عصر الرقمنة يتيح سحوبات ذعر خاطفة من البنوك

كلام عن "غرابة" في ميزانية "سيليكون فالي بنك" المالية انتشرت بسرعة البرق عبر قاعدة المودعين

شعار "سيليكون فالي بنك"
شعار "سيليكون فالي بنك" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ما يزال دونالد باول يتذكر حين كان المصرف الذي يديره في ولاية تكساس على وشك الفشل، فقد كان "فرست ناشيونال بنك أوف أماريلو" غارقاً في مشاكل كثيرة لدرجة دفعت باول إلى أن يتصل بالاحتياطي الفيدرالي منبهّاً أنَّ مصرفه قد يواجه سحوبات جماعية على خلفية مخاوف بشأن ملاءته المالية.

لكنَّ المصرف تخطى الأزمة المرتقبة، ولم يحدث ما كان يخشاه باول، الذي تولى منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع من 2001 إلى 2005. لم يملك باول سوى أن يتعجب من تسارع السحوبات الجماعية حين انهار مصرف "سيليكون فالي بنك".

قال باول إنَّ التدافع على السحب كان يحدث بوتيرة "أبطأ بكثير"، لكنَّ موجة السحوبات الجماعية باتت تحدث بسرعة "صاروخية". تسرب الذعر الذي أحاط بالميزانية العمومية الضعيفة لمصرف "سيليكون فالي بنك" إلى صناعة تقنية تتسم بالتقارب والثرثرة فيما بينها، فعجّل ذلك انتقال المعلومات بين كياناتها ومستثمريها.

بدأ الأمر عند صناديق رأس المال الجريء، ثم انساب ذلك تدريجياً ليبلغ شركات التقنية الناشئة التي تستثمر فيها.

ماذا يعني انهيار "سيليكون فالي بنك" للمصرف وعملائه؟

كما عزز من ذلك التواصل الآني الذي أتاحته التغريدات والرسائل المباشرة. فيما سمح إنجاز المعاملات المصرفية عبر الإنترنت، الذي يسر التمويل خلال السنوات الأخيرة، بالتفاعل الآني بين أطرافه.

حاول المستثمرون والمودعون سحب 42 مليار دولار من "سيليكون فالي بنك" في 9 مارس، فتسببوا بأكبر إفلاس يشهده القطاع المصرفي الأميركي منذ أكثر من عقد.

وُضع البنك تحت الحراسة القضائية للمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع صباح 10 مارس بغية حماية الودائع التي تصل قيمتها إلى 250 ألف دولار بحد أقصى، برغم تعرض العديد من عملاء البنك لمخاطر تزيد عن ذلك بكثير، فقد اقترب ما أودعه العملاء في "سيليكون فالي بنك" 175 مليار دولار بنهاية العام الماضي.

مقر "سيليكون فالي بنك" في مدينة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا في 10 مارس
مقر "سيليكون فالي بنك" في مدينة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا في 10 مارس المصدر: بلومبرغ

فشل التدخل السريع

قال ويليام أيزك، الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع بين 1981 و1985: "لم يسبق أن تدخلت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع لإنقاذ مؤسسة مصرفية بهذه السرعة".

لم يستطع المصرف أن يصمد مع تواتر السحوبات، التي يشتبه أيزك أنَّها كانت من أسرع موجات سحب الودائع الجماعي في تاريخ الولايات المتحدة. تطورت الأمور بسرعة فأفلس البنك.

أوصى مستثمرو رأس المال الجريء العديد من شركات التقنية الناشئة بالتعامل مع "سيليكون فالي بنك"، والسبب الأكبر في ذلك هو خبرته في ديون الاستثمار الجريء، وفقاً لمؤسس شركة تقنية طلب عدم كشف هويته بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية.

كانت خشية أن يواجه "سيليكون فالي بنك" أزمة مصرفية قد انتشرت نظراً لإنجاز رواد الأعمال في مجال التقنية ومستثمري رأس المال الجريء الكثير من التعاملات المالية عبر الإنترنت.

قالت هيلاري ألين، أستاذة القانون في جامعة "أميركان يونيفيرسيتي" وهي متخصصة في التنظيم المالي: "انتشرت المخاوف سريعاً عبر القطاع التقني، مما دمر الثقة وشجع على تزايد السحوبات بوتيرة شديدة التسارع".

