نصف مليار دولار سنوياً من "غوغل" لا تكفي لإنقاذ "فايرفوكس"

حسابات متصفح "كروم" تمثل نحو ثلثي السوق العالمية في مقابل حصة "فايرفوكس" التي هي أقل من 3%

ميتشيل بيكر، الرئيسة التنفيذية لشركة "موزيلا"
ميتشيل بيكر، الرئيسة التنفيذية لشركة "موزيلا" المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان محرك بحث "غوغل" ومتصفح "فايرفوكس" (Firefox) على وفاق منذ البداية. طرحت "موزيلا" (Mozilla)، وهي منظمة لا تهدف للربح، "فايرفوكس" في 2004، وهي نفس سنة الطرح العام الأول لأسهم "غوغل".

ركّز المشروعان على إحلال إنترنت مفتوح قادر على مقاومة السيطرة المركزية بشكل أكبر محل الحوسبة التي تهيمن عليها شركة "مايكروسوفت". عيّنت "غوغل" مبرمجين للمساهمة في تطوير "فايرفوكس"، الذي حصل في النهاية على حصة قدرها 30% من سوق تطبيقات تصفح الإنترنت، وكان "فايرفوكس" يروج لمحرك البحث الخاص بـ"غوغل" على صفحته الرئيسية.

ما تزال "غوغل" التابعة لشركة "ألفابت" مهيمنة في مجال محركات البحث. حلّت الشركة محل "فايرفوكس" إلى حد كبير أيضاً في سوق تطبيقات تصفح الإنترنت. إذ يمثل متصفح "كروم" (Chrome) من "غوغل" نحو ثلثي السوق العالمية من حيث الاستخدام، وفقاً لشركة البيانات "ستاتكاونتر" (Statcounter). أما حصة "فايرفوكس" السوقية؛ فهي دون 3% وأقل بكثير على أجهزة الهاتف المحمول.

أزمة هوية

أدى تراجع "فايرفوكس" إلى خلق أزمة هوية في "موزيلا"، إذ كان متصفح "فايرفوكس" المنتج الرئيسي للشركة منذ فترة طويلة. برغم أنَّ "موزيلا" تعمل على مجموعة مشروعات ومنتجات دفعاً لمسعاها الذي يهدف "لضمان أنَّ الإنترنت مورد عام على مستوى العالم، وأنَّه متاح، ويمكن للجميع استخدامه"؛ لم تحظَ تلك المشروعات والمنتجات بقدر بسيط من نجاح المتصفح.

إحدى الميزات التي تتمتع بها "موزيلا" هي أنَّها تملك كثيراً من المال، إذ يفوق احتياطيها النقدي مليار دولار، وفقاً لأحدث بياناتها المالية. شركة "غوغل" هي المصدر الرئيسي لرأس المال ذاك، إذ تدفع الشركة لـ"موزيلا" كي يكون محرك البحث الخاص بـ"غوغل" هو محرك البحث الأساسي على صفحة "فايرفوكس" الرئيسية. ارتفعت تلك المدفوعات، التي بدأت تتدفق في 2005 بنسبة 50% على مدى العقد الماضي، وصولاً لما يتخطى 450 مليون دولار، حتى مع تراجع إجمالي عدد مستخدمي "فايرفوكس". في 2021، مثّلت تلك المدفوعات 83% من عائدات "موزيلا".

هل ستواصل استخدام "غوغل" في المستقبل؟

هذا النوع من الصفقات مألوف بعض الشيء في قطاع التقنية. على سبيل المثال؛ تدفع "غوغل" لشركة "أبل" لكي يكون محرك البحث الخاص بها هو المحرك الرئيسي على الأجهزة التي تعمل بنظام التشغيل "آي أو إس" (iOS). لكنَّ المنتقدين يقولون إنَّ الصفقة التي أبرمتها "غوغل" مع "موزيلا" ليست منطقية من الناحية التجارية، في ظل قاعدة المستخدمين المتضائلة لدى "فايرفوكس". اضطرت "غوغل" لأن تكون جريئة في تنافسها مع "مايكروسوفت"، لكنَّ الأخيرة لم تعد لاعباً قوياً في سوق تطبيقات تصفح الإنترنت.

قال كريس ميسينا، وهو مصمم منتجات كان من أوائل مستخدمي متصفح "فايرفوكس" وأحد أنصاره البارزين، إنَّ الحكومة تشعر بالقلق حيال "غوغل" كشركة احتكارية صاعدة. قال: "يا له من فشل ذريع أن تضطر (غوغل) للإنفاق على منافس لا يهدف للربح ولم يكن يوماً بمستواها". يضيف ميسينا أنَّ "موزيلا" قد "أدت الغرض والوظيفة المطلوبة في اعتقادي، ثم استكانت لما غنمته من ذلك النجاح".

