لماذا لا يستطيع قطاع التشفير الاستغناء عن البنوك؟

القطاع يعتمد على المصارف التقليدية لإتمام عمليات بيع وشراء العملات المشفرة

رسم توضيحي لرموز العملات المشفرة
رسم توضيحي لرموز العملات المشفرة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يرى أكبر الداعمين لقطاع التشفير أنه سيشكل البديل المستقبلي للأموال التقليدية. لكن ما لا يفصحون عنه في بعض الأحيان هو أن أغلب العملات الرقمية في الوقت الحالي ما تزال تعتمد على البنوك التقليدية.

برزت الحاجة إلى "منصات بيع وشراء الأصول المشفرة" لتحويل العملات المشفرة إلى عملات تقليدية والعكس، والمخاطر التي ينطوي عليها ذلك، خلال مارس الماضي، حينما انهار بنكان أميركيان ارتبطا بقطاع التشفير.

زاد انهيار البنكين من صعوبة نقل المستثمرين الأموال إلى الأصول الرقمية، وطرح السؤال الآتي: هل انتهت بالفعل علاقة النشاط المصرفي السائد قصيرة الأمد بعالم المال غير التقليدي؟

1) ما هي منصات بيع وشراء العملات المشفرة؟

تتيح منصة شراء العملات المشفرة (on-ramps) الحصول على عملات رقمية، مثل "بتكوين" أو "إيثريوم"، في مقابل النقود التقليدية مثل الدولار الأميركي أو اليورو. أما منصات بيع العملات المشفرة (off-ramps)، فتتيح استبدال الأصول المشفرة مقابل النقود التقليدية. وتجري أغلب هذه المعاملات في بورصات العملات المشفرة، مثل "كوين بيس" (CoinBase) و"كراكن" (Kraken)، نظراً لأن المنصتين تقبلان النقود من خلال التحويلات البنكية أو مدفوعات بطاقات الائتمان.

"كوين بيس" تدعو إلى إنشاء عملات مشفرة مستقرة مقاومة للتضخم

من الممكن تداول الرموز المشفرة "من طرف لآخر" دون الحاجة للتعامل مع بنك عادي. لكن في ضوء العدد المحدود للغاية من المنتجات أو الخدمات التي يمكن شراؤها بالعملات الرقمية، عادة ما يحتاج المستثمرون إلى بيع العملات المشفرة عبر منصة قبل إنفاق الحصيلة.

2) ما هو دور البنوك؟

استطاعت بورصات العملات المشفرة العمل كبوابات بين الأموال الحقيقية ونظيرتها الرقمية، بفضل شراكاتها مع بنوك مثل "سيلفرغيت كابيتال كورب" و"سيغنتشر بنك".

واعتمدت عمليات التبادل على خدمات مثل "سيلفرغيت إكستشينج نتوورك" (Silvergate Exchange Network) وشبكة "سيغنت" (Signet) التابعة لـ"سيغنتشر بنك"، لإتاحة إمكانية تسديد العملاء في قطاع التشفير للمدفوعات لحظياً بالدولار في أي وقت طوال الأسبوع، وبما يواكب ساعات التداول في قطاع التشفير نفسه.

3) لماذا انهارت تلك البنوك؟

تسبب تزامن عدد من المصائب في انهيار "سيلفرغيت" و"سيغنتشر بنك" إلى جانب مصرف آخر يركز على قطاع التكنولوجيا، وهو "سيليكون فالي بنك"، ومن أبرز هذه الأزمات نهاية عهد أسعار الفائدة المنخفضة عند مستوياتها المتدنية.

كما لعبت أيضاً التقلبات في قطاع التشفير دوراً، والتي تمثلت فيما يلي:

  • استثمر "سيلفرغيت" جانباً من الودائع المرتبطة بالعملات المشفرة في أوراق مالية وسندات مدعومة بالرهون العقارية تبيعها الدولة والحكومات المحلية، والتي هوت قيمتها مع ارتفاع أسعار الفائدة القياسية. عندما انهارت العملات المشفرة في 2022 وانهارت بورصات مثل "إف تي إكس"، تدافع العملاء لسحب أموالهم ليضطر "سيلفرغيت" لبيع أصول لمجابهة عمليات السحب تلك، ما تسبب في خسارته أكثر من مليار دولار وسرّع من انهياره.
  • بدأ "سيغنتشر بنك" الانسحاب من الأصول الرقمية بعد انهيار بورصة "إف تي إكس"، لكنه كان ما يزال يملك ودائع من العملاء مرتبطة بالأصول المشفرة بما يناهز 16.5 مليار دولار حتى 8 مارس. ويبدو أن ذلك تسبب في إثارة مخاوف المودعين، الذين تأثروا بالفعل بانهيار "سيليكون فالي بنك"، ما أدى إلى التهافت على سحب الودائع.
  • يعزى انهيار "سيليكون فالي بنك" بشكل كبير إلى انكشافه على التقييمات المتراجعة لشركات ناشئة في قطاع التكنولوجيا وبعض الاستثمارات غير الحكيمة في السندات. وكان البنك أيضاً شريكاً مهماً لشركة بارزة في قطاع التشفير، وهي "سيركل" (Circle)، المشغلة الأميركية للعملات المستقرة، التي قالت إن لديها ودائع من عملة "يو إس دي كوين" (USD Coin) بقيمة 3.3 مليار دولار في البنك.

4) كيف كانت التداعيات الفورية؟

أدى انهيار "سيلفرغيت" و"سيغنتشر بنك" إلى مواجهة شركات الأصول المشفرة صعوبات في العثور على بنوك جديدة لخدمات الإيداع والمدفوعات.