لماذا تبنت بريطانيا نهجاً مختلفاً عن أميركا في أزمة "سيليكون فالي"؟

هنالك تواصل بين شركات رأس المال الجريء ونظيراتها الناشئة لا يقتصر على ذلك الرقمي، إذ تُقيم أنظمة تعرف بمسرعات بدء التشغيل لديها برامج وفعاليات ساعدت على التعارف فيما بين أفراد هذا المجتمع.

لذلك، عندما بدأ الناس يتحدثون عن سحب الأموال من "سيليكون فالي بنك"، انتشر التحذير سريعاً. قالت ألين: "لذلك كانت شركات رأس المال الجريء في وضع يخولها الحث على سحب الودائع. من ثم، استغلال نفوذها لتشجيع الشركات المدرجة في محافظها على سحب ودائعها بمجرد بروز شكوك حول الوضع المالي للبنك".

كان أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة تقنية ناشئة، طلب عدم كشف هويته أثناء مناقشة محادثات خاصة، قد تلقى مكالمة هاتفية من مستثمر صباح 9 مارس ليخبره أنَّ الميزانية العمومية لمصرف "سيليكون فالي بنك" تبدو "غريبة"، فسحبت الشركة الناشئة ملايين الدولارات من حسابها في ذلك الصباح.

أسباب إضافية

لم يكن التهافت الجماعي على سحب الأموال من المصرف سالف الذكر مجرد رد فعل قلق من جانب المودعين. لقد اتخذ البنك قراراً مصيرياً بالمراهنة على الاستثمار بكثافة في سندات طويلة الأجل بأسعار فائدة منخفضة تاريخياً خلال فترة ازدهار نمو الودائع.

عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة، انخفضت قيمة تلك السندات، مما عرّض قدرة البنك على الإيفاء بالتزاماته تجاه المودعين للخطر في حال شاء كثير منهم سحب أموالهم في نفس الوقت. كان ذلك بمثابة دافع لكل من سمع بالأخبار السيئة ليسبق العملاء الآخرين ويحاول النجاة بأمواله.

لقد ساعدت التقنية في نقل الأخبار على نحو أسرع فحسب. فقد نُسبت عمليات سحب الودائع الجماعية مراراً إلى "عدوى" الخوف والمعلومات، لكن ينتشر هذا رقمياً الآن كالنار في الهشيم.

كتب تود بيكر، الزميل الأقدم في مركز ريتشمان للأعمال والقانون والسياسة العامة في جامعة كولومبيا، في تغريدة يوم 11 مارس: "الاتصالات الآنية ووسائل التواصل الاجتماعي تنشر الذعر بطرق جديدة. لم يكن النظام المصرفي مستعداً لمواجهة هذا النوع من السحوبات المتسارعة، وما يزال غير جاهز لها حتى الآن".

كما تفيد المبالغ الهائلة التي حاول عملاء "سيليكون فالي بنك" سحبها ليلة 9 مارس في حد ذاتها عن أنواع الحسابات التي باشر البنك الإشراف عليها، فقد شكلت الشركات جزءاً كبيراً من قاعدة عملاء البنك، وأودعت أموالاً أكثر بكثير في حساباتها مقارنةً مع الأفراد العاديين.

"الفيدرالي" يدرس تشديد قواعد البنوك بعد انهيار 3 مصارف

تتجاوز أرصدة كثير من هذه الشركات مبلغ الحماية الذي حددته مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية عند 250 ألف دولار، مما يمنحهم مزيداً من الأسباب لسحب ودائعهم بمجرد ظهور أي بادرة تشير إلى أزمة مصرفية.

يذكر أنَّ أكثر من 90% من الودائع المحلية لدى البنك غير مؤمن عليها في 31 ديسمبر. عندما سحبت الشركات أموالها بشكل جماعي، سرعان ما بلغ إجمالي المسحوبات عشرات مليارات الدولارات.

مع ذلك؛ كانت وتيرة سحوبات حسابات الشركات الجماعية من البنوك أبطأ نسبياً فيما مضى. قال أيزك، الذي اضطلع بقيادة المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع إبان انهيار مصرف "كونتيننتال إلينوي"، إنَّ البنك خسر نصف ودائعه خلال أسبوع في 1984.

قال أيزك: "كان انهيار (كونتيننتال إلينوي) حدثاً أملنا ألا نشهده مجدداً"، لكنَّ الانهيار هذه المرة وقع في غمضة عين.