شركة رعاية مسنين أميركية تتهددها الشكاوى

عشرات الادعاءات بالتحرش والاعتداء الجنسي من بين أكثر من 1200 شكوى سجلتها شركة "بابا" الأميركية

صورة تعبيرية لتقديم الرعاية في المنزل للمسنين
صورة تعبيرية لتقديم الرعاية في المنزل للمسنين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لاحظ الساعون للحصول على رعاية للمسنين خلال الأعوام القليلة الماضية بروز خدمة جديدة ذات اسم غير مألوف، وهي "بابا" (Papa). تعتمد برامج الصحة لدى مؤسسات رعاية مثل "ميديكير أدفانتدج" (Medicare Advantage) و"ميديكيد" (Medicaid) هذه الخدمة، إلى جانب عدد من البرامج الكبيرة برعاية أصحاب العمل.

تتبع هذه الخدمة شكلاً من اقتصاد العمل الحر لتقديم مساعدة منزلية تشابه خدمات تقدمها شركة "تاسك رابيت" (TaskRabbit) في مجال العمل الحر مع فارق أنها توفر ما يشبه قريباً ليعتمد عليه المسنون عند الطلب.

يستعين العملاء بمتعاقدين من خلال شبكة "بابا" ليأتوا إلى منازلهم ويتحدثوا معهم ويقوموا بالمهام المنزلية وليرافقوهم لدى زيارة الأطباء، ولأداء أي عمل بخلاف المهام الأكثر حميمية التي يتولى أداءها مقدمو خدمات الرعاية المعتادين، مثل مساعدة الأشخاص على الاستحمام وما شابه ذلك. تُسمي هذه الشركة عملاءها "الآباء" أما المتعاقدون الذين يقدمون الخدمات فتدعوهم "المصاحبين".

قضية دولوث

ذهب مارتن جيرمين بيلو، وهو رجل في منتصف العمر يعمل مصاحباً، إلى منزل امرأة سبعينية في مدينة دولوث بولاية مينيسوتا في صبيحة يوم من الشتاء الفائت ليساعدها في التسوق. وصل بيلو إلى منزل المرأة، التي تتكئ على عكاز أو تستخدم كرسياً متحركاً كهربائياً للتنقل، في العاشرة صباحاً واصطحبها في سيارته إلى بعض المتاجر.

عندما عادا إلى منزلها، بدأت السيدة تحمل البقالة إلى المنزل، ولم يعرض بيلو أن يساعدها، بل دخل وبدل ملابسه وفاجأها بأن اتخذ وضعية فاضحة في إحدى غرف النوم وبيده سكين. جاء في نص الشكوى الجنائية التي قدمتها المرأة المسنة ضد بيلو أنه اغتصبها ثم أمرها بأن تطلب من الشركة أن ترسله إليها مجدداً.

حاجج بيلو أن ما حدث كان بالتراضي وأنكر التهم التي وجهتها له الولاية وهي السلوك الجنسي الجنائي والاختطاف والاعتداء بسلاح خطير. أفرجت السلطات عن بيلو بكفالة قدرها 200 ألف دولار حتى موعد المحاكمة.

لم تكن شركة "بابا" بين المدعى عليهم في القضية، لكن اسمها ظهر تكراراً في الشكوى المقدَّمة ضد بيلو. قالت الشركة في بيان أرسلته لـ"بلومبرغ بزنس ويك"، إنها تشعر "بحزن عميق" بسبب الواقعة.

جاء في البيان: "لقد تحدث رئيس الشركة التنفيذي عدة مرات مع العميلة، وقدّم لها العون والدعم بقدر الإمكان. إنهما يتحدثان كثيراً، وقد أصبح لكل منهما أهمية كبيرة في حياة الآخر".

قالت الشركة إنها شطبت ذاك المصاحب من على منصتها وإنها تُجري مراجعة داخلية لممارسات الثقة والسلامة لديها، كما بيّنت أنها أضافت خطوة لعملية اختيار المتعاقدين بحيث يراجع شخصان بيانات خلفية المتقدمين، لأنَّ النظام الذي كانت تتبعه لم ينبّه إلى أن بيلو سبق أن أدين بتهمة العنف المنزلي. لم يستجب محامٍ يمثل بيلو لطلبات التعليق.

