رئيس نيجيريا الجديد يثير الأسواق بعد تغييرات جذرية

بولا تينوبو شرع في تنفيذ مجموعة من الإصلاحات طالب بها كثيرون لإنعاش أكبر اقتصاد في أفريقيا

 رئيس نيجيريا بولا تينوبو في أبوجا 29 مايو 2023
رئيس نيجيريا بولا تينوبو في أبوجا 29 مايو 2023 المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كل شيء تغير بالنسبة للمستثمرين في نيجيريا خلال الأسبوع الجاري. فبعد أقل من شهر من توليه مهام منصبه، شرع الرئيس بولا تينوبو في تنفيذ مجموعة من الإصلاحات التي طالما طالب بها مصرفيون واقتصاديون وجهات إقراض متعددة الأطراف لإنعاش أكبر اقتصاد في أفريقيا بعد ما يقرب من عقد من الخمول.

كانت التغييرات جذرية وشملت إلغاء دعم الوقود الذي يكلف الدولة 10 مليارات دولار في السنة وإقالة محافظ البنك المركزي المثير للجدل وخفض قيمة العملة المحلية (النيرة) والبدء في إصلاح قطاع الكهرباء الذي يعاني من عجز مزمن.

أدت التغييرات إلى ارتفاع أسعار سندات نيجيريا المقومة بالدولار، بينما صعدت الأسهم إلى أعلى مستوى لها في 15 عاماً، حيث يراهن المستثمرون على أن ذلك التحول السياسي يمثل بداية إصلاح شامل لكيفية إدارة الاقتصاد، حتى وإن عبّر كثير منهم عن حذرهم إزاء قدرة الحكومة على تنفيذ كل الإصلاحات المطلوبة.

اقتصاد نيجيريا ينمو أسرع من التوقعات بفضل القطاع غير النفطي

تشير هذه الإصلاحات إلى العودة إلى النظرية الاقتصادية الأرثوذكسية في دولة تقول إنها عملاقة أفريقيا، بإجراءاتها التي تعكس نفس التحولات التي شهدتها دول مثل تركيا وكولومبيا حيث انتعشت الأسواق أيضاً عندما أشارت السلطات إلى التخلي عن بعض السياسات الاقتصادية غير المقبولة لدى المستثمرين.

تكلفة التغييرات

قال أماكا أنكو، مدير قسم أفريقيا في مجموعة "أوراسيا غروب" (Eurasia Group) الاستشارية: "هذا بالضبط هو المطلوب، أن تتحرك سريعاً في تنفيذ الإصلاحات الصعبة في فترة شهر العسل.. فهذا يكشف عن التصميم وحسن النية ويوفر زخماً وقوة دافعة مما يعزز الثقة المحلية والدولية وتكون له آثار إيجابية متعاقبة على الاستثمار".

حاليًا، تدفع العملة المحلية وسكان نيجيريا أنفسهم تكلفة الآثار السلبية الناجمة عن تطبيق التغييرات.

أغلقت العملة النيجيرية عند 702.19 نيرة أمام الدولار أمس في بورصة "إف إم دي كيو" (FMDQ) مقابل 465 نيرة في يوم تولي تينوبو مهام منصبه، بينما ارتفع سعر البنزين إلى نحو 500 نيرة مقابل اللتر من 186 نيرة.

هذا المزيج (تراجع العملة وارتفاع سعر البنزين) يشير على الأرجح إلى المتاعب التي تثقل كاهل عموم الشعب في نيجيريا، الذين يعانون بالفعل من البطالة وارتفاع معدل التضخم واستشراء حالة انعدام الأمن.

وقال شيتا نوانزي من منصة "إس بي إم إنتل" (SBM Intel)، ومقرها لاغوس إن "ما يحدث في الواقع هو محاولة تدارك الأمور…وأن نقترب أكثر من واقع الحال حتى يصبح لدينا فكرة أكثر إنصافاً عن حجم العمل المطلوب إنجازه من أجل سد الفجوة".

ابتهاج الأسواق

واصلت الأسهم النيجيرية والسندات الدولية التي أصدرتها نيجيريا مكاسبها الخميس، وهي المكاسب التي بدأت تحققها بعد إقالة جودوين إيمفيلي في 9 يونيو، الذي تولى منصب محافظ البنك المركزي النيجيري منذ 2014، وأُقيل قبل عام من نهاية ولايته الرسمية.

اعتبر المستثمرون إقالته -واعتقاله لاحقاً- بمثابة دليل أن تينوبو سوف يتخذ نهجاً أكثر انسجاماً مع السوق مقارنة بسلفه محمد بخاري.

تم إلقاء اللوم على المحافظ السابق -لا يتمتع فعلياً بشعبية لدى حلفاء الرئيس الجديد- في تعدد أنظمة صرف العملة، الأمر الذي أعاق نمو الاقتصاد.

قال جوردون باورز، المحلل لدى "كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنتس" (Columbia Threadneedle Investments) ومقرها في لندن: "إن إلغاء دعم الوقود وإصلاح سعر الصرف، من شأنهما المساهمة بشكل كبير في تحسين الموازنة العامة والحسابات الخارجية للدولة وتقليل التشوهات التي تراكمت على مدى سنوات".

