أسواق الغاز العالمية تتحول من نقص الإمدادات إلى تخمة المعروض

انخفاض مستمر في الأسعار بضغط تراجع الطلب وتوقعات بحدوث وفرة من أوروبا إلى آسيا

خط أنابيب للغاز الطبيعي في منشأة ساسول المحدودة في ميدلاند الكيميائية في ساسولبورغ، جنوب أفريقيا
خط أنابيب للغاز الطبيعي في منشأة ساسول المحدودة في ميدلاند الكيميائية في ساسولبورغ، جنوب أفريقيا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يعاني العالم من تخمة في الغاز الطبيعي، ما أدى إلى خفض الأسعار، وظهور توقعات بحدوث وفرة كبيرة بالوقود في أوروبا وآسيا، على الأقل خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

ظهرت تخمة الغاز الطبيعي في حالات نادرة فقط خلال العام الماضي، بعدما أدت الحرب في أوكرانيا إلى قلب موازين أسواق الطاقة رأساً على عقب، وسارعت أوروبا لتأمين أكبر كم ممكن من مصادر الإمداد البديلة.

لكن حالياً تمتلئ المخزونات من كوريا الجنوبية إلى إسبانيا، نتيجة الطقس الشتوي المعتدل في الغالب، والجهود المبذولة لتقليل الاستهلاك.

تكافح ناقلات مملوءة بالغاز المسال – الذي ظهر كحل مؤقت لاستبدال تدفقات خطوط الأنابيب الروسية التي جرى قطعها- للعثور على مشترين الآن، ويمكن أن تقضي عدة أسابيع وهي هائمة على وجهها دون وجهة محددة في البحر.

مخزونات غاز وفيرة

ينخفض الطلب على الغاز عادةً مع انتهاء موسم التدفئة، قبل أن يرفع الطقس الحار احتياجات التبريد في وقت لاحق من الصيف. ثم يذهب الوقود بشكل أساسي إلى مواقع التخزين للتحضير للموسم المقبل، ولكن هذا العام، قد تكتمل جهود إعادة التعبئة في أوروبا بحلول نهاية أغسطس، حسبما توقع بنك "مورغان ستانلي".

قال تالون كستر، محلل الطاقة في "بلومبرغ إنتليجنس": "يبدو أن هناك تخمة قصيرة الأجل في الغاز يمكن أن تؤدي إلى استمرار الضغط على أسعار الغاز الطبيعي المسال في الأسابيع القليلة المقبلة، ما قد يؤدي إلى خفض أنواع الوقود المعيارية إلى مستوى أدنى قليلاً".

الهند تعزز الاحتياطي الاستراتيجي من الغاز الطبيعي المسال تجنباً للنقص

لكن رغم انخفاض أسعار الغاز في أوروبا وآسيا مقارنة بأعلى مستوياتها في العام الماضي، إلا أنها ما تزال أعلى بكثير من متوسط السنوات العشر الماضية، مما يشير إلى مخاوف محتملة من أن التخمة الحالية ربما تختفي. قال كستر إن الأسعار قد تكون قريبة من أدنى مستوياتها بالفعل، لأن تكاليف الغاز الأرخص قد تحفز طلباً إضافياً.

تتجه الأنظار حالياً إلى طقس الصيف، لأن أي حرارة شديدة أو حالات جفاف يمكن أن تزيد استهلاك الغاز لأغراض التبريد. قال كستر إنه بحلول مستهل الربع الثالث، سيبدأ المستوردون في الاستعداد لفصل الشتاء، ما يزيد من حدة المنافسة على شحنات الغاز الطبيعي المسال. لكن حالياً، تنتشر التخمة على نطاق واسع.

تخزين غاز من إسبانيا الى الصين

قالت شركة "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets) إن خزانات الغاز في إسبانيا، موطن معظم محطات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا، ممتلئة بالفعل بنسبة 85%، ما يعني أن السوق الإسبانية يمكن أن تعاني بسرعة من الطاقة الفائضة، وهو ما سيؤثر بدوره على الأسعار الفورية.

أما في فنلندا، فجرى تخفيض فترات استيراد الغاز الطبيعي المسال لموسم الصيف إلى 10 فقط بدلاً من 14، ويرجع ذلك جزئياً إلى الانخفاض المتوقع في الطلب. كما سارعت أوروبا إلى تركيب محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال المتنقلة بهدف تقليل الاعتماد على خط الأنابيب الروسي للغاز، وينتظر إضافة مزيد من هذه المحطات خلال العامين الجاري والمقبل.

في الوقت نفسه، انتعشت صادرات الغاز الطبيعي المسال العالمية في مارس إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، ويرجع ذلك جزئياً إلى انتعاش الإنتاج الأميركي. كما تساهم الإمدادات الإضافية في انخفاض الأسعار، في الوقت الذي يكافح فيه المتداولون للعثور على مشترين للشحنات.

إسبانيا تطالب مستوردي الغاز بتنويع الإمدادات بعيداً عن روسيا

في السياق نفسه، ارتفعت صادرات المملكة المتحدة من الغاز إلى القارة، حيث تفتقر البلاد إلى مواقع تخزين كبيرة، ويواصل الغاز الطبيعي المسال التدفق بمعدلات قياسية في ذلك الوقت من العام.

شهدت الصين عمليات إعادة تصدير قياسية للغاز الطبيعي المسال وسط انتعاش بطيء بعد رفع القيود الوبائية، كما تحول بعض السفن مسارها بعيداً عن كوريا الجنوبية، وهي مستورد رئيسي آخر للغاز الطبيعي المسال، فيما تعرض اليابان، وهي مشتر كبير، بيع الشحنات لتفادي فائض العرض في الداخل.

في أميركا الجنوبية، ما يزال الطلب ضعيفاً وسيستمر كذلك حتى تطلق الأرجنتين محطة الاستيراد العائمة الثانية في مايو. لفت ليو كابوش، المحلل في شركة "إنرجي أسبكتس" (Energy Aspects) إلى أن إطلاق المحطة سيتزامن مع حلول الطقس الأكثر برودة في نصف الكرة الجنوبي.

تقييد إمدادات الغاز المفرطة

مع ذلك، فالصيانة السنوية المقررة لمنشآت الغاز من أواخر أبريل حتى الصيف يمكن أن تقيد الإمدادات المفرطة. ولا تزال هناك مخاطر أخرى أيضاً، مثل حدوث المزيد من التخفيضات في عمليات التسليم الروسية أو الانقطاعات غير المتوقعة. يتوقع إلى حد كبير أن يظل المعروض العالمي من الغاز الطبيعي المسال محدوداً لمدة عامين آخرين.

الاتحاد الأوروبي يدرس وضع عراقيل على واردات الغاز المسال الروسي

ينعكس ذلك على أسعار العقود الآجلة، والتي سترتفع في الأشهر المقبلة وخاصة في فصل الشتاء، وستظل مرتفعة حتى بداية 2025.

قال المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في مذكرة الأسبوع الماضي: "بالنسبة لعام 2023، سيكون التوازن في سوق الغاز الأوروبية أكثر عرضة للمخاطر مما كان عليه في العام الماضي، وأي انقطاع بسيط في الإمدادات يمكن أن تكون له آثار كبيرة".