مشكلة متكررة

تمثل الواقعة نموذجاً متطرفاً لمشكلة واجهتها الشركة بشيء من التكرار خلال نشاطها الممتد لست سنوات. اطلعت "بزنس ويك" على أكثر من 1200 تقرير سري عن شكاوى تلقتها شركة "بابا" على مدى الأعوام الأربعة الماضية، ووجدت عشرات الادعاءات بالتحرش والاعتداء الجنسي وادعاء باحتجاز دون وجه حق، إلى جانب مجموعة أوسع نطاقاً من مشاكل تضمنت السرقة والاستياء من جودة الخدمة. تُظهر السجلات ما قد يتعرض له عملاء "بابا" من المسنين وكذلك المتعاقدين إذا ما كان التدريب الذي تقدمه الشركة أو إشرافها على الخدمات محدودين.

لقد كان ما جرى من السوء بالقدر الذي قد يتوقعه المرء في حال كهذا، فقد كانت تقارير الوقائع إما مثيرة للغضب أو مفجعة أو لا معقولة لدرجة تجعلها تداني أفلام الرسوم المتحركة. في بعض الأحيان، كان العملاء أو الآباء هم من يسيئون التصرف، إذ قدّم بعض المصاحبين شكاوى زعموا فيها أنّ عملاء حاولوا تقبيلهم أو لمسهم، وأنَّ منازل بعضهم كانت ملطخة بالبراز أو موبوءة بالصراصير، وذكرت إحدى الشكاوى أن أحد المنازل كان في جواره تمساح. في أحيان أخرى، كان المصاحبون هم من ارتكبوا الأخطاء، إذ كان منهم من سرق أو تحرش أو تعرى. عارضت الشركة في بيانها فكرة أنها متراخية في إجراءاتها الوقائية.

هل هي حل جذاب؟

تسهل رؤية جاذبية إيجاد حل لمشكلة النقص الحاد في العاملين في مجال تقديم الرعاية الصحية. تصف مانويلا لوبيز، وهي موظفة متقاعدة في غراند رابيدز بولاية ميشيغان، شركة "بابا" بأنها "منقذة". تستعين لوبيز، التي تعاني من داء السكري وقد بُترت أطرافها، بالشركة منذ نحو عام للذهاب إلى الأطباء ومتجر البقالة.

قالت لوبيز: "لا أستطيع الخروج بمفردي. إنهم يعينونني". بالنسبة لشركات التأمين، اجتذبت "بابا" قدراً أكبر بكثير من الاهتمام منذ نحو ثلاثة أعوام، حين بدأت الحكومة تسمح لخطط برنامج "ميديكير أدفانتدج" بالدفع مقابل الخدمات التي تلبي الاحتياجات الاجتماعية.

هفوة في قواعد الرعاية الصحية تخلق مخاطر قانونية

مع ذلك، فإنَّ دونالد بيرويك، وهو مسؤول إداري سابق في "سنترز فور ميديكير آند ميدكيد سيرفيسز" (Centers for Medicare & Medicaid Services) يحاضر الآن في مجال سياسات الرعاية الصحية في كلية الطب بجامعة هارفارد، قال: "لا بد من آلية تدقيق وإشراف. لا ينبغي أن يكون ذلك الجانب من محاولة تلبية احتياجات المسنين بلا رقابة أو إشراف أو تقييم".

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ

التعامل مع الشكاوى

بيّنت الشركة أنها تتابع الشكاوى بعناية وأنَّ أقل من 1% منها كان يتعلق بالسلامة، وقالت: "نعلم أنَّ أي إخفاق في حماية عملائنا والمصاحبين المتعاقدين غير مقبول. حين تلعب دور حلقة الوصل بين الناس، هناك احتمال ألا تسير الأمور كما ينبغي، إلا أننا ملتزمون باتخاذ كافة الإجراءات الممكنة كي لا يحدث ذلك، وإن حدث، فإننا نبذل قصارى جهدنا لمساعدة كل الأطراف المعنية".

قال متحدث باسم "سنترز فور ميديكير آند ميدكيد سيرفيسز" إنَّ الهيئة كانت بصدد "مراجعة الشكاوى والمظالم التي يُزعم أنَّ (بابا) طرفٌ فيها". تدور أغلب الشكاوى حول خدمة العملاء، لكن "سنترز فور ميديكير آند ميدكيد سيرفيسز" تقول أيضاً إنها على علم بالادعاءات و"بواعث القلق الخطيرة" التي أوردتها "بلومبرغ بزنس ويك"، وإنها مستمرة في متابعة الشكاوى المقدَّمة ضد "بابا".

