صانعو السيارات يستشعرون الخطر بعد تجاوز مبيعات "الكهربائية" تريليون دولار

رهانات شركات الكبرى من "هوندا" إلى "تويوتا" تحت الاختبار مع ازدياد الطلب على المركبات الكهربائية

سيارة من طراز "ميراي" تعمل بخلايا وقود هيدروجينية من شركة "تويوتا موتور" بمعرض إنديا أوتو أكسبو 2023 في نويدا بولاية أوتار برديش الهندية
سيارة من طراز "ميراي" تعمل بخلايا وقود هيدروجينية من شركة "تويوتا موتور" بمعرض إنديا أوتو أكسبو 2023 في نويدا بولاية أوتار برديش الهندية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يستمر الإنفاق العالمي على السيارات الكهربائية في الارتفاع، حسب ما جاء في تقرير جديد نشرته "بلومبرغ إن إي أف" يتناول الاستثمار في تحوّل الطاقة، حيث وصل إلى 388 مليار دولار أميركي خلال 2022، بارتفاع نسبته 53% مقارنة بالعام السابق.

ومع هذه الحصيلة لعام 2022، يكون إجمالي قيمة مبيعات السيارات الكهربائية في قطاع سيارات الركاب قد تجاوز حتى الآن تريليون دولار أميركي.

يمكن النظر إلى هذا الرقم من نواحٍ عدة، أهمها أنه إذا كانت هناك صانعة سيارات ما قد تخلّفت عن وضع استراتيجية مناسبة للمركبات الكهربائية، فإنها تكون قد خسرت فرصتها للظفر بحصة من إيرادات بلغت قيمتها تريليون دولار على مدى العقد الماضي.

"فولكس واجن" ستبدأ جني أرباح استثمارات السيارات الكهربائية في 2026

قد يبدو هذا الرقم كبيراً، لكنه ليس كذلك بالمقارنة مع القيمة الإجمالية لمبيعات السيارات في العالم، والتي تبلغ نحو 2.5 تريليون دولار أميركي سنوياً. وبالتالي، خلال الـ10 أعوام الماضية منذ ظهور المركبات الكهربائية في العصر الحديث، وصل إجمالي قيمة مبيعات السيارات إلى 25 تريليون دولار أميركي تقريباً. ومن هنا، تعد القيمة التراكمية لمبيعات السيارات الكهربائية متواضعة نوعاً ما، فيما إجمالي الأرباح المتولّدة منها أقل بكثير.

دورات إنتاج لا تواكب التطور

رغم ذلك، فإن معدلات النمو تبدو مهمة، إذ إن 60% من إجمالي الإنفاق على السيارات الكهربائية، جرى إنفاقه خلال الأشهر الـ18 الماضية فقط، فيما سيُسجل العام الجاري أرقاماً قياسية جديدة، إذ يُرجح أن تتجاوز مبيعات مركبات الركاب الكهربائية بسهولة عتبة الـ500 مليار دولار. وقد بات هذا القطاع حالياً جزءاً مهماً وسريع النمو للغاية من مبيعات السيارات حول العالم.

"فورد" تخصص مليارات الدولارات لمنافسة "تسلا" بسوق السيارات الكهربائية

تعمل صناعة السيارات وفق دورات إنتاج طويلة الأجل. وفيما يعتقد البعض أن هناك تدفقاً مستمراً للمركبات الجديدة، إلا أن العديد من تلك المركبات ليست سوى عبارة عن تحديثات لتجميل الشكل الخارجي فقط للنماذج القائمة، أو ما يُطلق عليه في القطاع مصطلح"تجميل الوجه". ولكي نفهم دورات الإنتاج وما يجري بعدها، من المهم أن نلقي نظرة على خطوط إنتاج المركبات.

اقتصاديات لا ترحم

تطوّر الشركات التي تصنّغ سيارات بكيمات كبيرة، خطوط إنتاج تتناسب مع الطرز التي تنتجها لفترة تتراوح عادة بين 6 و10 أعوام. وتستغرق عملية التطوير هذه أعواماً عديدة، وتتكلف مليارات الدولارات، بحيث تكون خطوط الإنتاج متعددة الاستخدامات، بما يسمح لشركات تصنيع السيارات باستخدام هياكل مختلفة لتلبية مجموعة واسعة من تفضيلات المستهلكين. وتتيح هذه الخطوط أيضاً استخدام مكونات التصنيع ذاتها على طُرز عديدة، ما يعد جزءاً ضرورياً من الاقتصاديات التي لا ترحم لتصنيع المركبات بأعداد كبيرة حول العالم.

