الرقابة على محتوى الإنترنت لم ولن تنجح لهذه الأسباب

القوانين المفروضة على الخطاب إما ستكون صارمة جدًا أو فضفاضة جدًا، وبكلا الحالتين سيتمكن المستخدمون من استغلالها لصالحهم
القوانين المفروضة على الخطاب إما ستكون صارمة جدًا أو فضفاضة جدًا، وبكلا الحالتين سيتمكن المستخدمون من استغلالها لصالحهم المصور: "اشارا إس كوديكارا" (Ishara S.Kodikara/ AFP/ Getty Images)
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتسم وضع القوانين المنظمة للخطاب الإلكتروني بالصعوبة حتى في أفضل الظروف، كما أن شبكة الإنترنت بعيدة كل البعد عن هذه الظروف، وتفتقر الأنظمة التي وضعتها هيئات خاصة لتنظيم هذه الشبكة إلى التناغم، وهو أمر لا يرضي أحدًا ولكنه على الأرجح سيستمر في المستقبل القريب.

لتوضيح ذلك، تخيل وضعًا تكون فيه السلطة المتحكمة بالبيئة (في الغالب) مركزية.

أنا على سبيل المثال، أعمل بمنصب أستاذ جامعي وفي حال تلفظ أحد الطلاب بتعليقات مسيئة خلال محاضراتي، فإنني سأواجه هذا الطالب لإقناعه بالتوقف عن التلفظ بهذا النوع من التعليقات (مع العلم، لم يحدث ذلك أبدًا)، وإذا استمر الطالب في القيام بهذا السلوك، ففي مرحلة ما، سأسعى لطرده من محاضراتي بدعم من الجامعة التي أعمل بها.

لكن هذا الحل ليس مباشرًا كما يبدو لك، فقد تراه جيدًا إن كنت تثق بأحكامي، ولكنه يصعب تقديره، لكنه ينجح بسبب ندرة هذا النوع من المشاكل، ومن المؤكد أنني لن أتمكن من القيام بعملي بشكل جيد إن كنتُ بحاجة لإمضاء معظم الوقت في التعليق على ما يقوله طلابي.

ويصبح هذا النهج غير عملي على الإطلاق عند تطبيقه على منصات الإنترنت؛ حيث قدم موقع "باتريون" (Patreon) المختص بالتمويل الجماعي، وعدًا بإصلاح السلوكيات المسيئة التي يقوم بها مستخدموه، وفي حال عدم التزام المستخدمين بهذه القواعد التي تحددها معايير "باتريون" فسيقوم الموقع بحظرهم.

لن يثق من ينظر إلى المسألة من بعيد (وبعض المستخدمين أيضًا) بالشركة بالقدر الكافي، بغض النظر عما إن كان حكم "باتريون" سليمًا أم لا، كما يصعب على الشركة أن تضع مقياسًا للحكم، لأن كل حالة تتطلب تدخلًا شخصيًا، وفي مرحلة ما ستصبح القرارات بيروقراطية. ومع مرور الوقت، سيؤدي اختلاف الآراء حول من يجب أو لا يجب حظره إلى تشتيت جهود "باتريون" وصرفها عن هدفها الأساسي المتمثل في مساعدة الناس على جمع الأموال عبر الإنترنت.

يمكن أن يصبح البديل لذلك هو السماح لأي شخص باستخدام المنصة دون التطرق إلى تنظيم ما يُنشر عبرها أو تنظيم المستخدمين.

وقبل بضع سنوات، كانت مشكلة التنظيم أبسط بكثير مما هي عليه في وقتنا الحالي، حتى لو استدعت بعض الحالات أمرًا بإزالة مواد منشورة على "فيسبوك" (Facebook) أو "يوتيوب" (YouTube) بسبب إساءتها.

