المناخ ضحية برامج حماية الطاقة في المكسيك

محطة توليد الكهرباء التابعة لـ"CFE" في مدينة أكولمان، المكسيك
محطة توليد الكهرباء التابعة لـ"CFE" في مدينة أكولمان، المكسيك تصوير: لويس أنتونيو روجاس - بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

منذ خمس سنوات، كانت المكسيك أوَّل دولة نامية تقدِّم خطَّة لخفض انبعاثات الكربون في الفترة التي تسبق اتفاقية باريس التاريخية.

وانضمت الدولة، في ديسمبر من العام الماضي، إلى المتمردين على اتفاقية المناخ مثل روسيا، والبرازيل اللتين فشلتا في تعزيز الجهود لمكافحة الاحتباس الحراري.

وتوَّج اقتراح المكسيك الأخير إلى الأمم المتحدة عامين من التراجع البيئي في عهد الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور. ومن المتوقَّع أن يعزِّز أعضاء اتفاقية باريس أهدافهم كل خمس سنوات، لكن المكسيك بدلاً من ذلك حافظت على هدفها المتمثِّل في خفض الانبعاثات بنسبة 22% فقط مع حلول 2030.

سوق الطاقة المتجددة المزدهرة

ويجسد القرار النهج الذي اتخذه لوبيز أوبرادور، المعروف باسم "AMLO"، تجاه البيئة منذ وصوله إلى السلطة في انتصار ساحق في عام 2018، إذ قطع جذور سوق الطاقة المتجددة المزدهرة، وضخَّ الأموال في شركة النفط الحكومية "بتروليوس ميكسيكانوس"، وتابع مشروعين رئيسيين للبنية التحتية يعدُّهما من دعاة حماية البيئة من الكوارث البيئية.

وقال جيريمي مارتن، نائب الرئيس لشؤون الطاقة والاستدامة في معهد الأمريكيتين، إنَّ موقف الحكومة كان "يزيد الانبعاثات، وكان مسيئاً للبيئة وجودة الهواء"، مضيفاً أنَّه "لا شيء يمكنه أن يجعلني أشعر بالثقة بهذه المشاريع من البيئة والانبعاثات".

إنَّ قرار الرئيس المكسيكي، الذي نشأ في بلدة نفطية فقيرة في ولاية تاباسكو جنوب شرقي البلاد، وأهدافه السياسية التي تتوجَّه نحو إعادة شركة "بيميكس"، وشركة الكهرباء الحكومية "كوميشن فيدرال دي إليكتريسيداد"، أو ما يعرف بـ"CFE"، تقع في صميم خطَّته لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة في المكسيك.

الخطاب الأخضر

إنَّ تاريخ الرئيس المكسيكي وسجلّه يمنحانه تميُّزاً نادراً كقائد له جذور يسارية، وسياسته البيئية الأقرب إلى منكري أهمية قضايا المناخ ذوي الميول اليمينية، مثل الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب، والبرازيلي جاير بولسونارو.

ولكن على عكس بولسونارو، الرئيس البرازيلي الذي دعا إلى فتح غابات الأمازون المطيرة للتعدين والزراعة؛ يتبنى نهج أوبرادور في المكسيك الخطاب الأخضر، على الرغم من إعطائه الأولوية لأجندة الموارد القومية للدولة.

ويقول رودولفو رويدا، المحامي في "تومسون أند كي نايت"، الذي تضمُّ قائمة عملائه شركات الطاقة المتجددة: "تصرفات الرئيس تعكس رؤيته للمكسيك، التي يمكن تلخيصها في إعادة البلاد إلى سيطرة شركتَي الطاقة الرئيسيتين في الدولة".

وجاء هذا على حساب الطاقة النظيفة المزدهرة، إذ إنَّه في العام الذي سبق تولي الرئيس لمنصبه جلبت مشروعات الطاقة المتجددة بعضاً من أرخص أسعار الكهرباء في العالم. لكنَّ أوبرادور ألغى مزيداً من المزادات، وغيَّر القواعد لمساعدة مرافق الدولة على الحفاظ على حصتها في السوق.

وبعد أن أمر المنظِّمين المختصِّين بتفضيل شركة الكهرباء العملاقة، وشركة "بيميكس"، دخل نحو 200 مزرعة رياح، ومصفوفات للطاقة الشمسية، ومحطات غاز طبيعيّ، ومشاريع خاصة أخرى، كانت في الغالب طيّ النسيان.

وقف التغييرات التنظيمية

وأزعجت هذه السياسات رجال الأعمال التنفيذيين في مجال الطاقة النظيفة والمدافعين عن البيئة على حدٍّ سواء، وسعت العشرات من شركات الطاقة المتجددة إلى وقف التغييرات التنظيمية التي تضرُّ باستثماراتها في المكسيك، إذ فازت وكالة مكافحة الاحتكار "كوفيسي" (Cofece)، ومجموعة "غرين بيس" على حدٍّ سواء بأحكام قضائية مؤخَّراً بشأن الإجراءات التي من شأنها منع محطات الطاقة النظيفة الجديدة من المضيِّ قدماً.