قال متحدث باسم الهيئة إن عُهد أحد برامج "ميديكير أدفانتدج" إلى شريك لا يلائم معاييرها، فلديها "وسائل فعّالة لردع تلك البرامج عن التعاقد معه".

بالنسبة لشركات التأمين، يقترب الموعد النهائي لتحديد ما إذا كانت الشركات ستقدم خدمات "بابا" لعملاء تلك البرامج في فترة فتح باب قبول الطلبات في الخريف المقبل. تطلب "سنترز فور ميديكير آند ميدكيد سيرفيسز"، وهي الهيئة الحكومية التي توافق على البرامج التي تطرحها شركات التأمين، من تلك الشركات تقديم برامجها في الأسبوع الأول من يونيو.

عقود ضخمة

على عكس "تاسك رابيت" و"ليفت" (Lyft) و"أوبر" وغيرها من الشركات العملاقة في مجال اقتصاد العمل الحر، تعول "بابا" على عقود كبيرة من شركات التأمين الصحي التي تقدم خدمات "بابا" لعملائها، وهي تضمن تقديم عدد معين من الساعات بلا مقابل سنوياً. جمعت الشركة أيضاً 240 مليون دولار من مستثمرين وبلغ آخر تقييم لها 1.4 مليار دولار في 2021.

تمكَّن نحو سبعة ملايين شخص من الحصول على خدمات "بابا" من خلال التأمين الصحي الخاص بهم أو بأحد أقربائهم حتى العام الماضي، وفقاً لوثائق الشركة.

آفاق صفقات الدمج والاستحواذ بقطاع الصحة الأميركي في 2023

سجلت "بابا" في الربع الأول من 2022 إيرادات حجمها 10 ملايين دولار و237 ألف ساعة من الزيارات المنزلية وعبر الإنترنت، وفقاً لوثائق داخلية للشركة. يُرجَّح أن تكون هذه الأرقام قد ارتفعت بشكل كبير بمساعدة من بعض أكبر شركات التأمين الصحي في الولايات المتحدة. (تنفي "بابا" صحة هذه الأرقام لكنها رفضت تصحيحها أو تقديم بيانات أحدث، رغم أنها قالت إنها رتبت قرابة 1.5 مليون زيارة بين العملاء والمصاحبين).

تعتري نظام أميركا لرعاية المسنين بعض إساءات التعامل كما تشوبه الفوضى والتباين من حيث فاعليته، كما أن النقص الكارثي في أعداد العاملين في دور رعاية المسنين خلال الأشهر الأولى من جائحة كورونا كاد أن يقُضّ مضاجع أهل البلاد.

تشير وثائق داخلية من شركة "بابا"، ويؤكد أكثر من 25 شخصاً بينهم موظفون ومصاحبون وعملاء وأقرباء عملاء سابقون، أنّ الشركة أججت بعض تلك المشاكل بأنها تعاملت معها وسط ضعف في ضوابط وموازين اقتصاد العمل الحر.

قال بيرويك: "لو أخبرتني أننا سنرسل أناساً إلى منازل مسنين واهنين، كنت سأدرك منذ البداية أنهم سيواجهون أوضاعاً صعبة جداً. ينبغي على أي شركة مسؤولة ألا تنتظر وقوع المشكلة، بل تتوقعها وتساعد موظفيها – أو في هذه الحالة متعاقديها – على الاستعداد لها".

بدايات الشركة

عادةً ما يقول أندرو باركر، الرئيس التنفيذي لـ"بابا" الذي رفض إجراء مقابلة معه، إنه بدأ الشركة بعدما استعان بطالب جامعي للتسرية عن جدّه. قال باركر في استضافة بودكاست خلال 2021 مع طلاب من كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا: "لقد أحبَّ الأمر كما أن المصاحب أحب ذلك. كان ذلك أشبه بلحظة تنوير. لم يكن جدي مستعداً بالفعل لتجربة أي أمر جديد على الإطلاق، ناهيك عن (التعامل مع) شخص غريب. كنت أرى أن إحساسه بالحماس تجاه الأمر كان له تأثير هائل".

