الخطر الخفي لطموحات البنوك المركزية في العملات المشفرة

الدور الحكومي يجب أن يقتصر على تنظيم النقود الرقمية وأن يتجنب المشاركة فيها

إطار سيارة رياضية كتب عليه "نحن نؤمن بالكريبتو"
إطار سيارة رياضية كتب عليه "نحن نؤمن بالكريبتو" المصدر: بلومبرغ
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هل يجب أن تكون الدولة موجودة في مجال المدفوعات؟ إنه سؤال بسيط، لكنه في جوهر العملة الرقمية للبنك المركزي. إن الإسترليني أو الدولار أو اليورو أو الرنمينبي الرقمي ليست عملات مشفرة ذات استثمار يتسم باتجاه صعودي وهمي تشير إليه ضمنياً تسميات دعائية مثل "بريت كوين" (Britcoin). عملات البنوك المركزية الرقمية هي أقرب إلى عملات مستقرة صلبة أكثر منها إلى العملات العادية. ومن سوء الحظ أن احتمال تقويضها للسوق أمر حقيقي للغاية. فالتحكم في كيفية ونوع وتوقيت تحويل الأموال ليس مكاناً يجب أن تتنافس فيه الهيئات الحكومية - بميزة هائلة - مع بقية النظام النقدي.

ينبغي على مؤيدي التشفير أن يتوسلوا سعياً للتنظيم

مؤخراً، أصدر "بنك إنجلترا" ورقة استشارية مكونة من (80) صفحة، تلاها خطاب عن "الإسترليني الرقمي" ألقاه نائب محافظ البنك جون كونليف. وكلّف البحث بالفعل عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية - وهي تكلفة ستزداد مستقبلاً - لكن هناك منطقاً لا يمكن إنكاره يكمن في ضرورة مواكبة التكنولوجيا المتغيرة. سيُتخذ قرار بشأن ما إذا كان سيتم المضي قدماً بـ"الإسترليني الرقمي" بشكل جدي بحلول عام 2025، على أن يتم الانتهاء من العملية بحلول نهاية العقد.

أداة مرعبة

قد يكون "بنك إنجلترا" في الطليعة، لكن "البنك المركزي الأوروبي" سينشر أفكاره في أكتوبر، ويدير "الاحتياطي الفيدرالي" مشروعين على الأقل، بينما بلغت تجارب "بنك الشعب الصيني" مراحلَ متقدمة بالفعل، وإن كانت بنجاح محدود.

يبدو أن عملة البنك المركزي الرقمية شيء يجب أن نرحب به بدلاً من ترك عمالقة التكنولوجيا أو المؤسسات المالية الكبرى للسيطرة على مجال التشفير، مع ميزة تبدو بريئة تتمثل في قمع الجريمة والتهرب الضريبي في الصناعة. ستشارك المؤسسات المعتمدة من قبل البنوك المركزية فقط في عملات البنوك المركزية الرقمية، لكن منح الهيئات الحكومية إمكانية الوصول إلى البيانات الشخصية أمر مثير للقلق.

كيف يمكن لقطاع التشفير أن يكون كصناعة الموسيقى؟

تُظهر أزمة سائقي الشاحنات في كندا مدى سرعة تسلل الحكومات إلى الحسابات المصرفية للأفراد لمواجهة السلوك الذي لا توافق عليه. إن احتمال قدرة البنوك المركزية على فرض أسعار فائدة سلبية، وتقليل مدخرات الناس بشكل فعال أمر مخيف حقاً.

خطر عزل شرائح مجتمعية

هناك مشكلة أخرى تتعلق بالتحول إلى النقود الرقمية. على مدى العقد الماضي، انخفضت المعاملات النقدية في المملكة المتحدة لتصل بالكاد إلى 15% من أكثر من النصف. من الناحية النظرية، يمكن تشغيل عملة البنك المركزي الرقمية من دون حساب مصرفي، لكن هذا عديم الجدوى إذا لم تكن هناك محلات بيع بالتجزئة تقبل النقود. يجب أن يكون هناك درس في أن كلاً من سان فرانسيسكو ونيويورك قد تحركتا لحظر المتاجر التي تعمل دون نقود عادية بشكل كلي، لأن هذا هو المكان الذي يبدأ منه العفن الخبيث.

