طائرات روسيا تحلّق عالياً رغم العقوبات

سعى الغرب لتعطيل شركات الطيران في البلاد، لكنها استمرت عبر الالتفاف على العقوبات

طائرة "إيرباص إيه 321–211" تشغلها شركة "إيرفلوت" رابضة في جنيف، سويسرا.
طائرة "إيرباص إيه 321–211" تشغلها شركة "إيرفلوت" رابضة في جنيف، سويسرا. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حين فرضت دول غرب أوروبا والولايات المتحدة عقوبات على روسيا ردّاً على غزوها أوكرانيا العام الماضي، بدا قطاع الطيران المدني مجالاً واعداً لإيقاع أقصى قدر من المعاناة بروسيا.

بُني ذلك التصور على أن شركات الطيران الروسية تعتمد على طائرات صنعتها شركتا "إيرباص" و"بوينغ"، وهما ممنوعتان عن ممارسة نشاطات في روسيا. كما أن شركات تأجير أجنبية تملك أكثر من خُمسي تلك الطائرات وطالبت باستعادتها على الفور.

لكن بعد عامٍ على الحرب، ما تزال شركات الطيران الروسية تشغّل 467 طائرة "بوينغ" و"إيرباص" ، مقابل 544 طائرة قبل عام، حسب شركة الأبحاث "سيريوم" (Cirium).

شركات طيران روسية تدرس نقل مقراتها إلى تركيا لتفادي العقوبات

فيما ألغت فيه شركات الطيران الروسية رحلاتها إلى الولايات المتحدة وغرب أوروبا وحلفائهم، عززت خدماتها إلى تايلندا وتركيا والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، مثل أرمينيا وقرغيزستان وطاجيكستان.

كما تسيّر هذه الشركات نحو 1100 رحلة طيران داخلية يومياً، بانخفاض نحو 15% عمّا كانت عليه قبل عام، وهو تراجع أقل بكثير مما كان يتوقعه مؤيدو أوكرانيا بعد فرض العقوبات.

طائرات رابضة في مطارات "دوميدوفو"، في موسكو، روسيا.
طائرات رابضة في مطارات "دوميدوفو"، في موسكو، روسيا. المصدر: غيتي إيمجز

أثر ضئيل

هذا الصمود يعكس حدود العقوبات عندما تجد القطاعات المستهدفة حلولاً بديلة أو تتحول إلى شركاء أقل تقيّداً. فبرغم تقلّص الإنتاج الروسي على مدى ثلاثة أرباع سنة، كان التراجع جزءاً محدوداً من الانهيار الذي كان يُنتظر بعد فترة وجيزة من الغزو، فقد أدى ارتفاع أسعار السلع لاستمرار ضخ الأموال في الاقتصاد.

منع الكرملين، سعياً للحفاظ على قطاع الطيران الروسي، عودة للطائرات المُستأجرة إلى الشركات الأجنبية المالكة لها وشجّع شركات الطيران على إعادة تسجيلها في روسيا.

استمرت معظم تلك الطائرات بالتحليق رغم أنها محرومة من ترقيات جوهرية لبرامجها ومن الصيانة التي تفرضها الجهات التنظيمية كضرورة لضمان صلاحيتها للطيران.

عودة نشاط الطيران الروسي تثير قلق "إيرباص" بسبب نقص قطع الغيار والصيانة

مشغلو الطائرات ملزمون بنظام صيانة صارم خاضع لإشراف مهندسين مرخصين وتشريعات الجهات التنظيمية الوطنية أو الدولية مثل إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية أو وكالة سلامة الطيران بالاتحاد الأوروبي أو الوكالة الفيدرالية الروسية للنقل الجوي. إضافة للفحص اليومي، تحتاج الطائرات لمزيد من الصيانة المكثفة بعد كل 200 رحلة وفحوص مكثفة كل عقد أو نحو ذلك، بما يشمل تفكيكها لفحص شامل.

تقول "بوينغ" إنها لم تقدم قطع غيار أو صيانة أو دعماً فنياً لشركات الطيران أو شركات الصيانة في روسيا منذ أوائل العام الماضي، تنفيذاً للعقوبات الأميركية. كما أعلن غيوم فوري، رئيس "إيرباص" التنفيذي في 16 فبراير أن بيانات الشركة تظهر أن شركات الطيران الروسية شغّلت طائرات من صنع شركته في النصف الثاني من 2022 بما يفوق تشغيلها قبل الجائحة.

رغم أن فوري أضاف أن الشركة ليست على اتصال بشركات الطيران في روسيا، إلا أن "إيرباص" على علم بصعوبات مواصلة الطائرات التحليق فيما تعاني صعوبات لاستبدال مكونات مفقودة.