في ذلك الوقت، كان باركر يعمل في شركة "إم دي لايف" (MDLive) للرعاية الصحية عن بُعد، التي أنشأها والده، لكنه تركها في 2017 ليؤسس ما قال إنه "فئة جديدة بالكامل من الرعاية".

قال باركر إنه فكّر، في بداية نشاط شركة "بابا"، بتطبيق له واجهة مستخدم تتيح التمرير كما حال تطبيق "تيندر" (Tinder)، لكنه استقر بدلاً من ذلك على طريقة تقليدية تعتمد الاتصال برقم مجاني.

كان الرقم مربوطاً مع هاتف باركر المتنقل، ثم يُرسل رسالة إلى مجموعة صغيرة العدد من المصاحبين ممن دُققت بياناتهم. بعد ما يقرب من عام، اتجهت الشركة إلى نموذج أعمالها الأكثر اعتماداً على شركات التأمين.

خلال الجائحة، حين أضحت الوحدة والعزلة تحديات عالمية، نظمت "بابا" ثلاث جولات للحصول على تمويل من مستثمرين، ونالت استحساناً لأنها ساعدت الأسر على التواصل مع مقدمي خدمات الرعاية.

استثمرت مجموعة "سوفت بنك" و"تايغر غلوبال مانجمنت" (Tiger Global Management) في الشركة. كما استثمر فيها ألكسيس أوهانيان، زوج لاعبة التنس سيرينا وليامز والمؤسس المشارك لمنصة "ريديت" (Reddit)، الذي شارك غير مرة تغريدة عبر "تويتر" ظهرت فيها صورة ملصق شركة "بابا" على كمبيوتره المحمول.

كتب أوهانيان في تغريدةٍ العام الماضي أنَّ "شركات تقديم خدمات الرعاية ستكون الفرصة التالية السانحة لتحقيق ملايين الدولارات". (رفض كل من أوهانيان و"سوفت بنك" و"تايغر غلوبال" التعليق).

خدمات "بابا"

طرحت شركة "سيغنا هيلث كير" (Cigna Healthcare) خدمات "بابا" لعملائها في تسعة ولايات العام الماضي، وذلك "لمساعدة العملاء على الوصول لأفضل وضع فيما يخص الصحة والعافية وراحة البال"، حسبما جاء في بيان صحفي صدر آنذاك.

قالت "أنثيم" (Anthem)، المعروفة الآن باسم "إليفانس هيلث" (Elevance Health)، في عرض تقديمي للمزايا إن "بابا" يمكنها سد بعض فجوات قطاع الرعاية، مثل الانضباط في تناول الأدوية.

فيما قال موقع شركة "هيومانا" (Humana) إن "بابا" تساعد عملاءها على تخفيف شعورهم بالوحدة، لكن الشركة حذفت تدوينة تصف طبيعة الشراكة بعدما بدأت "بزنس ويك" استفساراتها.

جاء في مقطع فيديو من "إتنا" (Aetna) يروج لشركة "بابا" كأحد الخدمات التي تقدمها، إنَّ الخدمة تساعد على تقليص الشعور بالعزلة، وإنَّ المصاحبين الذي يقدمون الخدمات يتلقون تدريباً.

هل يصبح العلاج عن بُعد مستقبل الرعاية الصحية بعد "كورونا"؟

قالت "إليفانس" في بيان إنَّ خدمة "بابا" هي إحدى الخدمات العديدة التي تقدمها الشركة لتقليص الشعور بالوحدة وإنها تُقيِّم كل برامجها "باستمرار لكي نضمن تلبية احتياجات عملائنا". أدلى متحدث باسم "سيغنا" بتعليق مفاده أنَّ الشركة لديها معايير عالية للجودة والسلامة وتعمل على حل المشاكل بسرعة. رفضت كل من "هيومانا" و"إتنا" التعليق.

