التوقف عن رفع أسعار الفائدة في آسيا "مهمة معقدة"

وقف التشديد النقدي أثبت صعوبة في آسيا نظراً لتباين النظم السياسية ومستويات التنمية والتضخم واستقلال السلطات النقدية

مقر بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) في بكين، الصين. الانتعاش الذي تعيشه البلاد بعد فتح اقتصادها، يجعل إقرار البنك المزيد من إجراءات التيسير النقدي أمراً مستبعداً
مقر بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) في بكين، الصين. الانتعاش الذي تعيشه البلاد بعد فتح اقتصادها، يجعل إقرار البنك المزيد من إجراءات التيسير النقدي أمراً مستبعداً المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا تواجه عملية التوقف عن رفع أسعار الفائدة مشكلة على الإطلاق، لكنَّ الأمور بدأت تبدو غير مواتية بالنسبة إلى المسؤولين الذين يتطلّعون إلى توقف مناسب. النمو العالمي لا ينهار، والتضخم لم ينحسر مثلما كان متوقَّعاً في بعض الاقتصادات الكبرى. وكلما أظهر النمو قوةً وثباتاً، زاد خطر حدوث خطأ في السياسات النقدية. في 2022 على الأقل، كان اتجاه السياسة النقدية واضحاً للغاية.

وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي تحظى به مرونة الاقتصاد الأميركي؛ فإنَّ الوضع في آسيا يستدعي فحصاً دقيقاً. علّقت كوريا الجنوبية وإندونيسيا وماليزيا رفع أسعار الفائدة. لكنَّ خفض تكاليف الاقتراض الذي يعتبر تكملة طبيعية لذلك المسار، سيستغرق وقتاً أطول حتى يتحقق. التحذيرات شبه اليومية من صناع السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بأنَّ ثمة حاجة لرفع الأسعار أعلى مما كان متوقَّعاً، ليست موضع ترحيب. فجميع البنوك المركزية تؤكد أنَّها تتحرك بشكل مستقل عن المركزي الأميركي، لكنَّها عملياً تميل إلى استنساخ الاتجاهات العامة للائتمان في الولايات المتحدة.

كان من المفترض أن يجلب هذا العام فترة من التقاط الأنفاس فيما يخص رفع أسعار الفائدة بعد التشديد النقدي السريع في 2022. ما يزال من المحتمل أن يحدث مثل هذا الأمر، لكنَّ الصورة باتت أكثر فوضوية. لذا؛ فإنَّ الطريق إلى التيسير النقدي أقل راحة مما كان متصوراً.

تباين في المواقف

رفع بنك الاحتياطي الأسترالي سعر الفائدة الرئيسي ربع نقطة أخرى الثلاثاء. لا يبدو هذا الأمر سيئاً للغاية، باستثناء أنَّه كان ينبغي للبنك توضيح أسباب عدم انتهائه من مسيرة الرفع حتى الآن. في ديسمبر، لم يبحث البنك عن أي تغيير؛ وأظهر محضر اجتماع مجلس محافظيه في يناير عدم وجود مثل هذا الخيار على الطاولة. الأسوأ من ذلك، أنَّ لجنة السياسة النقدية أصدرت بياناً متشدداً على نحو مفاجئ. سارع الاقتصاديون على أثره لرفع توقُّعاتهم أكثر بشأن زيادة أسعار الفائدة.

وإذا كان الاحتياطي الأسترالي يخاطر بالإفراط في رفع الفائدة، فقد يُسأل بنك إندونيسيا لماذا لم يفعل شيئاً يذكر في هذا الإطار. يقول حاكم البنك بيري وارجيو، الذي رُشح في الآونة الأخيرة لولاية ثانية، إنَّه انتهى من عملية رفع أسعار الفائدة، وإنَّه من المتوقَّع أن تعود إلى مستوى مريح. يشجعه على ذلك ارتفاع العملة، إذ ارتفعت الروبية بنحو 1.7% مقابل الدولار هذا العام. وبرغم تواضع هذه النسبة، لكنَّها الأعلى في آسيا. ويمكن التعامل مع أي تأثير لزيادة المركزي الأميركي وتيرة التشديد النقدي على سعر الصرف من خلال التدخل في سوق العملة.

