صندوق النقد: ميزانية السعودية ستستفيد من تخفيضات أوبك

رئيس بعثة الصندوق إلى المملكة: سعر النفط يعوض الخسارة التي قد تنشأ عن خفض الإنتاج

شعار صندوق النقد الدولي معلق على جدار المقر الرئيسي للصندوق في واشنطن العاصمة. الولايات المتحدة الأميركية
شعار صندوق النقد الدولي معلق على جدار المقر الرئيسي للصندوق في واشنطن العاصمة. الولايات المتحدة الأميركية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ستستفيد السعودية على نحو أكثر من خفض الإنتاج الذي أعلنته المملكة مع "أوبك" وحلفائها، وفق صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى أنها تحقق المزيد من الإيرادات بفضل ارتفاع أسعار النفط الخام فيما تواصل السيطرة على الإنفاق.

قال أمين ماتي، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى المملكة العربية السعودية، في مقابلة بواشنطن: "التأثير على الميزانية والموقف الخارجي بالنسبة لما توقعناه إيجابي.. لذا فإن تأثير السعر سيعوض الخسارة التي قد تنشأ من (خفض) الإنتاج".

انتعش النفط بعد الأزمة المصرفية التي اجتاحت الأسواق ودفعت العقود الآجلة إلى أدنى مستوى لها في 15 شهراً في منتصف مارس. استقر خام برنت القياسي العالمي فوق 85 دولاراً للبرميل في أبريل، بعد القرار غير المتوقع بخفض أكثر من مليون برميل في الإنتاج اليومي بدءاً من الشهر المقبل.

وافقت المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، على خفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً.

بلغت عائدات المملكة من النفط العام الماضي ما يقرب من 326 مليار دولار، وهي مكاسب شبه قياسية اقترنت مع ارتفاع أحجام الإنتاج لجعل اقتصاد المملكة الأسرع نمواً في مجموعة العشرين. وساعد ذلك الحكومة في تحقيق فائض مالي لأول مرة منذ ما يقرب من عقد من الزمان.

يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ النمو الاقتصادي السعودي إلى 3.1% العام الجاري والمقبل من حوالي 9% في 2022 بعد التحسن الحاد في التوقعات لعام 2023 في واحدة من أكبر المراجعات الإيجابية للصندوق في أحدث توقعاته العالمية.

اقرأ أيضاً: ولي العهد السعودي يطلق 4 مناطق اقتصادية خاصة بالمملكة لجذب الاستثمار الأجنبي

يقول زياد داوود محلل اقتصاد الأسواق الناشئة في بلومبرغ إيكونوميكس: "يشير قرار أوبك+ إلى أن المملكة العربية السعودية ترى 80 دولاراً للبرميل كأرضية مفضلة لأسعار النفط. الإنفاق العام المرتفع - جزئياً لتعويض ارتفاع أسعار الفائدة - سيؤدي إلى اتخاذ إجراءات عندما ينخفض النفط".

وبينما قد يعاني النمو الاقتصادي في المملكة من انخفاض إنتاج الخام، لن تؤثر التخفيضات على توسعها غير النفطي "لأن ذلك سيكون مدفوعاً بالطلب المحلي"، بحسب ماتي. وقال: "على المدى القصير على الأقل، لا نرى اختلالاً في نمط الإنفاق في ميزانية الحكومة المركزية". "وفي الاقتصاد ككل، نرى بعض الاستثمار في القطاع الخاص يقود النمو".

يتعارض تفاؤل صندوق النقد الدولي مع وجهات نظر أخرى مثل "غولدمان ساكس"، الذي يرى أن التوقعات المالية السعودية تضعف، وتوقع الآن عجزاً بنسبة 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

الفائدة التي ستعود على ميزانية المملكة من هذا الخفض ستكون متواضعة وفق البنك الاستثماري، الذي خفض توقعاته للإيرادات بنحو 5% هذا العام، مع توقعه أن يرتفع سعر خام برنت بنسبة 7% فقط بحلول نهاية 2023.