إيسماري سوسا تجلس إلى طاولة مكتب في منزلها في فلوريدا
إيسماري سوسا تجلس إلى طاولة مكتب في منزلها في فلوريدا المصدر: بلومبرغ

تدريب غير كافٍ

يصل عدد منسوبي شركة "بابا" اليوم إلى ما يقرب من 600، وقد قالت الشركة في بيان إنها تقوم على شبكة من آلاف المصاحبين النشطين. تشترط القواعد الفيدرالية ضرورة إكمال المساعدين الذين يقدمون الخدمات الصحية في المنازل من المؤهلين لتقديم خدمات عبر برنامج "ميديكير"، 75 ساعة على الأقل من الدراسة والتدريب العملي.

لا تخضع "بابا"، التي لا تشمل خدماتها عناصر الرعاية السريرية في المنزل، لهذه القاعدة. يتكون التدريب المطلوب للرفاق من مقطع فيديو قصير يشدد على ضرورة تجنب التلامس الجسدي مع العملاء. ويتوقع من المصاحبين أن يتعلموا من خلال العمل كل ما لم يصلهم عبر مقطع الفيديو.

قالت "بابا" في ردها على "بزنس ويك" إنها أضافت مزيداً من خيارات التدريب الاختياري على مدى العام الماضي وإنها ترسل للمصاحبين رسائل بريدية تضم وسطياً ستة روابط لمزيد من المحتوى التدريبي الاختياري، إلى جانب نشرة إخبارية فصلية تضم رابطاً لمحتوى مرتبط بالسلامة على موقعها.

ذكرت الشركة أيضاً أنَّ المصاحبين كانوا دوماً مطالبين بأن يقرّوا بأنهم اطلعوا على القواعد المتعلقة بخصوصية المرضى وعلى إرشادات "سنترز فور ميديكير آند ميدكيد سيرفيسز".

قالت متحدثة باسم "بابا" في بيان: "لا يحتاج الشخص العادي إلى تدريب لتقديم الدعم لأجداده ووالديه والمسنين من جيرانه".

عند استخدام تطبيق "بابا"، يمكن للمصاحبين رؤية خريطة يظهر عبرها العملاء الذين يطلبون المساعدة وبعض تفاصيل الطلبات. سجلت دانييل فيلغيراس، التي سبق أن كانت مُدرِّسة في مدينة كيسيمي بولاية فلوريدا، نفسها كمصاحبة في أواخر 2021. قالت فيلغيراس إنها لم تستدع لمقابلة عمل قبل توظيفها، وهي بالكاد تتذكر مقطع الفيديو الخاص بالتدريب، كما أزعجها الاستعجال لإرسالها إلى منزل أحد العملاء المحتاجين للمساعدة لأول مرة.

قالت: "أعتقد أنَّه ينبغي أن يتوفر تدريب أفضل. لم أتحدث مع أي شخص مباشرةً قبل قبولي". تقول الشركة على موقعها إنَّ المصاحبين الذين قد تستعين بهم الشركة يمكنهم التقدم عبر الإنترنت خلال دقائق، إذا كانوا يبلغون من العمر 21 عاماً أو أكثر، ولديهم تصريح بالعمل في الولايات المتحدة، وبإمكانهم التواصل باللغة الإنجليزية واجتياز فحص للخلفية.

دانييل فيلغيراس، التي تعمل رفيقة من خلال شركة "بابا"
دانييل فيلغيراس، التي تعمل رفيقة من خلال شركة "بابا" المصدر: بلومبرغ

شكاوى منذ سنوات

يشمل سجل الوقائع لدى الشركة مجموعة شكاوى تعود إلى أسوأ أيام الجائحة، بشأن مصاحبين رفضوا اتباع قواعد فيروس كورونا. أبلغ بعض العملاء عن وقائع سرقة، وفي كثير من الأحيان كانوا يشتكون من أنَّ المصاحب تخلف عن زيارة مجدولة.

قالت الشركة في ردها على "بزنس ويك" إنها تشترط على المصاحبين الإقرار داخل التطبيق بأنهم تلقوا اللقاح وأنهم سيتبعون إرشادات "كوفيد-19" وأشارت إلى أن معدل الالتزام بالزيارات بلغ نحو 97%، لكنها بيّنت أنَّ الزيارات التي تُعاد جدولتها تُحتسب مستكملةً.

كانت واقعة قد حدثت في مطلع العام الماضي إرهاصاً لقضية دولوث، حين بدأت "كابيتال دستريكت فيزيشانز هيلث بلان" (Capital District Physicians’ Health Plan) بتقديم خدمات "بابا" لعملاء برنامج "ميديكير أدفانتدج" في نيويورك في يناير 2022.

