وثيقة: الحرب تدفع روسيا للاعتماد المفرط على تكنولوجيا الصين

الوثيقة تعود للسنة الماضية وتثير مخاوف هيمنة "هواوي" على السوق الروسية

مصنع هواتف محمولة تابع لشركة "هواوي تكنولوجيز" في الصين
مصنع هواتف محمولة تابع لشركة "هواوي تكنولوجيز" في الصين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أثار مسؤولون روس رفيعو المستوى بشكل سري مخاوف قبل 10 شهور تقريباً إزاء مخاطر الاعتماد بطريقة مفرطة على التكنولوجيات الصينية بعد أن حرمتها العقوبات الموقعة من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من الوصول إلى موردين بديلين.

تشير مذكرة تقييم موقف لم يسبق الإعلان عنها من داخل وزارة التنمية الرقمية والاتصالات ووسائل الإعلام إلى أن بعض كبار المسؤولين يساورهم القلق من أن شركات صينية على غرار"هواوي تكنولوجيز" قد تهيمن على السوق الروسية وربما تعرض أمن المعلومات والشبكات في البلاد للخطر.

قال مسؤولون أوروبيون مطّلعون على الوثيقة إنها تدل على أن روسيا وضعت نفسها في مأزق منذ نضالها لإنتاج تكنولوجيا متقدمة محلياً، وعُزلت عن الأسواق الخارجية الأخرى في أعقاب غزو أوكرانيا. ويبرز التقرير، الذي أعدت مسودته خلال صيف 2022، الرقائق الإلكترونية وأجهزة الشبكة والإلكترونيات كمجالات هشة بصفة خاصة.

الطرف الثالث

منذ ذلك التوقيت، استطاعت السلطات الروسية استيراد بعض مكونات التصنيع الأميركية والأوروبية الخاضعة للعقوبات عن طريق بلد ثالث، بما فيها البر الرئيسي للصين وهونغ كونغ، وفق ما أوردته بلومبرغ في السابق. لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعززان جهودهما لتفعيل قيودهما التجارية، ما يدل على أن عملية شراء التكنولوجيا المتطورة قد تصبح أشد صعوبة.

وقال مسؤولون أوروبيون أن تقييم الموقف أُرسل للعديد من أفراد هيئة الأركان العامة بالقوات المسلحة، أكبر هيئة عسكرية روسية، إضافة إلى بعض أعضاء مجلس الأمن، الذي يضم وزيري الدفاع والشؤون الخارجية بالبلاد ويتراسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الاستخبارات الوطنية الأميركية: الصين تعمق علاقاتها مع روسيا

تجسد المخاوف الروسية إزاء الاعتماد على شركات على غرار "هواوي" و"تشاينا موبيل" وغيرها بعضاً من المخاوف التي أثيرت في الولايات المتحدة ودول أوروبا حول المخاطر الأمنية التي يشكلها استخدام التكنولوجيا الصينية بمناطق ذات حساسية من شبكاتهم للمعلومات.

يبرز التحليل أيضاً واحدة من العديد من التكاليف الاستراتيجية التي تكبدها الكرملين منذ قطع أغلب العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة جراء الحرب وهي زيادة نفوذ الصين.

وبحسب مسؤولين مطلعين، فإن الوثيقة تؤكد تقاريراً حديثة حول سعي روسيا للحصول على تكنولوجيات عديدة من الصين، على غرار الإلكترونيات اللاسلكية وأجهزة التوجيه والمحطات الأساسية والإلكترونيات الدقيقة والرقائق والمواد المستخدمة بتصنيع أشباه الموصلات.

وفي حين أشار المسؤولون إلى أن الوثيقة لا تذكر الأسلحة، وقعت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على شركات صينية عديدة نتيجة تزويدها بمكونات تصنيع وبضائع بزعم استخدامها بأغراض عسكرية في أوكرانيا.

دعم الصين

نوّه دبلوماسي أوروبي مُطّلع على هذا التقييم أنه لا توجد إلى حد الآن أي علامات على وجود دعم عسكري مباشر من الصين لروسيا وأن الولايات المتحدة وحلفائها واثقون من قدرتهم على اكتشاف أي تحركات لمعدات عسكرية كبيرة من الصين.

حذرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بكين من تزويد موسكو بالأسلحة. وأكدت الصين كثيراً أنها لم تزود روسيا بالأسلحة واتهمت الولايات المتحدة الأميركية بتأجيج الصراع هن طريق تقديم الأسلحة لأوكرانيا.

تشير الوثيقة لمحادثات متعددة بين مسؤولين روس وصينيين، بما فيها مكالمات عبر تقنية الفيديو، يوضح فيها المؤلفون أنه جرى مناقشة إمدادات المكونات التكنولوجية، وتدعيم السعة الإنتاجية داخل روسيا والاستثمارات الصينية المحتملة في الصناعة الروسية. ووفقاً للأشخاص المطلعين على الوثيقة الروسية، شارك بتلك المحادثات مسؤولون من وزارة التجارة والصناعة في موسكو ونظرائهم الصينيين، علاوة على ممثلين عن شركات روسية وصينية.

إنفوغراف: البضائع الصينية تغزو روسيا بعد الحرب الأوكرانية

وبينت وزارة الخارجية الصينية أنه لا يمكنها التحقق من صحة المعلومات وأن بكين ترتبط بعلاقة تجارية طبيعية مع روسيا. لم تستجب وزارة التنمية الرقمية والاتصالات ووسائل الإعلام في موسكو على طلب للتعليق على الموضوع.

وضعت روسيا قائمة للمسؤولين الصينيين توضح من خلالها تفصيل البضائع التي تحتاج إليها، بما فيها المعدات المستخدمة في الاتصالات والشبكات والبث ومراكز البيانات، بحسب الأشخاص المطلعين على الوثيقة.

التصنيع المحلي

ما يزال المسؤولون الروس يتطلعون إلى تصنيع إنتاج معدات حيوية بأنفسهم، ويقول الأشخاص الذين تحدثوا مع بلومبرغ أن الوثيقة تثير قلقهم من أن اعتمادهم على الصين ربما يعيق أيضاً تطوير صناعتهم المحلية. رغم ذلك، شرع الجيش الروسي في محاولة استبدال مكونات التصنيع الأجنبية بمكونات مصنعة محلياً في أنظمة التسليح الخاصة به منذ أعوام، وقد أخفق معظم هذا الجهد، ما يؤكد على الصعوبات التي تتعرض لها موسكو على صعيد استنساخ التكنولوجيا المتطورة.

لا تحتوى جميع البضائع المشار إليها بالمذكرة على مكونات مصنعة في الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي، لكن بحسب تقييم واضعي الوثيقة الروس، من المحتمل ألا توجد تكنولوجيات في قطاعات ذات أهمية لا تعتمد على الأقل على حقوق الملكية الفكرية الأميركية أو الأوروبية أو معدات الإنتاج على غرار معدات تصنيع الرقائق الإلكترونية.

تركيا تمنع عبور البضائع الخاضعة للعقوبات الأوروبية والأميركية إلى روسيا

انتقدت الصين كثيراً استخدام العقوبات لعزل روسيا، لكن شركاتها حرصت رغم ذلك على عدم اعتبارها منتهكة لتدابير الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، خشية أن تتعرض لقيودهم الاقتصادية. خلال اجتماعه مع بوتين الشهر المنصرم، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيادة التجارة الثنائية بطرق كبيرة.

في مارس الماضي، اجتمع شي أيضاً مع رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين إذ تعهدا بتعزيز التعاون بمجال التجارة، بما فيه التكنولوجيا فائقة التطور، بحسب وكالة أنباء شينخوا. وأكد ميشوستين أن روسيا على استعداد لتدعيم التعاون مع الصين في مجالات على غرار الاستثمار والتجارة والطاقة والغاز الطبيعي والاستخدامات السلمية للطاقة النووية والطيران والفضاء والابتكار العلمي والتكنولوجي والنقل عبر الحدود والخدمات اللوجستية، إضافة إلى تقوية التواصل بينهما والتعاون المرتبط بسلامة سلاسل التوريد والسلاسل الصناعية والأمن الغذائي وقضايا أخرى.