حوالي 4% من سكان المملكة المتحدة ليس لديهم حساب مصرفي، ونسبة مماثلة (ربما متداخلة) تفتقر إلى الوصول إلى الإنترنت، وما يقرب من 16% لا يمتلكون هاتفاً ذكياً، ما يعني أنهم لا يريدون هاتفاً ذكياً ولن يفعلوا ذلك أبداً. يتعرض هؤلاء المواطنون لخطر الانقطاع التام ليس فقط عن النظام المالي بل عن المجتمع نفسه. قد يكون هناك ما يبرر تسهيل المعاملات الرقمية بين المؤسسات المالية والشركات، لكن إنشاء محافظ رقمية للأفراد في البنوك المركزية سيكون بمثابة تدخل الوكالات الحكومية مباشرة في التجارة الإلكترونية.

نظام غير ناضج

إن إنشاء عملة رقمية مستقرة تتجنب عدداً لا يحصى من المطبات التي مر بها العديد من العملات المشفرة لن يكون نزهة، كما أوضح مستشار "بنك إنجلترا" السابق، هوو فان ستينيس في مقال عميق التفكير نُشر في صحيفة "فاينانشال تايمز"، أشار فيه إلى خمس عقبات رئيسية، إلى جانب الشرط القائل "بأننا نتدخل في هيكل التمويل على مسؤوليتنا".

مكاسب التمويل اللامركزي لسوق العملات المشفرة تُعمي محترفي التمويل عن المخاطر

واستحداث ما يسميه "غولديلوكس عملة البنك المركزي الرقمية" (Goldilocks CBDC) – أي المستوى الذي لا يتم فيه تداول العملة كثيراً لدرجة تُقوض النظام الحالي، ولكن أيضاً ليس قليلاً جداً لدرجة أن تكون غير ذات أهمية، ويفترض وجود مهارات إدارية لم تظهر بعد بشكل كافٍ.

تعثرت تجارب العملات الرقمية للبنوك المركزية حتى الآن بسبب قلة الإقبال، لكن الخطر الأكبر يكمن في أن تمتص فجأة كل السيولة من النظام النقدي خلال أزمة ما. ويوصي "فان ستينيس" بالالتزام بأسواق البيع بالجملة - وهو شعور أتشارك فيه معه تماماً - وأن أي نظام جديد يحتاج إلى اختبار على أرض الواقع بشكل صحيح ونطاق واسع.

التنظيم لا المشاركة

قد يبدو وكأنه من القسوة الحديث عن مبلغ 250 مليون دولار أسترالي (170 مليون دولار) الذي كلفته التجربة الفاشلة لـ"البورصة الأسترالية للأوراق المالية "، والتي استمرت سبع سنوات لإنشاء نظام تسوية "بلوكتشين"، لكن استدعاء ذلك يسلط الضوء على حجم التحدي. يمكن استكشاف أنظمة دفع أسرع، وأكثر أماناً، وأفضل في الوقت المناسب دون الحاجة إلى استخدام أدوات جديدة بالكامل يتم التحكم بها مركزياً، قد تعيق عمل النظام القائم.

قطاع التشفير يستحق الإصلاح.. وعلى الجهات التنظيمية التحرك

تضع العملات الرقمية البنوك المركزية على منحدر تنزلق فيه نحو الانتهاك غير المبرر للحريات المدنية والتعدي على السوق. لأول مرة، قامت كل من البنوك التجارية الكبرى والشركات الناشئة بمواءمة المصالح في هذا المجال لمقاومة التجاوز التنظيمي. إذا تدفقت أموال التجزئة فجأة إلى وديعة البنك المركزي، من المحتمل أن يكون الاضطراب في النظام المصرفي واسعاً، عندما تأتي بالتأكيد الأزمة التالية غير المتوقعة. ومهما يكن، احذروا عواقب خنق المنافسة في النظام المالي، وقمع دخول شركات التكنولوجيا المالية.

وصفت لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس اللوردات عملات البنوك المركزية الرقمية بأنها "حل بلا مشكلة". إن السماح بدخول أذرع البنك المركزي إلى النظام المصرفي السائد ينطوي على مخاطر خنقه. استمروا بمواكبة التكنولوجيا بكافة الوسائل، لكن يجب على البنوك المركزية أن تُنظّم، لا أن تُشارك.