ماذا نتعلم من "أخطاء" وارن بافيت؟

حديث الملياردير الأميركي عن ضرورة دراسة السلبيات قبل الإيجابيات يدفع "بيركشاير" دائماً لتصحيح مسارها

وارن بافيت، الرئيس التنفيذي لشركة "بيركشاير"، واشنطن
وارن بافيت، الرئيس التنفيذي لشركة "بيركشاير"، واشنطن المصدر: بلومبرغ
Justin Fox
Justin Fox

Justin Fox is a Bloomberg Opinion columnist covering business. He was the editorial director of Harvard Business Review and wrote for Time, Fortune and American Banker. He is the author of “The Myth of the Rational Market.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم تتضمن الرسالة السنوية التي أرسلها رجل الأعمال الأميركي الشهير وارن بافيت، السبت الماضي، لمساهمي شركة "بيركشاير هاثاواي" (Berkshire Hathaway) أخباراً جديدة تذكر، فقد اكتفى بالإشارة إلى أن الشركة حظيت بعام جيد في 2022، وبلغت فيه أرباحها التشغيلية 30.8 مليار دولار، كما كشف أن "سيز كانديز" (See’s Candies) التابعة للمجموعة باعت 11 طناً من حلوى السكر المغطاة بالمكسرات (القصفة) والشوكولاتة التي تنتجها بما قيمته 400309 دولارات في الاجتماع السنوي العام الماضي في أوماها.

لكن أبرز شيء يتعلق بالرسالة هو اختصارها، إذ جاءت في 4455 كلمة فقط، لتكون أقصر رسائل بافيت للمساهمين في 44 عاماً.

نعم، بدأتُ تجميع هذه البيانات قبل ظهور رسالة بافيت الجديدة، اعتقاداً مني بأنه قد لا يكون هناك كثير لمناقشته، إذ كان مسار الأمور يعطي بالفعل إشارة لا لبس فيها على أن رئيس "بيركشاير" يعمل على تقليصها تدريجياً. وهو بالطبع يفعل، فرجل الأعمال الأميركي يبلغ من العمر 92 عاماً، وشريكه التجاري منذ فترة طويلة تشارلز مونغر، نائب رئيس "بيركشاير"، سنه 99 عاماً.

بافيت يقدم نظرة شاملة

لكن الأمر المثير حقاً ورد في الرسالة الخاصة بعام 2014 (التي نُشرت في فبراير 2015)، عندما قدم بافيت نظرة شاملة على 50 عاماً منذ أن سيطر على شركة متعثرة لتصنيع المنسوجات في ولاية ماساتشوستس لتبدأ تحولها الطويل إلى مؤسسة استثمارية وعملاقة صناعية. كما شارك مونغر بمراجعته الخاصة المكونة من 2430 كلمة. تضمنت هذه الرسالة نظرة إلى الوراء واعترافاً بعديد من الأخطاء، وأصبح هذا الأمر من سمات بافيت، بل إنّ مراجعته في الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لتأسيس الشركة كانت بعنوان "أخطاء السنوات الخمس والعشرين الأولى" (نسخة مختصرة). استخدم بافيت كلمة "أخطاء" أيضاً أربع مرات في رسالته الأخيرة، وهو عدد كبير مقارنة بعدد كلمات الرسالة القليل نسبياً وفقاً لمعاييره.

"بيركشاير" تزيد حصصها في 5 شركات تجارية يابانية

في الرسالة المصاحبة لتقرير "بيركشاير" السنوي لعام 1985، رجع بافيت التركيز على الأخطاء إلى مونغر، الذي "يشدد دائماً على دراسة الأخطاء بدلاً من النجاحات، سواء في عالم الأعمال أو في غيره من جوانب الحياة".

والتركيز على الأخطاء بهذا الشكل ليس من عادة أقطاب الاستثمار ورؤساء الشركات اللامعين في الولايات المتحدة. وقد بحثتُ في مجمل رسائل مؤسس "أمازون دوت كوم" (Amazon.com) ورئيسها التنفيذي السابق جيف بيزوس، المعروف أيضاً برسائله الذكية للمساهمين. وعلى مدى 24 عاماً وجدت أنه لم يستخدم كلمة "خطأ" سوى خمس مرات، ثلاث منها فقط يمكن اعتبارها اعترافاً من بيزوس بأنه ارتكب خطأً أو قد يكون ارتكبه.

