الأفراد يضعون بصمتهم على أداء البورصات خلال 2020

بورصة لندن
بورصة لندن المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لابد أنَّك خلال عام 2020، قرأت شيئاً من قبيل أنَّ إحدى الشركات التي لم يكن أحد يعرفها قبل 12 شهراً، باتت تتداول 20 مليون سهم في اليوم الواحد.

شركات "أيديانوميكس" (Ideanomics Inc.) و"فوبو تي في" (fuboTV Inc.) و"فاكسارت" (Vaxart) كلًّها أسماء لم يكن أحد يعرفها قبل شهر يناير 2020، لكنَّها لم تعُد مجهولةً بتاتاً اليوم بعدما أغوت أوساط متداولي اليوم الواحد الذين أثبتوا وجودهم خلال حقبة جائحة فيروس كورونا، في عالم البورصات والأسهم، إذ شهدت مثلاً إحدى الشركات المصنٍّعة للفرش التي تُدعى "بوربل إنوفيشن" (Purple Innovation Inc.) زيادةً في قيمة تداول أسهمها بـ13 ضعفاً عمَّا كانت عليه سابقاً، مرتفعةً من 5 إلى 25 دولاراً خلال 3 أشهر.

وطرحت شركة "فيسكر" (Fisker Inc.)، التي هي وليدة عملية إدماج مع شركة أخرى عدَّة طروحات من الأسهم وصل فيها حجم التداول في كل مرة إلى 40 مليون سهم.

تداولات نشطة

وقابل ذلك طلبٌ كبير بالمثل على أسماء أقدم في السوق أمثال "إيستمان كوداك" (Eastman Kodak Co.)، و"كارنيفال" (Carnival Corp.)، ففي حين هيمن الفيروس المستعر والركود والهبوط الأسرع للسوق على الإطلاق على عناوين الصحف أينما كان، جرى تداول أعداد قياسية من الأسهم في بورصات الولايات المتحدة في عام 2020، وصلت قيمتها إلى 120 تريليون دولار، في ارتفاع بلغ 50% مقارنةً بعام 2019. كما شهد مؤشر الأسهم "راسل 3000" (Russell 3000) زيادةً لمتوسط حجم التداول اليومي بـ46% ليصل إلى 1.9 مليون سهم.

ومن بين المستفيدين، نذكر شركات مثل "فيرتو فاينانشيال" (Virtu Financial Inc.)، وهي شركة متداولة عالية التردد شهدت ارتفاعاً بلغ 55%، وكذلك الأمر بالنسبة إلى "ناسداك" (Nasdaq Inc.)، و"إنتركونتننتال إكستشانج" (Intercontinental Exchange Inc.) فقد شهدتا ارتفاعاً بأكثر من 20%.

ومن المستفيدين كان آمبوس هانتر من بالتيمور، الذي ساعدته تجربته في التداول في شركة التقنيات المالية، التي تُعنى بالعربات الكهربائية في نيوروك "أيديانوميكس"، على تضخيم حجم محفظته التي تضمُّ في الغالب شركات كبرى، إذ اشترى هذا الشاب الذي يعمل في قطاع الدفاع، والبالغ 34 عاماً هذه الأسهم، في حين كان سعرها لا يزال عند دولار واحد، ثم باعها عندما ناهزت الدولارات الأربعة.

ويقول هانتر الذي كان لا يزال على مقاعد الدراسة في جامعة "بولينغ غرين ستيت" خلال الأزمة المالية: "كان في الأمر نوع من المجازفة، لكنَّني كنت مرتاحاً للخطوة التي اتخذتها في هذا العام بالتحديد"، مضيفاً: "كنتُ جاهزاً، وكانت النقود في متناول يدي، وهو ما مكَّنني من أن أخطو خطوةً إلى الأمام فيما يتعلق باستثماراتي".

الأفراد يرفعون حصتهم

ويملك "المتداولون الأفراد" بالإجمال حالياً خُمس حجم الأسهم المتداولة في الولايات المتحدة، وهي نسبة تساوي ضعفَي ما كانت عليه منذ عشر سنوات، ولا يسبقهم إلا "منشِّطو السوق" (market makers)، و"المتداولون ذوو التردد العالي" (high-frequency traders) من جهة الثقل، وذلك بحسب "بلومبرغ إنتليجنس".

ويبدو أنَّه خلال الحجر المنزلي فتح ما لا يقل عن 8 ملايين نسمة حسابات جديدة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2020 عبر شركات سمسرة من أمثال "تشارلز شواب" (Charles Schwab Corp.)، و"إي ترايد فايننشيال" (E*Trade Financial) وشركة "تي دي أمريترايد" القابضة (TD Ameritrade Holding Corp.) و"روبنهود" (Robinhood Markets Inc.)، وهي كلها منصات تقدِّم إمكانية التداول مجاناً.