تباين التأثير

شركة ناشئة تعمل على متصفح إنترنت بلا فوضى

لم ترد "غوغل" على طلبات بإجراء مقابلة مع مسؤوليها. قال براندون بورمان، المتحدث باسم "موزيلا"، إنَّ المؤسسة تستمر في مسعاها لتوفير إنترنت مفتوح في عهد تتعرّض فيه تلك الرؤية للتهديد. قال: "على مدى 25 عاماً، قدّمنا إسهامات كبيرة أدت إلى تحسين الإنترنت بشكل يفوق حجمنا بكثير. يشمل ذلك نجاحنا في إقناع شركات التقنية الكبيرة بتغيير ممارساتها بما يركز على تحقيق الفائدة للمستهلكين لا على زيادة أرباحها. نحن فخورون بهذا السجل، ونتطلع لتحقيق إسهامات أكبر خلال الأعوام الـ25 المقبلة".

اعتماد "موزيلا" على "غوغل"، التي تواجه قضايا مكافحة احتكار عدة، أمر محرج على أقل تقدير. أشارت وزارة العدل الأميركية إلى ماضي "غوغل" كـ"شركة ناشئة غير منظمة" حين أقامت دعوى ضدها في 2020 بسبب مزاعم بأفعال احتكارية في سوق محركات البحث. كتبت الحكومة في دعواها:

"(غوغل) تلك قد ولّت منذ فترة طويلة. أما (غوغل) اليوم، فهي شركة احتكار تتحكم ببوابة الإنترنت".

وصفت "غوغل" شكوى الحكومة بأنَّها "تنطوي على مغالطات جسيمة"، وقالت إنَّها قد تضر المستهلكين، الذين يستخدمون خدمات "غوغل" لأنَّهم يرون أنَّها أفضل الخيارات.

تفاهم متعارف عليه

عندما وُجهت مثل هذه الادعاءات ضد "مايكروسوفت"، استغلت "موزيلا" ثقلها لدعم الحملة التي استهدفت فك قبضة "مايكروسوفت" على السوق. لكنَّ أداء "موزيلا" في جهود التعامل مع نفوذ "غوغل" أقل بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، أصدرت "موزيلا" بياناً تعترض فيه على الدعوى التي أقامتها وزارة العدل في 2020، إذ قالت إنَّ الدعوى تهدد بـ"التسبب في أضرار ثانوية غير مقصودة للمؤسسات –مثل (موزيلا)– الأقدر على دفع المنافسة وحماية مصالح المستهلكين على شبكة الإنترنت".

أوضح أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في "موزيلا"، الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته خشية استعداء الشركة التي عمل لديها سابقاً، إنَّ هناك تفاهماً متعارفاً عليه منذ فترة طويلة بشأن (غوغل) داخل (موزيلا). قال: "كلنا نعرف، كل المسؤولين التنفيذيين يعرفون، أنَّك لن تُخطئ في حق (غوغل). هذا أمر جليّ".

"غوغل" تطور محرك بحث جديداً يعتمد على الذكاء الاصطناعي

وجدت "موزيلا" ضالتها في استخدام مدفوعات "غوغل" للحصول على رأس المال الذي ساعدها على إنشاء بديل لشبكة الإنترنت التجارية. جعلت "موزيلا" من "غوغل" محرك البحث الرئيسي لمتصفح "فايرفوكس" دون مقابل، فقد كان ذلك ما يريده المستخدمون.

لكن عندما اشتعلت المنافسة في سوق محركات البحث وبدأت الشركات تدفع المبالغ الكبيرة لكي يظل محرك البحث الخاص بها هو المحرك الرئيسي؛ لم تكن "موزيلا" لترفض المبالغ التي عرضت "غوغل" دفعها. بحلول 2007، كانت عائدات "موزيلا" السنوية تبلغ 75 مليون دولار، وكان يأتي نحو 90% منها من "غوغل".

أصبحت العلاقة بين الشركتين وثيقة لدرجة دفعت مايك شروبفر، مدير قسم الهندسة في "موزيلا" آنذاك، إلى أن يعلن في مقابلة مع صحيفة "ذا غارديان" في 2006 أنَّ "موزيلا" لبست "شركة تابعة لـ(غوغل)". استبعد شروبفر خلال تلك المقابل فكرة أنَّ "غوغل" قد تصنع متصفحاً منافساً.

لكنَّ "غوغل" كانت في الواقع على وشك إطلاق متصفح " كروم"، الذي أنشأه فريق كان من بين أعضائه مطوّرون عملوا سابقاً في "موزيلا". بعد سنوات قليلة، تقدمت شركة "ياهو" (Yahoo) بعطاء أكبر مما قدمته "غوغل" لتصبح محرك البحث الرئيسي لـ"فايرفوكس"، لكنَّ "موزيلا" أبرمت صفقة لتجعل "غوغل" محرك البحث الرئيسي بعدما اشترت "فيرايزون" (Verizon) "ياهو" في 2017.