أداء فائق لـ"بيركشاير"

لم تكن كل "أخطاء" بافيت المذكورة أعلاه من صنيعه الشخصي، لكن معظمها كذلك فعلاً. وبعد محاولتي فصل أخطائه الشخصية عما هو خلاف ذلك على نحو لا ينطوي على اعتراف في رسائل "بيركشاير"، ووقوف حدسي الشخصي وتقديري للأمور حائلاً دون ذلك مرتين، قررت أنه يجب احتسباها جميعاً أخطاءه.

هل تواتر استخدامها يخبرنا بشيء؟ تشتمل رسائل مساهمي "بيركشاير" على جدول يقارن أداء سعر سهم الشركة كل عام منذ 1965 مع العائد الإجمالي لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500". بطرح الثاني من الأول لقياس الأداء النسبي لـ"بيركشاير"، تبين أن النتيجة مرتبطة بتكرار ظهور كلمة "خطأ" في رسالة المساهمين لتلك السنة. وبلغ مُعامل التحديد (الذي يشير إلى نسبة التباين بين السهم والمؤشر)، 0.33، مما يعني أن أداء "بيركشاير" مقارنة بالمؤشر "يفسر" ثلث عدد المرات التي تكرر فيها استخدام كلمة "خطأ" في الرسائل. وهذا أمر منطقي، فمعظمنا يميل لأن يكون أكثر شجاعة في الاعتراف بالخطأ عندما تسير الأمور على ما يرام.

"بيركشاير" التابعة لـ"وارن بافيت" توسّع ملكيتها في "أوكسيدنتال" للنفط

بشكل عام، من السهل قول أشياء من قبيل "معظم قراراتي المتعلقة بتخصيص رأس المال لم تكن أفضل من كذا وكذا"، مثلما فعل بافيت في رسالته الأخيرة، إذا كنت تحظى باعتراف واسع النطاق بأنك أحد أعظم المستثمرين في العالم وأبرعهم.

الأخطاء والمستقبل

ربما كان هذا البحث أكثر إفادة إذا اشتمل على مزيد من المعلومات عن بافيت قبل النجاح والشهرة، ورسائله للمستثمرين في "بافيت براتنرشيب" (Buffett Partnership)، شركته الاستثمارية الأولى، ورسائله للمساهمين في "بيركشاير" التي تسبق تلك التي توفرها الشركة على موقعها على الإنترنت. في المرة التالية قد يستغرق الحصول على كل هذه الرسائل عن طريق البحث بعض الوقت، أو ربما لا، فأنا أعترف أن كل حسابات الأرقام ومعالجة البيانات العددية هذه سخيفة بعض الشيء، لكنها مثيرة للاهتمام، أليس كذلك؟ وما زلت تريد معرفة ما إذا كانت كلمة "خطأ" في رسائل بافيت تشي بأداء "بيركشاير" في المستقبل، أليس كذلك؟

نصيحة من بافيت ومونغر: تجنب الاستثمار في "بتكوين الشريرة"

على المدى القصير، الجواب هو "لا"، فالارتباط بين تكرار كلمة "خطأ" في رسائل المساهمين وأداء "بيركشاير" في العام التالي مقارنة بمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" غير موجود فعلياً. فدائماً ما كان بافيت لا يلقي بالاً لمقاييس الأداء على المدى القصير، لذلك بحثت أيضاً في الصلة بين ذكر كلمة "خطأ" ومتوسط تفوق الأداء على مدار السنوات الخمس اللاحقة. من المؤكد أن هناك صلةً، إذ كان معامل التحديد 0.32 والقيمة الاحتمالية (التي تعني احتمال الحصول على مثل هذه النتيجة بالصدفة العشوائية) 0.001 فقط.

يُعَدّ هذا بالأساس دليلاً على قيود ومحددات هذه الاختبارات الإحصائية. ورغم أنني لا أعتقد حقاً أن إكثار وارن بافيت من استخدام كلمة "خطأ" في رسائله للمساهمين في أواخر السبعينيات كان السبب في تفوق أداء "بيركشاير" على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بمتوسط 30 نقطة مئوية سنوياً من 1979 حتى 1989، فإنّ هناك دروساً يمكن للمرء أن يستخلصها من نجاح بافيت الاستثماري أسوأ من أن الاعتراف بالأخطاء وبحثها ومعالجتها تؤتي ثمارها.