سائقات الأجرة..تحديات تواجه المهنة الأقل مساواة في العالم

 مزراحي في سيارتها الأجرة
مزراحي في سيارتها الأجرة تصوير: تانيا حبجوقة لـبلومبرغ بيزنس ويك
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اعتادت نينا ميزراحي الإهانات والسخرية التي تتلقَّاها في كل مرة تقف لتنتظر دورها كي تُقِلَّ الركاب في مواقف سيارات الأجرة في شمال إسرائيل، ويسألها زملاؤها السائقون دائماً عمَّا تفعله في مهنتهم. كما أنَّها تستمع دوماً من خلال موجة توزيع المهامّ المحلية لتعليقات بذيئة عن الراكبات من النساء، وتعجُّ مجموعة "واتس أب" المخصصة للسائقين بالتلميحات الجنسية.

تقول ميزراحي التي اشترت سيارة أجرة في عام 2017 لتوفِّر الخدمة للسيدات والأطفال: "أريد أن تعرف السيدات أنَّ أمامهن خياراً عندما يصبحن سائقات سيارة أجرة. في سيارة الأجرة لا يوجد سواك والسائق، مع نوافذ مغلقة عادة، وسيدات كثيرات لا يشعرن بالراحة لذلك".

2 % سيدات

يظلُّ مقعد السائق في سيارة الأجرة حكراً على الذكور تقريباً، ففي مدينة نيويورك

لا تمثِّل السائقات الإناث إلا نسبة 1 % فقط من سائقي سيارات الأجرة الصفراء. أما في سيارات الأجرة السوداء، وسوق السيارات الخاصة المستأجرة في إنجلترا، فتشكِّل السيدات نسبة 2 %.

وتشير شركة "Gett Inc"، وهي شركة توفِّر خدمات سيارات الأجرة الخاصة في بريطانيا، وإسرائيل، وروسيا، إلى أنَّّ النساء يمثِّلن نحو 4 % من السائقين فقط، مع أنَّهن في المقابل يشكِّلن أكثر من نصف عدد الركاب.

وتقول كيرن فانان، المديرة التجارية في الشركة: "كانت النظرة إلى هذا العمل طَوال سنوات على أنَّه للرجال، وقد كانت الحال هكذا منذ البداية".

ومع اعتماد عدَّة نساء على سيارات الأجرة للتجوُّل، بدأ المزيد منهن في القيادة أو إطلاق خدمات سيارات أجرة مخصصة. ومنذ عام 2018، أصبحت النساء في نيروبي بكينيا قادرات على إيجاد سائقات إناث لسيارات الأجرة من خلال تطبيق يسمى "آن نيسا" (An Nisa).

وأطلقت رائدة الأعمال ريم فوزي في القاهرة عام 2015 "بينك تاكسي"، وتقول عن نفسها، إنَّها أوَّل خدمة نقل للإناث بقيادة إناث في مصر. أمَّا في الهند فتوفّر "ساكها كونسلتينغ وينغز" خدمات سيارات أجرة منذ عام 2008 في دلهي، وكلكتا، وجابور الآن، وهي التي روَّجت لتدريب السائقات الإناث.

معايير السلامة

وفي البرازيل، تمكَّنت سائقة شابة تبلغ الثالثة والعشرين من العمر من خلال شركتها الناشئة من جمع 2.5 مليون دولار بناءً على خطط لربط السائقات والراكبات الإناث. تقول الشركة، إنَّّ باستطاعتها تمييز نفسها عن شركات، مثل "أوبر"، و"ليفت" (Lyft) من خلال تقديم أجور أفضل للسائقات، وإحساس أكبر بالأمان للراكبات. وقد حُمِّل تطبيقها أكثر من مليون مرة.

يُعَدُّ تركيز شركة "ليدي درايفر" على السلامة نموذجياً للمبادرات الجديدة، إذ تبقى نساء كثيرات متوترات بشأن سيارات الأجرة التقليدية. في شهر ديسمبر الماضي، نشرت "أوبر" تقريراً، ذكر أنَّه قد قُدِّم أكثر من 3000 ادِّعاء مزعوم بالاعتداء الجنسي المتعلق بالسائقين، أو الركاب في الولايات المتحدة في عام 2018 (تقول "أوبر"، إنَّ مشكلات السلامة نادرة، وتُعَدُّ ميزات الأمان مثل معرفة معلومات السائق مسبقاً من أهمّ الميزات التي تدفع السيدات إلى استخدام خدماتها).

أما شركة "Gett" فقد شجَّعت سائقيها على عدم الابتعاد عن المكان حتى تصبح الراكبات الإناث داخل منازلهن خلال توصليهن في وقت متأخر من الليل. وتقول أيشا أدو، مؤسِّسة شركة "درايف هير" (Drive HER) في تورنتو، و هي عبارة عن تطبيق يقدِّم خدمات التوصيل الخاصة بالنساء فقط، إنَّ التقارير المتكررة عن التحرش بالنساء اللواتي يستخدمن سيارات الأجرة، وخدمات السيارات هو ما دفعها إلى تأسيس شركتها. وتقول: "بالنسبة إلى النساء اللواتي يتنقلن كثيراً، فإنَّ سماع قصص عن مشكلات النقل ومتاعبهن مع المواصلات أمر ليس بجديد، ونحن لن نجلس مكتوفات الأيدي في انتظار شركة أخرى لإيجاد مكان آمن لنا".