فشل في العثور على بديل

عندما خسر "فايرفوكس" بعض مستخدميه، حاولت "موزيلا" العثور على بديل يحقق نجاحاً لها، لكنَّها فشلت بنسبة كبيرة. طرحت الشركة "فايرفوكس أو إس" (Firefox OS)، وهو نظام تشغيل مفتوح المصدر لأجهزة الهاتف المحمول يهدف للتنافس مع نظام التشغيل "أندرويد". انتهى الحال بالشركة بطرح هاتف "فايرفوكس"، لكنَّ المشروع انهار بعد نحو عام. كانت المؤسسة ما تزال تستطيع استخدام الموارد بفضل "غوغل"، لكنَّها بدأت تشعر أنَّها لا تملك هدفاً واضحاً.

غوغل تحدّث محركها البحثي بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.. لكن تدريجياً

تشمل المنتجات التي تطرحها "موزيلا" الآن شبكة افتراضية خاصة قائمة على الاشتراكات، وهي أداة تتيح إمكانية تصفح الإنترنت بمنأى عن الأنظار، وأداة "بوكيت" (Pocket) لإضافة علامة مرجعية لصفحات الإنترنت، التي استحوذت عليها الشركة في 2017.

تعتزم الشركة أيضاً تأسيس بنية تحتية لـ"ميتافيرس" وشبكة للتواصل الاجتماعي مفتوحة المصدر. أعلنت الشركة أخيراً عن إنشاء شركتين جديدتين تابعتين لها، وهما "موزيلا.إيه آي" (Mozilla.ai)، التي ستعمل على ابتكار أدوات الذكاء الاصطناعي بشفافية و من خلال تحكم المستخدمين، و"موزيلا فينتشرز" (Mozilla Ventures)، التي تعتزم استثمار 35 مليون دولار في "شركات التقنية التي تتحلى بالمسؤولية الاجتماعية".

تنقسم المنظمة إلى مؤسسة صغيرة الحجم وذراع تجارية تتحكم في أغلب موارد الكيان المدمج. ميتشيل بيكر؛ محامية ساهمت في إنشاء "موزيلا" في 1998، هي رئيسة مجلس الإدارة لكل من المؤسسة والشركة، كما أنَّها الرئيسة التنفيذية للشركة.

رفضت "موزيلا" انضمام بيكر للمقابلة، لكن خلال مقابلة مع البودكاست الخاص بموقع "ذا فيرج" (The Verge) الإلكتروني للأخبار؛ أوضحت بيكر أنَّ "فايرفوكس" تصالحت مع فكرة أنَّها تلعب دوراً صغيراً للغاية. قالت بيكر: "وجود بديل صغير أفضل ومختلف أمرٌ حسن. وإبراز ما يمكن أن يتحقق هو أمر ذو قيمة كبيرة بالنسبة لنا".

تسريح العمالة

كانت نفقات "موزيلا" 340 مليون دولار في 2021، منها 240 مليون دولار للرواتب والمزايا، وفقاً لأحدث الإفصاحات المالية للشركة. بلغ الأجر الإجمالي السنوي لميتشيل بيكر 5.6 مليون دولار.

لم تكن "موزيلا" محصنة من موجة خفض الوظائف التي اجتاحت القطاع، إذ قلّصت الشركة عدد الوظائف بواقع 70 وظيفة من فرق الهندسة الأساسية الخاصة بها في بداية الجائحة و260 وظيفة على مستوى الشركة بأكملها في نهاية العام. يصل إجمالي عدد موظفيها حالياً إلى 1070 موظفاً.

بعد موجة تسريح العمالة؛ ظهرت سلسلة رسائل على موقع "هاكر نيوز" (Hacker News)، وهو موقع مشهور بين مبرمجي الحاسوب، فحواها شكاوى من أشخاص يقولون إنَّهم موظفون سابقون في الشركة، ويصفون هيكل الإدارة بأنَّه يعاني من خلل، حيث يحصل المسؤولون التنفيذيون على رواتب ضخمة، ويتمتعون بمزايا سخيّة، فيما تتخبط المنظمة دون اتجاه حقيقي.

دافع آخرون عن "موزيلا"، قائلين إنَّه كان لا بد لها من عرض رواتب تنافسية وميزات لتعيين أصحاب المهارات والإبقاء عليهم.

يتحسر ميشال برزينسكي، الذي قاد فريق أمان في "موزيلا" إلى أن فقد وظيفته في موجة تسريح العمالة خلال 2020، على تدهور بيئة العمل التي بدت وكأنَّها شركة ناشئة، أو مختبر أبحاث في آن واحد، إذ قال إنَّها لم تكن تتسم باللهاث خلف المقابل المادي الموجود في مجالات أخرى من قطاع التقنية.

قال: "لم يكن أغلب العاملين في (موزيلا) متحمسين من أجل الراتب فقط، إذ يمكنك الحصول على الأكبر منه في أي مكان آخر في سان فرانسيسكو".

وصف برزينسكي رحيله عن الشركة بالمفاجئ، مضيفاً أنَّه لا يعرف كيف أو ما إذا استمر العمل الذي بدأه فريقه. لكن مثله مثل أغلب التقنيين المهرة، فقد استطاع الحصول على وظيفة بعد ذلك بفترة قصيرة. في الشهر نفسه الذي فقد فيه وظيفته، حصل برزينسكي على وظيفة جديدة في "غوغل".