قالت "كابيتال دستريكت فيزيشانز هيلث بلان" في بيان صحفي يُعلن عن الخدمة الجديدة، إنَّ "قوة العمل المدربة" في شركة "بابا" ستؤدي "بلا شك إلى تقليص العزلة الاجتماعية التي يشعر بها يومياً أناس مجبرون على البقاء في منازلهم".

أميركا المريضة لن تكون قادرة على منافسة الصين مستقبلاً

بعد أسبوعين، تلقت امرأة من أولئك المضطرين للبقاء في المنزل زيارة من مصاحب تطرق خلالها إلى جوانب جنسية تخصه منها ضعف الباءة، وفقاً لتقرير بالواقعة اطلعت عليه "بزنس ويك". كما كانت هناك مزاعم بأنَّ ذلك المصاحب اتصل بها مجدداً في وقت لاحق من ذلك الأسبوع في الساعة 5:45 صباحاً ليسألها عما إذا كانت قد "وجدت أي حل لمشكلة ضعف الباءة لديه".

حظرت "بابا" هذا المصاحب، وفقاً لرسائل بريد إلكتروني وسجلات داخلية اطلعت عليها "بزنس ويك". لكن الواقعة دقّت جرس الإنذار لدى "كابيتال دستريكت فيزيشانز هيلث بلان". أظهرت رسائل عبر البريد الإلكتروني أن شركة التأمين كانت تُعيد التفكير بالشراكة بعد أقل من شهر من تفعيلها. طلبت "كابيتال دستريكت فيزيشانز هيلث بلان" من "بابا" أن تتوقف عن التواصل مع عملائها وأن تُجمِّد كل الزيارات المستقبلية، إلى جانب إلغاء خطط لإرسال رسائل بالبريد عن البرنامج الجديد لعملائها.

إخفاقات الشركة

خلال هذه المراسلات، أقرَّ مسؤولون تنفيذيون في "بابا" بأنهم سمحوا بتعرض عملاء برامج الصحة للمضايقة من خلال مشاركة أرقام هواتفهم مباشرةً مع المصاحبين، كما قالوا إنَّ الشركة لم تتحرك بسرعة كافية للتعامل مع الشكاوى الخطيرة.

يُعد ابتكار تقنية إخفاء الهوية في التطبيقات من الممارسات المعتادة في اقتصاد العمل الحر، وذلك عبر توليد أرقام هاتف تُستخدم مرة واحدة فقط بغرض إتمام عملية معينة. لكن ذلك لم يكن الحال مع شركة "بابا".

أكدت"كابيتال دستريكت فيزيشانز هيلث بلان" في بيان لـ"بزنس ويك" أنَّها أوقفت كل زيارات المصاحبين الشخصية بعد واقعة نيويورك، وبدأت تحقيقاً في البروتوكولات الأمنية لدى "بابا". قالت شركة التأمين: "منذ ذلك الحين، نتابع عن كثب كل تعاملات خدمة العملاء لضمان صحة وسلامة ورفاه عملائنا. نحن نأخذ المزاعم ضد (بابا) على محمل الجد وسنأخذ مصالح عملائنا في اعتبارنا".

في ذلك الوقت، كانت "بابا" على علم منذ ثلاث سنوات على الأقل أنَّ مشاركة بيانات التواصل بشكل مباشر بين العملاء والمصاحبين هي سبب شكاوى بتعرُّض عملاء لمضايقات. تشير سجلات الوقائع أنَّ الشركة تلقت 28 بلاغاً على الأقل تتعلق بمشاركة أرقام الهاتف مباشرةً منذ 2019.

قالت "بابا" في ردها على "بزنس ويك" إنَّ إخفاء أرقام الهاتف "موجود على خارطة الطريق لدينا"، لكن نظراً لأنَّ خدمتها قد تشمل تعاملات متكررة بين المصاحبين والعملاء، الذين يستخدم عديد منهم خطوط هواتف أرضية، "فنحن نتعامل مع التحديات التقنية التي يمثلها هذا الأمر لنشاطنا".

