيات المستقبلية مخاطر حدوث ركود بشكل أكبر، في الوقت الذي يسعى فيه المسؤولون إلى استعادة السيطرة على التضخم. قد ينتهي الأمر بالسياسيين إلى إهمال الإشراف الأكبر على مسائل السياسة النقدية سهواً، لا سيما بنك الاحتياطي الفيدرالي، في حال فاز الجمهوريون بالسيطرة على أحد الغرفتين في الكونغرس أو كليهما أثناء انتخابات التجديد النصفي بشهر نوفمبر.

قال وزير الخزانة الأسبق، لورانس سمرز، وهو مشارك بالأجر في تلفزيون "بلومبرغ": "لقد خيّب البنك المركزي لدينا آمالنا بشكل سيء للغاية في عام 2021. لدى البنك المركزي سجل تنبؤ ضعيف ويجب أن أقول إنه لم يتم إصلاح الأمر بالكامل".

اقرأ أيضاً: البنوك المركزية العالمية تعلن سياساتها النقدية بعد أن زعزعت الحرب الاقتصاد

كما أظهر متوسط التوقعات ​لمسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي عودة التضخم نحو الهدف البالغ 2% في يونيو، ولكن البطالة ستصل إلى 4.1% بحلول عام 2024، وهذه نتيجة "لا يمكن تصديقها بشكل كبير"، وفقاً لـ"سمرز".


درس الفيدرالي

اعترف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وأقرانه بارتكاب أخطاء. اعتقدوا جميعاً أن التضخم سيثبت أنه "مؤقت" بناءً على افتراضات توقعت تلاشي مشكلات سلاسل التوريد والطلب الهائل على السلع المرتبطة بالوباء مع انحسار فيروس كورونا وانتهاء عمليات الإغلاق.

قال "باول"، يوم الأربعاء، في مناقشة القرار السيء لبنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن التضخم في عام 2021: "أعتقد أن ما تعلمناه هو مدى تعقيد مشكلات الإمدادات". كما تمنى البعض أن يؤدي انتظار التحوّل نحو التشديد إلى تحسين حالة أسواق العمل.

وفي الوقت الذي أبقت فيه البنوك المركزية على سياسات فضفاضة للغاية، استمر الأفراد في الإنفاق واستمر تعرض التجارة للضغط. وأدت الحرب في أوكرانيا وسياسة "صفر كوفيد" الصيني، اللذين لم يتأثرا بالسياسة النقدية، إلى مضاعفة الدوافع وراء ارتفاع تكلفة الغذاء والوقود. كما أشعلت أسواق العمل الضيقة الأجور، وزاد كذلك الطلب نتيجة للحوافز المالية الهائلة في بعض الاقتصادات.

اقرأ أيضاً: البنوك المركزية بطيئة الحركة تخاطر بمكانتها القيادية

تقول "بلومبرغ إيكونوميكس" حالياً إن التضخم العالمي لن يبلغ ذروته البالغة 9.3% في الربع الثالث.

بالطبع لم يكن محافظو البنوك المركزية هم الوحيدون الذين فشلوا في فهم حجم مشكلة التضخم بشكل كامل. في شهر فبراير، وصل متوسط معدل التعادل لخمس سنوات في الولايات المتحدة وسعر التعادل الآجل لمدة خمس سنوات أيضاً إلى متوسط سعر يقترب من ​​مكاسب الأسعار السنوية التي تزيد قليلاً عن 2%، أي ما يقترب من المستوى المستهدف للبنك المركزي. يعتبر معدل التعادل هذا أحد التدابير المفضلّة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي من أجل قياس توقعات السوق حول التضخم في العقد المقبل.

كما قال الاقتصاديون الذين استطلعت "بلومبرغ" آراءهم إن متوسط ​​تقدير تضخم أسعار المستهلك الرئيسية في نهاية عام 2021 سيصل إلى نحو 4.3% لعام 2022 بأكمله من 7% في 2021. وتجاوزت مكاسب الأسعار ذلك بالفعل في ستة أشهر فقط، في حين رفع المحللون توقعاتهم.

اقرأ أيضاً: البنوك المركزية العالمية تتجه للتشديد الكمي بعد خطة "الفيدرالي" لرفع الفائدة

تدخلات السياسيين

يلاحظ السياسيون المتغيرات، حيث تمتعت البنوك المركزية باستقلالية اتخاذ الإجراءات بعيداً عنهم بشكل متزايد على مدى عقود. وأصدرت الحكومة الأسترالية مراجعة لتوقعات بنكها المركزي، في حين اقترحت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس أنها قد تغيِّر تفويض بنك إنجلترا في حال أصبحت رئيسة الوزراء في سبتمبر.

في الولايات المتحدة، قال السيناتور الديمقراطي جون أوسوف، الخميس، إن إجراءات سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي لعام 2021 "لم يعد لها أهمية الآن"، ولكن الجمهوريين لن يكونوا متسامحين في حال تولوا مسؤولية مبنى الكابيتول العام المقبل.

كتب محافظ البنك المركزي النيوزيلندي السابق غرايم ويلر، والمؤلف المشارك لتقرير منشور هذا الأسبوع: "يجب أن يُفكّر محافظو البنوك المركزية عميقاً في كيفية إدارة السياسة النقدية في العامين الماضيين ومراجعة النماذج والافتراضات والأحكام التي اتخذوها. المتسبّب الرئيس وراء الضغوط التضخمية هو القرارات الخاطئة الصادرة عن البنوك المركزية عند إدارة السياسة النقدية أثناء جائحة كوفيد".