تراجع الطلب على وقود الطائرات يحبط آمال صعود النفط

المحللون يتوقعون استمرار تراجع الطلب على وقود الطائرات عن مستويات ما قبل الوباء لـ3 أعوام مقبلة

صهاريج تخزين الوقود بمستودع شركة "بي تي بيرتمينا" في بلومبانغ، جاكرتا، إندونيسيا
صهاريج تخزين الوقود بمستودع شركة "بي تي بيرتمينا" في بلومبانغ، جاكرتا، إندونيسيا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأ انتعاش قطاع السفر الجوي المنتظر طويلاً العام الجاري في التعثر، في ظل تداعيات وخيمة تشهدها سوق النفط العالمية.

على صعيد آسيا، عرقل التعافي الاقتصادي الصيني المتواضع والقيود على التحليق في المجال الجوي الروسي الانتعاش.

في هذه الأثناء، أعاق نقص الطيارين ومراقبي الحركة الجوية عودة نشاط الطيران الأوروبي بقوة. ورغم أن قطاع السفر الأميركي يشهد طفرة، إلا أن استخدام وقود الطائرات ما يزال أقل من مستويات ما قبل وباء كورونا بفضل الطائرات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود.

تعتبر كافة هذه الأنباء سيئة بالنسبة لشركات إنتاج النفط والمضاربين على الصعود بقطاع الطاقة. لأن عودة العطلات الخارجية والرحلات لأغراض العمل في أعقاب نهاية قيود احتواء وباء كوفيد -19 كانت المحرك الأكبر لنمو الطلب العالمي على النفط الخام خلال 2023.

لكن من المرجح أن تحبط ذروة موسم السفر الصيفي بنصف الكرة الشمالي الآمال في صعود أسعار النفط، ما يفاقم الضغوط على الأسعار رغم جهود تحالف "أوبك+" الأخيرة لتدعيم السوق بواسطة عمليات تخفيض الإنتاج.

طلب ضعيف على وقود الطائرات

أوضح كوين ويسيلز، محلل شركة الاستشارات "إنرجي أسبيكتس" (Energy Aspects): "من المرجح أن يبقى الطلب العالمي على وقود الطائرات بصورة عامة ضعيفاً بالمقارنة مع مستويات 2019 حتى 2024".

تشكل الرحلات لمسافات بعيدة التي تتضمن الصين وجيرانها أكبر حصة من المناطق التي لم تتمكن من العودة لمستويات نشاط 2019، بحسب تقرير حديث نشرته وكالة الطاقة الدولية. تتوقع الوكالة ومقرها باريس أن يشكل الطلب على وقود الطائرات 45% من نمو الطلب العالمي للنفط العام الجاري.

رغم ذلك ما يزال وقود الطائرات يقود نمو استهلاك النفط العام الجاري، إذ يسهم بما يتجاوز مليون برميل يومياً، بحسب يوجين ليندل، رئيس وحدة المنتجات المكررة في شركة استشارات القطاع "إف جي إي" (FGE). وأضاف أنه من المنتظر انخفاض استهلاك شركات الطيران بمقدار 700 ألف برميل يومياً خلال 2023 بالمقارنة مع 2019، مشيراً إلى تراجع عدد الرحلات الدولية بما فيها الصين علاوة على كفاءة استهلاك وقود الطائرات.

انتعاش السفر والترفيه في الصين بعد إلغاء سياسة "صفر كوفيد"

أشار مايور باتيل، رئيس وحدة آسيا في شركة "أو إيه جي إفيايشن" (OAG Aviation)، إلى أن "أكبر نقطة ضعف تأتي من الصين"، مضيفاً أن تأثيرها كان يمتد لمواقع أخرى على نطاق أوسع.

فضلاً عن ذلك، بقيت أحد أكثر المسارات كثافة لاستهلاك الوقود حول العالم والتي تربط بين الولايات المتحدة الأميركية والصين عند الحد الأدنى جراء القيود المفروضة على التحليق داخل المجال الجوي الروسي. ما زالت سعة الرحلة من أميركا الشمالية للصين أقل بما يزيد عن الثلث مقارنة بمستويات 2019، بحسب شركة الاستشارات "بين أند كو" (Bain & Co).

صرح آلان شولت، رئيس وحدة شركات الطيران والخدمات اللوجستية والنقل في آسيا والمحيط الهادئ لدى "بين أند كو" خلال مقابلة: "كانت مجموعة من أكبر الطائرات تقوم عادة بهذه الرحلات، وتستهلك كميات هائلة من الوقود". وتابع أن وصول الطلب لمستويات ما قبل الوباء قد يستغرق 3 أعوام.