المشكلة الأساسية

تكمن المشكلة الأساسية في أن هذه الأنظمة تفسح مجالًا للعناصر المسيئة. على سبيل المثال، استخدمت الحكومة الروسية عدة منصات عبر الإنترنت للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. وأنا شخصيًا أتفق مع "نايت سيلفر" (Nate Silver) في أن هذه الجهود لم يكن لها تأثير كبير على النتيجة النهائية، إلا أننا لسنا بصدد مناقشة ذلك هنا، ولكن إذا اعتُبرت هذه المنصات بيئةً خصبة للعناصر المسيئة، بما في ذلك أعداء أمريكا والديمقراطية، فإنها ستفقد شرعيتها في نظر الناس وممثليها المنتخبين.

وتتبع بعض الشركات نهجًا بديلًا يستخدم الخوارزميات لتنظيم مواقعها، فعلى سبيل المثال، إذا احتوى منشور ما على إشارة للنازية أو عبارات مسيئة لليهود مثلًا، تحظر الخوارزمية هذا المنشور تلقائيًا. قد ينجح ذلك في البداية، لكن في النهاية سيتمكن أصحاب هذه المنشورات من معرفة طريقة عمل الخوارزمية ومن ثم التحايل عليها.

بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال وقوع خطأ في أحكام الخوارزمية بأن تصنف بعض المنشورات على أنها مسيئة وهي ليست كذلك. والخلاصة أنه لا بد من وجود الحكم البشري لإكمال عمل أي خوارزمية والتي يجب أن تخضع للتعديل بانتظام.

ومع تطور هذه الآليات، لن تتمكن منصات الإنترنت من الحفاظ على مستوى معين من الاتساق أو العدالة بين كافة مستخدميها، فقد يفلت البعض من عواقب سلوكياتهم المسيئة أو الخطيرة، في حين أن البعض الآخر قد يخضع للرقابة أو الحظر لأسباب غير كافية.

العنصر البشري في رقابة المحتوى

وخصصت شركة "فيسبوك" مؤخرًا الكثير من الموارد لتنظيم المنشورات التي توضع على منصتها. ومع ذلك، لم تنحصر الاستخدامات غير المرغوب فيها للمنصة، خاصةً خارج الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، فإن الحاجة إلى وجود أحكام بشرية ستزيد من تكاليف الخوارزميات ومن صعوبة قياسها. ونظرًا للحجم الكبير لشركة "فيسبوك" وانتشارها عبر المزيد من المناطق واللغات، سيصبح من الصعب العثور على الأشخاص الذين يملكون القدرة على تطبيق ما تعتبره "فيسبوك" معايير مناسبة.

يوجد ثلاثة اقتراحات عندما يتعلق الأمر بالمنصات الخاصة وتنظيم استخدامها، يمكننا اختيار أمرين من أصل ثلاثة وليس الثلاثة معًا: قابلية القياس والفعالية والاتساق.

وتشير هذه الثلاثية إلى أننا -سواء أكنا مستخدمين أو مواطنين أو من يديرون هذه المنصات- لن نشعر بالرضا حول كيفية تنظيم الخطاب على الإنترنت.

هناك وجهة نظر أخرى قد تبدو ساخرة بعض الشيء، ومفادها أن المنصات جديرة بالاستخدام وبالتالي عليها أن تسعى لإرضائنا من خلال محاولة تنظيم الوضع على نحو فعال، رغم أننا نعرف جميعًا بأن ذلك لن ينجح. ومن وجهة نظري لا أتوقع أن نجد حلًا أفضل لهذه المشكلة خلال عام 2019.

ويرى آخرون أننا سنكون أفضل حالًا إن عادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل بضع سنوات، عندما لم يكن تنظيم الخطاب على منصات الإنترنت يمثل مشكلة كبيرة. ففي نهاية الأمر، لا يخاف الشعب الأمريكي عندما يعلم أن موقع "أمازون" (Amazon) يبيع نسخًا من كتاب "كفاحي" لهتلر.

والمشكلة أننا حالما نعرف ما لا يمكننا تحقيقه -أي تنظيم الخطاب بشكل قابل للقياس ومتسق ويمنع المنشورات السلبية- يصبح من الصعب علينا تقبل الحقيقة. وفي المستقبل، من المحتمل أن نرى المنصات تبذل جهودًا أكبر، في حين يتعالى صوت نقادها أكثر فأكثر.