قالت الشركة إنَّ بعض العملاء والمصاحبين يرون أنَّ التعامل المباشر يساعدهم، وإنَّها "تستكشف خيارات للحصول على أرقام تُستخدم لفترات طويلة يمكن حذفها إن أتى بلاغ عن انتهاكات أو إذا ترك العميل أو المصاحب خدمتنا".

إهمال في التدقيق

إن لم تكن "بابا" قد محصت بيانات المتعاقدين، فقد أهملت تدقيق بيانات العملاء. أبلغ أحد المصاحبين عن تعامله مع أحد العملاء الذي كان مقتنعاً بأنه جورج واشنطن وكان يتحدث باستفاضة عن السيطرة على الحكومة.

قالت إيسماري سوسا لـ"بزنس ويك" إنَّ الجانب السلبي لوظيفتها كمصاحبة ظهر حين طلبت منها عميلة أن تأخذ لحماً انتهت صلاحيته من البرّاد لتلقيه في بحيرة خلف منزلها، دون تحذيرها من أنَّ هناك تمساحاً طوله مترين يعيش فيها. قالت سوسا: "كثيراً ما يعود بي تفكيري إلى ما حدث".

كان التعامل مع تهديدات العملاء أنفسهم هو الأصعب. قالت إحدى المصاحبات في فبراير 2021 إنَّ عميلاً حبسها في غرفة معيشته وأسدل الستائر ثم قال إنه يرغب بأن يقيس حرارة جسدها وأنَّ غيرها من المصاحبات رغبن بمواعدته.

كما أبلغت مصاحبة أخرى الشركة أنَّ أحد العملاء من الرجال عرض عليها "100 دولار لقاء أن يلمسها بشكل حميمي". وفقاً لسجلات الواقعة، أبلغت الشركة المرأة أنها منعت هذا العميل من طلبها في زيارات مستقبلية، وأضافت ملاحظة مفادها أنَّه لا بد من إرسال مصاحبين من الذكور فقط إلى منزل ذلك العميل.

قالت "بابا" في بيانها لـ"بزنس ويك" إنَّ عملاءها من كبار السن وقد تعتري بعضهم مشاكل في صحة العقل، وإنها تشجع المصاحبين على أن يغادروا منازل العملاء في حال حدوث أي مشاكل وأن يبلغوا عنها وأن يتصلوا بالطوارئ إن لزم الأمر.

أوضحت "بابا" أيضاً أنها تحاول العمل مع برامج الصحة لمساعدة العملاء على الحصول على دعم طبي أو دعم فيما يتعلق بالصحة العقلية.

إيسماري سوسا
إيسماري سوسا المصدر: بلومبرغ

إجراءات فات أوانها

قال مصاحبون ممن تعاقدوا مع "بابا" سابقاً إنَّ إجراءات الشركة كثيراً ما كانت محدودة ومتأخرة جداً. طلب عميل في إحدى ضواحي مدينة ميامي العام الماضي من مصاحبة كانت في الشهر الثامن من حملها أن تنظف ثلاجته، ثم تابعها عن كثب أثناء العمل وأصرَّ على أن يفحصها للاطمئنان على صحة قلبها وضغط دمها.

قال العميل للمصاحبة إنه كان يعمل طبيباً لمدة 32 عاماً وأوضح أهمية الاطمئنان على صحة طفلها. عندما رضخت في نهاية الأمر ووافقت على الفحص، وضع العميل سماعة على صدرها وبدأ يتحسس جسدها. بعد بضع دقائق من ذلك قال إنها وطفلها بخير.

خرجت المرأة من منزل العميل وجلست في سيارتها وبحثت عن اسمه عبر "غوغل" ثم اتصلت بخط الدعم الخاص بالشركة. قالت المرأة في المكالمة، التي اطلعت عليها "بزنس ويك"، لأحد ممثلي خدمة العملاء: "لقد فقدت قدرتي على الحركة". كانت تبكي وهي تخبر ممثل خدمة العملاء بما حدث للتو، وكيف كان بإمكان الشركة الحيلولة دون وقوع ذلك.

ظهر في أول صفحات نتائج البحث أن الرجل واجه تهماً جنائية على مدى عشرات السنين، منها تهم بالاعتداء وانتحال صفة طبيب ولمس مساعدة تُقدم خدمات صحية في المنازل بشكل غير لائق.