وبما أنَّها أسَّسَت الشركة منذ نحو عقد من الزمان، تقول شركة "ساكها" في الهند، إنَّها قدَّمت أكثر من مليون رحلة للنساء، وساعدت نحو 850 منهنَّ على اكتساب مؤهلات احترافية للعمل في مهنة سائقة، ونحو 400 منهنَّ يعملن على الطرقات الآن. وقد منحت هذه الوظائف للنساء مزيداً من الاستقلالين المادي والاجتماعي، مما سمح لبعضهنَّ بتمويل تعليم أطفالهنَّ، أو الخروج من علاقة مؤذية.

غياب المساواة

كما يمكن أن تكون ساعات العمل المرنة ميزة كبيرة للنساء اللواتي يسعين للموازنة بين طلبات العائلة والعمل، لكن أرياني رينان بارزيلي، الأستاذ المساعد في كلية القانون في جامعة حيفا الإسرائيلية، الذي يختصُّ بتعليم التوازي بين الجنسين في الاقتصاد المعتمد على المتعاقدين بفترات قصيرة المدى، إذ يقول، إنَّ المساواة

لا تزال مفقودة في مثل هذه الأعمال. وغالباً لا تأتي مع الميزات القانونية كاملة، ويمكن للنساء أن يكُنَّ محرومات دون حماية من مشكلات، مثل التمييز على أساس الجنس.

وقد وثَّق تحليل قام به المجلس الوطني للأبحاث الاقتصادية في كامبردج، ماساتشوستس، وجود فجوة بنسبة 7 % بين أجور سائقي "أوبر" بحسب الجنس. ويقول بارزيلي: "وفق الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد الذي يعتمد في عمالته على المتعاقدين بفترات قصيرة المدى حالياً، فإنَّه لا يشترط توفُّر المساواة بين الرجال والنساء".

عوائق كورونا

إنَّ انتشار فيروس كورونا قد تسبَّب في تباطؤ جهود النساء للدخول إلى هذا المجال. ومع تنقلات أقلّ، انخفض استخدام سيارات الأجرة. وتواجه نساء عديدات، قد يفكِّرن في قيادة سيارة أجرة، أعباء أكبر بسبب أطفالهن الذين أصبحوا في المنازل بعيدين عن المدارس بسبب الإغلاق.

وحاول روَّاد الأعمال التجاوب بدورهم للتأقلم مع هذه الفترات الصعبة، من خلال محاولة جمع مزيد من التمويل أو تأخير إطلاق خدماتهم. فكانت "أدو" على سبيل المثال تسعى لإطلاق "درايف هير" في نهاية الربيع، لكنَّها أخَّرت موعد الافتتاح.

وتوقَّفت شركات أخرى عن العمل، فشركة "Femitaxi"، وهي شركة برازيلية ناشئة، أوقفت عملياتها في يونيو. وأطفأت تال بيرون، التي تقود سيارة أجرة منذ أكثر من سبع سنوات في تل أبيب، عدَّاد سيارتها للأبد بسبب الوباء. وتقول بيرون التي تبلغ الستين عاماً: "لم يعُد العمل كما كان عليه، لذا لا سبب للعودة إليه. أنا لم أعُد شابة، ولا يمكنني إحداث الكثير من التغيير".

وهناك نساء عديدات غير مستعدَّات للتخلي عن الأمر بعد، منهم ميزراحي التي تبلغ الثانية والخمسين من العمر تنحدر من عائلة مؤلفة من تسعة أشقاء، وتتذكَّر بهجة ركوب السيارة مع والدها خلال طفولتها. في إحدى الأمسيات قبل عدة سنوات، في أثناء تحدُّثها مع صديقاتها، صُدمت بتعرضهنَّ جميعاً للتحرش في سيارات الأجرة، وألهمها هذا أن تبدأ في عملها كسائقة سيارات أجرة، وهو ما عرَّضها للتحيز الجنسي المتفشي في هذا المجال. وخلال درس الميكانيكا الإلزامي للحصول على رخصة قيادة سيارة الأجرة، أخبرها جميع زملائها في الصف أنَّ النساء أكثر عرضة للتعرض للحوادث.

وحطَّم بعض المخرِّبين نوافذ سيارتها ثلاث مرات، وهي من نوع "داسيا ساندرو" بيضاء، مع ملصق "للنساء والأطفال" في الخلف، وقطعة زينة على شكل امرأة تتدلى من مرآتها.

لكنَّها مع ذلك استمرَّت في عملها، وهي تنقل الأطفال إلى مدارسهم لخدمة الأهل المشغولين، وتعمل مع مسؤولي الرعاية في نقل ضحايا الاعتداء الجنسي أو الجسدي إلى الملاجئ. وكان هدفها النهائي أن تبدأ شركتها الخاصة لنقل النساء. وتقول: "أسمع السائقين الذكور يقولون لي: عودي إلى المطبخ، عودي إلى الغسيل. فأبتسم، إذ

لا يمكنني القيام بأيِّ شيء آخر".