بدون التخفيض المعلن، قدر "غولدمان أن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى أن يكون متوسط سعر النفط عند 76 دولاراً في موازنة السنة المالية الحالية. اتخذ صندوق النقد الدولي وجهة نظر أكثر تفاؤلاً وقدر سعر النفط الذي يتحقق معه التعادل في الميزانية عند 66.8 دولار، انخفاضاً من 84.6 دولار في 2021.

قال ماتي "بالنظر إلى أن إنفاق الحكومة المركزية أصبح الآن أكثر تحفظاً ومن المتوقع أن ينخفض في المستقبل"، فإن سعر النفط الذي تتطلبه المملكة العربية السعودية لموازنة دفاترها "أقل مما كان عليه من قبل". "نتوقع أن يصبح سعر التعادل أقل من ذلك".

لا تزال المملكة العربية السعودية تعتمد بشكل كبير على تدفق دولارات النفط إلى خزائن الحكومة لدعم الإنفاق على خلق الوظائف والبنية التحتية المكلفة. كما تم تحويل المزيد من نفقات رأس المال على التنمية الاقتصادية إلى الصندوق السيادي، المعروف باسم "صندوق الاستثمارات العامة"، بالإضافة إلى شركة استثمارات حكومية أخرى، وهذه الأرقام لا تظهر في الميزانية.

للوفاء بجميع التزامات الإنفاق التي تشمل مشاريع ضخمة مثل بناء مدينة نيوم المستقبلية البالغ تكلفتها 500 مليار دولار، والمحافظة على استقرار الدعم الاجتماعي من الحكومة للمواطنين، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى سعر نفط أعلى من 80 دولاراً وربما أقرب إلى 100 دولار ، وفق بلومبرغ إيكونوميكس.

اقرأ أيضاً: الرهانات المتفائلة بصعود النفط ترتفع بأكبر وتيرة منذ 2016

رؤية موحدة

تعمل السلطات على إضفاء مزيد من الشفافية على الميزانية العمومية ككل، وهو جهد طالما شجعه صندوق النقد لفترة طويلة، وأصبح الآن "جزءاً من أولويات" المملكة، وفق ماتي.

وقال: "هناك الكثير من العمليات التي تحدث في الحكومة المركزية مثل صندوق الاستثمارات العامة والبنك المركزي وكيانات أخرى.. من المهم أن تكون لديك رؤية موحدة للوضع المالي وما يحدث".

حاولت المملكة العربية السعودية قطع ارتباطها بالنفط الخام من خلال كبح زيادات الإنفاق واستخدام عائدات الطاقة لتسريع المشاريع التي تسهم في فطم الاقتصاد عن النفط. وتدعو الخطط الحالية إلى ضبط الميزانية بعد سلسلة من الإجراءات التي تضمنت تخفيضات في الدعم إلى جانب فرض المزيد من الضرائب والرسوم".

أظهرت التوقعات المالية الأخيرة للحكومة، التي جرى الكشف عنها في ديسمبر، أنها تتوقع تحقيق فائض قدره 16 مليار ريال (4.3 مليار دولار) في عام 2023، وهو ما يقرب من ضعف تقديرها السابق.

قال ماتي "هناك فك ارتباط الآن نشهده من حيث أسعار النفط وأنماط الإنفاق"، اليوم هناك الكثير من الانضباط المالي مع ارتفاع أسعار النفط.

أضاف أن صندوق النقد الدولي واثق أيضاً من أن المملكة العربية السعودية لن تكون ضعيفة للغاية في حالة انخفاض أسعار النفط مرة أخرى، لأنها في وضع أفضل للاعتماد على الإيرادات غير النفطية أو تعويض أي ضرر محتمل للميزانية من خلال مراجعة بعض بنود الإنفاق.

"نمط الإنفاق اليوم مستدام ويمكن تمويله.. لديك أيضاً إجراءات كثيرة يمكن للحكومة القيام بها لزيادة الإيرادات غير النفطية. إنهم يفكرون في إجراء إصلاحات على استراتيجية الإيرادات. لذلك يمكن أن يساعد ذلك في تعويض بعض الانخفاض في أسعار النفط"، وفق ماتي.