ولم تقتصر الظاهرة على الولايات المتحدة فحسب، بل تضاعفت حسابات التداول حول العالم ثلاث مرات مقارنةً بعام 2019 بحسب مسح أجراه موقع "بروكر تشوزر"، إذ بات المستثمرون الصغار يهيمنون على ثلثَي حركة التداول تقريباً في كوريا الجنوبية، في حين يملك شخص تقريباً من بين كل ثلاثة في المملكة العربية السعودية حساب تداول.

وشهدت إحدى الشركات الإلكترونية للتداول في المملكة المتحدة ارتفاعاً بنسبة 130% على مرِّ العام في طلبات الاشتراك بحساب توفير جديد معفى من الضرائب، فيما حقَّقت الشركة اليابانية عبر الإنترنت "راكوتن سيكيوريتيز" (Rakuten Securities) ارتفاعاً بنسبة 25% في أعداد الحسابات في ظرف 9 أشهر.

عامل دعم قوي لتعافي الأسواق

وإلى جانب المتداولين المحترفين وأسواق البورصة التي تتغذَّى على حجم التداول، حقَّقت أسواق البورصة العالمية الاستفادة من ذلك أيضاً، إذ شكَّلت تدفُّقات المستثمرين الأفراد عاملاً أساسياً في تعافي الأسهم حول العالم، دافعةً بمقياس "MSCI" للأسهم في جميع أنحاء العالم للارتفاع بنسبة 14% مقارنةً بعام 2019، وارتفاع بنسبة 68% مقارنةً بالهبوط الذي شهدته في شهر مارس من عام 2020.

وفي حين ارتاب المخضرمون في مجال تداول الأوراق المالية إزاء حماس هؤلاء المستثمرين المبتدئين، فإنَّهم رأوا في الأمر اتجاهاً للسوق من الصعب وقفه.

يقول توماس بولويك، رئيس الحلول متعددة الأصول في منطقة آسيا والمحيط الهادي في شركة (T. Rowe Price): "إنَّ مساهمة المتداولين الأفراد شكَّلت عاملاً أساسياً سواء للسوق أو للمجتمع، وسيدوم هذا الأمر مطوّلَاً، فيما تستحوذ المدخرات الشخصية على حصة أكبر من مدخرات التقاعد".

وفي حين أنَّ القيود التي فرضتها الجائحة والحوافز التي قدَّمتها البنوك المركزية حول العالم شكَّلت عوامل رئيسية، فإنَّ منصات الاستثمار التي لا تفرض أي رسوم وتسعى دوماً إلى تحسين تقنياتها في هذا المجال كانت هي مَن عزز هذا الاتجاه فعلاً عبر تسهيل وصول الأفراد إلى أسواق البورصة، إذ بات بإمكان أيٍّ كان الآن بمجرد فتح حساب على "تويتر"، وتحميل تطبيق للاستثمار على الهاتف، أن يتسلَّح بكمٍّ من الخبرة لم يكن ممكناً قبل عقدٍ من الزمن سوى عبر منصات التداول.

وتقول جيسيكا رايب، المشاركة في تأسيس شركة "داتاتريك ريسرش": "لم يسبق أن تواصل معي قط هذا الكمُّ من الأصدقاء الذين راحوا يسألونني عن أيّ من الأسهم المتضررة يجب أن يشتروا؟ "، مضيفةً: "لم يخافوا من خطر خسارة المال، بل كانوا متخوِّفين من أن يفوِّتوا إمكانية الربح الكبير لدى تعافي الأسهم".

على ماذا راهن المستثمرون الأفراد؟

وبدا المستثمرون الأفراد في عام 2020 توَّاقين إلى أيِّ شيٍء يمكنهم تداوله، فجاء أولاً دور "أسهم إعادة الافتتاح" التي من شأنها أن تستفيد من اللقاح متى ما بات متاحاً، مثل أسهم شركات الطيران، والرحلات البحرية، ثم راهن المستثمرون على أسهم الشركات التي كانت ملاءتها موضع شك، كما دخلوا غمار سوق العقود الاختيارية من بابها العريض، مساهمين في دفع حجم البيع والشراء إلى الصعود إلى مستويات لم يشهدها من قبل.

ومن بين الأسهم الخمسين في مؤشر "راسل 3000" التي شهدت أعلى الزيادات في أحجام التداول مقارنةً بالسنة الفائتة، يندرج ثلثها تقريباً ضمن مجموعة أكثر 100 سهم رواجاً لدى مستخدمي منصة "روبنهود".

وفي حين أنَّ أكبر 100 سهم في مؤشر "راسل 3000" شهدت زيادةً في متوسط حجم التداول اليومي بنسبة 32% هذا العام، فإنَّ الأسهم الأصغر شهدت قفزةً بنسبة 70% بحسب ما أظهرته البيانات التي جمعتها "بلومبرغ".

ومن جهة أخرى، فقد عُوتِبَ المستثمرون الصغار على تضخيم التقييمات بشكل مصطنع، وبخاصةٍ في حالة أسهم الشركات المتعثِّرة أمثال شركة "هيرتز غلوبال" القابضة (Hertz Global Holdings Inc.)، من خلال تصعيب تسعير الاكتتابات العامة عليه فعلياً. كما عمَّت بصمات المستثمرين الأفراد مسار "تسلا" الصعودي الهائل، كذلك الأمر بالنسبة إلى شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية المدرَجة في البورصة الأمريكية، التي يُعَدُّ معظمها غير مربح.