قفز إجمالي تجارة البضائع البينية بين الصين وروسيا 72% مسجلة 190.3 مليار دولار في 2022 مقابل 110.9 مليار دولار خلال 2019 قبيل تفشي وباء كورونا، بحسب صحيفة "تريد داتا مونيتور" (Trade Data Monitor) ويقع مقرها في جنيف. تكشف البيانات عن ارتفاع ملموس للواردات الروسية من الهواتف الذكية والسيارات ومعدات البناء الصينية، في مقابل نمو مشتريات بكين من منتجات الطاقة الروسية على غرار النفط والفحم والغاز الطبيعي.

التحايل على العقوبات

كثّف الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في الوقت الراهن من تركيزهما على مواجهة التحايل على العقوبات، خاصة عن طريق تدعيم الرقابة على ما يُطلق عليه البضائع مزدوجة الاستخدام التي قد تخدم أغراضاً عسكرية أو مدنية. تكفل هذه الجهود ممارسة الضغوط الدبلوماسية على البلد الثالث وتصميم أدوات للتعرف على الشركات التي ربما تساعد روسيا في التغلب على القيود ومعاقبتها.

أقرت الولايات المتحدة الأميركية الخميس الماضي عقوبات على عشرات الكيانات عبر 20 بلداً متهماً بتقديم المساعدة لموسكو في التهرب من العقوبات.

إنفوغراف: اليوان يطيح بالدولار ويصبح الأكثر تعاملاً في روسيا

وأشار المسؤولون إلى أن الوثيقة تشرح الطريقة التي يمكن لبعض الأصناف الأشد حساسية مثل الأجهزة اللاسلكية الإلكترونية أن تصل روسيا عن أسلوب يطلق عليه القنوات الشريكة.

وفقاً لهذه المنظومة، تنقل الشركة المصنعة السلع عبر الأرض إلى وسيط يصدرها بعد ذلك إلى روسيا، غالباً عن طريق بلد ثالث، على أن تتم الصفقات بالعملة المحلية، ويمكن تغيير ملصقات المنتجات والوثائق الجمركية، بحسب ما ورد في حسابات التقييم الروسي. وربما توجد بعض المعدات دون ظهور علامة تجارية عليها.

تُشحن غالباً المنتجات محدودة المخاطر مثل الهواتف المحمولة من خلال مسارات اعتيادية أكثر ولكن تباع بطريقة متنامية عبر تجار من جهة ثالثة عوضاً من بيعها مباشرة.

شركة "هواوي"

أكد مسؤولون أوروبيون أن الوثيقة تظهر المخاوف الروسية من أن وجود شبكات اتصالات تعتمد على أجهزة "هواوي" تعرض أمن المعلومات للخطر، علاوة على اعتمادية الشبكات وضعف الفرص المتاحة لمقدمي الخدمات المحليين. يقترح التقييم دراسة القيود المفروضة على تكنولوجيات تنتجها "هواوي" والشركات الصينية الأخرى بهدف تفادي سيناريو الاعتماد الكامل عليها.

وأوضح المكتب الإعلامي لشركة "هواوي" في برلين أنه غير قادر على رد فوري على طلب للتعليق على الموضوع. وكثيراً ما أنكرت الشركة مثل هذه المزاعم.

هناك إجراءات مضادة محتملة أخرى تقترح ما يلي:

- فرض نظام الحصص المحددة على البضائع الصينية.

- تشجيع الشركات الصينية على نقل عملية الإنتاج إلى روسيا.

- مطالبة مقدمي الخدمات الصينيين بالاعتماد على مواطنين روس ومقاولين من الباطن.

- الحد من استعمال المعدات التي لا تحمل علامات تجارية.

- توفير حوافز على غرار العقود طويلة الأجل وتقديم إعانات للمطورين وشركات الاتصالات الروسية.

مع الأخذ بعين الاعتبار حالة شبكات الاتصالات الروسية، نوه المسؤولون إلى أن مؤلفي المذكرة لم يلاحظوا وجود ضغط مباشر على روسيا لاستعجال توقيع اتفاقيات شاملة مع الشركات الصينية، وكان أمام موسكو مدة إضافية من سنة لسنتين لكسب الوقت ما يفيد في توسيع سعتها المحلية والقدرات التصنيعية. رغم أن هذا التقييم يبلغ عمره حالياً ما يصل إلى سنة.