تعمل شركات الطيران الروسية على استيراد قطع غيار من دول صديقة ونقل قطع من طائرة إلى أخرى لتستمر بالتشغيل، وفقاً تقرير لصحيفة الأعمال الروسية اليومية "آر بي سي" (RBC) في مطلع فبراير نقلاً عن الجهة الناظمة لقطاع الطيران الروسي.

وافقت الجهة المنظمة في فبراير على اتفاقية مع شركة " غلوبال جيت تكنيك" (Global Jet Technic) الهندسية في دبي، التي تقول إنها تجري عمليات تفتيش أولية اعتيادية على طائرات "إيرباص" و"بوينغ" تشغّلها شركات طيران روسية.

تقليص الأسطول

فيما تعمل شركات الطيران الروسية على تفكيك الطائرات للحصول على قطع غيارها، سيفضي ذلك في النهاية لتقليص أساطيلها، لأن الطائرات المانحة لقطع الغيار هذه ستفقد مكونات لازمة للتشغيل، والعقوبات لن تمكّن الشركات من شراء بدائل معتمدة.

يتعين على شركات الطيران تسجيل كل مكوّن تقوم بإصلاحه أو استبداله، إلى جانب توثيق مصدر قطع الغيار المستخدمة. نظراً لأن الروس معزولون حالياً عن النظام العالمي القائم لتتبع تلك التغييرات، يُحتمل أن الطائرات تفتقر لسجلات وافية التفاصيل، ما يجعل إعادة بيعها أمراً مستحيلاً.

أكبر شركة تأجير طائرات بالعالم معرضة لفقدان 2.5 مليار دولار في روسيا

تجربة إيران تبرز سبب عدم استدامة الصيانة غير المعتمدة على المدى الطويل، إذ إنه نتيجة للعقوبات التي فُرضت على الجمهورية الإسلامية لعقود لم تتبق سوى طائرات عفا عليها الزمن وسجل أمان باهت.

يعتمد قطاع الطيران فيها على شبكة وسطاء يتجنبون القيود ويشترون قطع الغيار وأحياناً طائرات كاملة. قال جون ستريكلاند، وهو مستشار طيران في لندن، إن وضع روسيا أكثر تعقيداً لأن شركات الطيران في الغالب تستخدم طرزاً أحدث. أضاف: "هذه طائرات متطورة تختلف عن طائرات الجيل السابق الأقدم التي تشغّلها شركات الطيران الإيرانية. ربما تستخدم شركات الطيران الروسية كل ما في وسعها من مبادرات للحفاظ على تشغيل أساطيلها، لكن هذا سيزداد صعوبة".

الصناعة المحلية

على عكس إيران، تفخر روسيا بكونها موطناً لصناعة الطائرات التي يعود تاريخها إلى أوائل الحقبة السوفييتية. كانت شركة الطيران البارزة "إيروفلوت" (Aeroflot)، في يوم من الأيام واحدة من كبريات شركات الطيران على مستوى العالم، وأنتجت شركات صناعة الطيران مثل "توبوليف" (Tupolev) و"إليوشن" (Ilyushin) و"سوخوي" (Sukhoi) طائرات يمكنها نقل مئات الركاب.

رغم أن الشركات الروسية تنتج اليوم طائرات أحدث مثل "سوخوي سوبر جت" (Sukhoi Superjet) ذات الـ100 مقعد، فإن تلك الطائرة تعتمد بشكل كبير على الموردين الغربيين لتوفير المحركات وإلكترونيات الطيران ومعدات الهبوط، رغم أنه ثمة مشروع يُنفّذ لاستبدال تلك المكونات ببدائل محلية.

غموض حول مستقبل طائرات مستأجرة قيمتها 10 مليارات دولار في روسيا

أما الهدف الآخر للعقوبات فقد تمثّل في عزل روسيا، لكن ذلك أيضاً أفضى إلى نتائج متباينة. فقد أغلق الكرملين مجاله الجوي أمام شركات الطيران من غرب أوروبا والولايات المتحدة، فاضطرت الطائرات للتحليق مسافات أطول على مسارات جانبية مكلفة إلى آسيا.

مع ذلك، تُركت الأجواء مفتوحة أمام شركات الطيران من البلدان الصديقة مثل الإمارات العربية المتحدة، التي أضافت مزيداً من الرحلات. قالت "سيريوم" إن المطارات الروسية اليوم تخدمها نحو 270 رحلة دولية يومياً، مقابل 300 رحلة قبل عام.

قال ريتشارد أبو العافية، وهو مستشار في هذه الصناعة: "واضح أن العقوبات لم تنجح كما كان يتصور الغرب، لأن صناعة الطيران العالمية فيها تسربات أكبر مما كان يعتقده أي شخص. نعم، ستتدهور السلامة مع استمرار هذه العقوبات، لكن اتضح أن ذلك لن يؤدي لقطع خطوط النقل داخل روسيا وخارجها بشكل تام".