وبحسب جاري دوغان، الرئيس التنفيذي لـ"Global CIO Office"، فقد فاقم تزايد المستثمرين الأفراد ظاهرة "زخم التداول"، إذ يقول: "حالما يشهد أحد الأسهم إقبالاً، يأخذ بالارتفاع إلى مستويات مبالغ فيها لمجرَّد أنَّ المستثمرين يتفاعلون مع حركة سعر هذا السهم، لا مع أُسس الشركة نفسها".

ناقوس الخطر

ويثير هذا التحوُّل في مجال التداول وتزايد مشاركة المستثمرين الصغار المخاوف على المستوى العالمي، ففي كوريا الجنوبية دقَّت الجهات التنظيمية ناقوس الخطر على إثر زيادة تعاطي المستثمرين الأفراد بالأسهم الأجنبية، محذِّرةً متداولي الصفقات الصغيرة من أنَّ الاستثمار في الخارج من دون التسلُّح بالمعلومات الكافية أو شراء الأسهم عبر الاقتراض بشكل متهوِّر يُعَدُّ أمراً خطيراً.

وفي حين يبدأ توزيع لقاح فيروس كورونا، يحمل معه أملاً بالعودة إلى الحياة الطبيعية في عام 2021، وهو ما يدفع بعضهم إلى توقُّع ألا يعود للمستثمرين الأفراد التأثير عينه بعد ذلك. ويسارع منتقدو هذه الصيحة إلى الإشارة إلى أنَّ البورصة في عام 2020 جعلت كل من شارك فيها يبدو عبقرياً، إلا أنَّ العبقرية في أسواق البورصة سرعان ما تتلاشى في العادة.

ويقول هنا لاري تاب من "بلومبرغ إنتليجنس": "حالما يصبح اللقاح متوافراً، ويعود الناس إلى عملهم بالإجمال، سيتراجع تداول الأفراد قليلاً على الأرجح. فسيتداولون عندئذٍ بوتيرة أصغر، لأنَّ المستثمرين في العادة لا يبلون بلاءً حسناً في التداول النشط ما لم يكونوا على دراية فعلاً بما يفعلونه. ومعظمهم لا ينطبق عليه هذا الأمر".

رواسب وتراكمات

أما في الوقت الحالي فتستمر هذه الفورة، وقد سبق أن خالفت التوقُّعات بأن تختفي مع خروج الدول من فترات الإقفال التي فرضتها الجائحة في بداية الأمر. ففي الهند مثلاً، فُتح أكثر من مليوني حساب جديد في شهرَي سبتمبر وأكتوبر من العام الماضي، أي بعد أشهر على انتهاء الإقفال الذي شهدته البلاد.

وشهد استثمار الأفراد زيادةً في عام 2020 حتى في اليابان، وهي سوق سيطرت عليها نِسَب الفوائد الصفرية منذ وقتٍ طويل.

وتلقَّت شركات السمسرة المحلية فيها إقبالاً من المستثمرين الأفراد، استمرَّ حتى بعد انتهاء حالة الطوارئ التي أعلنتها البلاد.

وشهدت شركة السمسرة عبر الإنترنت "راكوتن سيكيوريتيز" نمطَ نموٍّ قياسياً من جهة أعداد المستخدمين، مع الإشارة إلى أنَّ قرابة 40% من المستخدمين الذين انضموا إليها هذا العام كانوا من الإناث، و73% قالوا إنَّه لا خبرة لديهم في الاستثمار. وشكَّل المستثمرون الأفراد معدَّل 21% من إجمالي قيمة التداول في بورصة طوكيو في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2020، مقارنةً بـ16% في العام الذي سبق ذلك.

وتوافد المتداولون الجدد إلى بورصة وارسو في عام 2020 باحثين عن ملجأ لأموالهم إزاء التضخُّم، ومعدَّلات الفائدة السلبية، وذلك بحسب دراسة استقصائية أُجريَت، كما أنَّ نصف الذين شاركوا في الدراسة تقريباً أعربوا عن أنَّهم يملكون أسهماً متداولة على منصة للمضاربة من التي تتعامل مع الجهات الصغيرة، وهو ما يشكل قفزة مقارنة بالعام السابق.

أما بالعودة إلى الولايات المتحدة، فيتمنى ألكس كاسترو البالغ 28 عاماً ألا تخونه فطنته عمّا قريب؛ إذ استقال هذا الشاب المقيم في ميامي من وظيفته كي يركِّز على تداول اليوم الواحد، وهو يقول، إنَّه يجني الآن لقمة عيشه بشراء الأسهم، وبيعها بحسب حركة زخمها في شركات أمثال "تسلا"، و"دوكوساين"، و"سايلز فورس". ويقول أخيراً: "المال الذي أجنيه في يومٍ واحد أحياناً؛ لم تعتَدْ أمي رؤيته في شهر كامل".