وقالت وزارة البيئة والموارد الطبيعية في بيان عبر البريد الإلكتروني، إنَّ المكسيك تلتزم حماية البيئة مع سدِّ فجوات عدم المساواة في البلاد. وأشارت إلى الخطوات المتخذة، بما في ذلك ضمان وصول المياه إلى أفقر الفئات في البلاد، ووقف امتيازات التعدين، والاستخدام المتكرر للموارد الطبيعية والماشية.

وردَّاً على سؤال حول مخطط المكسيك للوفاء بالتزامها القانوني بإنتاجَ 35% من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة مع حلول عام 2024، قال الرئيس المكسيكي في مؤتمر صحفي عُقد مؤخراً، إنًّ البلاد ستعزِّز قدرتها الكهرومائية من خلال تحديث 60 محطة.

وعلى الرغم من أنَّ استخدام المياه لتوليد الطاقة لا يولِّد انبعاثات كربونية، فإنَّ إنشاء السدود يمكن أن يطلق كميات كبيرة من الكربون المحتجز.

ويقول الرئيس عند ذلك، إنَّ منتقدي سياسة الطاقة التي يتبعها يستخدمون البيئة بشكل ساخر لمهاجمة الحكومة. وقال: "هناك كثير من الخداع، وأودُّ أن أخبركم أنَّهم يستعملون حجَّة الطاقة النظيفة بالطريقة نفسها التي يستخدمون بها قضايا النسوية أو حقوق الإنسان، فمنذ متى يهتمُّ المحافظون بالبيئة؟".

خفض ميزانية وزارة البيئة

وخلال فترة رئاسته، خُفِّضَت ميزانية وزارة البيئة حتى مع زيادة الإنفاق العام، إذ قطع الرئيس موارد الإيرادات الحكومية من أجل زيادة التمويل لبرنامج "بيميكس"، والبرامج الاجتماعية الأخرى، وتقليص ما يراه بيروقراطية متضخمة.

وفي محاولة لإحياء "بيميكس"، أمر الرئيس ببناء مصفاة نفط عملاقة جديدة في ولايته، وقُطِعَت غابة من أشجار المانغروف المحمية -التي تمتصُّ الكربون أكثر من الأشجار الأخرى، خلال هذه العملية.

ويرى قلَّة من المحللين أنَّ المشروع الذي تبلغ تكلفته مليارات من الدولارات سيكون مجدياً اقتصادياً، كما دعا لوبيز أوبرادور شركة "بيميكس" إلى زيادة الإنتاج من مصافي التكرير الست الموجودة في المكسيك، التي تستخدم زيت الوقود شديد التلوُّث.

وفي الوقت نفسه، كانت شركة "CFA" تحرق كميات أكبر من زيت الوقود عالي الكبريت، وهو أسوأ بالنسبة إلى البيئة من الفحم. كما أنَّها اشترت مؤخراً مليونَي طنٍّ متري من الفحم للحرق في مصانعها.

ووقف لوبيز أوبرادور أمام مصنع أُعيد افتتاحه في أكتوبر الماضي، وعبَّر عن رفضه للمخاوف بشأن التأثير البيئي للوقود باعتبارها مغالطة، فضلاً عن أنَّ جدول أعمال الرئيس الآخر، ومن ضمنها مكافحة الفقر، جاء على حساب البيئة، إذ بُنِيَ خط سكة حديد يبلغ طوله 900 ميل (الميل = 1,609 كم) يُعرف باسم قطار المايا، ويسعى إلى تعزيز التنمية من خلال ربط مناطق الجذب السياحي في الجنوب الفقير، عبر أميال من الغابات المطيرة، مما يهدد مئات من النمور بالانقراض.

وتحتلُّ المكسيك المرتبة الرابعة عشرة، بعد البرازيل، وأعلى من أستراليا، بين الدول الأكثر بعثاً لغازات الاحتباس الحراري، في حين عزَّزت البلدان المصدِّرة للانبعاثات الكبيرة، مثل الصين واليابان تعهداتها المتعلِّقة بالانبعاثات في التزاماتها المحدثة في باريس، التي تسمى المساهمات المحددة وطنياً، ولكن بعض الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، لم تحقق بعدُ أهدافها الأخيرة.

وقال آنيد فيلاسكو، وهو مدير الأبحاث في المركز المكسيكي لقانون البيئة، إنَّ المساهمات المحددة وطنياً، والجديدة في المكسيك "لا ترقى إلى مستوى المسؤولية" التي تتحملها البلاد. وقد برزت المكسيك في تولِّيها القيادة الدولية في قضايا المناخ، ولكنَّها فقدت دورها في تلك القيادة الدولية في العامين الماضيين.