نمو السيارات الكهربائية يتجاوز انتشار نقاط شحن البطاريات

تعني دورات التطوير الطويلة، أن أي خطأ تقع فيه شركة تصنيع سيارات يتطلب منها وقتاً طويلاً لمعرفة تأثيره الكامل. ربما يكون تخطي مبيعات السيارات الكهربائية لحاجز التريليون دولار، بمثابة النقطة التي يصبح جلياً عندها أن بعض شركات تصنيع السيارات، ربما راهنت بطريقة خاطئة.

ناقوس خطر في اليابان

تقدم شركات السيارات اليابانية نموذجاً توضيحياً في هذا الصدد، إذ باعت العلامات التجارية اليابانية مجتمعة أقل من 5% من المركبات الكهربائية المشتراة حول العالم في العام الماضي، ولم تأت أي منها ضمن أكبر 10 علامات تجارية للسيارات الكهربائية من حيث الحجم. لم يمثل ذلك مشكلة خلال 2019، عندما كانت السيارات التي تعمل بالشحن الكهربائي تستحوذ على 2.6% فقط من مبيعات السيارات العالمية، لكن ما يبعث على للقلق هو أنها ستقترب غالباً من 18% من المبيعات في 2023.

ارتفاع صادرات سيارات "تسلا" المصنوعة في الصين 18% خلال يناير

أما في الصين، فتبدو الصورة أكثر حدة، إذ يُقدر أن تتجاوز نسبة مبيعات المركبات الكهربائية 30% العام الجاري مقارنة بـ5% فقط في 2019، وهذا يعتبر تغيراً ضخماً لا تستوعبه الفترة الزمنية للدورة الطبيعية لتصنيع خطوط إنتاج المركبات. وقد تراجعت حصة مبيعات السيارات اليابانية في السوق الصينية لتسجل 21% من مبيعات السيارات الجديدة العام الماضي بدلاً من 25% في 2020.

اليوم، تبدو شركات السيارات اليابانية وكأنها قد دقّت ناقوس الخطر، إذ تتجه "هوندا" لتحديث استراتيجيتها للسيارات الكهربائية، فيما عيّنت شركة "تويوتا" إدارة جديدة تعد بتطبيق سياسة "المركبات الكهربائية أولاً".

رهانات الاستثمار تحت الاختبار

سيستغرق تعديل المسار بعض من الوقت، إذ قالت "تويوتا" إنها لن تمتلك منصة جديدة جاهزة لإنتاج المركبات الكهرباية حتى 2027، وبينما قد تسرّع الشركة وتيرة إطلاقها، فإن هذا يسلط الضوء على الجداول الزمنية التي تعمل تبعاً لها شركات تصنيع السيارات التقليدية.

مع ذلك، ربما تنجح "تويوتا" في مساعيها. فقد أظهرت الشركة قدرة مذهلة على التكيّف على مرّ تاريخها الممتد عبر 85 سنة. لكن النقطة الأبرز هنا، تتمثل في أن دورة تصنيع السيارة المقبلة حيوية تماماً على صعيد قلب المسار. إذا أخفقت في بلوغ الهدف، ستكون هناك عواقب وخيمة.

"تويوتا" تستثمر 5.6 مليار دولار لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بأميركا واليابان

تتعرض شركات تصنيع سيارات عديدة أخرى لمواقف مماثلة، في ظل استهدافها بشكل عام إطلاق خطوط إنتاج نماذجها في الفترة من 2026 إلى 2028، وسيتطلب الأمر بضعة أعوام لمعرفة ما إذا كانت رهانات تلك الشركات صائبة.

تحديات مستقبلية

لا تزال التحديات المستقبلية عديدة في ظل الانطلاقة التي تشهدها مبيعات السيارات الكهربائية. ورغم النمو الكبير مؤخراً، فإن حوالي 3% فقط من الـ1.3 مليار سيارة ركاب المتوقع سيرها على الطرقات حول العالم بنهاية العام الجاري ستكون مركبات كهربائية. كذلك، يضع تزايد الطلب ضغوطات حقيقية على سلاسل توريد البطاريات والبنية التحتية للشحن في الأماكن العامة.

إنفوغراف: ارتفاع عدد أجهزة شحن السيارات الكهربائية 80%

رغم ذلك، فإن التريليون دولار الأولى التي أبرزها تقرير "بلومبرغ إن إي أف"، تشكل بداية التأثير الملموس في قطاع السيارات. سيطرت المركبات الكهربائية على الوعي الاستهلاكي وحماسة مراقبي القطاع على مدى أعوام، بيد أنها تسيطر الآن على حصة سوقية حقيقية.