بنك "سيلفرغيت".. ومشكلات الودائع المرتبطة بالعملات المشفرة

فرضت بعض المؤسسات المالية إجراءات مطوّلة في عملية تقديم الطلبات، ورفضت إضافة الشركات الأصغر حجماً ومنصات البيع بالتجزئة، كما أوقفت في بعض الحالات نشاط قطاع التشفير برمته، وفقاً لبعض المشاركين في المجال ومستثمرين ومديرين تنفيذيين يعملون لدى البنوك.

كان ذلك أحد أسباب ازدياد صعوبة تداول الأصول الرقمية مثل "بتكوين" بحلول مطلع أبريل، إذ انخفض أحد مقاييس مدى سهولة شراء أو بيع أكبر عملة مشفرة إلى أدنى مستوياته خلال 10 أشهر.

هدد ذلك التراجع في السيولة بتفاقم تقلبات أسعار "بتكوين" المعروفة، موحياً بأن تعافي الرمز جزئياً من "شتاء قطاع التشفير" في 2022 قد يكون مبنياً على أسس ضعيفة.

5) ماذا يعني ذلك للقواعد التنظيمية؟

كانت للجهات التنظيمية للقطاع المصرفي دوماً وجهة نظر قاتمة عن قطاع التشفير، إذ أن تقلباته تجعله مصدراً محتملاً للخسائر الفادحة التي قد يتكبدها المستثمرون، والاضطرابات التي قد تضرب النظام المالي الأوسع نطاقاً.

يشير المنتقدون إلى إمكانية استخدام اللاعبين سيئي النوايا القطاع لنقل مكاسبهم التي حصلوا عليها من مصادر غير مشروعة بعيداً عن الرقابة التي تُطالَب بها البنوك التقليدية. فيما يصعب التحقق من قيمة الاحتياطيات التي قد تعمل بمثابة ضمان حين يتعرض أحد الأصول المشفرة أو مؤسسات القطاع لأزمة ثقة.

بعد حملة أميركا التنظيمية.. شركات التشفير تبحث عن ملاذات "صديقة"

تسعى الجهات التنظيمية الآن لإصلاح الحلقات الضعيفة في النظام المصرفي الأميركي، التي كشف عنها انهيار "سيلفرغيت" و"سيغنتشر بنك" و"سيليكون فالي بنك". ويُعدّ انكشاف البنوك الأصغر حجماً على الأصول المشفرة المتقلبة أحد نقاط الضعف التي برزت من الأزمة.

يمثل ذلك تحسيناً للوضع بالنسبة لحكومة سعت حتى فترة قريبة لسلوك نهج يتسم بقدر أكبر من التساهل مع البنوك الأصغر حجماً، وذلك للسماح لها بالابتكار في مجال مثل العملات الرقمية.

6) ما هي الخطوات التي تتخذها الحكومة؟

كان "سيلفرغيت" الهدف الأول للخطوات التي اتخذتها الحكومة. حقّق المدعون العامون الأميركيون في وحدة الاحتيال التابعة لوزارة العدل في تعاملات البنك مع بورصة "إف تي إكس" وشركة التداول التابعة لها "ألاميدا ريسيرش" (Aladema Research).

القواعد التنظيمية لن تحول دون وقوع الأزمة المالية المقبلة

فحص التحقيق الجنائي حسابات لدى "سيلفرغيت" لأنشطة سام بانكمان-فريد، المؤسس المشارك في "إف تي إكس". ويتطرق التحقيق إلى المعلومات التي قد تكون البنوك والشركات الوسيطة، التي عملت مع شركات فريد، على علم بها بشأن ما أسماه المسؤولون مخططاً للاحتيال على المستثمرين والعملاء.

ولم توجَّه للبنك اتهامات بارتكاب أي مخالفات، وقد ينتهي التحقيق دون توجيه أي اتهامات.

7) هل يمكن لفشل البنوك أن يؤدي لانهيار قطاع التشفير؟

حتى في حالة عدم حظر الجهات التنظيمية تعامل البنوك الأميركية مع الرموز الرقمية، يُرجَّح أن يواجه قطاع التشفير صعوبات مكلفة ومطوّلة لنقل الأموال من وإلى البنوك الأميركية، وهو ما سيبطئ التسويات على الأرجح.

حدث سيناريو مشابه في الهند في مطلع 2022، إذ انخفض حجم التداول بعدما اضطرت بعض بورصات العملات المشفرة إلى تعليق ودائع بالروبية الهندية، بسبب وقف البنوك وبوابات المدفوعات الدعم الذي تقدمه لتحويلات الأموال.

ومع ما يبدو أنه تصميم من جانب الجهات التنظيمية الأميركية على خفض انكشاف البنوك على قطاع التشفير، بدأت العديد من شركات الأصول المشفرة تبحث عن شركاء مصرفيين بديلين في دول مثل سويسرا والإمارات العربية المتحدة.

أزمة أخرى و"فرصة" جديدة للعملات المشفرة

ختاماً، قد تعاني أيضاً الاستثمارات الأميركية في قطاع التشفير. وكانت بنوك عديدة في الولايات المتحدة حتى فترة قريبة تجري عمليات تجريبية في قطاع التشفير وتكنولوجيا سلسلة الكتل "بلوكتشين" المرتبطة به، ما يشير إلى أن فئة الأصول الجديدة قد تسود في نهاية المطاف. لكن ذلك الاحتمال يتضاءل الآن.