أضاف: "اعتبرت هذه الخطوات الحد الأدنى من الإصلاحات التي يجب القيام بها، لذا من الإيجابي أن يتمكن تينوبو حالياً من تركيز اهتمامه بفعالية على الإصلاحات التي تستهدف النمو وتعزيز الإنتاجية لرفع معدل النمو المحتمل لنيجيريا".

بحلول يوم الجمعة، لم يتضح بعد سعر الصرف الذي ستسمح به الإدارة الجديدة للعملة المحلية بالاستقرار عنده.

بسبب نقص السيولة.. زيادة استخدام النيرة الرقمية في نيجيريا

لكن تقريراً اطلعت عليه "بلومبرغ"، أعدته لجنة تقدم استشارات إلى تينوبو قبل الانتخابات، قال إن إدارته يجب أن تستهدف سعر صرف 550-600 نيرة لكل دولار والسماح للبنوك التجارية بالقيام بدور المتعاملين الرئيسيين من"خلال الشراء والبيع".

الأسواق تتفاعل إيجابياً

من المتوقع أن تنخفض العملة المحلية أكثر قبل أن تستقر عند مستوى أقل بكثير. قال محللو "جيه بي مورغان" في مذكرة الشهر الماضي إن سعر الصرف يحتاج إلى تعديل ليصل إلى نحو 700-750 نيرة مقابل الدولار.

اتسم رد فعل الأسواق بالإيجابية حتى الآن، حتى مع استمرار الشكوك بشأن قدرة الحكومة على مواصلة الإصلاحات.

قال باتريك كوران، كبير الاقتصاديين لدى شركة "تيليمر" (Tellimer) ومقرها في لندن: "ما يزال هناك مجال لارتفاع (الأسواق) مدعومة بالتحول الطموح لسياسة تينوبو". و"مع ذلك، يحتاج المستثمرون إلى تحقيق أسعار فائدة إيجابية حقيقية (مرتفعة فوق معدل التضخم) وظهور أدلة على توازن سعر صرف النيرة في السوق وأنه سيكون بمقدورهم تحويل أرباحهم إلى بلدانهم قبل العودة إلى شراء الديون المقومة بالعملة المحلية".

يعمل تينوبو مع رئيس موظفيه ومستشاريه ورئيس البنك المركزي المؤقت وفريق غير رسمي من المقربين الموثوق بهم، إذ لم يعين وزراء حتى الآن.

إصلاح قطاع الطاقة

يدفع فريق الرئيس لإحداث تغييرات كبيرة في قطاع النفط والغاز بالبلاد والتي من شأنها أن تقلل من دور شركة الطاقة الحكومية التي كانت تسعى إلى التوسع في عهد بخاري.

قد تصبح شركة "نيجيريان ناشيونال بتروليوم" (The Nigerian National Petroleum Co) صاحبة حصة أقلية في المشاريع التي تسيطر عليها حالياً، مثل حقول النفط والمصافي، من أجل جمع مليارات الدولارات وتعزيز إنتاج الخام، الذي انخفض إلى أدنى مستوياته على مدى عقود في العام الماضي، وفقاً لتقرير استشاري آخر تم تقديمه إلى تينوبو.

يوم الجمعة الماضي، أقر المجلس الوطني قانوناً من المتوقع أن يؤدي إلى أكبر تغيير في قطاع الكهرباء الذي يعاني من عجز مزمن في الدولة الواقعة غرب أفريقيا منذ ما يقرب من عقدين.

يتطلب الأمر إجراء مزيد من الإصلاحات لوضع الاقتصاد النيجيري على المسار. حذّر أنكو من "أوراسيا غروب" من أن الإدارة ستحتاج إلى "التركيز على الإجراءات الأصعب والتي تستغرق وقتاً طويلاً وخاصة زيادة الإيرادات".

نيجيريا تطرح 7 مناطق للتنقيب عن النفط في المياه العميقة

وفي حين تبتهج الأسواق، فإن تصرفات تينوبو تولد متاعب، في المدى القصير على الأقل، لدى أكبر دول أفريقيا من حيث عدد السكان، حيث يعيش 40% من الناس في فقر مدقع وبلغ التضخم خلال أبريل أعلى مستوياته في 18 عاماً.

توقعات بتشديد السياسة النقدية

أدى قرار تينوبو في يوم التنصيب بإلغاء دعم الوقود فوراً -الذي يرى كثيرون أنه لأسباب مالية- إلى رفع سعر البنزين ثلاث مرات، ما دفع تكلفة النقل إلى مستويات عالية.

قد يؤدي خفض قيمة العملة أيضاً إلى رفع تكاليف المعيشة بالنسبة لعموم الشعب في نيجيريا. وقد يرتفع معدل التضخم بالفعل إلى 29.8% في يونيو من 22.4% في مايو، حيث أدى ارتفاع أسعار البنزين إلى رفع تكلفة الغذاء والنقل، وفقاً لمحللي مصرف "راند ميرشانت بنك" (Rand Merchant Bank).

وقال المحللون إن ارتفاع معدل التضخم قد يجبر البنك المركزي على رفع سعر الفائدة إلى 22% في النصف الثاني بدلاً من 18.5% حالياً.

لماذا تضيّق نيجيريا الخناق على اقتصادها النقدي الضخم؟

رغم إقناع تينوبو فعلياً النقابة العمالية الرئيسية في البلاد بإلغاء الإضرابات الشاملة على مستوى البلاد، ففي مواجهة الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات واسعة النطاق، تم التخلي عن محاولات سابقة لوقف الدعم.