أجواء غير مشجعة للطيران

على صعيد أوروبا، من المتوقع أن يؤدي نقص الطيارين ومراقبي الحركة الجوية إلى تقويض انتعاش استهلاك وقود الطائرات بالمنطقة، بحسب ويسيلز من "إنرجي أسبيكتس" الذي نوه إلى أنه من المتوقع أن يقل الطلب بنسبة 8% عن مستويات 2019 خلال الفترة من أبريل الماضي إلى سبتمبر المقبل.

أما في الولايات المتحدة الأميركية، التي ارتفع عدد المسافرين جواً بها لأعلى مستوى موسمي منذ 5 أعوام، فكان الطلب على وقود الطائرات أقل من المتوقع. وتراجع الطلب أوائل يونيو الجاري إلى 15% دون مستويات 2019، وقلص خبراء التنبؤات الحكوميون التوقعات للعام الجاري إلى 4% أقل من مستوى ما قبل 4 أعوام.

المجلس الدولي للمطارات: قطاع السياحة والسفر ينمو 5.6% سنوياً خلال العشر سنوات المقبلة

كل هذا يجري في ظل ظروف التغييرات التشغيلية في قطاع الطيران ما يؤثر على استهلاك الوقود.

تسمح بعض أبراج مراقبة الحركة الجوية الأميركية بإجراءات توفير الوقود المعروفة باسم "مسار الصعود والهبوط المستمر"، وهي أكثر كفاءة بالاستهلاك من التغييرات المتتابعة للارتفاع. يوجد تكتيك آخر يتضمن استخدام طائرات أكبر للمسارات الإقليمية. ويتصاعد هذا الاتجاه بعدما دفع نقص أعداد مراقبي الحركة الجوية الأميركيين إدارة الطيران الفيدرالية إلى مطالبة شركات الطيران باستخدام طائرات ذات أحجام أكبر، والتي تكون عموماً أعلى كفاءة في استهلاك الوقود مقارنة بالطائرات الصغيرة.

خلال العقود الماضية، أصبحت الطائرات فعلاً أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة عن طريق تصميمات تأخذ بعين الاعتبار عوامل على غرار: الهندسة البشرية، واستخدام هياكل الطائرات، والاستعانة بمواد لتصنيع المحرك تحد من قوة السحب. وسرَّعت ضغوط الوباء هذا التوجه.

أكدت ليندا جيسيك، رئيسة قسم تحليل الطلب في شركة الاستشارات "إي إس إيه آى إنرجي" (ESAI Energy): "تحد تحسينات كفاءة الاستهلاك من تعافي الطلب على وقود الطائرات الأميركية، ووصوله إلى مستويات ما قبل وباء كورونا".

كفاءة استهلاك وقود الطائرات

تحسنت كفاءة استهلاك الوقود للأساطيل الأميركية 4% خلال 2021، أي ضعف المتوسط السنوي المعتاد، بحسب جون هايمليش، كبير خبراء الاقتصاد برابطة "إيرلاينز فور أميركا" وهي مجموعة ضغط بالقطاع. يعزى ذلك إلى أن قيود السفر لاحتواء مرض كوفيد تسببت في هبوط هائل للطلب، ما اضطر طائرات قديمة عديدة للخروج من الخدمة مبكراً.

أوضح أليخاندرو بلوك من اتحاد النقل الجوي "إياتا" (IATA)، في مقابلة أن الطائرات التي ستدخل الخدمة بالوقت الراهن تتمتع بكفاءة أكبر في استهلاك الوقود بنسبة من 15% إلى 20% في المتوسط مقارنة بالأسطول الحالي، ومن المتوقع تضاعف هذه التحسينات خلال الـ15 عاماً المقبلة. لكن رغم هذه التطورات، يتوقع بلوك أن يبقي استهلاك وقود الطائرات قوياً.

واختتم الخبير الجوي، الذي يشغل منصب مدير وحدة مصادر الطاقة والتكنولوجيات الجديدة في اتحاد النقل الجوي الدولي: "تخطى نمو السفر الجوي التأثيرات الناجمة عن تحسن كفاءة استهلاك الوقود. ولذلك؛ أتوقع مواصلة استهلاك مزيد من وقود الطائرات لبضعة أعوام أخرى على أقل تقدير".