هامش المناورة

لا يرغب رؤساء البنوك المركزية عادة في أن يحرموا أنفسهم من هامش المناورة بإصدار بيانات قاطعة. كتب محمد فايز ناجوثا، الاقتصادي في "بنك أوف أميركا سيكيوريترز" (Bank of America Securities)، في مذكرة في الأول من مارس، أنَّ توقف إندونيسيا عن رفع أسعار الفائدة "جدير بالثقة.. من ناحية أخرى، نعتقد أيضاً أنَّ تخفيضات أسعار الفائدة لن تأتي بسرعة كبيرة في العام المقبل أيضاً". وتتوقَّع المؤسسة أن تخفّض إندونيسيا أسعار الفائدة نقطةً مئويةً كاملةً في 2024، أي أكثر بقليل من نصف ما يُتوقَّع أن يُقدم عليه الاحتياطي الفيدرالي. وفي اليوم الذي أشاحت فيه إندونيسيا بوجهها عن التشديد النقدي؛ أقدمت الفلبين على زيادة أخرى قدرها 50 نقطة أساس. مانيلا لم تنتهِ بعد من مسار رفع الفائدة، لكنَّها تحدث ضجة حول التحول إلى زيادات أصغر.

المركزي الصيني يُبشر بسياسة نقدية مستقرة مع انتعاش الاقتصاد

في الصين، بعد أن حققت انتعاشاً جيداً؛ فإنَّ المزيد من إجراءات التيسير النقدي غير مرجحة. قد يواجه الاقتصاد مشكلة مغايرة لتلك التي واجهها في العام الماضي، عندما تعثر النمو، وتتمثل في انتعاش قوي للغاية. أفادت "بلومبرغ نيوز"، نقلاً عن شخص مطلع، أنَّ المسؤولين أبلغوا وسائل الإعلام الحكومية بأن تنقل في المؤتمر الشعبي الوطني الذي يعُقد هذا الأسبوع أنَّ القادة راضون عن مسار الاقتصاد، وأنَّ الحاجة إلى التحفيز معتدلة في الوقت الحالي. قال رئيس مجلس الدولة الصيني (رئيس الوزراء) لي كه تشيانغ، يوم الأحد، إنَّ بكين ستستهدف نمواً بنحو 5% هذا العام. وفي حين أنَّ هذا يمثل انخفاضاً طفيفاً عن هدف 2022 البالغ 5.5% تقريباً؛ فإنَّه سيكون بمثابة تحسن ملحوظ عن النمو الفعلي في العام الماضي عند 3%.

لماذا هذا التباين؟

لماذا كانت الأمور غير مستقرة إلى هذا الحد؟ أولاً؛ لأنَّ وضع السياسة النقدية الآسيوية مختلف تماماً عمّا عداه. فالنظم السياسية ومستويات التنمية وآليات التضخم تتباين تبايناً كبيراً. بعض السلطات النقدية مستقلة، وحريصة على إظهار ذلك، في حين أنَّ بعضها أقل من ذلك، أو أنَّها -كما في حالة الصين- ليست مستقلة على الإطلاق. شنّت بنوك مركزية، كما هي الحال في كوريا الجنوبية، معركة مبكرة ضد التضخم. لفد كان بعضها الآخر أبطأ. ومع ذلك؛ تبدو الفوارق أكثر دقة مما كانت عليه قبل بضعة أشهر. لا يبدو الاقتصاد العالمي متجهاً تماماً للركود، ويبدو صندوق النقد الدولي أقل تشاؤماً، إذ رفع توقُّعاته للنمو قليلاً بعد أن خفّضها في معظم فترات 2022.

314 مليار دولار ديون تلاحق مقترضي آسيا مع زيادة سعر الفائدة

الفضل في ذلك يعود للإجراءات القوية التي اتخذتها الصين لمعاودة فتح اقتصادها، وللولايات المتحدة، حيث ما تزال سوق العمل قوية. كان الإنفاق الاستهلاكي الأميركي قوياً، وتسارع التضخم مجدداً في يناير. مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي ينبهون إلى أنَّه ربما يتعين رفع أسعار الفائدة أعلى مما كان متوقَّعاً. من غير الواضح ما إذا كانت قيادة المركزي الأميركي تعتقد أنَّ التوقف المؤقت عن رفع أسعار الفائدة تأخر لهدف ما، أو أنَّ بعض التعديلات على التوقيت هي كل ما يمكن ضمانه. رئيس الفيدرالي جيروم باول أدلى بشهادته أمام الكونغرس يوم الثلاثاء، فيما أشار بنك الشعب الصيني يوم الجمعة إلى أنَّ السياسة ستكون مستقرة إلى حد بعيد.

إذاً تنتقل الاحتمالات الخاصة بمسار الاقتصاد العالمي من الهبوط الحاد إلى الهبوط السلس، وربما عدم الهبوط على الإطلاق. نأمل على الأقل أن نحظى بفرصة لإبداء الإعجاب بالمشهد.