بيّنت سجلات اطلعت عليها "بزنس ويك" أن الرجل قد أقرَّ العام الماضي بأنه مذنب في قضية تحايل على كازينو في ولاية أوريغون حصل منه على 12500 دولار عبر ادعائه بأنه يمثل فرقة "فيلدج بيبول" الغنائية.

لم تقدم المصاحبة شكوى جنائية ضد الرجل، وانتهى الأمر عند ذلك الحد. أنكر الرجل الذي يعيش في فلوريدا لدى الاتصال به هاتفياً الواقعة مع المصاحبة برمتها كما وصف قضية كازينو أوريغون بأنها محض "هراء". رفضت "بابا" التعليق على تفاصيل الواقعة، مستندة إلى مخاوف تتعلق بالخصوصية.

مراجعة ممارسات السلامة

قالت الشركة إنها تتيح للمتعاقدين الاطلاع على بيانات العملاء ومواقع منازلهم قبل 24 ساعة من موعد الزيارة، كما تشجع المصاحبين على "التواصل وتكوين علاقة قبل اللقاء" وأيضاً على رفض الطلب أو إلغائه أو قطع الزيارة إن لم يرتاحوا لذلك.

أوضحت الشركة أنه إذا أساء أحد العملاء التصرف، فهي قد ترسل إشعاراً إلى برنامج الصحة الخاص بالعميل وتتعامل مع الأمر حسب جسامته. قد يؤدي ذلك إلى إرسال تحذير كتابي للعميل أو تعليق عضويته أو حظره. قالت الشركة أيضاً إنها تقدم للمتعاقدين والعملاء خط دعم لضمان تلقي أي اتصالات تتعلق بالسلامة في جميع أيام الأسبوع خلال ساعات الزيارة.

الخدمات الصحية تتصدر المهن الأكثر طلباً حتى 2030

سيُعقد اجتماع لتسوية قضية دولوث يوم 30 يونيو، وقد قالت "بابا" إنها وظفت خبيراً من خارج الشركة ليراجع ممارسات السلامة لديها. قال باركر، رئيسها التنفيذي، في بيان إنه "يشعر شخصياً بحزن عميق" بسبب الوقائع المتعلقة بالسلامة، وأضاف: "نحن متواجدون لنساعد هؤلاء الذين ليس لديهم في الأغلب أي شخص في حياتهم يقدم لهم يد المساعدة. لذلك السبب أسست هذه الخدمة، ونحن نعمل على أداء تلك المهمة بأكثر الطرق أماناً قدر المستطاع".

فقدان الثقة

قال عدد من الموظفين السابقين إنهم انضموا لـ"بابا" لأنهم كانوا يؤمنون برسالة الشركة، لكنهم شعروا بخيبة الأمل بمرور الوقت بسبب غياب حماية المستخدمين. قال أحد الموظفين السابقين الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته خوفاً من أن يتعرض لإجراء انتقامي في العمل: "جعلني الأمر أفقد جانباً كبيراً من ثقتي بالعالم. الهدف هو تحسين حياة الناس، وليس التسبب بصدمات للمسنين ممن لا يستطيعون المشي أو جلب أدويتهم". قال آخر إنه لن يستعين بخدمات الشركة على الإطلاق لتقديم الرعاية لفرد من أسرته.

بيّنت جولي ويفر، وهي مدرسة متقاعدة في فلوريدا، إنها تنبهت لخدمة "بابا" كأحد الخيارات في البرنامج التأميني لوالدتها البالغة من العمر 94 عاماً منذ ما يقرب من ثلاث سنوات. قالت ويفر: "الفكرة رائعة، لكنك لا يمكنك أن تضمن على من ستحصل. بعض الرفاق أفضل من غيرهم".

في إحدى المرات، أحضرت مصاحبة صديقها معها، ما جعل والدتها غير مرتاحة. توقفت ويفر عن الاستعانة بالخدمة في نهاية العام الماضي حين توقف البرنامج التأميني لوالدة ويفر عن طرح الخدمة دون توضيح السبب. لكن ويفر قالت إنه حتى لو كان بإمكانها أن تستخدم "بابا" لمساعدة والدتها الآن، فهي ليست متأكدة أنها ستقدم على ذلك. شرحت قائلةً: "إن كان الأمر يستلزم تواجدي لأراقب المصاحبين الذين ترسلهم (بابا)، فهذا لا يساعدني".